خمسة أسئلة أساسيّة ستؤثر في مجريات مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 لتغير المناخ
نوفمبر 28, 2023محمّد محمود
محمّد محمود
ينعقد المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة إكسبو دبي، في الإمارات العربية المتحدة، بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر و12 كانون الأول/ديسمبر. وللسنة الثانية على التوالي، يُقام المؤتمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد أن استضافت مصر المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في شرم الشيخ عام 2022. لا شكّ في أنّ آثار تغيُّر المناخ قد تفاقمت في السنوات الأخيرة، ما يجذب أنظار العالم نحو المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف هذا العام، الذي يشمل جدول أعماله عدّة بنود تهمّ مجموعة متنوّعة من أصحاب المصلحة، بهدف تحفيز العمل على عدّة جبهات من أجل معالجة التحدّيات الطارئة التي تطرحها أزمة المناخ.
وقُبيل انطلاق المؤتمر في وقتٍ لاحق من هذا الأسبوع، نستعرض خمسة أسئلة ستؤثر في مسار المؤتمر ونتائجه:
1. هل ستساهم السنة الأشدّ حرارةً على الإطلاق والجرد العالمي لجهود مكافحة التغير المناخي في إحداث نقلة نوعيّة في مستوى جهود التحوّل إلى الطاقة المستدامة؟
بعد فصل الصيف الذي شهد درجات حرارة لم يسبق لها مثيل حول العالم، من المرجّح أن تصبح هذه السنة الأشدّ حرارة على الإطلاق. ونظرًا إلى احتمال حدوث موجات الحرّ الموسميّة غير المسبوقة هذه بوتيرة أعلى ولفترات أطول، تبرز مخاوف فعليّة من أنّنا لم نعد قادرين على الالتزام بهدف اتفاق باريس المتمثّل في إبقاء الارتفاع في الحرارة دون 1.5 درجة مئوية. ولا ترتبط هذه المخاوف فقط بمستويات الحرّ الشديدة، بل أيضًا بما يرافقها من آثار مناخيّة – مثل الفيضانات، وظواهر الطقس المتطرّفة، وموجات الجفاف.
يتزامن هذا التسارُع في تغيُّر المناخ مع سنة مفصليّة في دورة مؤتمرات الأطراف السنويّة. فيمثّل المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف ذروةالحصيلة العالميّة الحاليّة، وهي عمليّة مدّتها سنتان انطلقت خلال المؤتمر السادس والعشرين في غلاسكو، اسكتلندا، لجرد مدى تنفيذ الأطراف لالتزاماتها المتعلقة بالتخفيف من الآثار على المناخ بموجب اتفاق باريس. وستوفّر نتائج الحصيلة معيارًا جديدًا لقياس الثغرة (التي اتّسعت على الأرجح) بين جهود التخفيف الحاليّة وما هو مطلوب لمنع الاحترار العالمي من تخطّي عتبتَيْ 1.5 درجة مئوية و2 درجة مئوية اللتين تشكّلان نقطة اللاعودة. ويجب أن يشكّل هذا المؤتمر الدعوة الأخيرة لجميع الدول لاتّخاذ تدابير مؤثّرة ومتسارعة للتخفيف من آثار التغير المناخي والتحوّل إلى الطاقة المستدامة. فلن يبقى أيّ مجال لإطلاق المزيد من التحذيرات بعد الانتقال إلى نظام مناخي أشدّ حرًّا، وسيوفّر التحليل الكمّي ضمن الجرد العالمي معلومات حول التدابير الواجب اتّخاذها لوقف مسار الاحترار في المرحلة المقبلة. كذلك، ينبغي تحديث المساهمات المُحدّدة وطنيًّا والاستراتيجيات المناخية الوطنية. والأهمّ هو أنّه لم يكن ممكنًا تأجيل تنفيذ خطط التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.
2. كيف يمكننا تجاوز فجوة التمويل للبدء بحشد التمويل لتنفيذ الخطط المتعلّقة بالمناخ؟
أفضت المفاوضات خلال المؤتمر السابع والعشرين للأطراف إلى اتفاق حول إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لصالح البُلدان المعرَّضة لتأثيرات تغيُّر المناخ. لكنّ التقدُّم منذ ذلك الحين حول تفاصيل الصندوق على مستوى لجنة انتقالية مؤلّفة من بلدان ناشئة ومتقدِّمة لا يزال بطيئًا بسبب خلافات حول بعض النقاط الأساسية. فمن جهة، لا تريد البُلدان المتقدِّمة تمويل الصندوق بمفردها، وتطالب بلدانًا ناميةً غنيّةً بالمساهمة أيضًا. ومن جهة أخرى، عارضت البُلدان النامية أن تتولّى مؤسّسة في بلد متقدِّم استضافة الصندوق وإدارته. وبعد سلسلة من الاجتماعات المتوتّرة، وافقت اللجنة على مضض بأن يتولّى البنك الدولي استضافة الصندوق وإدارته على أساس مؤقّت. ولكن لم تُحدَّد بعد التفاصيل حول كيفية تشغيل الصندوق – بما في ذلك مسائل أساسية مثل كيفية توزيع الأموال ولأيّ جهات ووفق أيّ معايير.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني أشكال التمويل الأخرى للجهود المناخية من بطء في تحقيق الأهداف التمويلية والتشغيلية؛ فقد تحقّق هدف حشد تمويل للجهود المناخية بقيمة 100 مليار دولار أميركي من البلدان المتقدِّمة أخيرًا عام 2022، بعد سنتَيْن من موعد تحقيقه الأساسي في عام 2020. كذلك، يعاني صندوق المناخ الأخضر الأقدم عهدًا من عمليات موافقة وتنفيذ بطيئة لمشاريع التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معها في البلدان النامية. وقد ازداد خطر الأضرار المناخية التي لا يمكن إصلاحها بشكل كبير في البلدان النامية مع تفاقُم ظاهرة تغيُّر المناخ مؤخرًا. لذا، فمن الضروري للغاية تفادي أيّ تأخير إضافي في توفير التمويل الكافي للجهود المناخية وفي تفعيل صناديق المناخ ذات الصلة.
3. كيف ستؤثر الأزمة في غزّة في مجريات المؤتمر؟
مع استمرار تطوُّر الأزمة في غزة واستحواذها على اهتمام دول العالم، من المُحتَمَل أن تطال تأثيراتها المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف. فللمرّة الأولى، يشمل جدول أعمال المؤتمر يومًا مكرّسًا للتعافي والسلام. لكنّ هذه المبادرة الحميدة قد تتحوّل إلى مسألة مثيرة للجدل نظرًا للوضع في غزّة، إذ من المرجّح أن تهيمن الأزمة الدائرة حاليًا على النقاشات. في ظلّ التظاهرات المستمرّة حول العالم ضدّ الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمِّرة على قطاع غزّة، كما ستشكّل مشاركة إسرائيل في المؤتمر أيضا مسألة شائكة. فسبق أن قرّرت إسرائيل إرسال وفد كبير للمشاركة في المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف، كما تلقّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعوة للحضور شخصيًّا. وفي حين أنّ التفاصيل حول هويّة الموفدين الإسرائيليّين لا تزال غير معروفة، فمن المتوقَّع أن تُرسِل إسرائيل وفدًا أصغر بكثير ممّا كان مقرَّرًا.
فضلًا عن ذلك، هناك نتيجة أخرى متعلّقة بمؤتمر الأطراف قد تذهب أدراج الرياح نتيجة النزاع في غزّة. فقد بات من المُستبعَد للغاية السير باتفاق تبادل الطاقة مقابل المياه بين الأردن وإسرائيل، الذي أُبرِم برعاية الإمارات العربيّة المتّحدة ووقِّعَت مذكرة تفاهم بشأنه خلال المؤتمر السابع والعشرين للأطراف. فمن الصعب تصوُّر أيّ تعاون إضافي بشأن المناخ على المدى المنظور بين إسرائيل والدول العربية المجاورة.
4. هل سيُطرَح الأمن المائي كمسألة شديدة الأهمّية خلال مؤتمر الأطراف؟
لم تتطرَّق مؤتمرات الأطراف السابقة إلى الأمن المائي كمسألة بارزة، كما لم تُدرَج ضمن جدول أعمال الرئاسة خلال المؤتمر السادس والعشرين للأطراف. وفي حين أنّ الأمن المائي ورد ضمن جدول الأعمال المواضيعي للمؤتمر السابع والعشرين، فهو لم يشكل موضوعًا أساسيًّا كما كان متوقَّعًا، بالرغم من استضافة المؤتمر في مصر، الدولة التي تولي أهمّية كبرى للأمن المائي (كونها تعتمد على نهر النيل). يقرّ الجميع بدور المياه في التكيُّف مع تغيُّر المناخ، ولكن مع ذلك لا تُعطى هذه المسألة القدر الكافي من الأهمية. وبالرغم من أنّ النقاشات في الاجتماعات المتعلّقة بالمناخ باتت تتطرّق إلى الأمن الغذائي كوسيلة للتكيُّف وتتناول دور الهيدروجين الأخضر بشكل متزايد في التحوّل إلى الطاقة المستدامة، لا تتناول تلك النقاشات الدور الأساسي للمياه في تحقيق الأمن الغذائي وتوسيع استخدام الهيدروجين الأخضر. ولكن هناك أملًا بأنّ هذا الشرخ بين قضايا المياه والمناخ في مؤتمرات المناخ العالمية آخذ في التراجع.
فقد دعت الأمم المتّحدة إلى عقد مؤتمر للمياه في وقتٍ سابق من هذا العام، للمرّة الأولى منذ سنة 1977. وشكَّل المؤتمر، الذي تناول علاقة المياه بالصحّة والتنمية المستدامة والتكيّف مع تغيّر المناخ والتعاون والعمل، خطوةً طال انتظارها لتعزيز أهمّية المياه في جدول الأعمال العالمي بشأن التنمية المستدامة. ويؤمَل بأنّ المؤتمرات من هذا النوع ستضمن الاعتراف بأهمية المياه كعنصُر أساسي في التكيّف مع تغيّر المناخ ينبغي مراعاته، ناهيك عن فائدته في قطاعات أخرى، بدلًا من أن تبقى المياه مجرّد فكرة ثانوية أو أداة تمكينيّة للأهداف البيئية الأخرى (كما كانت حال الأمن الغذائي).
5. كيف سيؤثر انعدام اليقين بشأن المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في المفاوضات النهائية خلال المؤتمر الثامن والعشرين؟
خلال مؤتمرَيْ الأطراف السابقَيْن، بات من شبه المعتاد أن تُفضي المفاوضات إلى اتفاق ما، يحوّل مساهمات أطراف الاجتماع (والبلد المضيف) لذاك العام إلى مُخرَجات يُفترَض التباحث فيها خلال المؤتمرات التالية. فقد أدّى المؤتمر السادس والعشرون إلى ميثاق غلاسكو للمناخ المُخيّب للآمال، في حين أفضى المؤتمر السابع والعشرون إلى اتفاق مفصلي على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار. ومن المتوقَّع التوصُّل إلى نتيجة مشابهة خلال المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف. إلا أنّ انعدام اليقين عمومًا حول مرحلةِ ما بعد المؤتمر الثامن والعشرين سيؤثر في مجريات المؤتمر هذا العام.
وفق نظام المداورة في استضافة مؤتمرات الأطراف السنوية، كان من المفتَرَض أن تستضيف منطقة أوروبا الشرقية ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين العام المقبل. غير أنّ التعقيدات الجيوسياسية والنزاع الدائر حاليًا في تلك المنطقة يحولان دون ذلك. وتمنع روسيا عمليًّا انعقاد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، عبر عرقلة كلّ المحاولات لاستضافة المؤتمر العام المقبل في إحدى دول الاتّحاد الأوروبي. فقد اقترحت أرمينيا وأذربيجان استضافة المؤتمر، لكنّ كلًّا منهما يعرقل مقترح الآخر بسبب الخلاف حول منطقة كاراباخ، خصوصًا في ظلّ بسط أذربيجان سيطرتها على المنطقة مجدّدًا في عملية عسكرية مؤخرًا.
نظرًا لعدم الاتفاق على دولة مُضيفة لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أوروبا الشرقية قُبيل انعقاد المؤتمر الثامن والعشرين، تواجه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ موقفًا صعبًا لجهة اختيار مكان انعقاد مؤتمر العام المقبل. فقد أكّدت البرازيل نيّتها استضافة مؤتمر الأطراف الثلاثين عام 2025 (مُخرجةً نفسها من النقاش حول المؤتمر التاسع والعشرين)، كما أشارت الإمارات العربيّة المتّحدة إلى أنها لن تستضيف مؤتمر العام المقبل هي الأخرى. ومن الخيارات البديلة الأخرى التي اقتُرِحَت، عقدُ المؤتمر في مقرّ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة بون الألمانية. إلا أنّ الاتفاق على مكان انعقاد المؤتمر لا يحلّ قضيّة من سيترأس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، علمًا أنّ الجهة التي تترأس المؤتمر تلعب دورًا أساسيًّا في تحديد جدول أعمال الاجتماع ومبادئه التوجيهية. لهذه الأسباب كلّها، ستُلقي هذه الأسئلة بظلالها على النتائج المستقبلية للمؤتمر الثامن والعشرين للأطراف، التي ستخرج في وقتٍ غير مؤاتٍ إطلاقًا، كوننا لا نستطيع تحمُّل تفويت سنة أخرى (حرفيًّا أو مجازيًّا، عام (2024، نتيجة عدم اليقين المُحيط بمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.