مع تزايد الحديث عن إحياء العملية السياسية بين إسرائيل وفلسطين، يجب على شركاء "اتفاقيات إبراهيم" تأدية دورهم
نوفمبر 17, 2023جيرالد م. فايرستاين
جيرالد م. فايرستاين
بعد مرور ستة أسابيع منذ اندلاع النزاع بين إسرائيل وحركة "حماس"، بدأ المجتمع الدولي يصبُّ تركيزه تدريجيًّا على التحضير لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار. ويتطلب ذلك بطبيعة الحال بذل جهود عاجلة لمساعدة المدنيّين الفلسطينيّين في قطاع غزة على إعادة بناء حياتهم، بما في ذلك ضمان وصولهم إلى الإمدادات الإنسانية الأساسية وتوفير الخدمات الحيوية كالرعاية الصحية والتعليم. وينبغي أيضًا تحديد موقع الرهائن الإسرائيليّين الذين أَسَرتْهم "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والإفراج عنهم. ولكن، من الواضح أنّ الوضع في غزة لن يعود إلى سابق عهده على الإطلاق.
شكّل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ضربة قاضية لاتفاقيات إبراهيم بالشكل الذي دعمته في البداية إدارة ترامب وتبنّته إدارة بايدن لاحقًا. ففي البداية، اعتقد القادة الإسرائيليون والأميركيون أنّ اتباع نهج "من الخارج إلى الداخل" سيسمح لإسرائيل بتطبيع علاقاتها مع العالم العربي من دون الدخول في نزاعٍ مباشر مع الفلسطينيّين. ولكنْ من الواضح أنّ حل هذا النزاع ضروري لإرساء السلام والاستقرار الإقليميَّيْن على نطاقٍ أوسع. في الأيام الأخيرة، غيّرت إدارة بايدن خطابها وبدأت تعترف بهذه الحقيقة، حيث ألمح الرئيس جو بايدن إلى ذلك في تصريحاتٍ للصحافيّين مؤكدًا أنه "... عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب صياغة رؤية للمرحلة التي تليها، وترتكز هذه الرؤية في رأينا على حلّ الدولتين".
غير أنّ سقوط التصوُّر الأولي لاتفاقيات إبراهيم لا يعني انتفاء الدور الحيوي الذي يمكن للشركاء في هذه الاتفاقيات لعبه، خصوصًا عبر التوسّط لإبرام اتفاق بين إسرائيل وفلسطين. فقد سبق أن أفضت النزاعات في الشرق الأوسط إلى إجراء محادثات سلام. ولذا فيُحتمَل أن تتّجه الأمور إلى مسار أشبه بمؤتمر مدريد الدولي للسلام، الذي عُقِد في تشرين الأول/أكتوبر 1991، عقب حرب الخليج الأولى. وضمّ المؤتمر، الذي استضافته إسبانيا وشاركت في رعايته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وفودًا من إسرائيل وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وعلى الرغم من أن المؤتمر نفسه لم يُفضِ إلى أي إنجاز سياسي، انطلقت عقبه مساعٍ فردية أدت في نهاية المطاف إلى معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية وعملية أوسلو التي وضعت خارطة طريق لتحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين.
بالإضافة إلى المسارات الثنائية، أنشأ مؤتمر مدريد مسارًا منفصلًا متعدّد الأطراف ركّز على القضايا الإقليمية، مثل المياه، والبيئة، والحد من التسلُّح، ومسألة اللاجئين، والتنمية الاقتصادية. وشهد هذا المسار الثاني مشاركة من جميع أنحاء العالم العربي ونجح في تعزيز التعاون بين دول المنطقة، بما في ذلك التفاهم بين الدول العربية وإسرائيل حول القضايا الرئيسية والمتداخلة، مثل مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه ((MEDRC الذي يتخذ من العاصمة العُمانية مسقط مقرًّا له.
في الواقع، يُعَد المسار الثاني تمهيدًا لفعاليات منتدى النقب الذي أطلقه شركاء اتفاقيات إبراهيم في آذار/مارس 2022. وقد اجتمعت فِرق العمل التي أنشأها شركاء منتدى النقب للمرة الأولى في أبو ظبي في وقت سابق من عام 2023، بهدف تحسين التعاون وتعزيز المصالح المشتَرَكة ودعم الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط. وركّزت هذه الفرق عملها على مجالات الطاقة والصحة والسياحة والغذاء والمياه. ومع أنّ الأعضاء المؤسّسين هُم حكومات البحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، يتمثّل أحد الأهداف الصريحة لفرق العمل هذه في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني والارتقاء بجودة حياة الفلسطينيّين. وبالتالي، فإنّ توسيع نطاق عمل منتدى النقب ليشمل النظر في ترتيبات الوضع النهائي، شأنه شأن مؤتمر مدريد، وخاصةً مسألة اللاجئين، قد يعزز مهمته المُعلَنة المتمثّلة في إعطاء زخم لمساعي حلّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وتحقيق سلام دائم وعادل وشامل.
إلى جانب التعاون المتعدّد الأطراف للاتفاق على مختلف جوانب عملية السلام، يمكن للشركاء في اتفاقيات إبراهيم أيضًا أداء دورٍ أساسيٍّ في المساعدة على ردم الهوّة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين. ففي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، أشار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في حديثه إلى صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، إلى أنّ المملكة العربية السعودية تشترط أن يعود أي اتفاق تطبيع مع إسرائيل إلى فوائد ملموسة للفلسطينيّين، وتَوقّع اشتية أن تجتمع القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في نهاية المطاف في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، وأن يعكس الموقف السعودي الموقف العربي المشتَرَك. وأكّدَ اشتية أيضًا أن الشركاء في اتفاقيات إبراهيم يجرون مشاورات مستمرة مع الفلسطينيّين، مشيرًا إلى رغبة متبادلة في التعاون. ويمكن تعزيز حظوظ نجاح المفاوضات عبر التوافق على موقف عربي مشترك يدعم الحوار مع الإسرائيليّين.
في الوقت الراهن، لا يزال القرار السياسي لإنهاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بعيد المنال. وحالما تنتهي العمليات العسكرية، سيحتاج كل من الإسرائيليّين والفلسطينيّين، الذين عانوا بشدّة نتيجة الأحداث المروّعة التي وقعت في الأسابيع الماضية، إلى فترة للتعافي وإصلاح الأضرار. وسيتعيّن محاسبة القادة في القدس ورام الله على حدّ سواء على فشلهم. ونأمل أن يأتي الطرفان بقادة جُدد مستعدّين وقادرين على تقديم التنازلات والتسويات اللازمة لتحقيق سلام دائم. ولكن ليس من الضروري انتظار وقف إطلاق النار لبدء هذه العملية، بل ينبغي على إدارة بايدن الإعلان فورًا عن استعدادها للدعوة إلى عملية متعدّدة الأطراف، تضمّ ممثلين عن إسرائيل وفلسطين والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والشركاء العرب الإقليميين للاجتماع في واشنطن والبدء في التحضير للمفاوضات. ومن المهمّ أن يدرك الإسرائيليون والفلسطينيون أنه يمكن التغلُّب على أهوال تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأن الفرصة لا تزال سانحةً لبناء مستقبل أكثر تفاؤلًا وسلامًا للأجيال الحالية والمقبلة.
السفير (المتقاعد) جيرالد فايرستاين هو زميل أوّل متميّز في قضايا الدبلوماسية الأميركية في معهد الشرق الأوسط، ومدير برنامج قضايا شبه الجزيرة العربية.
نُشِرَت نسخة من هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة "ذا هيل" (The Hill).
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.