MEI

مسار التصادم بين الحوثيين والإمارات في البحر الأحمر

يوليو 16, 2024


مشاركة

إليونورا أرديماني

أقدمَ الحوثيون مؤخّرًا على خطواتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ من شأنها أن تضعهم على مسارٍ تصادميٍّ مع الإمارات العربية المتّحدة في منطقة البحر الأحمر عمومًا.

بدايةً، ما زالت هجمات الحوثيين على السفن، التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد اندلاع الحرب في غزّة، مستمرّة على قدمٍ وساق، حيث تُوجِّه الجماعةُ ضرباتِها نحو أهدافٍ تمتدّ من جنوب البحر الأحمر وصولًا إلى بحر العرب، بالقرب من بلدة "نشطون" بمحاذاة الحدود العُمانية، وجزيرة سقطرى. وقد أثّرت الهجمات على حجم الحركة التجارية عبر موانئ البحر الأحمر، التي تُدير بعضها شركة التجارة والخدمات اللوجستية "موانئ دبي العالمية" التي يقع مقرُّها في دبي. وفي حال استمرّت الأزمة على المدى الطويل، قد تنسحب تداعياتها السلبية على المشاريع الاقتصادية ومشاريع البنى التحتية على طول ساحل جنوب البحر الأحمر، ما يحدُّ من المشاريع التنمويّة في هذه المنطقة التي تحظى فيها دولة الإمارات باستثماراتٍ هامَّةٍ ونفوذٍ جيوسياسيٍّ كبير. 

ثانيًا، أدّت "الجبهة البحرية" التي فتحتها الجماعة اليمنية المسلّحة المدعومة من إيران تضامنًا مع غزّة إلى إبطاء المحادثات الدبلوماسية بين السعودية والحوثيّين للتوصُّل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن، ما يُساهِم في تدهور الوضع الاقتصادي في البلد. ويؤثّر ذلك بشكلٍ غير مباشر على القوّات المدعومة من الإمارات في اليمن، التي دخلت في مأزقٍ سياسيٍّ، حيث يتعيّن على "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، الذي يُعَدُّ رسميًّا جزءًا من الحكومة المُعترَف بها دوليًّا، أن يُواجِه الظروف الاقتصادية السيّئة في المناطق الخاضعة لسيطرته. وفي هذا الإطار، اندلعت مؤخّرًاموجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية في عدن نتيجة انقطاع الكهرباء ونقص الخدمات الاجتماعية.

ثالثًا، كشفت الاستخبارات الأمريكية أنَّ جماعة الحوثيين وحركة "الشباب" التابعة لتنظيم "القاعدة" في الصومال يعملان على توطيد العلاقات بينهما، مع احتمال قيام الحوثيّين بتزويد الحركة بالأسلحة. من شأن هذا السيناريو، الذي ألمحت إليه الأمم المتّحدة سابقًا، أن يُعزِّز التعاون بين الطرفَيْن اللذين يعاديان الإمارات، واللذين نجحا في استهداف الإمارات وجيشها في الخارج، وإنْ بأساليب مختلفة.

الهجمات البحرية المتواصلة تُشكِّل تحدّيًا للمصالح الإماراتية في البحر الأحمر

لدى دولة الإمارات عدد من الاستثمارات المهمّة على طول ساحل البحر الأحمر، ولا سيّما في مجال إدارة الموانئ. وبحسب البنك الدولي، تضرّرتمعظم موانئ البحر الأحمر جرّاء هجمات الحوثيّين على السفن، وتراجعَت حركة المرور بنحو النصف مقارنةً بالمستويات التي كانت قد سجّلتها قبل الأزمة. تُدير شركة "موانئ دبي العالمية" عدّة موانئ في منطقة البحر الأحمر عمومًا، وبينها ميناء جدّة في المملكة العربية السعودية، حيث استثمرت مؤخّرًا في بناء مرفق لوجستي. ومنذ اندلاع أزمة البحر الأحمر، سجَّلَ ميناء جدّة انخفاضًا بنسبة تُناهِز 70٪ في قدرته الاستيعابيّة، وتضرّرت حركة الشحن الإقليمية بشكلٍ خاصٍّ، وهي مشكلة طالت أيضًا ميناء العين السخنة الذي تُديره شركة "موانئ دبي العالمية" في مصر. في عام 2023، حصلت "مجموعة موانئ أبو ظبي" على امتيازات وأبرمت اتّفاقات بشأن موانئ أخرى في المنطقة. ولكنَّ إعادة توجيه حركة الملاحة البحرية بسبب أزمة البحر الأحمر لم تكن بالأمر السيّئ تمامًا بالنسبة إلى الإمارات؛ إذ تلجأ شركات الشحن بشكلٍ متزايد إلى نقل الشحنات عن طريق الممرّات البرّية من دبي إلى جدّة، وبدرجة أقلّ من دبي إلى حيفا.

على الرغم من ذلك، تجد الإمارات نفسها في وضعٍ صعب؛ فلدى الإماراتيّين مصالح اقتصادية وتجارية وعسكرية كثيرة في منطقة البحر الأحمر، ولا شكَّ في أنَّ انعدام الأمن البحري المستمرّ يؤثّر على استراتيجيتهم على المدى البعيد. وينطبق الأمر نفسه على المملكة العربية السعودية، غير أنَّ الإماراتيّين يعتمدون الآن على السعودية للتعامل مع الحوثيّين، وذلك لأنَّ الرياض تُجري محادثاتٍ مباشرةً معهم. ويعني ذلك أنَّ أبو ظبي تُحاوِل بطريقةٍ غير مباشرةٍ أن تُعالِج مشكلةً لها تداعيات مباشرة على استراتيجيتها الوطنية، أو على الأقلّ تسعى إلى ضبطها والحدّ منها. حتى الآن، وعلى الرغم من مرور عدّة أشهر من الضربات الجوّية الأمريكية وعمليتَيْن بحريتَيْن دوليتَيْن، هما عملية "حارس الرخاء" بقيادة الولايات المتّحدة وعملية "أسبيدس" الأوروبية، لم يوقف الحوثيون هجماتهم على السفن. في الواقع، تؤدّي هذه الاستراتيجية إلى زيادة الأهمية الإقليمية للحركة المسلّحة وتعزيز موقعها التفاوضيّ، ولا سيّما مع السعودية. لهذا السبب، من غير المُرجَّح أن يؤدّي وقف إطلاق النار في غزّة إلى تحقيق استقرار موثوق في منطقة البحر الأحمر، إذ قد يستأنف الحوثيون لاحقًا هجماتهم ضدّ السفن دعمًا لأهدافهم السياسية على المدى القصير، وهو سيناريو لا يمكن استبعاده ما دامت المحادثات الدبلوماسية لم تؤتِ ثمارها.

القوّات المدعومة من الإمارات في اليمن تُواجِه التداعيات الاقتصادية لحرب الحوثيّين

مع استمرار هجمات البحر الأحمر، تجد المؤسّسات اليمنية المُعترَف بها دوليًّا، ومن ضمنها القوّات المدعومة من الإمارات، نفسَها في مأزقٍ سياسي. في الواقع، لم تُدعَ تلك المؤسّسات حتّى الآن للانضمام إلى المحادثات بين السعودية والحوثيّين، واضطرّت إلى انتظار حدوث تقدُّم دبلوماسي –ولا سيّما في حالة الانفصاليّين الجنوبيّين- قبل تحديد الخطوات المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على المؤسّسات اليمنية المُعترَف بها دوليًّا أن تتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للهجمات البحرية التي يشنّها الحوثيون، وقد تضرّرت بشكل خاصّ المناطق التي تُسيطر عليها القوّات المدعومة من الإمارات، مثل عدن.

قبل اندلاع حرب 2015، كانت الإيرادات النفطية، على الرغم من تراجعها،  تُشكِّل 75٪ من ميزانية الحكومة في اليمن. لكنَّ هجمات الحوثيّين بالمُسيَّرات على محطّات تصدير النفط -الدبّة في حضرموت ورضوم في شبوة- في أواخر عام 2022 أوقفت التصدير، ما أسفرَ عن خسائرتجاوزت مليارَيْ دولار من الإيرادات وفقًا لرئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك. ومنذ أواخر عام 2023، ترافقَ ذلك أيضًا مع انخفاض ملحوظ في حركة المرور عبر ميناء عدن، وميناء المكلا بدرجة أقلّ، بسبب هجمات الحوثييّن، ما أفضى إلى مزيدٍ من التراجع في إيرادات الحكومة.

منذ أيّار/مايو 2024، عادت الاحتجاجات الشعبية إلى شوارع عدن، المدينة الرئيسية التي يُديرها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وذلك نتيجة تدهور الخدمات الاجتماعية، والتأخُّر في تسديد رواتب القطاع العام، واستفحال أزمة انقطاع الكهرباء. وازدادت التظاهرات في الشوارع واتّسعت رقعتها مقارنةً بالسنوات السابقة جرّاء تأثيرات أزمة البحر الأحمر، ما دفعَ السلطات اليمنية إلى نشر القوى الأمنية والمركبات المُدرَّعة في عدن. وفي المناطق التي تُسيطر عليها القوّات المُناهِضة للحوثيّين، لم تعُد السلطات قادرةً على دفع رواتب موظّفي القطاع العام، أو تـغطية كلفة الوقود المستورد في أحيان كثيرة، وهو أمر ضروري نظرًا لمحدودية القدرة على التكرير محلّيًّا.

هل تتّجه الأمور نحو تعزيز التعاون بين الحوثيّين وحركة "الشباب"؟

بالإضافة إلى ذلك، يبدو الآن أنَّ الحوثيين يعملون على تعزيز تعاونهم مع حركة "الشباب" أيضًا. ففي حزيران/يونيو 2024، أشارت الاستخبارات الأمريكية إلى أنَّ الجماعتَيْن تباحثتا بشأن صفقة يقوم بموجبها المقاتِلون اليمنيون بتوفير الأسلحة إلى الفرع التابع لتنظيم "القاعدة"، على الرغم من عدم وجود دليل مباشر يُثبت حتّى هذه اللحظة حصول أيّ نقل فعلي للأسلحة. من شأن مثل هذه الصفقة أن تُزوِّد الحوثيين بالأموال اللازمة لمواصلة حربهم في اليمن، ومن المُرجَّح أن تساعدهم أيضًا في استهداف السفن التجارية في غرب المحيط الهندي. في المقابل، ستتمكّن حركة "الشباب" من تعزيز قدراتها الهجومية من خلال الحصول على أسلحة أكثر تطوُّرًا. وسبق أن ذكرَ تقريرٌ صادر عن "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المُنظَّمة" (GITOC) في عام 2021 مسألة تبادل الأسلحة بين اليمن والصومال، حيث جاءت بعض أسلحة حركة "الشباب" مباشرةً من شحنات أرسلتها إيران إلى الحوثيّين في اليمن. وفي عام 2023، وردَ في التقرير النهائي لفريق خبراء الأمم المتّحدة المعني باليمن "أنَّ هناك شبكة تهريب مُنسَّقة بشكل وثيق تعمل بين اليمن والصومال، وتتلقّى أسلحة من مصدر مشترك"، أي إيران.

العداء لدولة الإمارات يزداد بين الجماعات العنيفة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي

يتلقّى الحوثيون وحركة "الشباب" أسلحةً من إيران، وهُما يتشاركان المشاعر المُعادية للولايات المتّحدة وإسرائيل والإمارات. ولا يقتصر الأمر على تزايد النزاعات والإرهاب في البحر الأحمر والقرن الإفريقي (بما في ذلك السودان واليمن والصومال)، علمًا أنّ هاتَيْن المنطقتَيْن أساسيّتان للاستراتيجية الإماراتية، بل إنَّ السخط حيال نشاط الإمارات هناك قد ازدادَ بين الجهات المسلّحة العاملة في المنطقة. يُعزى ذلك أساسًا إلى النفوذ العسكري الإماراتي الراسخ في اليمن والدعم التدريبي للجيش الصومالي والقوى الأمنية المحلّية في صوماليلاند وبونتلاند.

سحبت الإمارات قوّاتها من اليمن في عام 2019، ولكنْ، في مطلع عام 2022، شنَّ الحوثيون هجماتٍ ضدّ الإمارات أربع مرّات، واختطفوا سفينة الشحن الإماراتية "روابي" في البحر الأحمر. وفي عام 2023، وقّعت الإمارات اتّفاقًا أمنيًّا مع الصومال "للقضاء على حركة الشباب" واستئصالها من البلد، وتوفير التدريب العسكري للجيش. وفي حزيران/يونيو 2023، نفّذت الإمارات أوّل عملية عسكرية لها ضدّ الجهاديّين. ثمّ وصفت حركة "الشباب" الإمارات بأنَّها "عدو" لدعمها الحكومة الصومالية في الحرب ضدّ الإرهاب. وفي شباط/فبراير 2024، قُتِلَ ثلاثة جنود إماراتيّين على يد إرهابي تسلَّلَ إلى منشأة عسكريّة تُديرها الإمارات في مقديشو. وفي اليمن، استهدفَ تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية –التابع لشبكة "القاعدة" الإرهابية التي تنتمي إليها حركة "الشباب"– القوّات اليمنية المدعومة من الإمارات بشكلٍ متكرّر في المحافظات الجنوبية.

مسارٌ تصادمي؟

كلّما طالَت أزمة البحر الأحمر، ازدادت التحدّيات التي ستواجهها الاستراتيجية الاقتصادية والجيوسياسية لدولة الإمارات في المنطقة جرّاء تداعيات هجمات الحوثيين. فالهجمات قد تحدّ من طموحات دولة الإمارات في مجالَيِ التجارة والبنى التحتية، لا بل قد تُقلِّص أيضًا نفوذها الجيوسياسي في المناطق التي يُسيطر عليها الانفصاليون الجنوبيون في اليمن، والتي تشهد استياءً شعبيًّا متزايدًا. ومع استمرار حالة عدم الاستقرار، قد يؤدّي التعاون المُحتمَل بين الجماعات العنيفة التي تتشاطر العداء للإمارات في البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الإفريقي إلى تعاونٍ متزايدٍ بينها قائم على المنفعة المتبادلة، وعلى الأهداف المشتركة في الأمدَيْن المتوسّط والبعيد. وبالنظر إلى هذا السياق المعقّد، يبدو حتى الآن أنَّ الإمارات تنتظر الخطوات المقبلة التي ستتّخذها المملكة العربية السعودية للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن للحدّ من تداعيات أزمة البحر الأحمر بمختلف أبعادها.

إليونورا أرديماني باحثة مُشارِكة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ومُساعِدة في الهيئة التعليمية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، وأستاذة مُساعِدة في كلّية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولية (ASERI).

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك