MEI

روسيا والصين واختلاف مواقفهما تجاه الحوثيّين

يوليو 29, 2024


مشاركة

صموئيل راماني

التضامن الروسيُّ المتزايد مع الحوثيّين يعكس التقارب الروسي النشط من الحوثيّين مواقف روسيا الراسخة تجاه الحرب الأهليَّة اليمنيَّة. فقد امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة رقم 2216 (الذي حثّ جماعة الحوثيّين على التخلّي عن الأراضي اليمنيّة الخاضعة لسيطرتهم ونزع السلاح من جانبٍ واحدٍ)، وانتقدت التدخّل العسكري الذي تقوده السعوديّة في اليمن، وعارضت تصنيف الولايات المتّحدة للحوثيّين كمنظّمةٍ إرهابيّةٍ في العام 2021. وفي حين اعترضت روسيا بشدّة على اغتيال الحوثيّين للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في كانون الأول/ديسمبر 2017، وعلى الضربات الصاروخيّة التي شنّها الحوثيّون على أبو ظبي وجدّة في أوائل العام 2022، لطالما كانت العضو الدائم في مجلس الأمن الأكثر قربًا من المجموعة.

سيرًا على المنوال نفسه، تعارض روسيا الحلَّ العسكريَّ للهجمات الحوثيّة على السفن التجاريّة. وقد قوبِل إنشاء الولايات المتّحدة لتحالفٍ أمنيٍّ متعدِّد الجنسيَّات في البحر الأحمر في كانون الأول/ديسمبر 2023 بالسخرية في موسكو؛ حيث زعم الخبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو، سيرجي بالماسوف، أنّ تحالف البحر الأحمر لن يكون فعّالًا على الإطلاق؛ مُعتبِرًا أنّ وقف هجمات الحوثيّين بالمسيّرات والصواريخ يتطلّب عمليةً برِّيَّةً. وعندما نفَّذت الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة هجماتٍ صاروخيّةً على أهدافٍ للحوثيّين في 12 كانون الثاني/يناير، أدان السفير الروسي لدى الأمم المتّحدة، فاسيلي نيبينزيا، هذه الهجمات واصفًا إيّاها بـ"عدوانٍ مسلّحٍ صارخٍ" على اليمن.

ردّت روسيا على العمليّات العسكريّة الغربيّة بالتواصل الدبلوماسيّ مع الحوثيّين. ففي الثامن عشر من كانون الثاني/يناير، أشاد وزير الخارجيّة الروسي، سيرغي لافروف، بالتقارب بين الحوثيين والمملكة العربيّة السعوديّة، ووصفه بأنّه "مثمرٌ"، وحذَّر من أنّ استمرار الضربات الأمريكيّة والبريطانيّة من شأنه أن يجعل الجماعة المسلّحة أقلّ استعدادًا لتقديم التنازلات. وفي حين رفض لافروف الالتزام بإجراء مزيدٍ من المحادثات الروسيّة مع الحوثيّين، استضاف بوغدانوف وفدًا حوثيًّا في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير لمناقشة أمن البحر الأحمر.

لم تجعل التدخّلات الدبلوماسيّة الروسيّة سلوك الحوثيّين أكثر اعتدالًا، ولكنّها حَمَت سفنها التجاريّة. بالفعل، بقيَت السفن الروسيّة في منأى عن الهجمات، باستثناء ضربةٍ صاروخيّة حوثيّة عرضيّة على ناقلةٍ ترفع علم بنما وتحمل نفطًا روسيًّا في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير، وقد سقط الصاروخ على بعد 500 مترٍ من الهدف. وأكّد المعلّق القوميّ المتطرّف، سيرغي مردان، ساخرًا بأنّه "قريبًا، وحدها السفن التي تحمل النفط الروسي سوف تتمكّن من المرور عبر قناة السويس"؛ ما يشير إلى ثقة روسيا في أنّ سفنها البحريّة في منأى عن هجمات الحوثيّين.

بينما تشهد العلاقات بين روسيا والغرب فتورًا غير مسبوقٍ بسبب الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، يشيد القوميّون الروسيّون المتطرّفون بالحوثيّين باعتبارهم قوةً مقاومةً مناهضةً للغرب. ففي الثالث من تمّوز/يوليو، نشر ألكسندر دوغين منشورًا يزعم فيه أنّ عباراتٍ مثل "شجاعٌ كالحوثيّ" و"أنا حوثيٌّ في ​​قلبي، سأنجح في ذلك" ستصبح قريبًا متداولةً في روسيا. وردًّا على إعطاء الدول الغربيّة الضوء الأخضر لأوكرانيا لتستخدم الأسلحة التي يوفّرها لها حلف "الناتو" لضرب أهدافٍ في شبه جزيرة القرم المحتلّة وروسيا، حثّ مذيع قناة "روسيا 1" التلفزيونيّة، فلاديمير سولوفيوف، وسيرغي مردان الرئيس فلاديمير بوتين على تسليح الحوثيّين.

وفي حين لا تزال هذه التهديدات حتّى الآن في معظمها مجرّد تهويلٍ، زعم مسؤولٌ أمريكيٌّ كبيرٌ مؤخّرًا أن بوتين نظر في احتمال تزويد الحوثيّين بصواريخ جوّالة مضادة للسفن. ولكنْ، أشارت تقارير إلى إلغاء هذا المخطّط بعد زيارة بوتين إلى الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2023، حيث أعرب وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن معارضته لتسليح روسيا للحوثيّين. وتوضح هذه الحادثة أنّ التعاون الروسيّ-الحوثيّ يبقى دون الخطوط الحمراء السعوديّة.

الصين والتقارب مع الحوثيّين للتخفيف من حدّة التهديدات

منذ أن أعرب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن دعمه للوحدة اليمنيّة في خلال زيارته للرياض في كانون الثاني/يناير 2016، عبّرت الصين عن دعمها للتدخّل العسكري الذي تقوده السعوديّة في اليمن. وبسبب هذا الموقف، كان سجلّ التقارب بين الصين والحوثيّين محدودًا أكثر من سجلّ التقارب الروسي-الحوثي. ومع ذلك، منذ كانون الأوّل/ديسمبر 2016، استضافت الصين مسؤولين حوثيّين في بيجين لمناقشة آفاق التسوية السلميّة في اليمن. وساد هذا الاجتماع توتّرٌ كبير، إذ أعربت بيجين عن قلقها إزاء قرار الحوثيين إنشاء حكومة موالين في صنعاء بدلًا من حكومةِ وحدةٍ شاملةٍ. ولم يغيّر تراجع الأعمال العدائيّة بين المملكة العربية السعوديّة والحوثيّين في آذار/مارس 2022 حسابات الصين. وفيما وقَّع الحوثيّون مذكِّرة تفاهمٍ في أيّار/مايو 2023 مع مجموعة "أنتون أويلفيلد" الصينيّة للاستثمار في التنقيب عن النفط قبالة الساحل اليمني، سرعان ما ألغتهذه المجموعةُ الاتفاقيّةَ.

بسبب العلاقات المتوتّرة بين الحوثيّين وبيجين، أبدت الأخيرة قلقها من إمكانيّة استهداف سفنها التجاريّة، علمًا أنّ ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمةٍ للصين، بما أنّها تعتمد على قناة السويس لنقل 60 في المئة من صادراتها إلى أوروبا، وإعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح ستزيد من تكاليف الشحن الصينيّة بشكلٍ ملحوظٍ. وباستثناء إطلاق الحوثيّين خمسة صواريخ باليستية مضادة للسفن استهدفت السفينة الصينيّة "هوانغ بو" التي كانت ترفع علم بنما في آذار/مارس 2024، تجنّبت الصين حتّى الآن الهجمات على أصولها البحريّة. وفيما تؤكّد وزارة الخارجيّة الصينيّة أنّ الحوثيّين لم يقدّموا للسفن الصينيّة ضماناتٍ أمنيّةً قاطعةً، تجنّبت بيجين حتى الآن السيناريو الأسوأ.

عمِلَت الصين على التخفيف من حدّة هذه المخاطر من خلال الخطاب الحذر ودبلوماسيّة الظلّ. ففي الرابع من كانون الثاني/يناير، شدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينيّة، وانغ وين بين، على أهميّة حماية السفن المدنيّة، لكنّه لم يلُم الحوثّيين على تصعيد أزمة البحر الأحمر. وفي العاشر من كانون الثاني/يناير، انضمّت الصين إلى روسيا والجزائر وموزمبيق في الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 الذي أدان هجمات الحوثيّين بـ"أشدّ لهجة".

كذلك، تُعارِض الصين الحلَّ العسكريَّ لأزمة الشحن في البحر الأحمر. وفي حين لم تنضمّ الصين إلى روسيا في إدانةِ الضربات الأمريكيّة والبريطانيّة على الحوثيّين بصراحة، يؤكّد بيانُها المشترك مع جامعة الدول العربية، الصادرُ في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير، على ضرورة "احترام سيادة اليمن وسلامة أراضيه". بدوره، حذّر الأكاديميّ في معهد بيجين للدراسات الآسيوية والإفريقية، تانغ تي تشاو، من أنّ "العمل العسكريّ الأمريكي يصبّ الزيت على النار، وقد يؤدّي إلى تصعيد أزمة الأمن في البحر الأحمر وتحويلها إلى نزاع إقليميّ". وعلى الرغم من أن القوّات البحريّة الصينيّة رافقت سفن الشحن الصينيّة المارّة عبر البحر الأحمر والمياه الصوماليّة، أكّد المتحدّث باسم وزارة الدفاع، تشانغ شياو قانغ، على الطبيعة الروتينيّة لهذه التدريبات في 29 شباط/فبراير.

وعلى عكس استضافة روسيا العلنيّة لمسؤولين حوثيّين، اعتمدت الصين على التواصل الثنائي السرّي مع الحوثيّين لضمان سلامة سفنها التجاريّة. وبالإضافة إلى هذه المبادرات، بدأت بيجين بالتواصل مع طهران بشأن الحاجة إلى حماية السفن الصينيّة. ويحول هذا النهج السريّ دون اضطلاع الصين بدورٍ في تهدئة الأزمة الأمنيّة الأوسع في البحر الأحمر، على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة طلبتا مساعدتها.

روسيا والصين من وجهة نظر الحوثيّين

لطالما رأى الحوثيّون في روسيا والصين شريكَيْن محتملَيْن ضدّ الأمريكيّين، بالرغم من أوجه الاختلاف البارزة في مقاربتهما للحرب الأهليّة اليمنيّة. وفي آذار/مارس 2015، أعلن المسؤولون الحوثيّون عن محاولتهم اجتذاب الاستثمار الروسي في المشاريع المتعلّقة بالطاقة وعن خططهم لتعزيز التعاون مع الصين، من دون أن يسفر ذلك عن أيّ نتائج ملموسة؛ ولكن، استمرّ الحوثيون بطرح عروضٍ اقتصاديّةٍ مماثلةٍ. وفي آذار/مارس 2024، كشف عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" الحوثيّة علي القحوم أنّ تعاون الحوثيّين مع الصين وروسيا ودول "بريكس" (التي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا بالإضافة إلى إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة مؤخرًّا) سيساعد على "إغراق الولايات المتّحدة والغرب في مستنقع البحر الأحمر وفي أعالي البحار، ولكي تغرق وتتلاشى وتضعف قطبيتها الأحادية".

يسعى الحوثيون إلى جذب روسيا عبر الاصطفاف إلى جانب موسكو في ما تعتبره مواجهةً للعدوان الغربي، وبعد الهجوم الإرهابي على قاعة "كروكوس سيتي" الموسيقيّة في آذار/مارس 2024، اتّهم القحوم الغرب وحمّله مسؤولية الحادثة التي تندرج ضمن "المؤامرة الأمريكيّة الغربية وأدواتها الإجرامية" لإضعاف الدولة الروسية. وزعم العضو الآخر في المكتب السياسي لحركة "أنصار الله"، محمد البخيتي، أنّ الولايات المتّحدة كانت تحاول إثارة الفتنة بين المسيحيّين والمسلمين الروس وأنّها أرسلت مقاتلي "داعش" و"القاعدة" إلى أوكرانيا. ولكنّ لهذا التضامن حدودًا؛ ففي حين اعتبر البخيتي أنّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي جزاء الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة على تدخّلهما في الخارج، صرّح الحوثيّون أنّهم لا يؤيّدون الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.

لطالما اعتبر الحوثيون أنّ الصين أكثر تقبُّلًا لسياسة الغرب المتعلّقة باليمن، وقد صرّح البخيتي في تموز/يوليو 2020 أنّ الصين "خسرت أخلاقها معنا" من خلال تأييدها "قرار العدوان" على اليمن في مجلس الأمن إرضاءً للغرب بغية الحفاظ على مصالحها الاقتصاديّة معه. ومنذ نجاح الصين في تسهيل ولادة الاتّفاق السعودي-الإيراني في آذار/مارس 2023، عمدَ الحوثيون إلى التواصل مع الصين لعقد شراكة معادية للغرب معها، وحثّ القحوم بيجين على "استعادة دورها الحيوي" في المنطقة ووضع حدٍّ لسياسات الهيمنة وزعزعة الاستقرار التي يعتمدها الغرب. وحذّرالبخيتي كذلك من نشر الغرب للفكر الوهّابي التكفيري في صفوف المسلمين الصينيّين. لكنّ وسائل الإعلام الصينية لم تُعطِ الحوثيين الحيّز نفسه من التغطية الدورية كما قناة "روسيا اليوم العربية"، ولم تقدِّم لهم منصّة للتعبير عن مظالمهم نتيجة سياسة الغرب في منتديات مجموعة "بريكس" كما روسيا. 

تظهر أزمة الشحن البحري في البحر الأحمر التباين بين تكتيكات بسط النفوذ التي يعتمدها كلٌّ من الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط، إذ تستند موسكو إلى المواقف المعادية للغرب ولديها قدرة عالية على تحمل الاضطرابات، في حين تعتمد بيجين على دبلوماسية الظلّ وتسعى في المقام الأوّل إلى حماية مصالحها الاقتصاديّة. بالتالي، تعقّد هذه الاختلافات الكبيرة قدرة الحوثيّين على توطيد علاقاتهم مع روسيا ومع الصين في الوقت عينه.

صموئيل راماني هو زميلٌ مشاركٌ في معهد الخدمات المتّحدة الملكي (RUSI) للدراسات في لندن والرئيس التنفيذي لشركة "بانجيا" للمخاطر الجيوسياسية. كذلك، فهو مؤلّف كتاب "روسيا في إفريقيا: قوة عظمى صاعدة أو طرف ماكر وعدواني؟" (Russia in Africa: Resurgent Great Power or Bellicose Pretender) و"حرب بوتين على أوكرانيا: حملة روسيا من أجل الثورة المضادة العالمية" (Putin’s War on Ukraine: Russia’s Campaign for Global Counter-Revolution)، اللذين نشرتهما مطبعة جامعة أكسفورد ودار "هيرست" للنشر في عام 2023. يقدّم صموئيل كذلك المشورة لوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في المملكة المتحدة، ووزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الدفاع الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي في قضايا الدفاع والأمن، وهو ضيفٌ دائمٌ في الإذاعات العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية، وقناة "الجزيرة"، و"سي إن إن" الدولية، ومجلة "فورين بوليسي".

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.
البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك