الولايات المتحدة ومستقبل الديمقراطية الإسرائيلية: حان وقت الأفعال لا الأقوال
مارس 24, 2023نمرود غورين
نمرود غورين
بينما تسعى الحكومة الائتلافية الإسرائيلية المتشددة لإقرار تشريع من شأنه أن يغير جذريًا من الطابع السياسي للدولة ونظام الحكم فيها، فإن أجراس الإنذار تدق أخيرًا في واشنطن. حتى أن الرئيس جو بايدن، أخيرًا، تحدث هاتفيًا مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأعرب عن قلقه بشأن أجندته المناهضة للديمقراطية. ومع ذلك، فإن القلق الأمريكي المتزايد، لم يُترجم بعد إلى إجراءات سياسية ذات مغزى.
حتى الآن، أظهرت واشنطن اهتمامها، في الغالب، بالكلمات. أكد كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بمن فيهم الرئيس نفسه الآن، على أهمية حماية الديمقراطية من أجل مستقبل العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، وطالب أعضاء الكونجرس اليهود، ديمقراطيون وجمهوريون، الحكومة الإسرائيلية بتعليق هذا التشريع. أعربت المنظمات اليهودية الرائدة عن معارضتها لأعمال الحكومة، وأصدرت شخصيات بارزة مؤيدة لإسرائيل - من بينها آلان ديرشوفيتز (Alan Dershowitz) ومايكل بلومبرج (Michael Bloomberg) - تحذيرات شديدة بشأن الاتجاه الذي تتجه إليه إسرائيل. وحدثت احتجاجات ضد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش (Bezalel Smotrich) خلال زيارته الأخيرة لواشنطن العاصمة.
في تطور مهم في وقت سابق من هذا الشهر، وقع أكثر من 90 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين رسالة إلى الرئيس بايدن يحثونه على اتخاذ إجراء فعلي. الرسالة، التي تربط، بذكاء، التشريع الإسرائيلي المناهض للديمقراطية مع التطلعات التوسعية [بناء المزيد من المستوطنات] لأعضاء رئيسيين في الحكومة الائتلافية لنتنياهو، تدعو الرسالة بايدن إلى "استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع حكومة إسرائيل الحالية من إلحاق المزيد من الضرر بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد، وتقويض إمكانية حل دولتان لشعبين".
ومع ذلك، فإن ما قد تكون عليه هذه "الأدوات الدبلوماسية"، لا يزال غير واضح. في الواقع، حتى البيت الأبيض نفسه يبدو غير متأكد بشأن ما يمكنه أو ينبغي أن يفعله. وقد ظهر تناقضها في الطريقة التي أدارت بها قرار منح تأشيرة دبلوماسية للسيد سموتريتش في أعقاب دعوته التحريضية لـ "محو" قرية حوارة الفلسطينية.
إن تردد الإدارة فيما يتعلق بمقاربتها، حتى مع تزايد حجم الأزمة في إسرائيل يومًا بعد يوم، هو أمر محبط. نظرًا لتعنت الحكومة في مواجهة المناشدات الشعبية الجماهيرية، وحتى اقتراح التسوية الذي قدمه الرئيس إسحاق هرتسوغ الأسبوع الماضي، يتوقع المعسكر المؤيد للديمقراطية أن يرى دعمًا دوليًا، لا سيما من قِبَل الولايات المتحدة، ليس كمنقذ، ولكن كمصدر للتمكين ودعم مُكمّل للنضال الداخلي.
تحقيقًا لهذه الغاية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، استفدنا نحن الاثنين من خبرة عدد من الخبراء الإسرائيليين في العلاقات الخارجية (والعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية على وجه الخصوص) من أجل اقتراح بعض التوصيات السياسة الملموسة حول كيف يمكن لإدارة بايدن الانتقال من الأقوال إلى الأفعال. نذكر بعض هذه العناصر الرئيسية أدناه:
أولاً، يجب على الرئيس بايدن مخاطبة الجمهور الإسرائيلي - ويفضل أن يكون ذلك من خلال قناة إعلامية إسرائيلية - حول أهمية الديمقراطية الليبرالية في إسرائيل. علاوة على ذلك، يجب على مسؤولي إدارة بايدن إثارة القضية في جميع الارتباطات الرسمية مع نظرائهم الإسرائيليين عبر جميع مستويات العمل، بما في ذلك الدبلوماسية والأمنية والتجارية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المُشرعين الأمريكيين تقديم قرار "شعور الكونجرس" [هو تشريع غير ملزم يقره الكونجرس بمجلسيه] من أجل التأكيد على قلق الكونجرس من التشريعات الإسرائيلية المناهضة للديمقراطية.
بعد ذلك، يجب على إدارة بايدن خلق رابطة مباشرة بين الديمقراطية الإسرائيلية والعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يكفي التأكيد فقط، كما ورد في اتصال بايدن مع نتنياهو، أن "القيم الديمقراطية كانت دائمًا، ويجب أن تظل، سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". ولا يقل أهمية عن ذلك، التأكيد على أن العلاقة ستعاني في حالة غياب تلك القيم الديمقراطية. ولهذه الغاية، يجب أن يتم تحديد الخطوط الحمراء المُتعلقة بسلامة الديمقراطية في إسرائيل، وتوضيح العواقب المترتبة على تجاوزها، وتقديم أفق إيجابي للحكومة الإسرائيلية إذا غيرت مسارها. وغني عن القول، يجب أن تكون الإدارة الأمريكية مستعدة لتنفيذ العواقب في كل مرة يتم فيها تجاوز خطًا أحمر.
في غضون ذلك، يجب على الإدارة أن تواصل تأجيل دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تدعو الرئيس هرتسوغ، الذي يتولى رسميًا رئاسة الدولة الإسرائيلية، والذي كان يُظهر في مواجهة الأزمة الحالية اهتمامه العميق بالحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية. يمكن للبيت الأبيض استخدام زيارة هرتسوغ للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإسرائيل في وقت لاحق من هذا الربيع، واستخدام هذه المناسبة لتأكيد الدعم الأمريكي لإسرائيل الليبرالية والديمقراطية والتعددية، والتأكيد على أن حل الدولتين هو عنصر أساسي في حماية هذه القيم.
في الوقت نفسه، يجب على الإدارة أن تصرح علنًا أنها لن تتعامل مع أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة. في أعقاب عنف المستوطنين المتزايد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل الهجوم الذي حدث الشهر الماضي على قرية حوارة، يجب أن يتم أيضًا وضع قيود على التمويل الأمريكي العام والخاص للمنظمات الإسرائيلية، التي تتبنى أجندات التفوق اليهودي والعنصرية والفاشية، وتصنيف أولئك الذين يتبنون العنف صراحةً كمنظمات إرهابية.
هذا هو الوقت المناسب أيضًا للإدارة لزيادة دعمها للجماعات المؤيدة للديمقراطية في إسرائيل. يجب أن تركز الإدارة الأمريكية، بشكل خاص، على تلك المجموعات التي من المُرجح أن تتأثر بشكل خطير وفوري بهذا التشريع، مثل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والمجتمع العربي في إسرائيل. يمكن أن تشمل أنشطة الدعم الفاعليات العامة وبرامج التبادل المهني، وزيادة عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمساعدة في دعم الديمقراطية (مثل الذي تم إطلاقه مؤخرًا في أوروبا الوسطى).
أخيرًا، وليس أقل أهمية، يجب على الإدارة الأمريكية التأكيد على أن الإصلاح القضائي في إسرائيل والوضع في الضفة الغربية متشابكان بشكل لا ينفصم وخطير. في هذا السياق، ينبغي أن تواصل الإدارة جهودها من أجل التهدئة على الأرض، لا سيما قبل شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، اللذين يؤدي تداخلهما الجزئي هذا العام إلى فترة متقلبة بشكل خاص. كما يجب عليها تذكير الجمهور الإسرائيلي بأنه لا توجد ديمقراطية حقيقية مُستدامة داخل إسرائيل دون إنهاء الاحتلال وحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويجب عليها حشد الجهات الفاعلة، الإقليمية والدولية، لإحياء بعض التقدم نحو حل الدولتين.
هذه ليست سوى عدد قليل من الإجراءات المُمكنة التي يمكن أن تتخذها إدارة بايدن. هناك بالتأكيد أشياء أخرى يمكن للمسؤولين الأمريكيين التفكير فيها. في كلتا الحالتين، لم يعد هناك وقت للتردد. إسرائيل في منعطف محفوف بالمخاطر، وعلى الولايات المتحدة - كصديق حقيقي ومميز - أن تتدخل لمساعدة الإسرائيليين في حماية ديمقراطيتهم: ليس كبديل لما نقوم به نحن الإسرائيليين بالفعل، لمقاومة خطط حكومتنا المناهضة للديمقراطية، ولكن من أجل تمكين واستكمال ما نقوم به في الوقت الحالي.
نمرود جورين هو كبير باحثين في الشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط ورئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (Mitvim). يوناتان توفال هو كبير محللي السياسة الخارجية في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية. يود المؤلفون أن يشكروا الدكتور إيهود إيران والدكتور روي كيبريك على مساهماتهما في التوصيات المذكورة أعلاه.
تصوير سعيد قاق/وكالة الأناضول/جيتي ايماجيز