تزايد الاضطرابات في السويداء السورية مع تزايد الغارات الجوية الأردنية وتزايد الوفيات بين المدنيين
فبراير 01, 2024
محمد حسان
يثير القصف الأردني داخل محافظة السويداء السورية، في إطار مكافحة تجارة وتهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، انتقادات تجاه عمّان، لأنها تتسبَّب بمقتل العديد من المدنيين، منذ بدء هذه العمليات صيف العام الماضي ٢٠٢٣. وتكررت أخطاء الطيران الأردني منذ الضربات الأولى التي وجَّهها سلاح الجو الأردني في الثامن من أيار ٢٠٢٣، والتي أودت بحياة ستة أطفال إلى جانب والدهم مرعي الرمثان، المتهم بتجارة وتهريب المخدرات إلى الأردن. أهالي المحافظة أشاروا، في مناسبات عدة، إلى أن جميع الضربات أوقعت مدنيين أو أضرارًا في المنازل والممتلكات الخاصة، حتى وإن كانت استهدفت في بعضٍ منها متَّهَمين بتجارة وتهريب المخدرات إلى الأردن.
عام من القصف والضحايا مدنيُّون
العمليات العسكرية لسلاح الجو الأردني بدأت قبل قرابة عام، وبالتحديد في شهر أيار من عام ٢٠٢٣، بعد أيام من إطلاق أيمن الصفدي، رئيس الوزراء الأردني، تهديدًا بعملية عسكرية تستهدف الأراضي السوريَّة، بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات القادمة من الجنوب السوري إلى الأراضي الأردنية. الأردن علَّل تدخله العسكري من خلال تعزيز الحراسة المشددة للحدود وعمليات القصف الجوي لمناطق الجنوب السوريّ، بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات إلى أراضي المملكة والقضاء على التجار ومصانع المخدرات في المنطقة، التي باتت تشكل أكبر الهواجس الأمنية للمملكة خلال السنوات الأخيرة.
في يوم الاثنين الخامس من أيار ٢٠٢٣، بدأت أولى الغارات الأردنية لمحاربة تجارة وتهريب المخدرات القادمة من الجنوب السوري، واستهدف سلاحُ الجو الأردني حينها قريةَ الشعاب جنوبي السويداء، ومحطة التنقية الواقعة بين مدينة درعا وبلدة خراب الشحم، وأسفرت الغارة الأولى عن مقتل تاجر المخدرات مرعي رويشد الرمثان، إضافةً لزوجته وأطفاله الستة، بينما دمَّرت الغارة الثانية موقعًا لتصنيع وتجميع حبوب الكبتاغون.
أثارت الغارات وقتها استياء المجتمع المحلي في محافظة السويداء والشارع السوري، بسبب مقتل مدنيين، وطَالَب وقتها نشطاءُ ووجهاء محافظة السويداء وسياسيون ونشطاء سوريون، المملكة الأردنية بفتح تحقيق بخصوص الحادثة وتجنب استهداف المدنيين، لكن الجانب الأردني لم يعلق على تلك الأحداث ولم يستَجِب لها.
استمرت الغارات الجوية الأردنية بعدها، إضافةً لاشتباكاتٍ شبه يومية مع المهرِّبين على طول حدود الشمالية المحاذية لسوريا، وفي ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣، قصف الطيرانُ الأردنيُّ مزرعةً في قرية ذيبين قرب الحدود، ما تسبب بمقتل أربعة أشخاص بينهم سيدة وطفلين، كما قُتِل شخصٌ آخر نتيجة غارة استهدفت مزرعة فيصل السعدي، وهو مهرب مزعوم، قرب بلدة صلخد. القصف أعاد حالة الغضب داخل المجتمع المحلي، وخرجت المظاهرات المطالبة بفتح تحقيق بعمليات قتل المدنيين، لكن الجانب الأردني لم يعلق على أيٍّ من الحوادث، بل استمر بعمليات القصف الجوي.
يوم الخميس ١٨ كانون الثاني، استهدف الطيرانُ الأردنيُّ بلدة عرمان جنوب شرقي محافظة السويداء، ضمن عملية مكافحة تجارة وتهريب المخدرات، وتسببت الغارات بمقتل ١٠ مدنيين معظمهم نساء وأطفال من عائلة الحلبي، وكان من بين القتلى العقيد الركن المتقاعد من جيش النظام السوري نزيه الحلبي، الذي أكدت مصادر محلية "أنه من المشاركين في الحراك الثوري ضد النظام الذي تشهده السويداء". وأضافت المصادر "أن الحلبي غير مرتبط بأي شكل من أشكال تجارة أو تهريب المخدرات"، ليرتفع بذلك عدد ضحايا القصف الجوي الأردني منذ انطلاقه حتى الآن إلى أكثر من ٢٠ مدنيًّا معظمهم أطفال ونساء في محافظة السويداء وحدها.
السكان غاضبون
حادثة مقتل ١٠ مدنيين في بلدة عرمان جنوب شرق السويداء بالقصف الأردني، أعادت الغضب داخل الشارع المحلي في المحافظة وعموم سوريا؛ حيث خرجت المظاهرات -ولا تزال- يوميًّا في ساحة الكرامة ومناطق متفرقة من السويداء، تنديدًا بعمليات قتل المدنيين، كما وجَّه المتظاهرون انتقادات للحكومة الأردنية، واتهموها بارتكاب جرائم بحق المدنيين.
عدم قدرة الأهالي والمجتمع المحلي في المنطقة على الحصول على تصريحات وتوضيحات من السلطة الأردنية، زاد من الاستياء والغضب بين السكان المتضررين، وتساءل البعض "إن كان غياب الدقة المتكرر في القصف يهدف إلى توجيه رسالة تتجاوز تجار المخدرات"، وبدأ البعض يشكك، طبقا لعدة مقابلات أجراها كاتب المقال، بأن "الهدف هو دفع المجتمع المحلي للعودة للنظام السوري واللجوء له من أجل وقف تلك الهجمات الجوية".
سالم، من أهالي بلدة عرمان جنوب شرق السويداء، قال: "إن مناطق جنوب وجنوب شرق السويداء باتت مناطق خطرةً على المدنيين، نتيجة قصف الأردن الذي دائمًا يسقُطُ المدنيُّون ضحايا له، بينما تترك تلك الطائرات مقرَّات حزب الله والمليشيات الإيرانية المصنع الأول ومصدر المخدرات وراعي تجارتها وتهريبها". وأضاف سالم: "أن طيران الاستطلاع والطيران الحربي يحلِّق في مناطق جنوب المحافظة باستمرار، حتى إننا بتنا نعتقد أن هذه المنطقة هي غزة وليست السويداء، حتى أن البعض ممن يملكون منازل داخل مدينة السويداء أو في أجزائها الشمالية من أبناء المنطقة الجنوبية غادر باتجاهها خوفًا من القصف".
مطالب المجتمع المحلي الغاضب في السويداء تلخَّصت في عدة نقاط، شكَّلت المطلب العام لهم، أول هذه المطالب فتح تحقيق موسَّع بعملية القصف الجوي، التي تسببت بمقتل ٢٠ مدنيًّا في محافظة السويداء، كان آخرهم ١٠ أشخاص في بلدة عرمان، وتقديم الحكومة الأردنية الاعتذار والتعويض للضحايا وذويهم.
المطلب الثاني، تعلق بإيجاد تنسيق بين الحكومة الأردنية والفصائل العسكرية في السويداء، مثل "حركة رجال الكرامة"، لمكافحة عمليات تهريب المخدرات، وتجنب عمليات القصف الجوي التي تستهدف المدنيين.
كما طالب المجتمعُ المحليُّ، أن تركز الحكومة الأردنية على النظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الله؛ لأنها هي من تملك مصانع إنتاج المخدرات وهي المشرف على عمليات وشبكات تهريب المخدرات إلى الأردن والعالم كله.
مبادرة حركة رجال الكرامة
حركة رجال الكرامة في السويداء، وهي حركة عسكرية تأسست عام ٢٠١٣، على يد الشيخ وحيد البلعوس، وتُعتَبَر أكبر فصيل عسكري في محافظة السويداء، أطلقت يوم الأحد ٢٢ كانون الثاني، مبادرة إلى الحكومة الأردنية من أجل تنسيق جهود وتبادل المعلومات لمكافحة عمليات تهريب المخدرات إلى المملكة.
تضمنت المبادرة ٩ بنود رئيسية، أهمها، مطالبة المملكة الأردنية، بوقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، والتحلي بالحكمة والبصيرة، وتوخي الحذر، عند تنفيذ أي عملية، وضرورة إبلاغ الحركة بجميع التحركات العسكرية الأردنية والتنسيق مع حركة رجال الحركة.
البند الثاني من المبادرة طالبت فيه الحركة من المملكة الأردنية، وبالطريقة التي تناسبها، تسليمها لوائح بأسماء المتواجدين ضمن محافظة السويداء ممن تعتقد أنهم متورطون في تجارة وتهريب المخدرات، من أجل ملاحقتهم وتسليمهم للحكومة الأردنية.
كما تضمنت المبادرة مطالبة الحركة القيادات العسكرية في المملكة، والمسؤولة عن القصف السابق، برفع الضرر الواقع على ممتلكات المدنيين، وتعويضهم على خسائرهم، والتحقيق الشفاف بمصادر معلوماتهم التي تسببت بسقوط قتلى مدنيين، والاعتذار لذويهم معنويًّا، والتعويض عليهم ماديًّا، كما طالبت بوقف الاستهداف العشوائي للمساكن والأراضي الزراعية، التي تشل الحركة في القرى الجنوبية، وتتسبب في نزوح جماعي عنها.
المبادرة حمَلت في بنودها أيضًا، دعوة الحركة الزعامات الدينية والاجتماعية والتقليدية في كل منطقة أو قرية من محافظة السويداء، والعائلات، والشخصيات السياسية، لتصدير مواقف واضحة ومعلنة، ضد كل من يتورط بتجارة المخدرات وترويجها وتهريبها ضمن مناطقهم، وتحديد أولئك المتورطين بالاسم، ودعم جهود الحركة في ملاحقتهم ومحاسبتهم.
وأكدت الحركة ضمن مبادرتها أنها ستساعد بقية القوى الأهلية والمدنية وكافة المرجعيات الاجتماعية والروحية في السويداء، بعمليات ملاحقة مهربي وتجار المخدرات، والتحقيق معهم، ومحاسبة من يثبت تورطه، بكافة الطرق والوسائل المتاحة، قانونيًّا وعشائريًّا.
النظام السوري يُعلق
على مدى الأشهر القليلة الماضية، التزمت الحكومة السورية الصمت بشأن الضربات الجوية الأردنية. لكن، في 23 كانون الثاني/يناير، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً أعربت فيه عن "أسفها العميق" إزاء الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو الأردني، وأضافت أن "مثل هذه العمليات داخل الأراضي السورية غير مبررة". وزعم البيان، الذي نشرته الوكالة العربية السورية للأنباء، أن الغارات الجوية الأردنية أدت إلى مقتل "العديد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال"، مضيفاً أنه "منذ عام 2011، تعاني سوريا من تدفق عشرات الآلاف من الإرهابيين ونقل كميات هائلة من الأسلحة القادمة من دول مجاورة، بما في ذلك الأردن."
وشددت وزارة الخارجية أيضاً على أن التصعيد في الأشهر الأخيرة يتعارض مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين البلدين بشأن قضايا تشمل تهريب المخدرات، وأكدت مجدداً "التزام سوريا بمحاربة الإرهاب... [و] الاتجار غير المشروع بالمخدرات وأنشطة التهريب"، وأشارت إلى أن جهودها للتواصل مع الحكومة الأردنية بشأن قضايا مثل تحسين أمن الحدود "لم تتلق رداً بعد". ولكن نظراً للتقارير الموثقة جيداً عن تورط النظام السوري في أنشطة الإتجار غير المشروع بالمخدرات وأنشطة التهريب في جنوب سوريا، فقد تجد دمشق نفسها تنتظر وقتاً طويلاً.
محمد حسان باحث غير مقيم في برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط وطالب ماجستير في قسم العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس. تركز كتاباته على مناطق شمال وشرق سوريا، وخاصة الجماعات الإسلامية المتطرفة والمجتمعات القبلية.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.