MEI

صندوق النقد الدولي، والممرّ الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وباكستان: هل سيُنقِذ الصينيون إسلام آباد مُجدَّدًا؟

أغسطس 06, 2024


مشاركة

سيد عبد الأحد وسيم

في السنوات الأخيرة، غاب مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني-الباكستاني عن الأضواء في باكستان، بعدَ أن كانَ يُعَدُّ ذات يوم بمثابة "نقطة تحوُّل". يهدف المشروع، الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات، إلى ربط منطقة سنجان في شمال غرب الصين بميناء غوادار الباكستاني المُطِلّ على بحر العرب من خلال شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب، ما يمنح الصين مكاسب استراتيجية ويُشكِّل شريانًا اقتصاديًّا لباكستان. ولكنْ، في السنوات الماضية، عانى المشروع من بطء التنفيذ، والقروض غير المُسدَّدة، والفساد، وتدهور الوضع الأمني ​​في باكستان.

منذ الإعلان عن الممرّ الاقتصادي الصيني-الباكستاني، أبدت الدولُ الغربيةُ، وفي طليعتها الولايات المتّحدة، والهند بصفتها الحليف الرئيسي للغرب والعدو اللدود لباكستان، معارضتها للمشروع. ووصفه الكثير من المُشرِّعين الأمريكيّين بأنَّه "مصيدة ديون" صينية، وحذَّروا مرارًا وتكرارًا من أنَّهم لا يرغبون في رؤية باكستان تُسدِّد القروض الصينية بواسطة أموال من صندوق النقد الدولي.

يُعدُّ الممرّ الاقتصادي الصيني-الباكستاني أحد المشاريع الأساسية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الضخمة لإنشاء البنى التحتية. وقد تكتّمت كلٌّ من الصين وباكستان على تفاصيل المشروع. ولكنْ، لا يخفى على أحدٍ أنَّ الصينيّين أعربوا عن خيبتهم مرارًا وتكرارًا حيال الإشكاليات المتعدّدة التي واجهها مشروع الممرّ الاقتصادي في باكستان. ففي عام 2019، خلال ولاية رئيس الوزراء عمران خان، أفادت المعلومات بأنَّ باكستان كشفت لصندوق النقد الدولي تفاصيل الاتّفاقات الصينية السرّية، ويعتقد البعض أنَّ ذلك أدّى إلى زعزعة الثقة بين البلدَيْن. والأهمّ هو أنَّ الهجمات الإرهابية المتكرّرة على الصينيّين العاملين على مشروع الممرّ في باكستان أصبحت مصدر قلقٍ كبيرٍ بالنسبة للصين.

وبينما تقترب باكستان من الوقوع في هُوَّة الإفلاس مجدَّدًا، زارَ رئيس الوزراء شهباز شريف الصين في حزيران/يونيو، وأعلنت الدولتان خلال الزيارة عن خطط لتطوير الممرِّ الاقتصادي ومباشرة المرحلة الثانية من المشروع. على الرغم من ذلك، يُعتقَد على نطاقٍ واسع أنَّ الزيارة لم تكن مرتبطةً بمشروع الممرّ الاقتصادي بقدر ما كانت مرتبطةً بالنداء اليائس من جانب باكستان للحصول على الأموال، وذلك على شكل استثماراتٍ صينيةٍ جديدةٍ في مشاريع مرتبطةٍ بالممرّ الاقتصادي، فضلًا عن إعادة جدولة ديون باكستان البالغة 15 مليار دولار والمُستَحَقَّة للصين في مجال الطاقة. 

إنَّ ما يدفع باكستان إلى البحث عن خطّة إنقاذ صينية هو اتّفاقها المُبرَم مؤخّرًا مع صندوق النقد الدولي؛ ففي 12 تمّوز/يوليو 2024، توصّلَ كلٌّ من باكستان وصندوق النقد الدولي إلى اتّفاقٍ على مستوى الخبراء بشأن ترتيبات تسهيل الصندوق الممدّد لمدّة 37 شهرًا بقيمة تُناهِز 7 مليارات دولار. والمقصود بالاتِّفاق "على مستوى الخبراء" هو أنَّ الاتّفاق لم يَنَل بعد موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وستحتاج باكستان إلى "تأكيدٍ في الوقت المناسب" للتمويل اللازم من شركائها الإنمائيّين والثنائيّين (أي الصين) حتّى يحظى الاتّفاق بموافقة المجلس التنفيذي.

لسوء الحظ، جلَّ ما يمكن لباكستان أن تُقدِّمه للصين هو سجلٌّ مُخيِّبٌ للآمال بشأن مشروع الممرّ الاقتصادي، والوضع الاقتصادي غير المستقرّ، والكثير من التحدّيات على مستوى الحوكمة. والأسوأ من ذلك، في ظلِّ الضغوط التي يُمارِسها صندوق النقد الدولي لتبنِّي سياسات التقشُّف والانضباط المالي، أكَّدت باكستان للصندوق أنَّها لا تعتزم تخصيصِ ميزانيةٍ إضافيةٍ لتسديد المُستَحقَّات المتعلّقة بمحطّات الطاقة الصينية التي بُنِيَت في إطار مشروع الممرّ الاقتصادي والتي تبلغ قيمتها 493 مليار روبية (1.8 مليار دولار). ووفقًا لاتّفاق الطاقة الإطاري لعام 2015 بين باكستان والصين، فإنَّ باكستان مُلزَمةٌ بتخصيص "أموال كافية" لصندوقٍ خاصٍّ من أجل تحصين المستثمرين الصينيين من الديون الدائرية. ومن خلال تخصيص 48 مليار روبية فقط للصندوق هذا العام وتحديد حدٍّ أقصى لا يتجاوز 4 مليارات روبية للسحوبات الشهرية، تنتهِك باكستان اتّفاق الطاقة الإطاري. وتُعَدُّ مشكلة متأخِّرات مُنتِجي الطاقة الصينيّين في باكستان عنصرًا أساسيًّا في نداء باكستان إلى الصين بشأن إعادة هيكلة الديون. بالإضافة إلى ذلك، وافقت باكستان أيضًا في الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي على الإلغاء التدريجي للحوافز المُقدَّمة للمناطق الاقتصادية الخاصّة، وهي جزءٌ أساسيٌّ من مشروع الممرِّ الاقتصادي. ووفقًا لمجلس الإيرادات الفيدرالي في باكستان، تُعتبَر المناطق الاقتصادية الخاصّة والمشاريع الأخرى المرتبطة بالممرّ الاقتصادي من بين أكثر الكيانات المعفاة من الضرائب في الاقتصاد.

وعليه، فإنَّ السؤال المهمَّ هو التالي: كيف تستجيب الصين لسوء إدارة باكستان لمشروع الممرّ الاقتصادي، ومآزقها المالية المستمرّة، ومُطالَباتها الدائمة للصين بالإنقاذ؟

تُدرِك الصين الأهمية الجيو-استراتيجية لباكستان والتزامها بمشروع الممرّ الاقتصادي، على الرغم من المشكلات الكثيرة التي تؤثّر على المشروع والتي فشلت باكستان في معالجتها. ويبدو أنَّ الصين تعي أيضًا أنَّ القرارات المالية التي اتّخذتها باكستان مؤخّرًا في ما يتعلّق بالممرّ الاقتصادي تنبع من أزمتها الاقتصادية غير المسبوقة، وبالتالي فهي ليست قراراتٍ دائمةً. ومع ذلك، لا يبدو أنَّ الصين تعتزم مواصلة ضخِّ الأموال إلى باكستان، أو أقلّه بالمبالغ نفسها كما في السابق. فبات كثيرون في الصين يرون أنَّ المخاطر السياسية المرتبطة بباكستان مرتفعة جدًّا، حتّى إنَّ أحد الخبراء الصينيّين البارزين وصفها بأنَّها "ليست أفضل بكثير من الصومال وسوريا". وينبغي أن يُشكِّل ذلك مصدرَ قلقٍ بالغ بالنسبة لإسلام آباد التي تَعتبِر التعاون الصيني، وتحديدًا عبر الممرّ الاقتصادي، أكبرَ بارقةِ أملٍ لها في سبيل الإنعاش الاقتصاديِّ على المدى البعيد.

خلال زيارة رئيس الوزراء شريف إلى الصين في حزيران/يونيو، رفضت الصين اقتراح باكستان بشأن الاستثمارات الجديدة المرتبطة بالممرّ الاقتصادي. وقبل شهر من هذه الزيارة، طلبت باكستان مبلغًا إضافيًّا قدره 17 مليار دولار لمشاريع الطاقة والبنية الأساسية المُموَّلة من الصين. وكانَ رئيس الوزراء شريف والوفد الكبير الذي رافقَه إلى الصين يأملون في تأمين استثماراتٍ جديدةٍ من الصين عن طريق إطلاق "نسخة مُحدَّثة" من مشروع الممرّ الاقتصادي في أثناء زيارتهم. لكنَّ الصين امتنعت عن الإعلان عن أيّ استثماراتٍ جديدةٍ في باكستان، ووافقت حصرًا على المضيِّ في مشروع السكك الحديدية بقيمة 6.7 مليار دولار الذي تأخَّرَ لفترة طويلة، ومن المُتوقَّع أن يُنجَز على ثلاث مراحل. ولم توافق الصين سوى على المرحلة الأولى منه. وباتَ واضحًا للكثيرين أنَّ الصين لم تَعُد متحمِّسةً لمشروع الممرّ الاقتصادي كما في السابق، ويقع اللوم بشكلٍ قاطعٍعلى باكستان.

في نيسان/أبريل، اعترفَ وزير المالية محمّد أورنجزيب بـأنَّ باكستان تعاملت "ببطء" خلال السنوات الماضية مع الممرّ الاقتصادي. وأكَّدَ أنَّ الحكومة كانت تعتزم الشروع في المرحلة الثانية التي تتضمّن الجوانب المُدِرَّة للدخل من المشروع. ولكنْ، في ظلّ تعرُّض عددٍ كبيرٍ من المواطنين الصينيّين للقتل أو الإصابة في مشاريع الممرّ الاقتصادي تزامنًا مع المشكلات المالية اللامتناهية في باكستان، يُشكِّك الكثيرون في استعداد الصينيّين لمواصلة انخراطهم التجاري في باكستان، أو في جدوى المرحلة الثانية من المشروع.

تبدو باكستان أكثر حماسةً من الصين بشأن المرحلة الثانية من المشروع. فتحرص الحكومة الباكستانية على التأكيد على استعدادها لمواصلة تنفيذ المشاريع المُخطَّط لها، حتّى لو شهدَ عددٌ منها بعض التأخيرات. وقد أكّدت مرارًا على أهمية المرحلة الثانية من المشروع التي تُركِّز على تطوير المناطق الاقتصادية الخاصّة، وتعزيز الزراعة، والتعاون العلم، والتكنولوجي. في المقابل، بقيت استجابة الصين باردةً نوعًا ما، وأشارَ المحلِّلون إلى أنَّ الصين تُفضِّل التشديد على الجانب الزراعي من المرحلة الثانية، بعكس باكستان التي تهتمُّ لمشاريع الطاقة والتكنولوجيا.

في الواقع، سلَّطَ الخبراءُ الصينيُّون الضوءَ على الاختلافات العامّة في التوقُّعات حيال الممرِّ الاقتصادي بين البلدَيْن باعتبارها "مصدر قلقٍ كبيرٍ"، وهم يرون أنَّ "توقّعات باكستان المُبالَغ فيها وغير الواقعية بشأن الممرّ" قد تضرّ بالعلاقات بين البلدَيْن على المدى البعيد.

في هذه المرحلة المفصلية، أقلّه في الأمد القريب، يكمُن الأمل الوحيد لباكستان في موافقة الصين على إعادة هيكلة ديون باكستان في قطاع الطاقة. بالتالي، فإنَّ زيارة وزير المالية أورنجزيب إلى الصين في أواخر تمّوز/يوليو تُعتبَر مهمَّةً للغاية. تسعى باكستان إلى تمديد مهلة سداد ديون الطاقة للصين لمدّة خمس سنوات، بهدف الحدِّ من المدفوعات السنوية البالغة 750 مليون دولار من خلال تمديد الإطار الزمني للسداد. ولكنَّ ذلك سيزيد من المدفوعات المُستَحَقَّة للصين بمقدار 1.3 مليار دولار، ليَصِل إجمالي ديون الطاقة الباكستانية المُستَحَقَّة للصين إلى 16.6 مليار دولار بحلول عام 2040. وتسعى باكستان إلى إعادة جدولة 27 مليار دولار من الديون والالتزامات مع الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة لضمان حصولها على برنامج صندوق النقد الدولي.

من غير المؤكَّد ما إذا كانت زيارة السيّد أورنجزيب، في أعقاب زيارة رئيس الوزراء شريف، كافيةً لإقناع الصينيّين بإنقاذ باكستان مجدّدًا. غير أنّ باكستان ستسعى جاهدةً لتسويق الإصلاحات الأخيرة التي أقرّتها الحكومة لتحسين مؤشّرات الاقتصاد الكلّي والاتّفاق على مستوى الخبراء الذي أُبرِمَ مؤخّرًا مع صندوق النقد الدولي من أجل نيل موافقة الصين. وفي هذا الصدد، أشارَ وزير المالية في مؤتمره الصحافي بعد زيارته إلى الصين في 28 تمّوز/يوليو إلى أنَّ الصين تدعم اتّفاق باكستان مع صندوق النقد الدولي. ولكنْ، للمفارقة، لم يذكر ما إذا كانت بيجين قد وافقت على طلب باكستان بشأن إعادة جدولة الديون.

بعد مرور خمسة أيّام على عودة وزير المالية من رحلته إلى الصين، وجّه رئيس الوزراء شريف رسالةً في 2 آب/أغسطس إلى الحكومة الصينية طالِبًا إعادة جدولة الديون. وفي 1 آب/أغسطس، أبلغَ رئيس الوزراء شريف وفدًا صينيًّا رفيع المستوى بأنَّ حكومته قرّرت إعفاء المواطنين الصينيّين من رسوم التأشيرات اعتبارًا من 14 آب/أغسطس.

تبذل الحكومة الباكستانية جهودًا حثيثة للاستحصال على الدعم الصيني، ولكنْ علينا الانتظار لمعرفة كيفية تبلوُر هذا الدعم.

شغلَ سيد عبد الأحد وسيم منصب مستشار السياسة الخارجية لمعهد الولايات المتّحدة للسلام (USIP) لدى اللجنة الدائمة للشؤون الخارجية المنتهية ولايتها في المجلس الوطني الباكستاني. 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك