MEI

"داعش" يعيد رصّ صفوفه في سوريا والعراق بحسب القيادة المركزيّة الأمريكيّة.. والواقع أسوأ بكثير

يوليو 17, 2024

تشارلز ليستر


مشاركة

أصدرت القيادة المركزيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة (سنتكوم) في وقتٍ متأخّرٍ من يوم 16 تموز/يوليو بيانًا عامًّا على غير عادتها، أعلنت فيه أنّه بعد مرور ستة أشهرٍ من العام 2024، "يبدو أنّ داعش في طريقه لتخطّي ضعف العدد الإجمالي" للهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في سوريا والعراق في العام 2023. ووفقًا للقيادة المركزيّة، نفّذ تنظيم "داعش" حتّى الآن 153 هجومًا في كلا البلدَيْن في الفترة الممتدّة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو، مع الإشارة إلى أن "الزيادة في الهجمات تشير إلى أن داعش يحاول إعادة رصّ صفوفه بعد عدّة سنوات من انخفاض قدراته". وشدّد الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكيّة، على أن تحقيق هزيمة دائمة لتنظيم "داعش" يعتمد على "الجهود المشتركة للتحالف والشركاء"؛ وهي رسالةٌ واضحةٌ عشيّة المحادثات الثنائية بين الولايات المتّحدة والعراق الأسبوع المقبل في واشنطن بشأن مستقبل التحالف ضد "داعش" في العراق.

صحيحٌ أنّ استعداد القيادة المركزية الأمريكيّة للتصريح علنًا عن زيادة عدد هجمات تنظيم "داعش" في العام 2024 يثير القلق، ولكنّ الواقع أسوأ بكثيرٍ ممّا يشير إليه البيان. والسبب أنّ القيادة المركزية الأمريكيّة تحتسب الهجمات التي يُعلِن التنظيم الإرهابيّ عن مسؤوليّته عنها حصرًا. ولكنْ، من المعروف منذ سنوات أنّ تنظيم "داعش" لا يتبنّى سوى جزءٍ صغيرٍ من هجماته في سوريا والعراق، في ما يبدو أنّه محاولة لإخفاء الجهود المنهجيّة التي يبذلها للتعافي.

وقد أصبح هذا التعافي حقيقةً ملموسةً في سوريا، ولكن ليس في العراق؛ ففي حين نفّذ تنظيم "داعش" 122 هجومًا في العراق في العام 2023، انخفض هذا العدد إلى 35 فقط في الأشهر الستّة الأولى من العام 2024؛ ممّا يشير إلى انخفاضٍ مُحتملٍ بنسبة 43 في المئة هذا العام. ولكنْ، بينما أعلنت القيادة المركزيّة عن تنفيذ التنظيم 153 هجومًا في سوريا في النصف الأوّل من العام 2024، يشير الرصد اليوميّ لهجمات "داعش" المُبلَّغ عنها في كافّة أنحاء البلاد إلى أنّ العدد الحقيقي يبلغ 551 هجومًا في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحّدة و"قوّات سوريا الديمقراطية" الشريكة، وتلك التي يسيطر عليها النظام السوري. وكما توضح الأرقام أدناه، شهد العام 2024 ارتفاعًا كبيرًا في هجمات "داعش" على الأراضي السوريّة. وإذا كانت القيادة المركزية الأمريكيّة تعتقد أن تنظيم "داعش" في طريقه لمضاعفة وتيرة عمليّاته هذا العام، فإنّ الواقع أسوأ من ذلك بكثير ويثير القلق.

في بيانها الصادر في 16 تموز/يوليو، وثّقت القيادة المركزيّة الأمريكيّة أيضًا الإجراءات المُتّخذة لمحاربة "داعش". ففي العراق، أسفرت 137 عمليّةً مشتركةً بين القوّات الأمريكية والعراقية في الفترة الممتدّة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2024 عن مقتل 30 عنصرًا من "داعش" واعتقال 74 آخرين. وتضطلع مثل هذه العمليّات بدورٍ حيويٍّ في إبقاء تنظيم "داعش" تحت السيطرة، فقد حققت انخفاضًا في الهجمات بنسبة 43 في المئة كما ذُكر آنفًا. ولكنّ الواقع يختلف في سوريا المجاورة، حيث يستعيد "داعش" نشاطه من جديد؛ إذ نفّذت القيادة المركزيّة عددًا أدنى بكثير من عمليّات مكافحة الإرهاب هناك، لم يتجاوز الـ59 عمليّةً، أسفرت عن مقتل 14 عنصرًا من "داعش" واعتقال 92 آخرين. وتمثّل هذه الأعداد انخفاضًا محتملًا في العمليّات بنسبة 16 في المئة مقارنةً بالعام 2023، وانخفاضًا بنسبة 72 في المئة في عدد القتلى والمعتقلين من تنظيم "داعش".

تتحمّل إيران والجماعات المسلّحة الموالية لها في العراق وسوريا مسؤوليّة هذا الانخفاض في عمليّات دحر التنظيم في المقام الأول؛ فقد شنّوا ما لا يقلّ عن 185 هجومًا على القوّات الأمريكيّة منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، ما ضيَّق هامش الحركة المُتاح للقوّات العسكريّة الأمريكيّة إلى حدٍّ كبيرٍ، ولا سيّما في سوريا.

غير أنّ عوامل صعود تنظيم "داعش" في العام 2024 كانت متوفّرة في سوريا قبل هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. إذ عكف التنظيم على إعادة بناء قدراته ببطء وبصورة منهجيّة منذ العام 2020، خاصّةً في البادية السوريّة الوسطى التي يسيطر عليها النظام. في هذه الأراضي الشاسعة ذات الكثافة السكانيّة المنخفضة، أعاد تنظيم "داعش" رصّ صفوفه ببطءٍ في السنوات الأخيرة، مُستفيدًا من افتقار النظام إلى القدرة على التعامل مع تمرُّد مترامي الأطراف، وسجلّه العامر باللامبالاة تجاه "داعش". ويبدو واضحًا تركيز تنظيم "داعش" على مناطق سيطرة النظام من خلال الهجمات المميتة التي شنّها في العام الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 82 شخصًا في مناطق سيطرة "قوّات سوريا الديمقراطيّة" و566 في مناطق سيطرة النظام.

وفي الأشهر الستة الماضية، أنتجَ تنظيم "داعش" ما لا يقلّ عن ثلاث عبواتٍ ناسفة مُبتكرة محمولة على مركبات وفجّرها، وهو أمرٌ لم يشهده العالم تقريبًا منذ آخر مرّةٍ سيطر فيها التنظيم على أراضٍ في العام 2019، ومؤشرٌ واضحٌ على تعزيز التنظيم لقدراته اللوجستية ووصوله إلى سلاسل التوريد ومرافق الإنتاج الآمنة. كما ارتفع عدد الهجمات بالعبوات الناسفة المُبتكرة بشكلٍ ملحوظٍ هذا العام، بالإضافة إلى الهجمات المكثّفة المعقّدة، والكمائن المنسَّقة، والاقتحامات، والحواجز الطيّارة على الطرقات السريعة، والاغتيالات المستهدفة.

بالإضافة إلى ذلك، شملت هجمات "داعش" في سوريا هذا العام أعدادًا أكبر من المقاتلين الذين يعملون في مناطق مكشوفة لفتراتٍ أطول من الزمن، ما يشير إلى استعدادٍ أكبر لخسارة العناصر في المعركة، ويعني أنّ تجنيد عناصر جُدد لم يعُد يمثّل مشكلة. بالإضافة إلى ذلك، بات تنظيم "داعش" يتسلّل أكثر من قبل إلى المناطق الحضريّة في هجماته ويضرب أهدافًا أكثر استراتيجيّةً، مثل منشآت النفط والغاز ونقاط التفتيش العسكريّة. وعادت "إدارة الظل" التابعة للتنظيم إلى الواجهة أيضًا، مع إعادة انتشار شبكة ابتزازٍ منسَّقة؛ إذ يفرض عناصر التنظيم "ضرائب" مخصّصة على المحال التجاريّة والشركات المحليّة ويصدرون فواتير بها ويفرضون رسومًا جمركيّة على النقل بالشاحنات التجاريّة على الطرقات الرئيسيّة.

تعود جذور تنظيم "داعش" إلى أواخر الثمانينيّات، وقد تأسّست "دولة" التنظيم للمرّة الأولى في العام 2006. وقد نشطَ التنظيم لفتراتٍ أطول من دون أن يسيطر على أيّ أراضٍ، مقارنةً بفترات نفوذه الميداني. لذا، فهو تنظيمٌ إرهابيُّ صبورٌ بطبيعته، ويتمتّع بسجلٍّ راسخٍ من التعافي والعودة إلى الواجهة بعد تعرّضه لهزائم ساحقة وفقدانه مساحات شاسعة من الأراضي. فقد شهدت المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" والمناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا صعود تنظيم "داعش" في العام 2024، ما فرض واقعًا لم يشهده العالم منذ العام 2017؛ ونظرًا للارتقاء النوعيّ في أنشطة التنظيم بالتوازي مع ذلك، ينبغي دقّ ناقوس الخطر لا في مقرّ القيادة المركزية الأمريكيّة فحسب، بل في البيت الأبيض أيضًا. فإذا لم يتمّ التعامل مع هذه المشكلة بسرعةٍ، قد يعيد التاريخ نفسه في الأشهر والسنوات المقبلة. 

تشارلز ليستر هو زميلٌ أوّل ومدير برنامجَيْ سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف في معهد الشرق الأوسط.

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك