MEI

قصة صعود الزعيم الجهادي "أبو ماريا القحطاني " وموته المفاجئ

أبريل 09, 2024


مشاركة

محمد حسان

في حدث مفاجئ وكبير من نوعه، أُعلِنَ مساء الخميس ٥ نيسان/ أبريل، عن مقتل القيادي العراقي البارز في "هيئة تحرير الشام" ميسّر بن علي الجبوري الملقَّب بـ"أبي ماريا القحطاني"، وإصابة كلٍّ من مرافقه الخاص، والدكتور يوسف الهجر، مسؤول المكتب السياسي لهيئة تحرير الشام، باستهداف مكان تواجدهم بريف إدلب الشمالي.

وبحسب المعلومات، فإن القحطاني لقي مصرعه، إثر قيام ثلاثة أشخاص بدخول مضافة كان مدعوًّا إليها في مدينة سرمدا، وتقديم هدية سيف داخل صندوق كان مُفخَّخًا وانفجر أثناء فتح القحطاني له.

 وجاء اغتيال القحطاني بعد أقل من شهر من إطلاق "تحرير الشام" سراحه بعد اعتقال دام لسبعة أشهر بتهمة العمالة لجهات خارجية؛ إذ كان خروجه بمنزلة طيٍّ لملف العملاء الذي هز "الهيئة" وأحدث تصدُّعات كبيرة داخلها.

المولد والنشأة والتعليم

أبو ماريا القحطاني أو "الهراري"، هو ميسّر بن علي بن موسى بن عبدالله بن محمد بن صالح بن دندن بن سالم بن عجل بن جاموس الجبوري القحطاني، وُلِد في قرية الرصيف عام ١٩٧٦، كشاب وحيد على ثماني شقيقات، ثم انتقل مع عائلته إلى قرية هرارة العراقية وتربَّى بكنف والده "أبو ميسرة"، المعروف بفكره السلفي والذي أعطاه لقب "الوهابي".

درس القحطاني الابتدائية في مدرسة هرارة، والإعدادية في مدارس القيارة، ثم الثانوية، ثم درس دبلوم إدارة أعمال في جامعة بغداد، وبعد تخرجه درس الشريعة أيضًا، وحاز على البكالوريوس فيها. والقحطاني، وخلال مسيرته الطويلة في طلب العلوم الشرعية ودخوله إلى التنظيمات الجهادية في العراق وسوريا، أُتيحَت له فرصة كتابة الكثير من المؤلَّفات منها كتاب "بذل الوفاء لأسر المجاهدين والشهداء" وكتاب "إفساد الجهاد" وكتاب "كلمات في واقع الجماعات" وكتاب "شرح الهراري على متن الدراري" وكتاب "الأمة بين زوابري الشام وزوابري الجزائر"، الذي كان آخر مؤلَّفاته.

 مسيرته في العراق

بدأت مسيرة القحطاني مع الجماعات الجهادية عام ٢٠٠٣ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق مباشرةً، حيث كان أحد أعضاء الجماعة السلفية التي يتزعمها محمد خلف شكارة "أبو طلحة الأنصاري"، التي كانت عماد جماعة "التوحيد والجهاد" قبل بيعة أبو مصعب الزرقاوي "للقاعدة".

شارك أبو ماريا في معركتي الفلوجة الأولى والثانية ومعارك أخرى في تل عفر والموصل وبغداد. وفي نهاية عام ٢٠٠٣، استلم القحطاني قيادة كتيبة "التهلكة" وبعدها بأشهر عُيِّن مسؤولًا عسكريًّا بين الموصل وصلاح الدين.

في عام ٢٠٠٤ أُصيب بكمين للقوات الأمريكية غرب الموصل، واعتُقِلَ وحُكِم عليه بالسجن عامًا ونصف. خرج عام ٢٠٠٦، وبعد خروجه عُيِّن مسؤولًا شرعيًّا عامًّا لمنطقة غرب الموصل، ومسؤول العلاقات العامة مع العشائر.

بعد إعلان مجلس شورى المجاهدين "الدولة الإسلامية في العراق"، عُيِّن القحطاني مسؤولًا عن ديوان الحسبة وعضو اللجنة الشرعية في مدينة نينوى العراقية؛ حيث بدأ نجمه بالسطوع، وشهد ذلك العام قيام القوات الأمريكية بمنح جوائز مالية لمن يُدلي بمعلومات عنه.

في مطلع عام ٢٠٠٧، تمكَّنت القوات الأمريكية من أَسْر القحطاني بكمين غرب مدينة الموصل، قُتِل خلاله مرافقوه وأُصيب هو إصابةً بالغةً، وبقي في السجون الأمريكية أربع سنوات، ليُفرَج عنه بعدها، حاول قادة تنظيم "دولة العراق" إقناع القحطاني بالاستمرار، وعُرِض عليه تولِّي مكتب العلاقات العامة، وولاية غرب الموصل، لكن القحطاني رفض، وتوجَّه إلى سوريا، واستقر في دمشق للعلاج وممارسة الأعمال التجارية هناك.

القحطاني في سوريا

مع بدء الانتفاضة السورية كان القحطاني متواجدًا في سوريا وتحديدًا دمشق وعلى علاقة مع بعض قادة حركة أحرار الشام وبعض فصائل الجيش الحر، وبعد وصول الجولاني إلى سوريا مكلَّفًا من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" لتشكيل تنظيم موازٍ في سوريا، كان القحطانيّ من استقبله؛ فقد سبق أن التقى الرجلان في مدينة الموصل.

بعد أن استقر الحال بالجولاني في سوريا، طلب من قيادة التنظيم في العراق إعادة تفعيل دور القحطاني، ووافق التنظيم، وكان الأمر وقتها من أبي "مسلم التركماني"، عضو مجلس شورى "الدولة الإسلامية في العراق" وأحد أهم قياداتها.

عُيِّن مسؤولًا شرعيًّا وقاضيًا عامًّا لجبهة النصرة، بالإضافة إلى توليه مسؤول عام منطقة شرق سوريا (الرقة- الحسكة- ديرالزور).

استمر القحطاني في منصبه مسؤولًا وقاضيًا عامًّا لجبهة النصرة، وأميرًا على المنطقة الشرقية من سوريا حتى أواخر عام 2014، حيث عُزِلَ وعُيِّن بدلًا عنه الشرعي الأردني سامي العريدات وبقي القحطاني عضوًا في مجلس شورى الجبهة.

مرت جبهة النصرة منذ نشأتها بمرحلتين من التقلُّبات الفكرية، مرحلة سيادة تيار "معتدل" نسبيًّا منذ بداية تشكيلها وحتى منتصف عام 2014 بقيادة "أبو ماريا القحطاني"، ومرحلة سيطرة تيار متشدِّد يمثل المحافظين يريد اتباع نهج التنظيم الأم "القاعدة".

اتسمت "النصرة" طوال فترة وجود القحطاني مفتيًا عامًّا لها، باعتدالٍ نسبيٍّ؛ إذ كان يرى ضرورة انخراط التنظيم في صفوف الثورة السورية بعيدًا عن الأيديولوجية الدينية.

عمل القحطاني على تمكين التيار الذي يراه أقلَّ تشددًا داخل النصرة من السيطرة على مفاصل التنظيم، عبر تقريب عدد من الشخصيات وتسليمها زمام الأمور، إضافةً لهيمنته على المنطقة الشرقية التي كانت تُعَد عصب الجبهة المالي، لما تحتويه من نفط وثروات.

لكن تَصدُّرَ تيار القحطاني انتهى بعد عزله وتولِّي سامي العريدات منصب الشرعي العام للجبهة، حيث بدأت مرحلة سيطرة الفكر المتشدِّد الذي يريد نهج التنظيم الأم "القاعدة" والذي كانت أولى نتائجه ابتلاع النصرة لكثير من فصائل الجيش الحر والجماعات الإسلامية.

علاقته بالعشائر

يُعتبر القحطاني من أكثر رجال الجماعات الجهادية معرفةً بالعشائر، وأكثرهم دهاءً في كسب ودِّها، فعلاقته بالعشائر بدأت عام 2006، مع تسلُّمه مكتب "العلاقات العامة مع العشائر" في الموصل.

تعيين القحطاني من قبل تنظيم "الدولة" في تلك الفترة مفتيًا وأميرًا على المنطقة الشرقية من سوريا -والتي تُعرَف بطبيعتها العشائرية- لم يأتِ من فراغ، بل كان أمرًا مخططًا له، لمعرفة التنظيم بمقدرة القحطاني على العمل في تلك المناطق وقدرته على استقطاب أهاليها الذين تُشكِّل القبائل العربية 90% من مكوناتهم. 

لم تظهر نتائج سياسة القحطاني مع العشائر إلا بعد بدء الخلاف بين جبهة النصرة وقيادتها في العراق وانقسامها إلى شطرين، الأول "جبهة النصرة" والثاني "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، حيث انحازت العشائر الكبرى وأبناؤها إلى "الجبهة" فيما انحاز المقاتلون الأجانب إلى تنظيم "الدولة".

خلال تلك الفترة -ما قبل الخلاف- كان القحطاني والنصرة قد قطعوا شوطًا مهمًّا في التغلغُل داخل العشائر والمكونات المحلية، على عكس تنظيم "الدولة" في سوريا الذي أخذ موقفًا صداميًّا معه بسبب انحدار معظم قادته في الشق السوري من مناطق ذات طبيعة حضرية، خاصةً قيادات التنظيم المغربية والتونسية والمجموعات القادمة من دول شرق آسيا التي لا تتمتع بأي معرفة بالمناطق العشائرية وطرق التعامل معها.

موقفه المعادي لـ "داعش"

يُعتَبَر القحطاني ألد خصوم تنظيم "داعش" على الإطلاق، والتنظيم يحمِّله مسؤولية الحرب الطاحنة التي دارت مع الفصائل في سوريا، وخاصةً محافظة ديرالزور، فقد نبَّه لخطر التنظيم مبكرًا بحجة انحراف التنظيم فكريًّا ووصوله إلى مرحلة كبيرة من التطرف. 

عداء القحطاني لـ"التنظيم" سبق الخلاف مع جبهة النصرة، فقد حاول القحطاني وأبو "محمد الشحيل" أحد قياديي "النصرة" في ديرالزور، إقناع مجلس شورى النصرة بضرورة إلقاء القبض على أبو بكر البغدادي وسجنه ووأد تنظيم الدولة، حين كان البغدادي في زيارة لريف ديرالزور الشرقي، ولكن أبو محمد الجولاني أمير النصرة رفض الأمر.

ومع بدء القتال بين الطرفين، حرَّض القحطاني العشائر والفصائل الإسلامية، على قتال التنظيم، ولاقت دعواه القبول ودعم الفصائل والعشائر بالمال والسلاح، لكن الأمر حُسِم لصالح "التنظيم" بعد سبعة أشهر، بسبب سقوط الموصل بيد التنظيم وحصاره لمحافظة ديرالزور.

 ويُعتَبَر تخاذل قيادات "النصرة" وعدم مساندتها للقحطاني سببًا ثانيًا في سيطرة "داعش" على منطقة شرق سوريا. وبعد أن حُسِمت المعركة في ديرالزور، خرج القحطاني ومَنْ معه إلى محافظة درعا جنوب سوريا، ليُعزَل بعد أيام من منصبه كشرعي عام لجبهة النصرة، وعُيِّن سامي العريدات بدلًا منه.

وجود القحطاني في درعا استمر لأشهر، حرص خلالها على قتال تنظيم "داعش" هناك طوال فترة وجوده، بعدها خرج ومَنْ معه -مِن عناصر وقيادات من أبناء منطقة شرق سوريا- إلى إدلب، عبر مناطق سيطرة قوات النظام السوري بعد دفع رَشاوَى كبيرة للنظام بحسب مصادر داخل النصرة.

تهمة العمالة

في ١٤ آب/ أغسطس ٢٠٢٣، وقَّف الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام أبا ماريا القحطاني، بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي، وذلك عقب إلقاء القبض على خلية اعترفت بتورُّطه.

التهمة المُعلَنة للقحطاني لم تكن السبب الحقيقي الذي دفع هيئة تحرير الشام لاعتقاله، إنما المخاوف من تحركاته من دون تنسيق مع قيادة الهيئة، والتي سبَّبت قلقًا لقيادات متنفذة مثل نائب القائد العام "أبو أحمد حدود"، وقيادي آخر متنفذ يدعى "المغيرة البدوي" وهو ابن حماه لأبي محمد الجولاني زعيم الهيئة.

عمل "القحطاني" طوال الأشهر الماضية على تكثيف التواصل مع قيادات ضمن الجيش الوطني السوري، وقادة سابقين في "حركة أحرار الشام"، وجميع الأطراف الناقمة على الهيئة، وحاول إقناعهم في فتح صفحة جديدة والتنسيق المشترك.

واتَّصل القحطاني مع ناشطِين سياسيِّين مناهضِين للهيئة، واعدًا إياهم بعملية إصلاحية، لكن القيادات المتنفذة الرافضة لهذه الخطوات حرَّضت "الجولاني" وأقنعته بأن ما يفعله "القحطاني" من أجل مصالحه الخاصة، وبهدف زيادة نفوذه في الشمال السوري، موضحين له أن لديهم معلومات أمنية تفيد بنيته التحضير لـ"انقلاب".

وبعد عملية الاعتقال، دخلت بعض القيادات وعلى رأسهم القاضي في الهيئة مظهر الويس، من أجل إقناع القيادة العامة بإطلاق سراح "القحطاني" واستجابت جزئيًّا؛ حيث وافقت على إحالته إلى الإقامة الجبرية والحد من تنقُّلاته وحركته، لكنها مصرَّة على محاكمته بتهمة التنسيق مع التحالف الدولي والتخطيط لاستهداف قيادة الهيئة، بالإضافة إلى قضايا إدارية ومالية أخرى.

مسألة تواصل "القحطاني" مع التحالف الدولي بحسب المصادر أمر شبه مُؤكَّد؛ إذ أُجرِيت على مدار السنوات الماضية اتصالات بين الجانبين، لكنها ازدادت كثافةً، منذ مطلع العام الحاليّ، بعد مخاوف هيئة تحرير الشام من اتجاه تركيا للعمل على تفكيكها بموجب تفاهمات أستانا.

وأكّد المصدر أن التواصل جرى بعلم قيادة الهيئة، وليس صحيحًا أن "القحطاني" أقدم عليه منفردًا ومن دون تنسيق، كما أنه عرض على التحالف الدولي وبموافقة "الجولاني" فكرة المشاركة في أي عملية مُحتَمَلة قد تنطلق من قاعدة التنف ضد الميليشيات الإيرانية، كما عرض الزج بما يُعرف بـ"أجناد الشرقية" من الهيئة في العملية المُحتَمَلة.

في السابع من آذار الماضي، أعلنت هيئة تحرير الشام براءة أبو ماريا القحطاني من التُّهَم الموجَّهة له وإطلاق سراحه، بعد ٢٠٥ أيام من اعتقاله، لتنتهي بذلك قضية العمالة التي وُجِّهت له.

جميع الأطراف مستفيدة

مقتل القحطاني يصبُّ في صالح جميع الأطراف المعادية له، وأول هذه الأطراف هو الجولاني، كون القحطاني يُعتَبَر من أهم القادة الحالمين وأصحاب القدرة على منافسته، كما يصب في صالح الحركات الأخرى التي حاربها وحاول تفكيكها مثل تنظيم "داعش" وتنظيم "حراس الدين" وغيرهما. وبينما انتهت أيام أبو ماريا القحطاني المثيرة للجدل، فإن الزمن وحده هو الذي سيحدد من المسؤول عن اغتياله وتأثير ذلك على المشهد السوري.

 

محمد حسان باحث غير مقيم في برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط وطالب ماجستير في قسم العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس. تركز كتاباته على مناطق شمال وشرق سوريا، وخاصة الجماعات الإسلامية المتطرفة والمجتمعات القبلية.

 
 

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.
البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك