خمسة استنتاجات رئيسية من الاستطلاع الجديد قُبيل الانتخابات النيابية في إيران
فبراير 28, 2024ألكس فاتانكا
ألكس فاتانكا
آرش عفور و أليكس فاتانكا
يتناول هذا المقال خمسة استنتاجات رئيسية من الاستطلاع الذي أجرته مؤسَّسة "ستاسيس للاستشارات" في شباط/فبراير 2024 قُبيل الانتخابات النيابية الإيرانية في الأوَّل من آذار/مارس. للاطِّلاع على نتائج الاستطلاع بمزيدٍ من التفصيل، يُرجى مراجعة هذا المقال على الموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط، أو قراءة النتائج الكاملة من "ستاسيس" عبر هذا الرابط.
1. إقبال الناخبين يستمرُّ في التراجع في ظلِّ تزايُد اللامبالاة في صفوفهم
آرش غفوري: قد تكون هذه الانتخابات هي الأولى التي تنخفض فيها نسبة إقبال الناخبين إلى ما دون 40% بعد عام 1979. وفي حين أنَّ هذه النتيجة قد استُمِدَّت من دراسة استطلاعية واحدة، إلَّا أنَّ كلَّ الأدلَّة تُشير إلى أنَّ نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية لعام 2024 ستكون أقلَّ من النسبة المسجَّلة في عام 2020، التي بلغت حوالي 43%. ومع ذلك، بعد عدَّة انتفاضات في السنوات القليلة الماضية –وتحديدًا في عام 2019، وعام 2021، وبالأخصِّ حركة "المرأة والحياة والحرِّية" في أواخر عام 2022 وفي عام 2023– باتَ من الواضح أنَّ الإيرانيين غير راضين إطلاقًا عن أداء النظام. وتتمثَّل إحدى المفاجآت الأبرز التي تمخَّضَ عنها هذا الاستطلاع في أنَّ المُستطلَعين الذين لم يَصِلوا إلى مرحلة التعليم الجامعي، وللمرَّة الأولى منذ أن بدأتُ إجراء الاستطلاعات حول الانتخابات الإيرانية، قالوا إنَّهم أقلُّ ميلًا للمشاركة (31%) مقارنةً بالمُستطلَعين الذين يحملون شهادةً جامعيةً (40%). وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ المجموعة الأولى تُشكِّل أكثر من 70% من مجموع السكَّان البالغين. وبحسب التقارير الواردة من عدَّة مصادر، بما فيها التقارير الصادرة عن مسؤولين حكوميين، ضمَّت الانتفاضات الشعبية في السنوات القليلة الماضية العديد من الفئات المُهمَّشة في البلد، ومن بينهم أولئك الذين لم يحصلوا على التعليم الجامعي.
أليكس فاتانكا: ليس من المُستَغرَب تراجع نسبة الإقبال. فحتَّى وسائل الإعلام التابعة للنظام داخل إيران توقَّعتْ هذا السيناريو منذ أشهر. لسنواتٍ عدَّة، استطاعت الجمهورية الإسلامية الأوتوقراطية أن تدَّعي امتلاكها ولو درجة قليلة من الشرعية من خلال الإشارة إلى ما يُسمَّى بالكتلة "الإصلاحية" داخل النظام. وفي التجارب التي سُمِحَ للإصلاحيين فيها بخوض الانتخابات، فازوا بالتصويت الشعبي، كما حدثَ في عامَيْ 1997 و2013 عندما وصل إلى السلطة كلٌّ من محمَّد خاتمي وحسن روحاني. غير أنَّ المرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر 84 عامًا، لم يعُد مستعدًّا للمجازفة. فهو يصبُّ تركيزه على تعزيز السيطرة في يد الموالين المتشدِّدين القلائل لتثبيتهم في مناصب السُّلطة بعد وفاته. غير أنَّ الشعبُ الإيراني لم تعُد تنطلي عليه هذه المهزلة، وهو يرفض الانخراط في لعبة خامنئي المواربة.
2. انخفاض نسبة التأييد للرئيس إبراهيم رئيسي يحدُّ من حظوظه في اعتلاء منصب المرشد الأعلى
آرش غفوري: يحظى الرئيس إبراهيم رئيسي بنسبة تأييد منخفضة (32%). ويُشكِّل هذا الرفض الشعبي عقبةً حقيقيةً بالنسبة له كونه يسعى، أقلّه إلى حدٍّ ما، إلى بلوغ منصب المرشد الأعلى. علاوةً على ذلك، ليس لدى الإيرانيين ثقة كبيرة في قدرة رئيسي على معالجة القضايا التي تعنيهم. فبحسب استطلاعٍ أجرته مؤسَّسة "ستاسيس" في عام 2021، يعتقد 20% فقط من المُستطلَعين أنَّ رئيسي قادر تمامًا على معالجة المشكلات التي يواجهها الشعب الإيراني. وبالنظر إلى هذه الأرقام، من المُستبعَد جدًّا، أو ربَّما من المستحيل، أن ينجح رئيسي في محاولته للوصول إلى منصب المرشد الأعلى.
أليكس فاتانكا: تُعزى النظرة السلبية للرأي العام في إيران حيال رئيسي إلى سببَيْن أساسيَّيْن؛ أوّلاً، وصلَ رئيسي إلى سدَّة الرئاسة في عام 2021 بما يُشبِه التعيين، بعد عمليةٍ انتخابيةٍ مُهندَسةٍ بالكامل. كذلك، فهو لا يتمتَّع بأيِّ قاعدةٍ شعبيةٍ في المجتمع الإيراني، إذا استثنينا أنه يمثِّل إرادة خامنئي. ولقد أمضى رئيسي البالغ من العمر 63 عامًا كلَّ حياته كمُوالٍ لكبار شخصيات النظام، وأبرزهم خامنئي. ثانيًا، في ظلِّ رئاسته، شهدَ الشعبُ الإيراني مزيدًا من التدهور الاقتصادي، كما تفاقمت عزلة إيران الدولية. وحتَّى تاريخه، لم يحِد رئيسي ولو لمرَّة عن تنفيذ إرادة خامنئي، سواء لناحية التعامل مع الولايات المتّحدة، أو الأزمة النووية، أو أيٍّ من التحدِّيات الاستراتيجية الكبرى الأخرى التي تواجهها إيران. إلَّا أنَّ هذه الطاعة قد تكون أفضل رهان يُعوِّل عليه رئيسي لخلافة خامنئي واعتلاء منصب المرشد الأعلى لاحقًا، على الرغم من استحالة التنبُّؤ بمَن سيخلف خامنئي.
3. خسارة جواد ظريف أمام رئيسي في تصويتٍ افتراضيٍّ دليلٌ على أنَّ الجبهة الإصلاحية فقدت زخمها
آرش غفوري: بالنسبة إلى الجبهة الإصلاحية، لم تتجاوز نسبة تأييد الإيرانيين لأفكارهم 11% منذ أن بدأنا الاستطلاعات حول هذه المسألة في عام 2019. ويبدو أنَّ مشكلتهم الرئيسة في الآونة الأخيرة تتلخَّص في أنَّ الذين يَعتبِرون أنفسهم إصلاحيين، أو يؤكِّدون أنَّهم سيُصوِّتون للإصلاحيين إذا اقترعوا أساسًا، لن يُشارِكوا في الانتخابات على الأرجح. في هذا الاستطلاع، طُلِبَ من المُستطلَعين اختيار الشخصيات السياسية التي قد يمنحونها أصواتهم إذا أرادوا تأييد قائمة معيَّنة من المرشَّحين افتراضيًّا. وشملت الخيارات: السيِّد خاتمي (رئيس سابق)، أو السيِّد روحاني (رئيس سابق)، أو السيِّد رئيسي (الرئيس الحالي)، أو محمَّد باقر قاليباف (رئيس مجلس الشورى الحالي). وتُظهِر النتائج أنَّه بصرف النظر عمَّا إذا كانَ المُستطلَعون يُعتبَرون ناخبين مُحتمَلين، فإنَّ 18% منهم يختارون مرشَّحين يدعمهم رئيسي، يليهم 12% ممَّن يتبعون خيارات الرئيس السابق خاتمي. ولكنْ، إذا قُمنا بتصفية هذه الردود ونظرنا حصرًا في أجوبة الناخبين المُحتمَلين، يَتبيَّن أنَّ تأثير السيِّد رئيسي يَصِل إلى 31% مقارنةً بالسيِّد خاتمي الذي لا تتعدَّى نسبة مؤيِّديه الـ9%. ويبرز اسم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بين الباقين، حتَّى بالمقارنة مع رئيسي، وذلك من حيث نفوذه السياسي. فالسيِّد أحمدي نجاد يُعَدُّ الشخصية السياسية الأكثر تفضيلًا في إيران منذ عام 2020 بحسب استطلاعاتنا.
أليكس فاتانكا: بلغت الكتلة الإصلاحية ذروتها في الفترة الممتدَّة بين عامَيْ 1997 و2003، عندما سمحَ النظام لمرشَّحيها بخوض الانتخابات والفوز بها لكونهم الخيار المفضَّل لدى الرأي العام. ولكنْ، تبدَّلت حقيقتان منذ ذلك الحين، ولم يعُد بوسع الجمهورية الإسلامية أن تزعم وجود ثنائية "الإصلاحيين" مقابل "المتشدِّدين" ضمن النظام. أوَّلاً، وبما أنَّهم فشلوا في تحقيق أيِّ إنجازاتٍ عندما كانوا في السلطة، باتَ الإيرانيون اليوم ينظرون إلى الإصلاحيين باعتبارهم المغفَّلين المفيدين لخامنئي. وأفضل مثال على ذلك مؤخّرًا هو الرئيس السابق روحاني: فقد قطعَ وعودًا بإحداث تغييراتٍ كثيرةٍ، لكنَّه لم يحقِّق سوى القليل خلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه. في فترة الانتخابات، يُمنَح الإصلاحيون هامشًا معيَّنًا للتعبير عن وجهات نظرهم عبر وسائل الإعلام وتوجيه النقد للنظام (ولكن ليس لخامنئي نفسه قطعًا)، وذلك في محاولةٍ من خامنئي لإثارة حماسة الرأي العام. لكنَّ هذا التكتيك القديم لم يعُد فعَّالاً. ومع أنَّ أحمدي نجاد ألحق ضررًا كبيرًا في إيران أثناء تولِّيه سدَّة الرئاسة (بين عامَيْ 2005 و2013)، لكنَّه أكثر من اقترب من مواجهة خامنئي علنًا من بين الرئيسَيْن الأخيرين. ولهذا السبب، لا يزال يحظى ببعض الدعم الشعبي في إيران. أمَّا الإصلاحيون، مثل وزير الخارجية السابق جواد ظريف، فلم يُواجِهوا خامنئي علنًا بالطريقة نفسها، ولم يغفر لهم الشعب الإيراني ذلك.
4. الشباب الإيرانيون متشائمون للغاية حيال الوضع السياسي الحالي والآفاق المستقبلية
آرش غفوري: ثمَّة فجوة واضحة بين الشباب الإيرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا والفئات العمرية الأخرى، ولا سيِّما الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا وما فوق. فالشباب الإيرانيون أقلُّ ميلًا إلى المشاركة في الانتخابات (24%، مقابل 34% من إجمالي السكَّان) وأكثر ميلاً إلى رفض أداء كلٍّ من الرئيس (73% مقابل 65%) ومجلس الشورى (66% مقابل 61%).
أليكس فاتانكا: الشباب في إيران ليسوا غاضبين ومُحبَطين فحسب، بل لم يعُد لديهم ما يخسرونه في مجتمعٍ تقلُّ فيه فُرَص العمل، وينتشر فيه الفساد، ويعود فيه الاقتصاد بالنفع على مَنْ لديه علاقات بالزعماء السياسيين، وتتبنَّى فيه النخبة الحاكمة سياساتٍ اجتماعيةً وثقافيةً بعيدةً كلَّ البعد عن واقع الإيرانيين العاديين. ومن المُرجَّح أن تتفاقم هذه الظروف وتتَّجه نحو الأسوأ. فهذا النظام السياسي، الذي يسيطر عليه خامنئي وحُماته المسلَّحون في الحرس الثوري، يرفض إيجاد حلول وسطية تُلبِّي تطلُّعات الشباب الإيرانيين أو ببساطة لا يعرف كيفية القيام بذلك. قبل عقدٍ من الزمن، كان الحراك السياسي في الشارع يقتصر بالإجمال على الطبقة الوسطى المثقَّفة في المُدُن الكبرى. أمَّا اليوم، فمشاعر السخط الشعبيِّ العميقة تسود لدى كلِّ أطياف المجتمع الإيراني وفي مختلف أنحاء البلد، ولكنَّها الأشدُّ في صفوف الشباب الذين يُحتمَل أن يحقِّقوا مكاسب كبرى في حال نجحوا في مواجهة قيادة النظام الإسلامي.
5. الاقتصاد ما زالَ يتصدَّر اهتمامات الإيرانيين، وكثيرون منهم يُفضِّلون المغادرة
آرش غفوري: من المعروف أنَّ الاقتصاد والبطالة يُعتبَران من أهمِّ القضايا في إيران، ليسَ في هذا الاستطلاع فحسب، بل في كلِّ الاستطلاعات التي أجريتُها منذ عام 2013. في هذا الاستطلاع، أشارَ معظم المُستطلَعين إلى أنَّهم متشائمون حيال الرفاه المستقبلي للشباب الإيرانيين (76%)، ويعتقد معظم الإيرانيين أنَّ الشباب يفضِّلون الهجرة على البقاء في البلد (68%). وأبدى المُستطلَعون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا قلقًا أكبر حيال الآفاق الاقتصادية المستقبلية للشباب الإيرانيين (82%)، كما أنَّهم بدوا أكثر ميلًا للاعتقاد بأنَّ الشباب يريدون الهجرة بدلًا من البقاء في إيران (77%). إضافةً إلى ذلك، ترى الأغلبية الساحقة من الإيرانيين أنَّ المسؤولين ليسوا مهتمِّين بمعالجة القضايا التي تعني الشباب الإيرانيين (70%).
أليكس فاتانكا: خلال العقود الأربعة الماضية، شهدت إيران أحد أعلى معدَّلات هجرة العقول في العالم. وتجاهلَ المسؤولون في طهران هجرة النخب لفترةٍ طويلةٍ، لا بل شجَّعوها في بعض الأحيان. ولكنَّ هذه الظاهرة تؤدِّي إلى تداعياتٍ اقتصاديةٍ وخيمةٍ. فاليوم، تتخلَّف إيران عن الدول المُجاوِرة لها، مثل تركيا ودول الخليج، في جذب المواهب المثقَّفة. ومن الواضح أنَّ هذا الواقع ينعكس سلبًا على المشاعر القومية الإيرانية بقدر ما يقف عائقًا أمام النموِّ الاقتصادي للبلد. ولطالما كانَ النظام السياسي القمعي الذي لا يتقبَّل المعارضة هو الدافع وراء الهجرة في مختلف طبقات المجتمع. إلَّا أنَّ اتِّساع الهُوَّة مؤخَّرًا بين إيران والاقتصادات الأخرى -نتيجة العقوبات أيضًا– ضاعفَ العوامل الدافعة نحو الهجرة. وقد ظهرَ ذلك في نتائج هذا الاستطلاع. وعلى الرغم من هذا الواقع، لا يبدو أنَّ القادة في طهران لديهم أيُّ رؤية فعلية لعكس هذا الاتِّجاه السلبي.
آرش غفوري هو الرئيس التنفيذي لمؤسَّسة "ستاسيس للاستشارات".
أليكس فاتانكا هو مدير برنامج إيران وباحث أوَّل في برنامج البحر الأسود في معهد الشرق الأوسط.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.