مع توسع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، هل الجزائر هي الحلقة المفقودة؟
ديسمبر 06, 2022كاميسا كامارا
كاميسا كامارا
لم يلق التوسع المُطرد للتهديدات الإرهابية والأصولية على مدى العامين الماضيين، في منطقة الساحل الاهتمام الذي يستحقه، نظرا للانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية المتكررة في المنطقة. نظرًا للتأثير المُستشري الواضح للانقلابات العسكرية، فقد أدى عدم الاستقرار السياسي في الساحل إلى تركيز إقليمي ودولي على مواقيت الانتخابات والحكم الدستوري، وتجاهل صعود الجماعات الإرهابية، التي لا تزال تكسب الأرض وتهدد وجود بلدان منطقة الساحل في حد ذاتها.
بصفتها الجار الأقرب للمنطقة، ودولة يعتمد أمنها على أمن منطقة الساحل، فإن دور الجزائر غائب في الواقع. لطالما تم الإشادة بالجزائر باعتبارها فاعل حاسم في السلام والاستقرار في المنطقة، ولكن انخراط الجزائر في جميع أنحاء منطقة الساحل كان محدودًا بشكل ملحوظ، خصوصًا في ظل قيادتها العسكرية الجديدة، في فترة ما بعد الانقلاب. ونتيجة لذلك، تلاشى وجود الجزائر وتأثيرها كلاعب أساسي ببطء. ومع ذلك، فإن نفوذ الجزائر الدبلوماسي الإقليمي وقوتها العسكرية وخبرتها في مكافحة الإرهاب يمكن أن يساعدوا دول الساحل في تجنب الانهيار السياسي والأمني الوشيك. وهذه أربعة أسباب لهذا الطرح.
1. للجزائر سجل ناجح في هزيمة الإرهاب.
خلال الحرب الأهلية الجزائرية (1992-2002)، نجحت الحكومة الجزائرية في هزيمة الجماعات الإسلامية المُتشددة، بما في ذلك الجماعة السلفية للدعوة والقتال، والتي أعيد إحياؤها لاحقًا في مالي باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كما حققت أنشطة ومبادرات مكافحة الإرهاب الأخيرة، التي قامت بها الجزائر على المستوى المحلي، نجاحًا كبيرًا أيضًا، وكانت هذه الأنشطة تهدف لمكافحة الفكر والخطاب المتطرف في وسائل الإعلام والمدارس والمساجد. على هذا النحو، فإن تاريخ الجزائر الطويل في مكافحة الإرهاب المحلي قد يكون مفيدًا في منطقة الساحل، حيث تتشابه الجهات الفاعلة مع تلك التي حاربتها الجزائر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. منذ ذلك الوقت، تغير السياق، بالإضافة إلى النمو الهائل لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الحجم والنطاق الجغرافي والقدرات العملياتية، تضاعف حجم الجماعات الإرهابية ككيانات غامضة، مما جعل منطقة الساحل ساحة معركة مختلفة تمامًا عما كانت عليه الجزائر.
في إشارة إلى التصاعد الكبير في النشاط الإرهابي في المنطقة، أظهر مقطع فيديو (بلغة بامانان، اللغة الوطنية في مالي) تم تداوله في أواخر يوليو/تموز على وسائل التواصل الاجتماعي عضوًا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الجهادية، يقول فيه إن عاصمة البلاد ستكون قريبًا هدفًا للخطط التوسعية لجماعته. بعد إعلان المسؤولية عن سلسلة من الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء مالي في الأشهر الأخيرة، أكد الفيديو أيضًا أن الهدف النهائي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين هو فرض الشريعة الإسلامية في البلاد. أكدت المعارك الأخيرة بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في جميع أنحاء مالي الصراع على القيادة الذي تخوضه المنظمتان الإرهابيتان في الأجزاء الجنوبية والوسطى من مالي وفي دولتي الجوار بوركينا فاسو والنيجر. إن تزايد حدة المعارك الإرهابية في منطقة الساحل يهدد وجود دول المنطقة ذاتها، بالنظر إلى ضعف جيوشها الوطنية، واستنفاد الجهود الدولية لمساعدة هذه الدول، وعدم الاستقرار السياسي المتزايد هناك. هذا يعني أن الحدود الجنوبية الجزائرية في خطر، وعليه فعلى الجزائر أن تتحرك سريعًا.
2. خروج فرنسا من منطقة الساحل قد يخلق فرصة سانحة للجزائر.
في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون رسميًا انتهاء عملية برخان، وهي عملية عسكرية إقليمية دامت ثماني سنوات انطلاقًا من إنجامينا في تشاد. كانت العملية تهدف لمحاربة الإرهاب على المستوى الإقليمي. منذ انطلاق عملية برخان، توطدت المشاعر المعادية للفرنسيين في جميع أنحاء منطقة الساحل بسبب عدم قدرة القوة الاستعمارية السابقة على هزيمة التهديد الإرهابي، وتدخلها الملحوظ في السياسات المحلية. يمكن بسهولة ملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب العسكري الفرنسي من جانب الجزائر، التي كانت متحفظة على تنفيذ استراتيجية مشتركة مع الفاعلين الدوليين الأخرين. يمكن للجزائر أن تحول رحيل فرنسا لصالحها، وبالتالي تعزيز دورها كقوة إقليمية تحظى باحترام واسع.
تشترك الجزائر فيما يقرب من 3000 كيلومتر من الحدود مع موريتانيا ومالي والنيجر، وقد أعربت علنًا ورسميًا عن رغبتها في استعادة الاستقرار في منطقة الساحل. في عام 2014، تولت الجزائر دور المفاوض والمُيسر في محادثات السلام بين حكومة مالي والجماعات المتمردة الانفصالية السابقة التي حملت السلاح ضدها في عام 2012. بعد توقيع اتفاقية السلام في مالي في عام 2015، والتي كانت انتصارًا دبلوماسياً إقليمياً للجزائر، التي كرست جهودها لاحقًا لضمان التنفيذ الفعال للاتفاق، أخذت فرنسا زمام المبادرة على الجبهة الأمنية، الأمر الذي أعطاها وجودًا أكبر من أي قوة أجنبية أخرى في المنطقة.
في المقابل، بعد الانقلاب العسكري في مالي عام 2020، توترت العلاقات بين مالي وفرنسا، ووصلت إلى درجة القطيعة الدبلوماسية عندما طردت الحكومة الانتقالية في مالي السفير الفرنسي من باماكو في أوائل عام 2022، بعد أن وصف وزير الخارجية جان إيف لودريان (Jean-Yves Le Drian) المجلس العسكري المالي بـ "غير الشرعي" و "غير المسؤول". في أغسطس/آب 2022، بناءً على طلب من الحكومة العسكرية في مالي، أغلق الجيش الفرنسي قاعدته العسكرية الأخيرة. وسط بوادر تنذر بالشؤم بسبب الفشل العسكري والدبلوماسي في المنطقة، أعادت فرنسا نشر عدد أقل من القوات في النيجر المجاورة، لإثبات مشاركتها المستمرة في القتال من أجل القضاء على الإرهاب في منطقة الساحل.
باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة في مالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد، شاركت فرنسا بقوة في بقاء منطقة الساحل واستقرارها بشكل متزايد على مدى العقود الستة الماضية. منع التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013 البلاد من الوقوع في أيدي الجهاديين، الذين سيطروا على المدن الكبرى، وكانوا يشقون طريقهم نحو باماكو، عاصمة مالي. لكن في الآونة الأخيرة، أدت إخفاقات فرنسا الاستراتيجية والعملياتية والدبلوماسية في منطقة الساحل إلى جعلها ضيفًا غير مرغوب فيه في المنطقة ككل. على النقيض من ذلك، يمكن أن تكون الجزائر هي اللاعب الإقليمي الوحيد الذي تحظى قواته المسلحة في نفس الوقت بالاحترام وسوء الفهم على حد سواء، لعدم تقديم الدعم المباشر لجيرانها في منطقة الساحل، حتى عندما يُطلب منها ذلك.
3. بدون موافقة الجزائر تظل المبادرات الأمنية في الساحل غير مكتملة
إن مبادرات التعاون العسكري والاستخباراتي المتعددة، التي تم القيام بها بين منطقة الساحل ومنطقة المغرب العربي في مواجهة التهديد الإرهابي المُتزايد في منطقة الساحل، هي دليل على المخاوف الأمنية المتشابكة والمترابطة التي تواجهها المنطقتان. لسوء الحظ، إن التنافس على القيادة والاختلافات الاستراتيجية قوضا باستمرار مثل هذه الجهود. لقد حان الوقت لإعادة هيكلة المبادرات الأمنية الإقليمية في منطقة الساحل وإفساح المجال للجزائر، الجارة المباشرة، التي تتداخل مصالحها الأمنية مع مصالح دول المنطقة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، استضافت الجزائر العاصمة اجتماعًا خاصًا لـلجنة الأركان العملياتية المشتركة بعد شهر واحد فقط من زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مالي للمطالبة بإحيائها. تم إطلاق مبادرة جزائرية في 2010، هي لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تضم دول الساحل المجاورة للجزائر: النيجر وموريتانيا ومالي. لم تنطلق اللجنة في الواقع، وانتهت ببطء بعد إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، المعروفة بـ (جي 5)، في عام 2014، وهي مجموعة أمنية إقليمية – تم انشاؤها بتشجيع قوي من فرنسا - لمكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية في إقليم الساحل. على الرغم من أن مجموعة الدول الخمس استبعدت الجزائر، إلا أنها ضمت الدول الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة، النيجر وموريتانيا ومالي، إلى جانب بوركينا فاسو وتشاد. مرة أخرى، تفوقت قيادة فرنسا لمجموعة الدول الخمس على القيادة الجزائرية للجنة الأركان العملياتية المشتركة، مثلما خفضت القيادة العسكرية الفرنسية في مالي الفضاء الاستراتيجي للجزائر بعد عام 2012.
على الرغم من كونها مبادرة أمنية إقليمية، فقد أعلن رئيس النيجر محمد بازوم (الذي تم الانقلاب عليه) رسميًا وفاة مجموعة الخمسة في مايو/أيار الماضي بعد انسحاب مالي، مما حال دون التنسيق الفعال وتبادل المعلومات الاستخبارية بين القوات العسكرية لشركاء منطقة الساحل. خلال سنواتها الثمانية، كافحت مجموعة دول الساحل الخمس لإيجاد آلية مستدامة لتمويل عملياتها. على الرغم من الرؤية الشاملة لاستكمال تدخلها العسكري بمشاريع تنموية واسعة النطاق للوصول إلى السكان الأكثر ضعفًا، إلا أنها حققت نجاحًا محدودًا على أرض الواقع. كانت عضوية مجموعة الساحل الخمس منطقية تمامًا، لكن غياب الجزائر ربما أضعفها إلى حد كبير. كانت دعوة مجموعة دول الساحل الخمس للحصول على تمويل مستدام من خلال الأمم المتحدة غير فعالة. وربما كان في إمكان الخبرة العسكرية والدبلوماسية الجزائرية المساعدة في ذلك.
للمضي قدمًا، فإن ايجاد نسخة مُنقحة من اختصاص ومهمة وتشكيل مجموعة الساحل الخمس، والتي ستشمل الجزائر الآن، قد يكون حلاً فوريًا وفعالًا للتهديد الإرهابي الخطير الذي يواجه منطقة الساحل. إن الاستفادة من كل الدول في منطقة الساحل ومنطقة المغرب العربي، وتوحيدها على الساحة الدولية، يمكن أن يولد نوعًا من الاستجابة العالمية الأوسع التي تنتظرها دول الساحل. لطالما كانت الميزة الفريدة للجنة الأركان العملياتية المشتركة هي التعاون الأمني المؤسسي بين الجزائر ومنطقة الساحل. يجب أن يصبح هذا التعاون الأمني المتكامل حقيقة واقعة الآن.
4. من أجل دور دبلوماسي أقوى، يمكن أن تبدأ الجزائر في منطقة الساحل
قد تشير الزيارات الأخيرة إلى مالي، التي قام بها وزير الخارجية الجزائري لعمامرة وفريق السلام والتنمية التابع للأمم المتحدة، رفيع المستوى، في منطقة الساحل إلى استعداد الجزائر لاستئناف الانخراط في المنطقة بطريقة أكثر فاعلية. مهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الطريق لذلك من خلال تعديل دستوري يسمح للجيش الجزائري بالتعبئة خارج حدود البلاد. في حين أنه من غير المُرجح أن تقوم الجزائر على الفور بوضع جنود على الأرض في حالة وقوع هجوم وجودي ضد أحد جيرانها في منطقة الساحل، وهو احتمال قائم الآن.
تطورت علاقة الجزائر بدول الساحل بشكل ملحوظ على مر السنين. منذ توقيع اتفاقات السلام في مالي بين الحكومة والمتمردين المسلحين في عام 2015، وعمّقت الجزائر مشاركتها في تنفيذ الاتفاقية. وقد ركزت الجزائر جهودها في الفترة الأخيرة على تنويع شراكاتها في المنطقة لتتجاوز الأمن لتشمل مجالات التجارة والتدريب المهني والطاقة والتعدين والاتصالات. قد يكون أهم استثمار للجزائر في منطقة الساحل هو مشروع الطريق السريع العابر للصحراء، والذي يهدف لربط الجزائر العاصمة ولاجوس عبر تونس وباماكو ونيامي إنجامينا. يوفر استثمار الجزائر المُقدر بـ 3 مليارات دولار في المشروع نفوذًا إقليميًا قويًا، لكن القوة لا تعني أي شيء بدون تأثير. هذه الأدوات الاقتصادية الإضافية التي تعزز الاعتماد المتبادل بين الجزائر ودول الساحل، إلى جانب قدراتها الاستراتيجية والعسكرية، ستسهل صعود الجزائر كلاعب لا غنى عنه في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
كاميسا كامارا هي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، وخبيرة زائرة في معهد الولايات المتحدة للسلام حول منطقة الساحل. وهي تسعى حاليًا للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد. يمكن متابعة حسابها على تويتر @kamissacamara.
تصوير أوليمبيا دي مايسمون/وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي إيماجيز