MEI

من اليمن إلى فلسطين: العمق الاستراتيجي للتحالف الحوثيّ-الإيرانيّ

فبراير 16, 2024

فاطمة أبو الأسرار


مشاركة

في 18 كانون الثاني/يناير، ألقى عبد الملك الحوثي، زعيم حركة الحوثيّين اليمنيّة، كلمةً على القناة التلفزيونيّة التابعة لهذه الميليشيا المدعومة من إيران. كانت تلك الإطلالة هي الأحدث له ضمن سلسلةٍ طويلة من الخطب العلنية، وتطرّق خلالها إلى الضربات الجويّة المنسّقة بين الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة على أهداف للحوثيّين في اليمن، وتصنيف إدارة بايدن للميليشيا على أنّها كيان إرهابيّ عالميّ مصنّف تصنيفًا خاصًّا (SDGT). وأدان الزعيم الحوثيّ هذا التصنيف، مُخفيًا ردّ فعله وراء ستارٍ من التحدّي، فقال: "تندرج هذه الخطوة في سياق حماية الإجرام الصهيوني واعتداءاته وغاراته، وتصنيفاته ليس لها أيّ أهمية [بالنسبة للحركة]. إن هذا العدوان لن يغيّر موقفنا وإيماننا بدعم الشعب الفلسطينيّ وأهل غزّة واستهداف السفن المتّجهة إلى إسرائيل".

وشدّد الحوثي في كلمته التي تمحورت حول فلسطين، على التحالف الاستراتيجي للميليشيا مع طهران في إطار "محور المقاومة"، وهو ما يدفعها إلى اتّخاذ مواقف أكثر جرأة بشأن القضايا الإقليمية. وتُعدّ هذه العلاقة أساسيّة لِفهم تصرفات حركة الحوثيين وسرديّاتها، وتحدّد موقعها ضمن المنافسة الجيوسياسيّة الأوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. وبدلًا من الحديث عن الرّد الدولي على هجمات الحوثيّين على سفن الشحن، سلّط الحوثي الضوء على المظالم العامة الناجمة عن الصراع العربي-الإسرائيلي، وشدّد بشكلٍ خاصّ على التحالف المستمرّ بين الولايات المتّحدة وإسرائيل وما يسبّبه من معاناةٍ للفلسطينيين، مدّعيًا أنّ "الولايات المتّحدة لطالما ساعدت إسرائيل في ارتكاب الفظائع"، ما تسبّب تاريخيًّا بالضغائن وانعدام الثقة في المنطقة.

لطالما سعى الحوثيّون، الضليعون في فنّ التهرّب من المسؤوليّة، إلى استغلال مشاعر السكان المحليّين في اليمن ومظالمهم. وها هم الآن يسعون إلى القيام بذلك على امتداد العالم العربي، مستفيدين من الدعم الواسع للفلسطينيين في غزّة والغضب من إسرائيل والولايات المتّحدة. وعليه، فقد كثّفوا هجماتهم في البحر الأحمر لِوقف حركة الملاحة المتّجهة إلى إسرائيل، وتدخّلوا بشكلٍ مباشرٍ في الصراع بين إسرائيل وحركة "حماس". يبدو أن السردية التي يحاول الحوثي تعميمها لا تتعلّق بقضيّة الحوثيين بقدر ما تتعلّق بمحنة الفلسطينيين، وهي مسألة تطغى بشكلٍ متزايدٍ على خطاب القنوات الإعلاميّة للجماعة. بالفعل، فإنّ القضيّة الفلسطينيّة حاضرة في كلّ مكان على موقع قناة وصحيفة "المسيرة" المملوكة للحوثيّين، وهي تطغى على المخاوف والصراعات المحليّة الأكثر إلحاحًا. ويستخدم الحوثيّون هذه السرديّة الجديدة لمهاجمة خصومهم المحليّين، مثل رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، ووصفهم بالصهاينة أو بالمتعاونين مع الغرب.

غالبًا ما يلجأ الحوثي في كلماته إلى استمالة عاطفة الجمهور والتقرّب منه. فمن خلال استخدام لغةٍ مشحونةٍ عاطفيًّا وتنبض بالصور الحيّة، يثير مشاعر قويّة من التضامن والتحدّي وحسّ النضال الجماعي. وهو يصوّر الحوثيّين في معظم خطاباته على أنّهم يقاتلون ضدّ الظلم، فيستخدم غالبًا عباراتٍ مثل "الوقوف في وجه الظلم" أو "الدفاع عن المضطَهَدين" بهدف إثارة مشاعر التعاطف والغضب والإحساس بالمسؤولية لدى المستمعين.

يتمتّع القادة الحوثيون بفهمٍ عميقٍ للمواضيع والقضايا التي يستجيب لها الناس في كافّة أنحاء العالم العربي، وللجراح والكفاحات التاريخيّة، وللخطاب الدولي حول حقوق الإنسان الذي يعارض إيذاء المدنيّين. فنراهم يستخدمون هذه المواضيع والسرديّات الأوسع بشكلٍ استراتيجيّ لوضع نضالهم المحليّ في إطارٍ يثير تعاطف شريحة أوسع من الجماهير الإقليميّة والعالميّة وتفهُّمها؛ ويسعون بذلك إلى حشد التعاطف والدعم لحركتهم من خارج حدود اليمن. ولكن، يبقى هدفهم الأساسيّ تحقيق غاياتهم السياسيّة والعسكريّة داخل اليمن، وليس الدفاع بالفعل عن القضايا العربيّة كما يدّعون.

عصيان الحوثيين وطموحاتهم الإقليميّة

يُعتبر استخدام القضايا الإقليمية الأوسع لِحشد الدعم استراتيجيّةً موثّقة في صراعات الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، كثيرًا ما استحضر الرئيس العراقي السابق صدام حسين النضال الفلسطيني في خطاباته، ساعيًا إلى تصوير نفسه كمدافعٍ عن الحقوق الفلسطينيّة. وبدا ذلك واضحًا في خلال حرب الخليج بين العامَين 1990 و1991، عندما هاجم إسرائيل بصواريخ سكود – في محاولةٍ لِكسب الدعم العربي من خلال ربط نظامه بقضيّةٍ شغلت كافّة أنحاء العالم العربي.

كما استخدم مؤسّس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لِتبرير أفعاله وحشد الدعم. فكان ينتقد باستمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ويزعم أنّ معاناة الفلسطينيين هي الدافع وراء دعوته إلى حمل السلاح. وفي هذه الحالة أيضًا، لم يكن هدف بن لادن الفعلي الدفاع عن القضيّة الفلسطينية، بل كان مجرّد محاولة لاستغلال قضيّة حسّاسة متجذّرة في تاريخ المنطقة لِحشد الدعم اللازم لتحقيق أهداف تنظيم "القاعدة" الأوسع.

على المنوال نفسه، يستغلّ زعيم حركة الحوثيّين المظالم الواسعة النطاق الناجمة عن الصراع العربي-الإسرائيلي والتحالف الأمريكي-الإسرائيلي، جاعلًا منها السبب الأوّل لِمعاناة الفلسطينيين. ويخدم هذا التأطير الاستراتيجيّ أغراضًا عدّة، إذ يُضفي شرعيّة على تصرّفات الحوثيّين في نظر المتعاطفين مع القضيّة الفلسطينيّة، ويصرف الانتباه عن القضايا الأكثر إلحاحًا المرتبطة بالصراع اليمني وفشل حكم الحوثيّين؛ ولعلّه يوسّع أيضًا قاعدة الداعمين لهم إلى خارج حدود اليمن.

الرسائل والتأثير

يلخّص شعار الحوثيين، "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، أيديولوجيّتهم وتحضيرهم منذ زمن لخوض صراع أوسع مع القوى الغربيّة، وقد استغلّوا التوتّرات الجيوسياسيّة الحاليّة لِتصعيد حملتهم. لا يشكّل هذا الشعار صرخة لحشد الدعم فحسب، بل يُعتبر أيضًا إعلانًا لنواياهم وأهدافهم يحاكي مشاعر معاداة الغرب التي تتجاوز حدود اليمن، فيضع نضالهم في إطار سرديّة أوسع لمقاومة الهيمنة الخارجية.

يفرض الحوثيّون أخلاقيّاتهم ومصداقيّتهم بشكلٍ فعّالٍ في رسائلهم، من خلال تصوير أنفسهم كمدافعين عن قيمٍ وأشخاصٍ محدّدين. وغالبًا ما يصفون أنفسهم كحرّاس السيادة اليمنيّة وأبطال المهمّشين من خلال الإشارة إلى الرموز التاريخيّة والدينيّة، ومواءمة قضيّتهم مع الشخصيّات والأحداث التي تحظى بالإجلال. وهُم بذلك يؤكّدون على سلطتهم فحسب، لا بل يمنحون أنفسهم أيضًا مكانة أخلاقيّة رفيعة، مستغلّين توق جمهورهم إلى الحق والعدل.

فضلًا عن ذلك، دعا زعيم الحوثيّين أنصاره في الولايات المتّحدة وأوروبا إلى تكثيف حملاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لاستنكار الغارات الجويّة ضد اليمن، التي تستهدف في الواقع أهدافًا عسكريّةً للحوثيّين. ويُعدّ هذا النداء خطوةً استراتيجيّةً للحوثيين للحصول على دعمٍ أكبر بغطاءٍ إنسانيّ، محاولين بذلك إخفاء أجندتهم الفعليّة القائمة على شنّ الحروب، والتي تشكّل الدعوة إلى السلام مجرّد واجهةٍ لها.

أمّا تأثير هذا الخطاب على الشعب اليمنيّ، فهو متعدّد الأوجه. من ناحيةٍ، يمكن أن يعزّز هذا الخطاب الشعور بالولاء والواجب، ولا سيّما بين أولئك الذين يشعرون بالتهميش أو الاضطهاد. فقد يكون لخطابات الحوثي جاذبيّة عاطفيّة وأخلاقيّة بالنسبة لليمنيّين العاديّين الذين يواجهون تحدّيات يوميّة، ما يولّد شعورًا بالوحدة والهدف. وبالفعل، فإن خُطَب الحوثيّين ومهاجمتهم سفن الشحن في البحر الأحمر كان لها أثر حتّى على بعض أشدّ خصومهم. وعلى المستوى الدولي، أثارت هذه الهجمات موجة انتقادات للدول الغربيّة كونها تبدِّي المصالح الاقتصاديّة على حياة البشر في استجابتها للصراعَيْن في اليمن وغزة؛ فتُعطي الأولوية لحماية مسارات سفن الشحن التجاريّة على حساب إدارة الأزمات الإنسانيّة.

من ناحيةٍ أخرى، يمكن لخطاب الحوثيّين أيضًا أن يبثّ الخوف بين السكّان اليمنيّين المحليّين، ولا سيّما من خلال رسم تصوّراتٍ للتهديدات الخارجيّة والأعداء. وقد يشكّل هذا الخوف حافزًا قويًّا، فينجح في حشد الدعم وتبرير تصرّفات الحوثيّين وسياساتهم. وتضطلع خطابات الحوثيّين، التي تهدف إلى استثارة عواطف الجمهور، بدورٍ مهمٍّ في حملات التجنيد التي يقومون بها، خاصّةً في مناطق مثل الحديدة، القريبة من البحر الأحمر، التي يطلق الحوثيّون هجماتهم منها. ومن خلال تصوير نضالهم كدفاعٍ عادلٍ ضدّ التهديدات والقمع الخارجي، يتوجّهون إلى السكان المحليّين آملين إثارة حسّهم بالواجب والصمود ومبرّرين تدابير مثل التجنيد القسري، بما في ذلك للأطفال.

علاوةً على ذلك، يركّز الحوثيّون انتقاداتهم بشكلٍ استراتيجيٍّ على الحكومة اليمنيّة ومجلس القيادة الرئاسي، ويشكّكون في شرعيّة علاقاتهما مع الجهات الفاعلة الدوليّة، التي يرون فيها خضوعًا للمصالح الأجنبية، وخاصّةً مصالح إسرائيل والولايات المتّحدة. ويشكّل هذا التكتيك جزءًا أساسيًّا من جهودهم الدعائيّة الأوسع نطاقًا، التي تهدف إلى تصوير الحكومة اليمنيّة وقياداتها كخونةٍ للقضايا الوطنيّة والعربيّة، ولا سيّما في ما يتعلّق بفلسطين. ومن خلال تصوير العليمي ورفاقه على أنّهم متعاونون مع "المُعتدين الصهاينة والغربيّين"، يحاول الحوثيّون تقديم أنفسهم كمدافعين حقيقيّين عن السيادة اليمنيّة والقضيّة الفلسطينية. وتسعى هذه الاستراتيجيّة إلى تقويض شرعيّة الحكومة اليمنيّة في أنظار المواطنين اليمنيّين، الذين يشعرون أنّها فشلت في معالجة قضاياهم الأساسيّة وتخلّت عنهم لصالح الحوثيّين.

التحالف مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة

فيما يتعلّق بالتضامن مع فلسطين والعداء لإسرائيل، يحاكي موقف حركة الحوثيّين إلى حدٍّ كبيرٍ موقف إيران. فلطالما أيّدَ القادة الإيرانيّون علنًا القضيّة الفلسطينيّة وعارضوا السياسات والإجراءات الإسرائيليّة في المنطقة. ويشكّل هذا الموقف أساس السياسة الخارجيّة الإيرانيّة، ويعكس التزامًا أيديولوجيًّا واستراتيجيًّا عميقًا يحاكي موقف الحوثيّين.

وقد وصف المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي فلسطين بأنّها "المؤشر الرئيسيّ للوحدة الإسلامية"، وهاجم الحكومات العربيّة التي "تُطبِّع علاقاتها مع النظام الصهيوني المستبدّ الغاصب"، وتنبّأ بزوال إسرائيل بحلول العام 2040. بالإضافة إلى ذلك، أكّد المسؤولون الإيرانيّون في مناسباتٍ عدّة دعمهم لما يسمونه "جماعات المقاومة" –أو ما يُعرف باسم "محور المقاومة"- بما في ذلك حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين؛ وهو ما يتماشى مع استراتيجيّتهم الأوسع لِمعارضة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط. في سياق حديثه عن الأمن الإقليمي، أشاد وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بهذه الجماعات قائلًا: "اليوم، أصبحت المقاومة قوّة"، في إشارةٍ إلى مختلف وكلاء إيران في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن الذين يشكّلون محور المقاومة.

صحيحٌ أنّ العلاقة مع إيران تعود بمنافع استراتيجيّة وعسكريّة على الحوثيّين، إلا أنّها تخدم في الغالب طموحات إيران الإقليميّة الأوسع. فبفضل دعم إيران، يتموضع الحوثيّون ضمن محور المقاومة في وجه المصالح الغربيّة والإسرائيليّة، ما قد يورِّطهم في صراعاتٍ طويلة الأمد، تستنزف مواردهم وتشتّت تركيزهم على أهدافهم الرئيسيّة في اليمن. وقد أدّى التحالف بين إيران والحوثيّين، الذي اجتذب تدقيقًا دوليًّا متزايدًا وزاد من عزلة الحوثيين، إلى تعقيد موقفهم وتقويض مصالحهم على المدى الطويل.

في مواجهة الضغوط الدوليّة المتصاعدة، من المرجّح أن يستمرّ الحوثيّون في استخدام استراتيجيّة أتقنوها على مرّ السنين، عمادُها كسب المزيد من الوقت من خلال التشديد على مطالبهم التي يصعب تحقيقها. ويتماشى هذا النهج مع أسلوبهم التاريخيّ المُتمثل في استخدام الصراع كفرصةٍ لِتعزيز نفوذهم وتوسيعه. يشير ذلك إلى أن الهدف الأساسي للحوثيّين يكمن في تعزيز مصالحهم الخاصّة، وضمان بقائهم، وتوسيع نطاق سيطرتهم. وفي حين تدلّ المظاهر الخارجيّة على عدم تأثّر الحوثيين بالضغوط الخارجيّة، تراهم على الأرجح يحاولون جاهدين إدارة مجموعة معقّدة من الوقائع والتصوّرات الجيوسياسيّة، فيرسمون استجاباتهم واستراتيجيّاتهم في ضوء مشهد دولي متغيّر.

التأثيرات العالميّة

يؤكّد تأثير الحوثيّين على السياسة الإقليميّة والدوليّة على الحاجة الملحّة إلى التصدّي بفاعليّةٍ للتحدّيات التي يفرضونها. فقد تمكّنوا من تعطيل طرق الشحن العالميّة وأسواق الطاقة، خاصّةً من خلال الهجمات على حركة الملاحة في البحر الأحمر، فأجبروا الشركات على إعادة توجيه رحلاتها، ورفع تكاليف الشحن، ما أدّى إلى انخفاضٍ كبيرٍ في حركة الشحن. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن يتبنّى نهجًا يقظًا تجاه الجماعة، وأن يدقّق في دعايتها وتحوّلاتها الاستراتيجيّة بعينٍ ناقدة. فقدرة الحوثيّين على التأثير على الرأي العام المحلّي والدولي من خلال مزيجٍ من لعب دور الضحيّة والتحدّي، تتطلّب استجابةً حذرةً وواعية تهدف إلى تجنب التفسيرات السطحيّة وتكوين فهمٍ أعمق لتأثير الجماعة على الاستقرار والظروف الإنسانيّة في المنطقة.

وبينما تحاول الدول العربيّة الحفاظ على هذا التوازن الدقيق في جهودها الدبلوماسية، وتتوخّى الحذر من تصعيد درجة التوتّرات، ينصِّب الحوثيّون أنفسهم كقوّةٍ منفردةٍ مستعدّة لمواجهة تصرفات إسرائيل في غزّة بفضل الدعم الإيراني ومن خلال الإجراءات المباشرة. فهم يعتبرون هذا النضال امتدادًا شرعيًّا لا يتجزّأ لمقاومتهم؛ فمواجهة إسرائيل تصبّ في خانة الجهود التي يبذلونها لبسط حكمهم الذاتيّ الإقليميّ وتحدّي النفوذ الخارجيّ. ويأتي كلّ ذلك تأكيدًا على سرديّتهم المتمحورة حول مكافحة المظالم العالميّة المتصوّرة وتحدّي الجهات المسؤولة عنها.

تزداد العلاقة بين الحوثيّين وإيران عمقًا؛ إذ تتشابك مصائرهما وطموحاتهما الإقليميّة. ولا بدّ من تقبّل هذا الواقع من أجل وضع استراتيجيّات واقعيّة وراسخة، تهدف إلى تحقيق السلام وتعي وجود المحور الحوثي-الإيراني. من هذا المنطلق، هناك حاجة ماسّة إلى اتّخاذ موقفٍ متوازنٍ تجاه الحوثيين، مع ما تفرضه مشاركتهم في الصراع اليمني من تداعياتٍ جيوسياسيّةٍ واسعة. ولا ينبغي لهذا النهج أن يتجاهل قدرات الحوثيّين أو أن يؤدّي إلى تصعيدٍ لا داعي له للتوتّرات. وفي حين من الضروري التدقيق في العوامل التي قد تزيد من الدعم المقدَّم للحوثيّين -من خلال المبادرة إلى اتّخاذ الإجراءات المناسبة لتجنّب الخسائر الكارثيّة في الأرواح البشريّة في غزّة- من الأهميّة بمكان أيضًا محاسبة إيران والحوثيّين على المساهمة في مفاقمة الصراع والمعاناة في اليمن.

ولِتحقيق هذه الغاية، ينبغي اتّخاذ المزيد من الإجراءات لِتمكين الجهات الفاعلة المحليّة الملتزمة بالحلّ السلمي في اليمن والمنطقة. وينطوي ذلك على تقديم الدعم لعمليّات الحوار الشامل وتعزيز هيكليّات الحكم المحلّي. فمن خلال تعزيز شرعيّة وفاعليّة الجهات الفاعلة المحليّة المعارضة لأساليب الحوثيّين العنيفة، يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في توفير بيئةٍ أكثر ملاءمةً للحلّ السياسي. بالإضافة إلى ذلك، عبر معالجة مظالم السكّان اليمنيّين –مثل الصعوبات الاقتصاديّة، والحرمان من المشاركة السياسية، وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسيّة– يمكن التقليل من جاذبيّة سرديّات الحوثيّين وتقويض قاعدة دعمهم. ويوفّر هذا النهج المزدوج، الذي يشمل تدابير أمنيّة وأخرى متعلّقة بالتمكين السياسي، وسيلة لاحتواء نفوذ الحوثيّين تدريجيًّا مع إقامة أرضية ثابتة للاستقرار الطويل الأمد في اليمن والمنطقة.

فاطمة أبو الأسرار هي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط.

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك