MEI

مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون أدخلَ مسألة السلام والنزاع إلى مناقشات المناخ. ماذا بعد؟

أبريل 03, 2024

ميغان فيراندو


مشاركة

في مؤتمر الأمم المتَّحدة المعني بتغيُّر المناخ لعام 2023 (مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين) الذي عُقِدَ في دبي في كانون الأوَّل/ديسمبر الماضي، عمدَت الأطراف المُشارِكة الـ74، ومن بينها دول ومنظَّمات ومصارف تنمية متعدِّدة الجنسيات، إلى الربط رسميًّا بين تغيُّر المناخ والنزاعللمرَّة الأولى في تاريخ المؤتمر من خلال التوقيع على إعلان بشأن الإغاثة والتعافي والسلام. وعلى الرغم من أنَّ هذا الإعلان غير مُلزِم قانونًا، إلَّا أنَّه يعترف بأنَّ البلدان الهشَّة -والتي تشهد نزاعاتٍ- أكثر عُرضةً لتأثيرات تغيُّر المناخ، ويدعو إلى زيادة التمويل المتعلِّق بالمناخ لمساعدتها على الاستعداد والاستجابة بشكل أفضل لتأثيرات المناخ. في السنوات الأخيرة، أُثبِت الرابط بين النزاع وتغيُّر المناخ في مجموعة متزايدة من الدراساتوالتقارير الصادرة عن الجهات الفاعلة في الميدان. ووجدَ الخبراء أنَّ 70% من البلدان الأكثر عُرضةً لتغيُّر المناخ هي أيضًا الأكثر هشاشةً. ومع ذلك، ما زالت البلدان المعرَّضة لخطر النزاع، أو التي تواجه نزاعًا، تُعاني من نقصٍ حادٍّ في التمويل المتعلِّق بالمناخ: فالبلدان المتضرِّرة من تغيُّر المناخ والنزاعات لا تحصل، في المتوسِّط، سوى على خُمس الأموال المخصَّصة للتمويل المتعلِّق بالمناخ التي تحصل عليها البلدان الخالية من النزاعات، وذلك على أساس نصيب الفرد. وبحسب ما أشارت إليه آليةُ الأمن المناخي التابعة للأمم المتَّحدة، كلَّما كانت الدولة أكثر هشاشةً، قلَّ التمويل المتعلِّق بالمناخ الذي تتلقَّاه.

يطرح هذا الواقع إشكاليةً كبيرةً؛ لأنَّ الأشخاص الذين يعيشون في سياقات النزاع هم الأكثر تعرُّضًا للصدمات المناخية. وغالبًا ما يؤدِّي النزاع إلى تعطيل الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه والصحَّة، كما يقضي على الفُرَص الاقتصادية ويُدمِّر البنى التحتية الحيوية، ما يُضعِف قدرة السكَّان على الاستجابة. ويُساهِم تغيُّر المناخ في إحداث هذه الصدمات بطرق مختلفة –وأبرز مثال على ذلك هو الظواهر المناخية القاسية، مثل الحرائق المتكرِّرة والفيضانات وموجات الجفاف وغيرها– فتُترَك الشعوب لمواجهة النزاعات من دون الوسائل اللازمة للنهوض من جديد. وينطبق ذلك بصورة خاصَّة على الفئات التي تقع أساسًا ضحية التهميش في المجتمع، مثل النازحين والنساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة.

تتجلَّى هذه الدينامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها إحدى المناطق الأكثر عُرضةً لتغيُّر المناخ، وكونها تُشكِّل ساحةً للنزاعات المحلِّية والجيوسياسية. وفقًا لـمؤشِّر الدول الهشَّة لعام 2023، تَبيَّن أنَّ 14 بلدًا من أصل 19 في المنطقة تُصنَّف على الأقلِّ في مستوى "التحذير" لناحية الهشاشة المرتبطة بالنزاع. وتُعَدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنطقةَ الأكثر شُحًّا في المياه في العالم، كما تُواجِه بعضًا من أعلى درجات الحرارة القصوى الناجمة عن تغيُّر المناخ في العالم. وتفرض عوامل المناخ والنزاع ضغوطًا متزايدة تَحُوْل دون الحفاظ على صحَّة السكَّان وضمان الوصول المستدام إلى المياه والغذاء. ومن الصعب التعامل مع العواقب الوخيمة الناجمة عن هذا الواقع والتعافي منها، ولا سيِّما زيادة التوتُّرات والنزاعات وأوجه عدم المساواة. على سبيل المثال، يكافح كلٌّ من العراق وسوريا من أجل التعافي بعد سنوات من النزاع المستمرِّ الذي قضى على أنظمة الحوكمة في البلدَيْن وجعلهما أكثر عُرضةً لموجات متزايدة من الجفاف وظواهر الحرِّ الشديد والعواصف الرملية.

أنماط التوزيع: التمويل المتعلِّق بالمناخ في مواجهة النزاع

من غير المُستغرَب أن تذهب حصَّة الأسد من التمويل الدولي المتعلِّق بالمناخ إلى بلدان أكثر استقرارًا من الناحيتَيْن السياسية والاقتصادية. وأكثر من 50% من هذا التمويل هو عبارة عن استثمارات من القطاع الخاصِّ (ويأتي الجزء المتبقِّي إجمالًا من دول منفردة ومصارف التنمية المتعدِّدة الجنسيات)، في حين يُخصَّص أكثر من 90% من التمويل للتخفيف من آثار المناخ، غالبًا على شكل قروض. يعتمد نوعا التمويل عمومًا على مشاريع تَعِد بتحقيق عائدات على الاستثمار، وبالتالي يُمنحان عادةً في سياقاتٍ قادرة على توفير ضمانات طويلة الأمد وبيئات استثمارية مستقرَّة. غير أنَّ هذه الظروف لا تتوفَّر في سياقات النزاعات المتقلِّبة وغير المستقرَّة، مثل سوريا وليبيا واليمن. ولا تقتصر هذه المتطلِّبات المتعلِّقة بالاستثمارات الطويلة الأمد والمخاطر المحدودة على القطاع الخاصِّ. فالدول ومصارف التنمية المتعدِّدة الجنسيات تميلُ هي الأخرى إلى تجنُّب المخاطر لأنَّها تتعاطى بالمال العام، وبالتالي فهي مسؤولة عنه أمام الناس. إضافةً إلى ذلك، يحتاج السكَّان في البلدان الهشَّة والمتضرِّرة من النزاعات عادةً إلى مزيدٍ من التمويل للتكيُّف مع تغيُّر المناخ (وليس للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ)؛ إذ من شأن هذا التمويل أن يدعمها في توقُّع الصدمات المناخية والاستجابة لها على نحو أفضل. ونتيجةً لذلك، فإنَّ جزءًا كبيرًا من التمويل المتعلِّق بالمناخ لا يُوجَّه إليها.

كذلك يكمن سببٌ إجرائيٌّ وراء عدم حصول البلدان التي تُعاني من النزاعات على التمويل في معظم الأحيان. بما أنَّ التمويل المتعلِّق بالمناخ هو عمومًا عبارة عن أموال مخصَّصة للتنمية، يتمُّ توجيهه عادةً عن طريق الجهات الحكومية الوطنية والمحلِّية في بلدان المقصد. وبسبب عمليات التمويل المُطوَّلة، يصعب على هذه الحكومات تلبية الشروط البيروقراطية والفنِّية التي تفرضها الجهات المانحة على مدى سنوات. ويزدادُ الوضعُ سوءًا عندما تكونُ الحكومة نفسها طرفًا في النزاع، ما يُثير تساؤلات حول النزاهة وما إذا كانت الأموال ستُوزَّع على كلِّ الفئات السكَّانية بطريقة شاملة ومنصفة. ومن التحدِّيات الأخرى التي تمنع المموِّلين من الاستثمار في سياقات النزاع، نذكر صعوبة الوصول إلى مواقع جغرافية معيَّنة، ونقص البيانات والمعلومات الموثوقة، والمخاطر الأمنية الفعلية والمُتصوَّرة التي قد تتعرَّض لها فرق العمل. ففي اليمن مثلًا، من الصعب الوصول إلى بعض المناطق النائية حيث يقيم عددٌ كبيرٌ من الفئات الهشَّة، وذلك لأنَّ الجهات المنخرطة في النزاع تُعرقل الوصول، ما يؤدِّي إلى تفاقُم إقصاء السكَّان. باختصار، يتطلَّب نهج إدارة التمويل المتعلِّق بالمناخ حاليًا عوامل معيَّنة تشمل المتابعة الطويلة الأمد، وإمكانية التنبُّؤ بالأحداث، ودرجة متدنية من المخاطر، وهي ظروف غير متوفِّرة في أيِّ سياق منكوب بالنزاعات.

إزاء هذا الواقع، تتردَّد المؤسَّسات المالية والجهات المانحة الدولية الأخرى بشكل عام في توفير التمويل المتعلِّق بالمناخ للبلدان الهشَّة والمتضرِّرة من النزاعات. لهذا السبب، تشجعت الدول لإطلاق إعلان بشأن السلام في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وقطعت وعدًا بتوفير زخم سياسي من شأنه أن يُفضي إلى زيادة التمويل. وتأمل بعض الأطراف المُوقِّعة تنفيذ الإعلان من خلال صندوق الخسائر والأضرار الذي اعتُمِدَ مؤخِّرًا. يهدف هذا الصندوق الذي لاقى استحسانًا على نطاقٍ واسعٍ، والذي أتى تتويجًا لسنوات من المفاوضات بين بلدان ما يُسمَّى بالجنوب العالمي، وهو في طور التفعيل، إلى توفير مساعدات مالية إلى البلدان الأكثر تضرُّرًا من تغيُّر المناخ. ونظرًا للرابط بين المناخ والنزاع، فهذا يعني أنَّ الصندوق سيدعم البلدان المتضرِّرة من النزاعات بالدرجة الأولى.

ولكنْ، تبرز مشكلةٌ لا بدَّ من الإشارة إليها. فإذا أُنشئ الصندوق بالطريقة التقليدية نفسها على غرار آليات التمويل الدولية الأخرى المتعلِّقة بالمناخ (مثل صندوق المناخ الأخضر)، فستجد البلدان المتضرِّرة من النزاعات نفسها في أسفل قائمة الأولويات مجدَّدًا بسبب رغبة الجهات المُموِّلة في تجنُّب المخاطر، والإجراءات المعقَّدة والبيروقراطية. ونظرًا لوجود الكثير من البلدان المتضرِّرة من تغيُّر المناخ والمهتمَّة بالمطالبة بالدعم المالي من "صندوق الخسائر والأضرار" -الذي يُعاني هو أيضًا من نقص التمويل ويُخشى من تغذيته بأموال أُعيد تخصيصها بدلًا من الأموال "الجديدة"- فسوف يتطلَّب الأمر تخصيص الأموال تحديدًا لسياقات النزاع لكي تحصل البلدان الهشَّة على الدعم.

لا يبدو أنَّ هذا الاحتمال يُدرَس جدِّيًّا في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أنَّ "صندوق الخسائر والأضرار" يُعَدُّ خطوة غير مسبوقة بالنسبة للبلدان الأكثر تضرُّرًا من تغيُّر المناخ، إلَّا أنَّه لا يُقدِّم أيَّ وعودٍ لغاية الآن لناحية إعادة موازنة التمويل بصيغةٍ عادلة بين البلدان المعرَّضة لتغيُّر المناخ. كذلك، فهو لا يَعِد باعتماد نهج أكثر مرونة أو أكثر تكيُّفًا مع المخاطر، كما لا يلتزم بدعم البلدان المتضرِّرة من النزاعات.

الخلاصة

يتمثَّل التحدِّي بالنسبة للبلدان الهشَّة والمتضرِّرة من النزاعات في كون آليات التمويل الدولية الحالية المتعلِّقة بالمناخ، بما في ذلك "صندوق الخسائر والأضرار" المرتقب، غير مُعَدَّة لدعم هذه البلدان بشكلٍ كافٍ. وحتَّى مع الخطوات المُرحَّب بها لتعزيز التمويل المتعلِّق بالمناخ، تبرز الحاجة إلى إجراءات تصحيحيَّة إضافية لتغيير طبيعة قنوات التمويل الحالية. تُعتبَر التعهُّدات المُخصَّصة التي قدَّمتْها بعض الجهات الموقَّعة في سياق "إعلان الإغاثة والتعافي والسلام" بمثابة تطوُّر إيجابي، لكنَّها لا تكفي بحدِّ ذاتها لإحداث تغيير هيكلي فعلي في مشهد التمويل المتعلِّق بالمناخ.

لا يعني ذلك أنَّ التطوُّرات السالفة الذكر لا تُمثِّل خطوةً أولى بنَّاءَةً. ففي حين لا يزال الإعلان رمزيًّا في هذه المرحلة، ساهمَ إطلاقه في خوض نقاش أوسع حول السلام والمناخ، ما قد يُشكِّل نقطة انطلاق للجهات الفاعلة في المجتمع المدني لناحية محاسبة الأطراف المُوقِّعة عليه. واللافت أنَّ إحدى الدول المُوقِّعة، وهي أذربيجان، ستستضيف مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في عام 2024. ولا ينبغي أن يهدف هذا الزخم والرغبة في المساءلة فقط إلى تقديم المزيد من التعهُّدات في إطار الآليَّات القائمة. بل من المُستحسَن أن تنصبَّ الجهود نحو اتِّباع نهج مختلف تمامًا في إدارة التمويل، من خلال الدعوة إلى اعتماد آلية تمويل مخصَّصة (أو تخصيص الأموال ضمن "صندوق الخسائر والأضرار") للبلدان الهشَّة والمتضرِّرة من النزاعات. ولا بدَّ للمنظَّمات غير الحكومية، التي لعبت دورًا فاعلًا في النهوض بأجندة المناخ والسلام، أن تعمل على إبقاء هذا الموضوع على جدول أعمال مؤتمرَيِ الأطراف المقبلَيْن في أذربيجان والبرازيل، من أجل تسهيل تنفيذ الآلية الجديدة.

في موازاة ذلك، يجب على هذه الجهات الفاعلة نفسها الاستمرار في تعزيز التكامل بين مجالات المناخ وبناء السلام والتنمية والعمل الإنساني. يمكن تحقيق ذلك من خلال المناصرة لتأمين التمويل، والتعاون في إجراء الأبحاث حول الروابط بين المناخ والنزاع، والمشاريع المشتركة على أرض الواقع في سياقات النزاع. ولا شكَّ في أنَّ الأمثلة الواقعيَّة والأدلَّة التي تُبرهِن ضرورة دعم البلدان التي تواجه ضغوطًا ناجمة عن النزاعات والمناخ من شأنها أن تدعم الحجَّة القائلة إنَّ التمويل ينبغي أن يُخصَّص إلى البلدان والأشخاص الأكثر حاجةً إليه.

ميغان فيراندو باحثة غير مُقيمة في برنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط.

 

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.
البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك