هل يمكن للغرب أن يوقف التقارب الروسي الإيراني؟
أكتوبر 03, 2023ألكس فاتانكا, عبد الرسول ديفسلار
ألكس فاتانكا, عبد الرسول ديفسلار
بعد مرور أكثر من عام على بداية حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لم تعد العلاقات الروسية-الإيرانية كما كانت. بينما لا تزال العلاقات الثنائية تتسم بالتركيز الشديد على الأمن والدفاع، يفتح الجانبان مجالات جديدة متعددة للتعاون أيضًا. أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في زيارته لموسكو في 29 مارس/آذار، أن الطرفين بصدد وضع اللمسات الأخيرة على "اتفاقية تعاون استراتيجي طويلة الأمد"، وهي وثيقة ستحل محل اتفاق مماثل تم توقيعه في عام 2001 من قِبَل الرئيس الإيراني آنذاك، محمد خاتمي.
في الواقع، تقدم وثيقة السياسة الخارجية، التي أصدرتها روسيا مؤخرًا، بعض الأدلة على شمول العلاقات الروسية-الإيرانية المُستقبلية. وتدعو الوثيقة إلى "تطوير تعاون واسع النطاق وموثوق مع جمهورية إيران الإسلامية"، وتسمية إيران الدولة الأولى بين دول العالم الإسلامي.
كانت الحرب في أوكرانيا نقطة تحول لعلاقات موسكو وطهران. زعم وزير الخارجية أمير عبد اللهيان أن التجارة بين البلدين تضاعفت في عام 2022، بينما قال وزير المالية الإيراني إحسان خاندوزي إن روسيا استثمرت 2.76 مليار دولار في البلاد خلال السنة المالية الحالية، لتصبح أكبر مستثمر أجنبي في إيران. تعمل موسكو وطهران معًا على جبهات متعددة، وتسهيل التجارة والأعمال الثنائية، وتسريع استكمال طرق العبور (بما في ذلك ممر عبور بين الشمال والجنوب وخاصة الجزء المتعلق ببحر قزوين)، وربط أنظمتهما المصرفية لتسهيل المعاملات المالية. تهدف كل هذه الإجراءات إلى مواجهة العقوبات الغربية، وتعزيز الأطر متعددة الأطراف خارج المؤسسات الغربية.
لكن ما الذي يدفع موسكو وطهران إلى الاستثمار في تعزيز علاقاتهما الثنائية بالنظر إلى جميع المخاطر والتكاليف المحتملة؟ وهل يمكن أن يؤدي تضارب المصالح والمنافسة إلى حدوث صدع في هذه العلاقة المزدهرة؟ وماذا الذي يمكن أن يفعله الغرب حيال ذلك؟
ما الذي يجمع روسيا وإيران معًا؟
يكمن جوهر هذا التعاون الجديد في تصور الدولتين الاستبداديتين للضغوط الخارجية والداخلية والشعور بالحاجة الملحة. ينظر كلا منهما إلى الغرب على أنه تهديد مشترك من ناحيتين على الأقل. أولاً، تشترك موسكو وطهران في التصور القائل بأن القوى الغربية تحد من حريتهما في العمل على المسرح الدولي، وقدرتهما على الدفاع عن مصالحهما الأمنية الأساسية من خلال عزلهما واستبعادهما.
ثانيًا، يتهم كلاهما الغرب بأنه الداعم الرئيسي للانتفاضات والحركات الاحتجاجية التي تستهدف سلطة الدولة، وتهدف إلى تسهيل تغيير الأنظمة في الداخل. يُنظر إلى الغرب بالمثل في كل من موسكو وطهران على أنه أخطر عدو للدولة. في هذا السياق، تشارك كلتا العاصمتين نفس وجهات النظر حول استقرار الدولة وأمن النظام. كما أنهم يتفقا على مصدر التهديدات المحتملة، ويشتركا في مظالم مماثلة بشأن ما يعتبرونه أفعال الغرب غير العادلة.
يُعتبر تصور موسكو وطهران للتهديد المشترك والتعاطف الاستراتيجي في صميم ما يجمعهما. ومع ذلك، كما هو الحال في العديد من مجالات السياسة الخارجية الأخرى، هناك انقسام عميق داخل النظام الإيراني فيما يتعلق بقيمة ومدى الوثوق في روسيا كشريك استراتيجي. ومن غير المُرجح أن تختفي هذه الفجوة في أي وقت قريب، وهي حقيقة تدركها القوى الغربية، وستسعى للاستفادة منها.
بالنسبة للمتشددين في طهران، فإن توثيق العلاقات مع موسكو هو ضمانة ضد الغرب. بالنسبة لهم، المعادلة بسيطة: أي تحسن في العلاقات بين إيران والغرب سيكون خسارة للمعسكر المتشدد في طهران، بما في ذلك الحرس الثوري ومصالحه السياسية والاقتصادية العديدة.
على النقيض من ذلك، يعتقد ما يسمى بالجناح المعتدل/البراجماتي في النظام الإيراني والغالبية العظمى من الجمهور الإيراني أن روسيا ليست حليفًا طبيعيًا أو شريكًا استراتيجيًا مناسبًا للتعاون الاقتصادي. وبدلاً من ذلك، فإن العلاج الوحيد لعزلة إيران الدولية ومشاكلها الاقتصادية هو إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 على الأقل. لقد كان تردد هذا الفصيل بشأن روسيا واضحًا لبعض الوقت، وتم التعبير عنه مؤخرًا عندما زار الرئيس إبراهيم رئيسي موسكو في يناير/كانون الثاني 2022. حينها قال المشككون داخل طهران إنها كانت مجرد رحلة سعيدة للمعسكر المتشدد، الذي سيكتشف قريبًا أن ذلك الوعد بإقامة علاقات استراتيجية مع روسيا ليس سوى حلم بعيد المنال.
لكن على الرغم من هذه الانقسامات، مع سيطرة المتشددين على جميع أدوات السلطة في طهران، فإن ميزان القوى المحلية داخل النظام يميل لصالح روسيا. من وجهة نظر المرشد الأعلى علي خامنئي، يواجه هو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديدًا مشتركًا، مما يجعل إيران وروسيا حليفين طبيعيين، يجب أن يحشدا الموارد لحماية أنفسهما في بيئة استراتيجية معادية. وبالتالي، فإن أي تضارب في المصالح أو مشاكل قد تعترض طريق هذا التحالف يُنظر إليها باعتباره طفيفة، ويجب حلها من أجل الهدف الاستراتيجي الأكبر: ضمان أمن الدولة. يفسر هذا النهج سبب تقدم التعاون الروسي-الإيراني، على الرغم من تضارب المصالح في قطاع الطاقة، حيث يتنافس البلدين على حصة أكبر في السوق. وعلى الرغم من وجود فقط الحد الأدنى من الدعم الشعبي لشراكة أقوى، فإن التعاون الروسي-الإيراني يتقدم.
وجهة النظر السائدة في موسكو وطهران هي أن عدم التعاون قد يكون مكلفًا لكلا الدولتين، في حين أن هناك الكثير من الفرص في حال عملتا معًا. وبهذه الطريقة فإن الديناميكيات الأخيرة جعلت كلا البلدين معتمدتين على بعضهما البعض أكثر من أي وقت آخر. أي فشل لروسيا بوتين، سيكون خسارة استراتيجية للجمهورية الإسلامية، لأنها ستفقد داعمها الأساسي على الساحة الدولية.
تعتقد القيادة في طهران أن الحرب في أوكرانيا وتدهور العلاقات بين روسيا والغرب يمكن أن تنتهي بمد روسيا لمظلتها الأمنية لتشمل إيران إذا لعبت طهران دور المساعد لها بشكل جيد. عندما يتعلق الأمر بالملف النووي، يصعب في هذه المرحلة تخيل دعم روسيا لأي مبادرة غربية ضد إيران في مجلس الأمن، التي تترأسه روسيا حاليًا. يمنح هذا طهران وقتًا كافيًا للتقدم في المراحل الرئيسية لبرنامجها النووي، والتي تعتبر ضرورية للتسليح إذا اتخذت قرارًا سياسيًا بصناعة قنبلة نووية في المستقبل.
بالمثل، فإن سقوط الجمهورية الإسلامية سيكون بمثابة ضربة لعداء روسيا تجاه الغرب لأنه سيحرم موسكو من شريك في تقاسم الأعباء كان فعالاً في مقاومة النفوذ الأمريكي على الأطراف الجنوبية لروسيا. وبالتالي، يمكن لموسكو أن تشعر بالأمان من الجنوب بأقل تكلفة طالما أن النظام المعادي للولايات المتحدة يحتفظ بالسلطة في طهران. بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وبدافع من الضرورة، جزئيًا، أصبحت موسكو أكثر وعيًا بقيمة الجمهورية الإسلامية في تعزيز مصالح أمنها القومي.
في هذا السياق، في حين لا يوجد التزام رسمي بين موسكو وطهران لإنشاء تحالف كامل، هناك التزام غير مكتوب، على مستوى الدولة العميقة في الغالب، بالحماية المتبادلة.
هل ستؤدي العقبات إلى عرقلة التعاون؟ حالة قطاع الطاقة
كانت العقبات الناجمة عن المنافسة وتضارب المصالح بين موسكو وطهران قد حالت في السابق دون إقامة علاقات أوثق بين الجانبين. لكن هل سيستمر تضارب المصالح في موازنة مساعي موسكو وطهران لتوسيع التعاون؟ يعد قطاع الطاقة مثالًا جيدًا لإلقاء نظرة فاحصة على هذه المسألة.
حتى عام 2022، كانت الشركات الروسية حذرة بشأن التعامل مع إيران لأن لديها مصالح واسعة في الغرب، وتخشى العقوبات الأمريكية على إيران. لكن هذه الديناميكية تغيرت بشكل كبير في عام 2022. في يوليو/تموز من ذلك العام، عندما زار بوتين طهران، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية اتفاقية بقيمة 40 مليار دولار لتطوير قطاعي النفط والغاز في إيران. وبحسب مصادر الطاقة الإيرانية، فإن الاتفاقية مُصممة لتغطية مشاريع التنمية في عدد من حقول النفط والغاز في إيران.
يُقال إن قائمة المشاريع تشمل استثمارًا بقيمة 10 مليارات دولار في حقل غاز الشمال [حقل غاز بارس الشمالي]، والذي من المُقرر أن يسلم الغاز بحلول عام 2026. كان هذا الحقل، القريب من أكبر حقل للغاز في إيران، وهو حقل غاز بارس الجنوبي، في السابق مشروعًا تم منحه لشركة صينية، ولكن هذا المشروع مُعلق الآن. ومع ذلك، عند النظر بدقة، تثير الصفقة عددًا من الأسئلة الواضحة.
وفقًا لشركة النفط الوطنية الإيرانية، من المقرر أن تركز الشراكة الجديدة مع شركة غازبروم على استكمال "مصنع الغاز الطبيعي المُسال غير المُكتمل في إيران". بدأ العمل في مصنع الغاز الطبيعي المُسال هذا، الواقع في محافظة بوشهر، قبل 15 عامًا، وتم تعليقه لأن العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة حالت دون اكتماله، على الرغم من أن إيران قد استثمرت بالفعل 2.5 مليار دولار في هذا المشروع.
ومن المفارقات، أن محطة بوشهر للغاز الطبيعي المُسال قد مُنحت لشركة غازبروم لإكمالها في عام 2017، لكن الشركة الروسية انسحبت من المشروع بعد أن أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات على إيران في عام 2018. وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات جدية حول موثوقية شركة غازبروم كشريك استراتيجي لاستكمال مشروع اقتصادي إيراني رئيسي مثل هذا.
لا تزال إيران مُتخلفة عن دولة قطر المجاورة عندما يتعلق الأمر بتوسيع قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي المُسال. يشترك البلدان في حقل غاز بارس الجنوبي/القبة الشمالية، الذي يهدف لتغذية محطة بوشهر للغاز الطبيعي المسال بالغاز. قطر متقدمة على إيران، في عام 2022، تساوت قطر مع الولايات المتحدة كأكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي المُسال. لدى الدوحة أيضًا خطط هائلة لتوسيع قدرتها التصديرية للغاز، وفي عام 2022 اختارت شركات إكسون موبيل وتوتال وكونو فيلبس لتحقيق هذا الطموح. في نفس الوقت، فشلت إيران، إلى حد كبير، على مدار العشرين عامًا الماضية في جذب أي استثمار أجنبي كبير في جانبها من حقل الغاز المشترك، وذلك بسبب العقوبات، وافتقار طهران المزمن للتخطيط الاقتصادي الجاد.
يعتقد رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خوجاسته مهر، بشكل أساسي، بأن العقوبات الغربية الجديدة على موسكو تجعل من غير المُرجح أن تنسحب شركة غازبروم مرة أخرى من الصفقة. على حد تعبيره، "لن تضر العقوبات [الغربية] بـ [صفقة 40 مليار دولار] وعقودها اللاحقة، لأن إيران وروسيا قررتا [متابعة] العلاقات الاستراتيجية في ظل العقوبات". هذا اعتراف مفتوح بأن الحقائق الجيوسياسية، وليس المنطق التجاري، هي التي تدفع التعاون الروسي-الإيراني الجديد في قطاع الطاقة. أثارت مثل هذه التصريحات الشكوك حول أهمية واستمرارية الصفقة.
في ضربة واضحة لكل من غازبروم وقيادة شركة النفط الوطنية الإيرانية، طرح رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية، حميد رضا صالحي، سؤالا عما إذا كانت موسكو مستعدة لمساعدة إيران في بناء البنية التحتية اللازمة لتصدير غازها إلى الأسواق الأوروبية. كما شكك صالحي في منطق توقع استثمار شركة غازبروم في البنية التحتية للغاز الطبيعي المُسال في إيران لأنه، على حد تعبيره، "لدى الشركة خبرة قليلة في تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز طبيعي مُسال وشحنه"، مضيفًا أنه "يجب على إيران الانتظار لمعرفة ما إذا كان الروس جادين في الاستثمار [في إيران]".
يثير صالحي نقطتين مهمتين انعكسا في كثير من الانتقادات في طهران بشأن صفقة شركة النفط الوطنية الإيرانية وغازبروم. القضية الأولى مرتبطة بسياسات تجارة الطاقة على عكس قطر، لم تتخذ إيران أبدًا قرارًا استراتيجيًا لإعطاء الأولوية لتطوير صناعة الغاز الطبيعي المُسال، كما أنها لم تركز على أوروبا المُتعطشة للطاقة كسوق تصدير رئيسي.
كان هناك دائمًا شك أن موسكو تمارس ضغوطًا على طهران للبقاء خارج سوق الغاز الأوروبية حتى اندلاع حرب أوكرانيا، قدم الروس ما يقرب من نصف الغاز الذي استهلكه الأوروبيون. ببساطة، لم تكن لدى موسكو أي رغبة في رؤية طهران تبرز كمصدر بديل للطاقة لأوروبا. الروس لا يمنعون الغاز الإيراني من الوصول إلى أوروبا فحسب، بل يعارضون أيضًا مشاريع الغاز من دول مثل تركمانستان، التي قد تمر عبر إيران وتركيا في طريقها إلى أوروبا. هذا هو النقد الذي تردد في طهران على الأقل.
في صراعه ضد الغرب، أشار بوتين صراحة إلى صادرات الطاقة كسلاح. وأشار إلى أن صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا يمكن أن تظل عند مستويات منخفضة بشكل حاد. بل إن المفوضية الأوروبية حذّرت من أنه قد يكون هناك توقف تام في تسليم الغاز الروسي إلى أوروبا. في مواجهة مثل هذه المنافسة الجيوسياسية الشديدة، والتي يمكن أن تطول لسنوات قادمة، لا يوجد أي سبب على الإطلاق لدى روسيا لمساعدة إيران على تحديث بنيتها التحتية للطاقة مع وضع الأسواق الأوروبية في الاعتبار كوجهة مُحتملة للنفط والغاز.
في الواقع، المشككون في طهران محقون في افتراض أن العكس هو أكثر منطقية بالنسبة لموسكو - أن الروس يتعهدون بالاستثمار في مشاريع النفط والغاز الإيرانية، ولكن فقط للسيطرة عليها. وهذا من شأنه أن يمنح روسيا القدرة على إبطاء ظهور إيران كمصدر بديل للنفط والغاز للأسواق الأوروبية، وبالتالي تحل محل روسيا.
هناك بالفعل علامات واضحة على هذه المنافسة بين إيران وروسيا. يعتقد بعض المسؤولين الإيرانيين في صناعة النفط والغاز أن هناك طريقة واحدة فقط لإيران للتعامل مع التهديد الروسي بالسيطرة على أسواق تصدير النفط في آسيا. بدلاً من التنافس مع الروس في آسيا من خلال تقديم أسعار مُخفضة لنفطها، يجب على إيران أن تتطلع إلى تصدير المزيد من النفط إلى أوروبا.
المدافعون عن علاقات أوثق في مجال الطاقة مع روسيا، من ضمنهم خامنئي نفسه وكبار قادة الحرس الثوري، ينظرون إلى المُتشككين في طهران على أنهم يغفلون آخر التطورات، تعتبر هذه المجموعة المؤثرة حرب أوكرانيا لحظة فارقة في صراع ملحمي بين الغرب والدول غير الغربية، مثل روسيا والصين وإيران.
إنهم يطرحون الحجة القائلة بأن طهران بحاجة إلى التفكير بشكل كبير فيما يتعلق بتوافقاتها الدولية، وعدم إعطاء الأولوية للمكاسب الاقتصادية التكتيكية على حساب العلاقات السياسية الأعمق مع موسكو. إن ابتعاد روسيا عن الغرب على المدى الطويل هو أمر مغرٍ سياسياً لخامنئي لأنه، في رأيه، سيؤدي إلى إضعاف الغرب، ورفع مكانة العالم غير الغربي.
طريقة أخرى للنظر في الأمر هي أن خامنئي يرى أن انشقاق روسيا عن الغرب يساعد بشكل مباشر الجمهورية الإسلامية على البقاء كنموذج سياسي مناهض للولايات المتحدة. وبالنسبة لخامنئي والحرس الثوري، فإن بقاء الجمهورية الإسلامية، الذي يمكن لروسيا أن تساعد فيه من خلال الدعم الدبلوماسي للنظام والتعاون العسكري والأمني، هو أهم بكثير من الاستغلال الاقتصادي للحظة تتراجع فيها سيطرة روسيا على أسواق النفط والغاز الأوروبية تحت الضغط.
بهذه الطريقة، وعلى النقيض من الحكمة التقليدية القائلة بأن المنافسة الناتجة عن تضارب المصالح من المُرجح أن تحد من التقارب الروسي-الإيراني، يعتقد كلا الجانبين أن القيمة الاستراتيجية طويلة المدى للتعاون تبرر التنازلات الاقتصادية. لهذا السبب، يصعب على الغرب الاعتماد على الانقسامات والخلافات بين موسكو وطهران كوسيلة لعرقلة الشراكة.
يواجه الغرب مهمة صعبة في المستقبل
على المدى القصير، يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تستطيعان فعل الكثير لمنع موسكو وطهران من تطوير علاقات أوثق. هذا بسبب طبيعة تعاونهما، الذي يساعد على تهدئة المخاوف من التهديد الوجودي بين النخب في كلا البلدين. بدون إبرام اتفاق نووي جديد، ومع استمرار الجمهورية الإسلامية في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وقتل المتظاهرين الأبرياء، يبدو أن التطبيع مع القيادة الحالية في طهران أمرًا بعيد المنال.
بالنسبة للقوى الأوروبية، ستكون سياسة الضغوط القصوى والمزيد من الإجراءات القسرية خيارات مطروحة على الطاولة، مما يعظّم من تصور الجمهورية الإسلامية للتهديد، ويساعد على تبرير التوجه نحو روسيا. يمكن رؤية نمط مُماثل على الجانب الروسي أيضًا، لقد منع العدوان الروسي في أوكرانيا أي فرصة للتطبيع، على المديين القريب إلى المتوسط، مع الغرب. وبدلاً من ذلك، فإن الضغط الغربي على نظام بوتين يعزز المنطق الاستراتيجي وراء صداقة موسكو مع الجمهورية الإسلامية.
ببساطة، طالما أن الغرب يعتمد على حملة الضغوط التي يمارسها ضد روسيا وإيران، فمن المرجح أن تسعى موسكو وطهران إلى مزيد من التقارب كرد جماعي. ومع ذلك، على المدى المتوسط، هناك العديد من الاتجاهات السياسيات التي يمكن أن تساعد الحلفاء الغربيين على إدارة توسع المحور الروسي-الإيراني.
أولاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع الصين بشأن هذه القضية. هناك شكوك حول ما إذا كانت القيادة الصينية راضية عن الآثار المزعزعة لعلاقات روسية-إيرانية وثيقة، خاصة التأثير المحتمل على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. في الواقع، بينما تعمل روسيا وإيران بشكل متزايد كمفسدين، تتقارب المصالح الصينية والأمريكية، حيث يرى كلاهما قيمة الاستقرار الإقليمي في الخليج الفارسي والشرق الأوسط الكبير.
ثانيًا، يجب أن يواصل التحالف الغربي استراتيجية رفع تكاليف تقديم المساعدة الأمنية لروسيا على إيران. إلى جانب البيانات السياسية شديدة اللهجة والعقوبات الأوروبية الرمزية، يحتاج الغرب إلى إرسال إشارات عسكرية استراتيجية أكثر وضوحًا إلى طهران. يمكن لحلف الناتو أن يلعب دورًا حاسمًا في هذه العملية من خلال تقليل الفوائد الأمنية، التي قد تحصل عليها طهران من الشراكة مع موسكو.
يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال مناورات حلف الناتو التكتيكية في الخليج الفارسي، بما في ذلك تعزيز الشراكات مع الدول العربية في محاولة لتسليط الضوء على العواقب الوخيمة للتدخل الإيراني في الشؤون الأمنية الأوروبية. في حين أن منطقة الخليج ليست أولوية قصوى في المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو لعام 2022، إذا اتبع الحلف دبلوماسية عامة أكثر نشاطًا، وقدم عرضًا أكبر للقوة في المنطقة، فقد يقنع هذا طهران بأن دعم موسكو لن يزيد من أمنها على المدى القصير.
ثالثًا، وأخيرًا، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على التعاون الفني مع روسيا بشأن القضية النووية الإيرانية. يعتبر هذا الأمر أكثر أهمية الآن، حيث أظهر التحليل الأخير أن روسيا تتبنى سياسة أكثر تكيفًا تجاه برنامج إيران النووي. يمكن أن يساعد هذا التعاون في ردع روسيا عن استخدام برنامج إيران النووي كجزء من استراتيجيتها الأكبر لسياسة حافة الهاوية النووية.
لكن الأهم من ذلك، هو أن مثل هذا التعاون يدفع موسكو للالتزام بتعهداتها المُتعلقة بعدم الانتشار، ويأخذ في الاعتبار المخاطر طويلة المدى للجمهورية الإسلامية النووية. تستفيد روسيا من الاعتراف بها كشريك في هذه العملية، ولكن هناك فوائد استراتيجية أكثر أهمية للغرب من الحفاظ على الحوار مع موسكو فيما يتعلق بمستقبل برنامج إيران النووي.
أليكس فاتانكا هو المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، وهو متخصص في شؤون الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، مع التركيز بشكل خاص على إيران.
عبد الرسول ديفسلار هو عالم سياسة يدرس نظام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، مع التركيز على إيران. وهو أستاذ زائر لدراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولي في جامعة كاتوليكا ديل ساكرو كور في ميلانو، وباحث غير مقيم في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط.
تصوير يوري كوشيتكوف/وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي ايماجيز