نهجٌ بقيادة الفلسطينيّين لليوم التالي في غزّة
يوليو 23, 2024
لاري غاربر
سيلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارة الأخير إلى واشنطن هذا الأسبوع. وممّا لا شكَّ فيه أنَّهما سيُركِّزان في مباحثاتهما على مسألة إنهاء النزاع، وإطلاق سراح الرهائن، وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزّة. إلَّا أنَّ الاجتماع سيُتيح الفرصة أيضًا لمواصلة النظر في السيناريوهات الممكنة "لليوم التالي" وأفضل السُّبُل لتعزيز الأصوات الفلسطينية المعتدلة في إطار الجهود الرامية إلى إعادة إعمار غزّة.
طُرِحَ عددٌ من الخطط لإدارة مرحلة ما بعد النزاع. ويدعو أحد أبرز الاقتراحات إلى "إنشاء سلطة متعدّدة الجنسيات تضمّ دولًا من المنطقة ومن خارجها لإدارة غزّة لفترةٍ مؤقّتة". ولكنَّ استعداد دول المنطقة للمشاركة في مثل هذا المسعى ما زالَ غير مؤكّدٍ في غياب جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية، الأمر الذي تستمرّ إسرائيل في رفضه. بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى البُعد الاستعماري الحديث الذي قد يتّصف به هذا المسعى، سيكون من الصعب الحصول على تفويض دولي رسمي من خلال الأمم المتّحدة. بالتالي، فإنَّ إنشاء إدارة مدنية دولية واسعة النطاق، بدلًا من فرض شكل من أشكال القوّة الأمنية الدولية، لا ينبغي النظر فيه إلّا في حال عدم وجود خيارات فلسطينية قابلة للتطبيق.
يتمثّل أحد تلك الحلول البديلة في السلطة الفلسطينية. ولكنْ، منذ عام 2007، تخضع غزّة لسيطرة حركة "حماس" بحُكم الأمر الواقع. في المقابل، يُنظَر إلى السلطة الفلسطينية على نطاق واسع على أنَّها فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة وتعجز عن تلبية احتياجات السكان الأكثر إلحاحًا. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإنَّ غالبية الفلسطينيين في غزّة لا يريدون أن تتولّى السلطةُ الفلسطينيةُ السيطرة على القطاع بشكلها الحالي. وعلى الرغم من اتّفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" الذي تمّ التفاوض عليه في بيجين، لا يزال الفلسطينيون غير واثقين بقدرة السلطة الفلسطينية على تشكيل حكومة توافقية جديدة تنال المصداقية المطلوبة في الإطار الزمني اللازم لتؤدّي دورًا تفاوضيًّا وتنسيقيًّا فعّالًا لتلبية الاحتياجات العاجلة لسكّان غزّة.
أمّا إسرائيل فطرحت من جهتها فكرة إنشاء "جيوب" إدارية يقودها زعماء فلسطينيون محلّيون موثوقون ويُعتبَرون غير خاضعين لتأثير "حماس". ولكنْ، من المرجّح أن يخشى الزعماء المحلّيون التعامل مع الإسرائيليّين، خوفًا من أن ينظر إليهم الفلسطينيون الآخرون كعملاء لإسرائيل ومن إثارة حفيظة "حماس" والميليشيات الأخرى التي لا تزال ناشطة في غزّة.
وثمّة خيار ثالث يكمُن في أن يتولّى زعماء فلسطينيون ذوو سمعة جيّدة وغير حزبيّين في غزّة تنظيم مجلس إقليمي مؤقّت. يعمل هذا المجلس وفقًا لبرنامج محدَّد يقتصر على وضع الأولويات لفترة ما بعد النزاع مباشرةً وتعيين "هيئة تنفيذية انتقالية مؤقّتة" تضمّ خمسة إلى تسعة أعضاء لتلبية الاحتياجات العاجلة للسكّان والتواصل مع الجهات المعنيّة الخارجية. وتبقى القضايا السياسية والوطنية الأوسع بعُهدة "منظّمة التحرير الفلسطينية"، بما في ذلك تحديد الجهات التي ينبغي تمثيلها بأعضاء داخل المنظّمة والموقف الذي يجب اتّخاذه في ما يتعلّق بالمفاوضات المستقبلية مع إسرائيل.
مَنْ سيتولّى تشكيل المجلس الإقليمي؟ يُفترَض أن تُسنَد هذه المهمّة إلى شخصية "محلّية" مرموقة تحظى بالمكانة والمصداقية اللازمتَيْن، ولديها استعداد لتولّي الصدارة، وتمتلك الخبرة اللازمة للحصول على تفويض من المجموعات المعنيّة لتمثيلها، وتتمتّع بالقدرة على تحديد شروط المشاركة. وكبديلٍ عن ذلك، يمكن أن تُعيِّن السلطة الفلسطينية الجهة التي ستتولّى تشكيل المجلس، من دون أن تُشارِك مباشرةً في اختيار أعضائه والتحكُّم بعمله. والحافز الذي قد يدفع السلطة الفلسطينية إلى دعم هذا الجهد هو تهميش "حماس" ومنح السلطة الفلسطينية الوقت الكافي لإعادة تأسيس مصداقيتها ودورها في نظر سكّان غزّة.
مَنْ هم أعضاء هذا المجلس؟ قبل السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، كانت غزّة تتضمّن عددًا كبيرًا من منظّمات المجتمع المدني والروابط المهنية وهيئات القطاع الخاصّ والجامعات وغيرها من المؤسّسات التي يقودُها أصحاب المؤهّلات العالية الذين يمثّلون المجتمع الغزّاوي عمومًا. ولضمان استقلالية المجلس وتهدئة المخاوف من خضوعه لسيطرة "حماس"، يجب أن تُشدِّد الجهة التي ستتولى تشكيله على عدم مشاركة أيٍّ من الأجنحة العسكرية لأيِّ فصيل فلسطيني في المجلس الإقليمي، على أن يلتزم أعضاء المجلس خَطِّيًّا بالتركيز حصرًا على التعافي وإعادة الإعمار في غزّة.
كيف تتعامل الهيئة التنفيذية الانتقالية المؤقّتة مع السلطة الفلسطينية؟ سوف تُنسِّق الهيئة التنفيذية الانتقالية المؤقّتة مع جهة اتّصال تُعيِّنها السلطة الفلسطينية لتعزيز شرعية الهياكل المؤسّسية الفلسطينية القائمة. ولكنْ، خلال هذه الفترة الانتقالية، سوف تكون الهيئة التنفيذية الانتقالية المؤقّتة مسؤولةً عن التواصل مع الجهات الخارجية، والإشراف على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر والمشاريع الأخرى على المدى البعيد، فضلًا عن إنشاء آليات فعّالة لضمان الشفافية والمساءلة. ومن شأن هذا الهيكل المتشعّب أن يمنح للسلطة الفلسطينية الفرصة لإجراء الإصلاحات السياسية الداخلية الضرورية التي طالَ انتظارُها، وذلك من دون إبطاء عملية إعادة بناء الاقتصاد الأساسية في غزّة التي يجب أن تبدأ في أسرع وقت ممكن.
لتسهيل عمل الهيئة التنفيذية الانتقالية المؤقّتة، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تُسنِد إليها الموظّفين الغزّاويين الذين لا يزالون على قائمة رواتب السلطة الفلسطينية منذ عام 2007 بعد خضوعهم للتقييم المناسب. وستواصل هيئات السلطة الفلسطينية التي تعمل في غزّة منذ عام 2007، مثل "سلطة المياه الفلسطينية"، عملها كما في السابق، لكنَّها ستطلب الدعم لتلبية احتياجات إعادة الإعمار من خلال الهيئة التنفيذية الانتقالية المؤقّتة.
على الرغم من الإجماع على أنَّه من غير الممكن إجراء انتخابات في القريب العاجل، يحتاج سكّان غزّة والضفّة الغربية إلى ضمانات تكفل إجراء الانتخابات في غضون أفق معقول وبموافقة جميع الفصائل الرئيسية. ويحظى هذا المطلب الأساسي بأهمّية خاصة في حالة غزّة، حيث امتنع أكثر من 60 في المئة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا عن المشاركة في أيّ انتخابات. بالتالي، ومن أجل التأكيد على الوضع المؤقّت للهيئة والإسراع في تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات موثوقة، سوف تدعم الهيئة عمل لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية. وبعد إجراء الانتخابات، تُحَلّ الهيئة.
في الوقت الحاضر، لم يكتسب هذا النهج الرامي إلى تمكين أهل غزّة زخمًا كبيرًا. فغالبية سكّان غزّة منشغلون بطبيعة الحال بضمان أمن عائلاتهم وأصدقائهم وسلامتهم في ظلّ القصف المستمرّ، والتشرُّد، والبحث عن الغذاء والدواء والمأوى، وهو الواقع الذي يعيشونه منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر. ولا يمكن تجاهُل الخوف من انتقام "حماس" من أيّ شخص يُبدي موقفًا سياسيًّا مستقلًّا.
ولكنْ، في حال هدوء الأوضاع بعد وقف إطلاق النار المتوقّع –عند التفاوض على قرارٍ آخر بوقف إطلاق النار- ينبغي للرئيس بايدن أن يُشجِّع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والمجتمع الدولي، على دعم الجهود المحلّية في غزّة التي ستستفيد من الخبرات المتميّزة التي راكمتها مؤسّسات المجتمع المدني في القطاع، والتي لا يُنظَر إليها على أنَّها خاضعة لإسرائيل أو السلطة الفلسطينية أو أيّ جهة دولية.
لاري غاربر مسؤول رفيع سابق لشؤون السياسات لدى وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتّحدة في عهدَيْ الرئيسَيْن كلينتون وأوباما، وقد شغلَ منصب مدير بعثة الوكالة في الضفّة الغربية وغزّة كما عملَ كمُراقِب للانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية والانتخابات البلدية في الضفّة الغربية.