بعد ردِّ "حزب الله": لا حربَ موسَّعة حتى الآن، لكنَّ النزاع مستمرٌّ
أغسطس 28, 2024رندا سليم
رندا سليم
في 25 آب/أغسطس، ردَّ "حزب الله" على اغتيال إسرائيل للقيادي الكبير في صفوفه فؤاد شكر في 30 تموز/يوليو عبر إطلاق 340 صاروخًا وعشرات المسيّرات من جنوب لبنان ومنطقة البقاع شرق البلاد. وبحسب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، كانت تلك المرّة الأولى التي تُطلَق فيها مسيّرات نحو إسرائيل من البقاع. بدأ ردّ "حزب الله" بعد وقتٍ قليلٍ من شنِّ إسرائيل ضربةً وصفتها بـ"الاستباقيّة"، استهدفت فيها 100طائرة حربيّة مواقع عسكريّة تابعة لـ"حزب الله"، بما في ذلك منصّات لإطلاق الصواريخ، وذلك لإحباط هجوم بحوالي 6,000 صاروخ بحسب المسؤولين الإسرائيليّين.
في أعقاب ذلك، خاض الطرفان حرب سرديّات، حيث حاول كلٌّ منهما تصوير عمليّته بأنّها نجحت في تحقيق أهدافها. وتمثّل معيار النجاح بالنسبة لإسرائيل في إحباط هجوم واسع لـ"حزب الله"، فيما اعتبر الأخير أنَّ عمليَّته نجحت لأنَّه تمكَّن من شنِّ هجومه المخطَّط "المحدود" على الرغم من الضربة الاستباقية الإسرائيلية. ولم يتَّضح بعد ما إذا كانت صواريخ الحزب ومسيّراته وصلت إلى أهدافها، كون إسرائيل تفرض تعتيمًا إعلاميًّا، فيما أشار نصر الله إلى أنّ "حزب الله" بحاجة إلى بعض الوقت لمعرفة ذلك.
وفي خطاب ألقاه بعد الردّ في 25 آب/أغسطس، عرضَ نصر الله لأربعة أسباب لتأخُّر ردّ الحزب:
1. كان "حزب الله" بحاجةٍ إلى بعض الوقت لتحديد أهدافه؛
2. أراد الحزب إطالة فترة القلق في إسرائيل في انتظار الردِّ؛
3. احتاج محور المقاومة بقيادة إيران إلى بعض الوقت لاتِّخاذ قرارٍ بشأن كيفيّة الردّ على اغتيال شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة، وكذلك على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيُّون في اليمن. وعلى وجه التحديد، تباحث أطراف المحور في احتمال الردِّ بشكلٍ مُشتَرَكٍ أو إفساح المجال أمام كلِّ طرفٍ لاختيار شكل الردِّ وتوقيته بشكلٍ مستقلٍّ. وأشار نصر الله إلى أنّهم قرّروا المضيّ بالخيار الثاني؛
4. أراد "حزب الله" إعطاء فرصةٍ للمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في غزّة. وأعاد نصر الله التأكيد على أنّ وقف إطلاق النار لا يزال يشكّل الأولويّة بالنسبة للحزب. وبعد أن استنتج الحزب بأنّ المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، قال نصر الله إنّ تأجيل الردّ لم يعُد مُجديًا.
إلى أين تتَّجه الأمور إذًا؟ نظرًا إلى فشل المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل في الدوحة والقاهرة، سوف تستمرُّ الحرب التي شنَّها "حزب الله" في 8 تشرين الأول/أكتوبر دعمًا لـ"حماس" والفلسطينيّين. فقد وقع "حزب الله" في فخٍّ استراتيجيٍّ نصبه لنفسه عبر ربط قرار وقف الحرب بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزَّة. وبذلك، يكون الحزب قد منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكلٍ أساسيٍّ سلطة اتخاذ قرار وقف الحرب، مع العلم أنَّ نتنياهو لا يبدو مستعجلًا على الإطلاق.
ومع استمرار النزاع من دون وجود خارطة طريقٍ واضحةٍ لكيفيَّة إنهائه، تتضاءل المكاسب التي يحقِّقها "حزب الله" من جبهة الإسناد التي فتحها. فقد اغتيل أكثر من 400 من قياديِّيه، وبينهم كوادر أساسيُّون. كذلك، دُمِّرَت مساحات واسعة من القرى في جنوب لبنان، التي تُعدُّ معاقل لـ"حزب الله" منذ وقتٍ طويلٍ، وحُرِقَت أراضيها الزراعية، وهُجِّر أكثر من 100,000 لبنانيٍّ، معظمهم من ناخبي "حزب الله"، من منازلهم. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال أكثر من 150,000 مدنيٍّ لبنانيٍّ عالقين في المنطقة الواقعة ضمن 10 كيلومترات من الخطّ الأزرق، والتي تشهد تبادلًا يوميًّا لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل.
خارج القواعد الشعبية الأساسية لـ"حزب الله"، بات الدعم القوي نسبيًّا لجبهة الإسناد يتراجع بسرعةٍ في لبنان. وليس من قبيل الصدفة سعي نصر الله في خطابه في 25 آب/أغسطس إلى طمأنة المستمعين إلى أنّ الحرب لن تتوسَّع وأنّه بإمكان الناس العودة إلى حياتهم الطبيعية.
وعليه، عادت ديناميّات النزاع على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية إلى ما كانت عليه قبل 30 تموز/يوليو واغتيال فؤاد شكر، أي إلى تبادل إطلاق النار اليومي عبر الحدود وحملة الاغتيالات المستمرَّة التي تشنُّها إسرائيل ضدَّ قياديِّي "حزب الله" و"حماس" ومؤخرًا "فتح" في لبنان. أمَّا إيران والحوثيُّون، فمن جهتهما، قد أعلنا نيَّتهما الردَّ على اغتيال هنيّة وهجوم الحديدة بشكل منفصل.
في الخطاب الذي ألقاه في 25 آب/أغسطس، حدَّد نصر الله المعايير التي اعتمدها "حزب الله" في اختيار أهدافه بالتفصيل، في محاولةٍ لإرساء قواعد اشتباكٍ مع إسرائيل. وسوف تكشف الأيام المقبلة ما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بهذه القواعد. وحدَّد نصر الله ثلاث قواعد: عدم استهداف المدنيِّين، وعدم استهداف البنى التحتية، واستهداف منشأةٍ عسكريّةٍ إسرائيليةٍ شاركت في التخطيط لعمليّة اغتيال شكر وتنفيذها. ويشبه هذا التفسير الحجّة التي قدّمتها إسرائيل، ومفادها أنَّ شكر اغتيل بسبب مسؤوليته عن تخطيط وتنفيذ الهجوم الذي شنَّه "حزب الله" في 27 تموز/يوليو على مجدل شمس في هضبة الجولان التي تحتلُّها إسرائيل. كذلك، فإنّ معايير الردِّ الانتقاميِّ لـ"حزب الله" تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ تلك التي اتَّبعتها إيران في نيسان/أبريل الماضي عندما هاجمت إسرائيل ردًّا على الضربة الإسرائيلية على القنصليَّة الإيرانيَّة في دمشق.
حتى الآن، لا يريد "حزب الله" أو إسرائيل، ولا داعموهما في إيران والولايات المتّحدة، تدحرج النزاع إلى حربٍ شاملةٍ. غير أنَّ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 25 آب/أغسطس أنَّ التصعيد الأخير "ليس نهاية القصَّة"، بالإضافة إلى الجوقة المتزايدة من الشخصيات السياسية والأمنية الإسرائيليَّة التي تطالب إسرائيل بتغيير الوضع في الشمال، ومستويات الدعم الشعبي المرتفعة نسبيًّا لاتِّخاذ إجراءاتٍ عسكريَّةٍ ضدَّ "حزب الله"، كلُّها عوامل قد تدفع نتنياهو إلى شنِّ حربٍ كبرى على لبنان، ولو أنَّه لا يزال يمتنع عن اتِّخاذ قرارٍ كهذا حتى الآن. وإذا كانت دروس الماضي لا تزال صالحةً، فمن المرجَّح أن تُفضي هذه الخطوة إلى عواقب وخيمةٍ: فالحربان الإسرائيليَّتان على لبنان في 1982 و2006شكَّلتا الضربة القاضية لمسيرة سلفَيْه السياسية.
رندا سليم مديرة برنامج تسوية المنازعات وحوارات دبلوماسية المسار الثاني في معهد الشرق الأوسط، كما أنَّها زميلة غير مُقيمة في معهد السياسة الخارجية التابع لكلية الدراسات المتقدّمة والدولية في جامعة جونز هوبكنز.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.