النزاع والتنافس والاحتواء: عوامل ستحدِّد مسار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024
ديسمبر 12, 2023براين كاتوليس, بول سالم, نمرود غورين, تشارلز ليستر, ميريت ف. مبروك, فادي نيكولاس نصّار, جيهان هنري, ندوى الدوسري
براين كاتوليس, بول سالم, نمرود غورين, تشارلز ليستر, ميريت ف. مبروك, فادي نيكولاس نصّار, جيهان هنري, ندوى الدوسري
عواقب حرب إسرائيل و"حماس" ستُلقي بظلالها على عام 2024
بول سالم/ الرئيس والمدير التنفيذي
قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت المنطقة تتَّجه نحو خفض التصعيد وتطبيع العلاقات والتركيز على المصالح الاقتصاديّة. غير أنّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عاد إلى الواجهة وبقوّة اليوم، وبالتزامن مع ذلك، تفاقم النزاعُ بين إيران ووكلائها، من جهة، والولايات المتّحدة من جهة أخرى. في عام 2024، سيتحدّد مسار المنطقة إلى حدٍّ بعيد تبعًا لكيفيَّة انتهاء الحرب في غزّة والوضع الجديد الذي سينشأ بعدها.
في حال أفضت الحرب إلى احتلال إسرائيلي جديد لقطاع غزّة وتوسيع حركة الاستيطان في الضفّة الغربية، سيتراجع الزخم نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وستشتدّ معارضة الرأي العام العربي لمسار التطبيع؛ في الوقت نفسه، ستواجه الولايات المتّحدة توتّرات في علاقاتها الإقليمية. وسيستفيد كلّ من إيران ووكلائها، والجماعات السنّية المتطرّفة، من هذا الاستقطاب، الذي سيزيدهما عديدًا ونفوذًا. في المقابل، إذا أفضت الحرب إلى مساعٍ جدّية لبناء السلام، بقيادة الولايات المتّحدة وبمشاركة جهات فاعلة عالمية وإقليمية رئيسيّة، قد تتّجه المنطقة نحو مستقبل أفضل بكثير، ما سيهمّش دور الجهات المتطرّفة والمخرِّبة.
على المستوى الوطني، من غير المتوقّع أن تحدث تغيّرات سياسية كبرى، بالرغم من إجراء انتخابات وطنيّة –صُوَريّة بمعظمها– في مصر (كانون الأول/ديسمبر 2023) وتونس والجزائر وإيران. ولكن ينبغي مراقبة التطوّرات التي ستشهدها إسرائيل عن كثب، حيث من المُستبعَد أن يبقى بنيامين نتنياهو وحكومته في السلطة إلى ما بعد العام 2024. وفي إيران، في حال وفاة المرشد الأعلى، ستبرز أسئلة مهمَّة وملحَّة تتعلّق بالقيادة الجديدة ووجهة الجمهورية الإسلامية، وحتى احتمالات بقائها بشكلها الحالي.
من الناحية الاقتصادية، يُرجَّح استمرار التفاوتات في المنطقة. فيقدِّر صندوق النقد الدولي أن معدّل النمو في الناتج المحلّي الإجمالي سيرتفع عمومًا إلى 3.4٪، مقارنةً بـ2 ٪ في عام 2023، لكنّ ذلك يُخفي في طيّاته تفاوتًا كبيرًا في الثروة والدخل بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تحتلّ أعلى الهرم، والدول المجاورة، مثل اليمن وسوريا، التي تحتلّ أدنى المراتب. أما الدول المتوسّطة الدخل التي تقبع في الوسط، فستعاني صعوبة في خفض معدّلات البطالة والتضخُّم نظرًا إلى الديون الكبيرة التي ترزح تحتها. وستواجه مصر والأردن خصوصًا سلسلة من التحدّيات الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية الكبرى.
وفيما يتعلّق بالحروب الأهليّة المستمرّة في المنطقة، يُحتمَل أن تبقى الأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن على حالها عمومًا، غير أنّ النزاع في السودان سيستمرّ في التفاقم. وبالتوازي مع المساعي الدبلوماسية الدؤوبة والجريئة التي تُبذَل لمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ينبغي مضاعفة الجهود أيضًا لخفض التصعيد في الحروب الأهلية الأربع السالفة الذكر أو إنهائها.
تابعوا حساب بول سالم على منصّة "X": @paul_salem
سياسة الولايات المتّحدة تجاه الشرق الأوسط مُقيَّدة بضيق الهوامش، ونزعات الردع الذاتي، والضغائن بين الحزبَيْن
براين كاتوليس/ نائب الرئيس لشؤون السياسات
لا يخلو العام 2024 من التحدّيات بالنسبة إلى الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط؛ فالحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" مستعرة في قطاع غزّة، وتحدّيات الأمن البشري المُزمِنة تُنهِك منظومة الدول في المنطقة، والتهديدات لا تزال مستمرّة من إيران وشبكة وكلائها، وكذلك من الجماعات الإرهابية مثل بقايا تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيره.
غير أنّ بعضًا من أبرز التحدّيات التي ستواجهها الولايات المتّحدة في سياستها تجاه الشرق الأوسط في السنة الجديدة هو داخلي بطبيعته. فقد يتبيّن أنّ النظامَيْن السياسي والسياساتي الأمريكيَّيْن هما من أبرز القيود التي تمنع صياغة استراتيجية متماسكة إزاء المنطقة، وذلك على ثلاثة مستويات.
أولًا، تواجه إدارة بايدن ضيقًا شديدًا في الهوامش العملياتية المُتاحة لجهاز الأمن القومي. وكون ذلك يقترن بغياب الأهداف الاستراتيجية والأولويات الواضحة في سياستها الخارجية العامة، قد تتراجع قدرة الولايات المتّحدة على اتّباع استراتيجية مِقدامة في الشرق الأوسط عمومًا. وبالتوازي مع ذلك، ستستمرُّ الحرب الروسية في أوكرانيا ونشاط الصين في آسيا وحول العالم في الاستحواذ على قسط كبير من الوقت والاهتمام الأمريكيَّيْن.
ثانيًا، قد يطول أمد بعض النزاعات، مثل الحرب بين إسرائيل و"حماس"، نتيجة غياب روح المبادرة في النهج الدبلوماسي والعسكري لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، وذلك نتيجة ضيق الهوامش بشكل أساسي. وقد تؤدّي هذه النزعة على المدى القريب إلى تفويت فرصة استكمال بعض الخطوات الاستباقية التي كانت إدارة بايدن قد اتّخذتها قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك توسيع أعمال منتدى النقب، والبحث في إمكانية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واتخاذ إجراءات ترمي إلى تنفيذ مشاريع مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
ثالثًا وأخيرًا، لابدّ من التذكير بأنّ سنة 2024 هي سنة انتخابات. ومن المُرجّح أنّ التنافُس على الرئاسة، وكذلك على المقاعد في مجلسَيْ النواب والشيوخ، في تشرين الثاني/نوفمبر، سيعيد إحياء الضغائن المُعتادة بين الحزبَيْن أمام الرأي العام حول مختلف القضايا، بما في ذلك السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ويبدو أنّ السياسة الخارجية الأمريكية ستشكّل نقطة خلاف أساسية بين الحزبَيْن على المستوى السياسي الداخلي في هذه الانتخابات أيضًا، التي لن تختلف عن سابقاتها على الأرجح، بل قد تشهد المزيد من التعقيدات بفعل الانقسامات داخل الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي حول بعض المسائل السياساتية المتعلقة بالشرق الأوسط. ومن المؤكد أنّ الأصوات المختلفة التي ستعلو في هذه المناظرات السياسية المعقّدة ستبعث برسائل متضاربة إلى الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء، وقد يدفع تأرجح السلطة بحلول العام 2025 بجهات فاعلة رئيسية في المنطقة إلى مواصلة التحوّط في رهاناتها.
تواجه الولايات المتّحدة سلسلة من التهديدات في الشرق الأوسط، إلا أنّ التحديات الأبرز التي قد تعيق أجندتها تتعلّق بظروفها السياسية الداخلية.
تابعوا حساب براين كاتوليس على منصّة "X": @Katulis
حرب غزّة والسياسة الداخلية والعلاقات الإقليمية: عوامل ستحدِّد وجهة إسرائيل في المرحلة المقبِلة
نمرود غورين/ زميل أوّل مختصّ بالشؤون الإسرائيلية
بدا منذ مطلع العام 2023 أنّ إسرائيل متّجهة نحو مرحلة محفوفة بالمخاطر، خصوصًا مع تشكيل أكثر الحكومات يمينية في تاريخها. وقد تحقَّقت كافة التوقُّعات التي استشرفت تصعيد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتراجع منسوب الديمقراطية، وتباطؤ العلاقات الإسرائيلية-العربية. كذلك، ينطلق العام 2024 بدوره وسط اضطرابات شديدة، فيما لا تزال إسرائيل تتعافى من هجمات "حماس" الإرهابية العنيفة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وتخوض حربًا في قطاع غزّة.
يمكن استشراف مجموعة من السيناريوهات المُحتَمَلة في المرحلة المقبلة؛ فقد تستمرّ الاضطرابات الحالية، إلا أنّ هذا الوضع الأليم قد يوفّر فرصًا جديدة لشقّ مسار مختلف، سواء على المستوى المحلّي مع الفلسطينيّين أو على المستوى الإقليمي. وأيًّا كان السيناريو الذي سيتحقّق في نهاية المطاف، لا شكّ في أنّه سيحمل أثرًا بعيد المدى على رفاه إسرائيل وهويّتها الوطنية وعلاقاتها الخارجية.
تشمل العوامل الأساسية التي ستحدّد وجهة إسرائيل في المرحلة المقبلة مآلات الحرب في غزّة وتداعياتها، واحتمال حدوث تحوّل سياسي داخلي، وتطوّر العلاقات مع الدول العربية. كذلك، تلعب التطوّرات العالمية دورًا، وخصوصًا المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر ومفاعيلها.
من المرجّح أنّ القتال في غزّة سيبقى مستعرًا بشدّة في مطلع العام 2024. فتشمل أهداف إسرائيل منع حركة "حماس" من إدارة قطاع غزة ومن تهديد إسرائيل أمنيًّا، وتحرير الرهائن الذين تحتجزهم. وفي حال نجحت إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف، من المرجح أن تبدأ المرحلة الانتقالية. عندها، ستبذل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية جهودًا –بالتنسيق مع إسرائيل– للاتفاق على ترتيبات تتيح إدارة قطاع غزّة وإعادة إعماره، وإعادة إحياء السلطة الفلسطينية وضمان عودتها إلى القطاع. أما في حال فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الرئيسية، فمن المرجَّح أن يستمرَّ القتال، وإن كان بمستويات مختلفة من الشدّة، وسط انعدام الاستقرار في المنطقة وخطر المزيد من التصعيد.
فضلًا عن ذلك، من المرجح أن تشهد إسرائيل تحوّلًا سياسيًّا داخليًّا. فبدأ الرأي العام بالتغيُّر حتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر؛ إذ تنامى الاستياء من حكومة نتنياهو نتيجة محاولتها إحداث تغيير في بنية السلطة القضائية. وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تضاعف منسوب الغضب، وباتت غالبية الإسرائيليين الآن تطالب باستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فقد دفعت الحرب الدائرة حاليًا بالرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين، لكنّها أنتجت أيضًا ميلًا نحو المطالبة بقيادة وسطية أكثر وتتحلّى بقدر أكبر من المسؤولية. لذا، من المتوقع بروز ترتيبات سياسية جديدة وقادة جددٍ، على يمين الطيف السياسي ويساره. وسيلتقي الخصوم السياسيون حول هدف الإطاحة بنتنياهو، ومواجهة أحزاب اليمين المتطرّف، وإعادة إسرائيل إلى المسار الصحيح، وتوفير فرص جديدة للتعاون، مع احتمال بناء تحالفات لم تكُن في الحسبان.
على المستوى الإقليمي، أثبتت حرب غزّة حتى الآن صلابة العلاقات التي تجمع بين إسرائيل والدول العربية التي وقّعت اتفاقيات سلام وتطبيع معها. وفي عام 2024، لا بدّ لإسرائيل من إيلاء اهتمام خاص لعلاقاتها الاستراتيجية مع مصر والأردن، في ضوء التوتّرات التي برزت بفعل الحرب الدائرة في غزّة. وستحاول إسرائيل على الأرجح تعزيز التعاون مع الإمارات العربية المتّحدة والبحرين، ومواصلة التحسين التدريجي للعلاقة مع المملكة العربية السعودية، والتواصل مع قطر التي تتوسّط في مفاوضات الإفراج عن الرهائن. وعلى وجه التحديد، تأمل إسرائيل في أن تؤدي الإمارات والسعودية دورًا أكبر في تحديد مستقبل غزّة والقيادة الفلسطينية، نظرًا إلى علاقات قطر المقرّبة مع "حماس".
تابعوا حساب نمرود غورين على منصّة "X": @GorenNimrod
المساءلة وحدها تنقذ لبنان الغارق في أزماته
فادي نيكولاس نصّار/ زميل مختصّ بشؤون العلاقات الأمريكية-اللبنانية
منذ خمس سنوات ولبنان يوصَف يوميًّا على أنّه بلدٌ يعاني من سلسلة من الأزمات المتداخلة. ففي عام 2019، شهد لبنان أشدّ انهيار مالي واقتصادي في تاريخه، تلته انتفاضة اجتماعية وسياسية كبرى. وفي عام 2020، تعرّض البلد لأزمتَيْن جديدتَيْن، مع تفشي جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت الذي دمّر العاصمة وأودى بحياة المئات وأدّى إلى تشريد مئات آلاف الأشخاص. وفي السنوات التي تلت تلك الأحداث، تحوّل البلد الذي لطالما عُرِف بأنه "محبٌّ للحياة" إلى مصدر يأسٍ لشعبه. فيعيش معظم سكّان لبنان في حالة من الفقر المتعدّد الأبعاد، مع وصول محدود للخدمات العامة الأساسية مثل إمدادات الكهرباء والمياه النظيفة. خلال العام المنصرم، حاول لبنان التعامل مع هذه الأزمات بحكومة تصريف أعمال ومن دون رئيس للجمهورية أو حاكم للمصرف المركزي، كما أنّ ولاية قائد الجيش شارفت على الانتهاء. وأضافت الحرب الدائرة في غزّة وامتدادها السريع إلى لبنان أزمة جديدة إلى جانب سلسلة المصائب التي يشهدها البلد أساسًا، إذ أدّت إلى نشوب نزاع يُحتمَل أن يتحوّل إلى حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، ما قد يسرّع انحدار لبنان وتحوّله إلى دولة فاشلة وشبه استبداديّة. لذا، من المرجّح أن يحمل العام 2024 المزيد من المآسي وانعدام اليقين للبنان، مع اشتداد الأزمات التي تعصف به وتفاقم تداعياتها.
من المعروف أنّه يصعب التنبؤ بمسار الحروب، وأنها تندلع لأبسط الأسباب، وأنّ إنهاءها غالبًا ما يشكّل مهمّة مُستعصية. لا يزال خطر اندلاع حرب واسعة النطاق بين "حزب الله" وإسرائيل مرتفعًا، ويجب ألا نُخطئ في تفسير أسباب ضبط النفس النسبي الذي منع تفاقم النزاع حتى الآن. فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخرًا أنّ هدف إسرائيل هو ضمان انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني، سواء من خلال المساعي الدبلوماسية أو عن طريق القوّة، وهو ما يؤشّر بوضوح إلى احتمال تطوّر النزاع الحالي إلى حرب واسعة النطاق بالرغم من "قواعد الاشتباك" الميدانية الهشّة والتي لا توفّر أيّ ضمانات. بالتوازي مع ذلك، تُظهر التطوّرات التي تجري في لبنان، مثل دعوة حركة "حماس" إلى تسليح الفلسطينيّين في لبنان ليشاركوا في القتال ضدّ إسرائيل، أنّ البلد يتحوّل إلى مقرّ وساحة تخطيط لما يُسمّى بـ"محور المقاومة". لهذه الأسباب، لابدّ من التعامل بجدّية مع احتمال نشوب نزاع واسع النطاق، سواء كنتيجة مباشرة للحرب في غزّة أو في المستقبل، في حال انزلق لبنان بالكامل إلى دولة فاشلة واستبداديّة، نظرًا إلى ما قد يحمله ذلك من تداعيات على السلام والأمن الدوليَّيْن.
وإذ تُضاف أزمة جديدة إلى سلسلة الأزمات التي تعصف بلبنان، ما من مؤشرات تدلّ على أنّ البلد سيتمكّن من معالجة أيّ منها بمزيد من الفاعلية. فلا يمكن إجراء إصلاحات ذات جدوى ومصداقية في حال عدم محاسبة المسؤولين عن الانهيار الاقتصادي وعن إدارة الأزمة وانفجار مرفأ بيروت وضحايا العنف السياسي. وعليه، يُرجَّح أن يواصل لبنان انحداره نحو حالة من الفوضى وغياب القانون، وأن يتحوّل إلى ملاذ للفارين من العدالة تُديره دولة مافياويّة وميليشياويّة تقوم على اقتصاد نقدي وتحويلات المغتربين التي سرعان ما تُنفَق.
في ضوء هذه المآسي، قد يصعب تخيّل سيناريو تزداد الأوضاع فيه سوءًا. لكنّ أيّ حرب مع إسرائيل ستؤدي إلى تداعيات كارثية. وحتى في حال تفادي حرب واسعة النطاق، من غير الواضح كيف سينتهي النزاع المحدود الدائر حاليًا (والذي يزداد حدّة يومًا بعد يوم). كذلك، ما من مؤشرات تدلّ على بذل جهود أو إحراز أيّ تقدّم فعلي لإنقاذ لبنان من الأزمات المُضنية الأخرى التي يواجهها. بل على العكس، وكما يعلم مختلف الضحايا في تاريخ لبنان الأليم، ستتحوّل هذه المظالم إلى أمر طبيعي مع فرض واقع جديد على اللبنانيّين يفاقم أوجه الخلل ويحرمهم من حقوقهم الأساسية ويقلّل من جودة حياتهم.
مع اقتراب عام 2024، قد يبدو من السهل تجاهل كلّ هذه المشاكل باعتبارها أعراضًا للفشل العميق المتأصّل في النظام اللبناني، وإلقاء اللوم على اللبنانيين لعجزهم عن معالجة أشكال الظلم التي تمنع بلدهم من التقدُّم. غير أنّ انحدار لبنان إلى دولة شبه استبداديّة لم يحدُث بين ليلة وضحاها أو خلف الأبواب المغلقة. فإرسال الولايات المتّحدة هذا الكمّ الكبير من السفن الحربية إلى المنطقة، بما في ذلك حاملتَيْ طائرات مع مجموعتيهما القتاليّتَيْن وغوّاصة نووية، يؤكّد على أنّ لبنان يحظى بأهمية كبرى، وأنّ مشروعَ دفعه ليصبح دولة فاشلة يهدّد السلام والأمن الدوليَّيْن. وينبغي أن يدرك أصدقاء لبنان، على المستويَيْن العالمي والإقليمي، أنّه يمكن لهذا البلد أن يشكّل واحة للتنمية والتقدُّم أو مرتعًا للعنف وعدم الاستقرار. وبالرغم من التحدّيات الكثيرة التي يواجهها، لا يزال معظم سكان لبنان بمختلف فئاتهم يطمحون إلى التنعُّم بدولة فعالة واقتصاد مزدهر وديمقراطية تشاركيّة. ما من حلول سريعة أو صفقات مجزّأة يمكن التفاوض عليها بين المافيا والميليشيا، كون حلول كهذه تقطع وعودًا كاذبة بإصلاح أوجه الخلل في لبنان، لكنّها في الواقع تدفع بالمنطقة كلّها إلى حافة الهاوية. وحدها المساءلة عن أزمات لبنان المتداخلة وعن دفعه إلى الفشل قادرة على إنقاذ البلد، وتحقيق العدالة التي يستحقّها الضحايا الكثيرون، ووضع لبنان مجددًا على المسار الصحيح ليعود واحة للعلم والتقدُّم والتنمية.
تابعوا حساب فادي نيكولاس نصّار على منصّة "X": @dr_nickfn
صعوبات مصر الداخلية والخارجية مرجَّحة للاستمرار
ميريت ف. مبروك/ زميلة أولى والمديرة المؤسِّسة لبرنامج مصر
التنبؤ بالمستقبل قائم على التكهُّن في أفضل الأحوال، وفي أسوئها قد ينطوي على تضليل. وفي حالة مصر تحديدًا، تبدّدت احتمالات التنبؤ بشكل صائب بمستقبل البلد ولو لعام واحد مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
ففور بدء الاجتياح، دخل الاقتصاد المصري مرحلةً من الإجهاد. ومع أنّ الحرب الروسية-الأوكرانية تدور بعيدًا عن مصر، إلا أنها كشفت أوجه خلل خطيرة في اقتصاد البلد، الذي كان يرزح أساسًا تحت وطأة جائحة كوفيد-19 وتداعياتها. تشكّل مصر أكبر مستورِد للحبوب في العالم، وهي تحصل على 80٪ من إمداداتها من روسيا وأوكرانيا. إلا أنّ الحرب قوّضت هذه الإمدادات ورفعت الأسعار بمقدار 33.1٪، ما فرض عبئًا بقيمة مليارَيْ دولار أمريكي يُضاف إلى ميزانية دعم أسعار الحبوب الهائلة أساسًا في مصر، والتي تبلغ 3.2 مليارات دولار. وأجبر ذلك القاهرة على التعويض عن هذا الفارق بواسطة احتياطي العملات الأجنبية. وما فاقم الوضع أكثر هو أنّ الحرب الروسية-الأوكرانية كشفت اعتماد مصر على رأس المال الساخن، الذي سرعان ما غادر البلاد بحثًا عن أسواق أكثر أمنًا وتطوّرًا. وفي محاولة لوقف هذا النزيف، فرضت الحكومة المصرية قيودًا على الوصول إلى العملات الصعبة، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر نظرًا إلى اعتماد مصر الشديد على الصادرات. وما زالت الأوضاع آخذةً في التدهور منذ ذلك الحين.
علاوةً على ذلك، لم يُحدِث القرض الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وهو الرابع خلال ستّ سنوات، الأثرَ الإيجابيَّ المرجو، كون القرض جاء مشروطًا بتعويم سعر الصرف وتقييد دور الدولة في الاقتصاد إلى حدٍّ بعيد. وبعد سلسلة من التخفيضات الشديدة في سعر الجنيه المصري، لم يعد ممكنًا خفض قيمة العملة الوطنية من دون التسبُّب بتداعيات حادّة. فقد ارتفع معدّل التضخُّم إلى مستوى تاريخي بلغ 38٪ في أيلول/سبتمبر 2023، ما فرض أعباءً هائلة على الشعب المصري الذي يعيش 30٪ منه تقريبًا تحت خطّ الفقر. وأدّت القيود على الوصول إلى العملات الصعبة إلى تخزين هذه العملات ونشوء سوق موازٍ وغير رسمي لصرف الدولار الأمريكي. لذا، ينبغي على مصر بذل جهود حثيثة لجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة. ومن المرجَّح أن تزداد الأوضاع سوءًا قبل أن تبدأ بالتحسُّن، ويُستبعَد أن نشهد تحوّلات إيجابية قبل الربع الثالث من العام 2024. فوفقًا لصندوق النقد الدولي، تُعدّ نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حاليًا الأعلى بين الاقتصادات الناشئة، إذ تبلغ 92.7٪. وبالتوازي مع ذلك كلّه، أجّل صندوق النقد الدولي مراجعة برنامجه للاقتصاد المصري، وخفّضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لمصر، وباتت الأخيرة تواجه خطر إزالتها من بعض المؤشرات الدولية، ناهيك عن نشوب النزاع في قطاع غزّة.
مصر، التي تتمتّع بعلاقة ممتازة على المستوى الحكومي مع إسرائيل، تراقب تطوّر الوضع على حدودها بخشية كبيرة. وخلافًا للتقارير التي صدرت، لم يُغلَق معبر رفح من الجانب المصري؛ إلا أنّ إسرائيل شنّت عدّة غارات على المعبر من الجهة الأخرى، ما جعل مرور شاحنات المساعدات أمرًا شبه مستحيل. ومع أنّ مصر كانت شريكة في محاصرة قطاع غزّة في محطّات عدّة منذ عام 2006، لم تألُ جهدًا في المطالبة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزّة منذ بدء النزاع الحالي، إلا أنّ إسرائيل أعاقت كلَّ تلك الجهود.
لم تُبادِر مصر إلى تلك الخطوة لأسباب إنسانية بحتة؛ فالدعم الشعبي للفلسطينيّين في مصر مرتفعٌ للغاية، وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ هذه الحماسة تقترن بظروف اقتصادية متدهورة في سنة انتخابات، فلا شكّ في أنّ ذلك سيتبّب بأوضاع أمنية هشّة للغاية. كذلك، تراقب مصر بقلق شديد أعداد الفلسطينيّين الذين يتجمّعون على مقربة من حدودها، خصوصًا أنّ إسرائيل عبّرت في بداية النزاع عن رغبتها في دفع الفلسطينيّين نحو الأراضي المصرية، وطلبت من عدّة دول غربية إقناع الحكومة المصرية بالموافقة على هذا المشروع، مقابل التخفيف من أعباء الديون التي ترزح تحتها. إلا أنّ مصر، ومعها كلّ الدول العربية، رفضت بشكل قاطع أيّ تهجير قسري للفلسطينيّين. ولكنْ، في حال تدفَّق اللاجئون عبر الحدود، مدفوعين بالخوف والجوع واليأس، لن يكون في وسع مصر سوى استقبالهم لأسباب إنسانية، علمًا بأنها تستضيف أساسًا أكثر من 9.5 ملايين لاجئ من عدة دول مجاورة. وبالإضافة إلى الضغوط المالية التي ستنجم عن ذلك، يبرز خطر أمني جدّي نتيجة احتمال تسرُّب بعض العناصر المتطرّفة وانتقال المقاومة المسلّحة ضدّ إسرائيل إلى دولة أخرى ذات سيادة.
لهذه الأسباب كلّها، سيكون عام 2024 محفوفًا بالمخاطر.
تابعوا حساب ميريت ف. مبروك على منصّة "X": @mmabrouk
أزمة السودان تتفاقم في ظلّ تعثّر المفاوضات
جيهان هنري/ باحثة غير مقيمة
بعد ثمانية أشهر من الحرب، أدّى النزاع بين الطرفَيْن المتحاربَيْن في السودان، أي القوات المسلحة السودانية التقليديّة وقوّات الدعم السريع شبه العسكرية، إلى تدمير الخرطوم، عاصمة البلاد، وغيرها من المُدُن الكبرى. كذلك، أجبرت أعمال العنف والفظائع الجماعية المُرتكبة ضدّ المدنيّين في العاصمة وضواحيها وفي أنحاء أخرى من البلاد، وخصوصًا في ولاية غرب دارفور، أكثر من 6 ملايين شخص على الفرار من منازلهم، كما أدّت إلى معاناة لا توصَف وإلى تقسيم أراضي السودان عمليًّا، حتى بات يصعب تخيُّل سيناريو أسوأ ممّا يحصل.
إلا أنّ الوضع سيزداد سوءًا كلّما طال أمد النزاع. في أوائل كانون الأول/ديسمبر، عُلِّقَت محادثات الوساطة في جدّة مجددًا بعد أن خلفَ الطرفان المتحاربان بوعودهما، فوقع المدنيّون ضحيّة قتال لا يبدو أنه سيتوقّف في المدى المنظور. وقد تستمرّ الأعمال العدائية لفترة طويلة. فقد سيطرت قوات الدعم السريع عمليًّا على الخرطوم ودارفور، مرتكبةً عدّة فظائع، وهدّدت بمهاجمة مُدُن أخرى، بما فيها بورتسودان. ولكن من غير الواضح كيف ستحكم قوات الدعم السريع هذه المُدُن في حال نجحت في السيطرة عليها. أمّا القوات المسلّحة السودانية فقد تعجز عن استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد عمّا قريب بواسطة القنابل والمسيّرات، لكنّها تواصل استخدامها بصورة عشوائية غالبًا.
يبدو أنّ الحرب مستمرّة، ومعها الدمار والتهجير والحرمان والأمراض والانتهاكات ضدّ الشعب السوداني، المتواصلة كلّها منذ اليوم الأوّل. كذلك، ستزداد المؤشرات الدولية التي تدلّ على الكارثة الوشيكة في البلاد، وسيفرّ المزيد من الناس نحو مناطق أكثر أمانًا، كما قد تشارك جماعات مسلّحة إضافية في القتال. ويُحتمَل أن يؤدي ذلك إلى حالة شديدة من العنف والفوضى في دارفور نتيجة اصطفاف الجماعات المتمرّدة إلى جانب هذا الطرف أو ذاك وانقلابها على بعضها البعض وعلى المدنيّين بناءً على أثنيتهم أو ولاءاتهم المُفترضة. ومع مرور الوقت، يزداد اقتصاد الحرب قوّة، علمًا بأنّ تقارير عدّة صدرت تشير إلى الإتجار بالأسلحة والسيارات والذهب والأشخاص.
بالرغم من ذلك، يكمن للأمور أن تسلك مسارًا أفضل، شرط أن يُدرك الطرفان المتحارِبان أنّ النصر العسكري غير مُمكن. فيمكنهما مثلًا الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات، ما قد يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف هيئات دولية أو إقليمية. لكنّ ذلك يعتمد على كيفيّة تعامل الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية مع الحرب. حتى الآن، أتت ردود الفعل بطيئة وغير موحّدة، ما أدّى إلى عدّة مبادرات وساطة وخرائط طريق، من دون تضافر الجهود في أيّ منها. ولكن في حال أجمعت الحكومات المعنيّة على العمل معًا، قد تتمكن من الضغط على الجهات الخارجية للكفّ عن تأجيج الحرب ومن إقناع الطرفَيْن المتحاربَيْن بمواصلة المفاوضات.
بالتوازي مع ذلك، تستمرّ المجموعات المدنية السودانية في بذل الجهود. وقد أحرزت هذه المجموعات تقدّمًا، وإن كان بطيئًا، في تشكيل جبهة موحّدة للتواصل مع طرفَيْ النزاع والتباحُث في مسار للمضيّ قدمًا. وستتضح في المرحلة المقبلة آفاق نجاح هذه المجموعات في دفع طرفَي النزاع إلى إلقاء السلاح ومناقشة الحلول الممكنة. ولكنْ ينبغي دعم هذه المشاورات، التي تعتمد شرعيتها على مشاركة واسعة تتعدّى الجهات السياسية التي قادت الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بعمر البشير وبنظامه الاستبدادي الذي حكم السودان لسنوات طويلة، عام 2019.
الأمر المؤكد هو أنّ النزاعَيْن في فلسطين وأوكرانيا سيطغيان على ملفّ السودان، بالرغم من تعقيداته وأهميّته الجيوسياسية ومعاناة شعبه، نظرًا إلى أنّ القادة العالميين يسندون أهمية أكبر إليهما. وسيتعيّن على السودانيّين أنفسهم وأصدقائهم بذل جهود حثيثة لإبقاء هذه الأزمة المُدمّرة في مقدّمة جدول الأعمال الدولي.
تابعوا حساب جيهان هنري على منصّة "X": @jehannehenry
سوريا: أزمة إنسانية متفاقمة وحراك دبلوماسي متعثّر
تشارلز ليستر/ زميل أوّل، ومدير برنامجَيْ سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف
في العام 2024، يبدو أنّ سوريا وشعبها سيواجهان أسوأ ظروف إنسانية منذ بدء النزاع. فبدءًا من مطلع كانون الثاني/يناير، سوف يوقِف برنامج الأغذية العالمي برنامجه للمساعدات في سوريا، كما من المُتوقع أن تخفّض الولايات المتّحدة وشركاؤها الأوروبيون ميزانية المساعدات المُخصّصة لسوريا بمقدار 20٪ إلى 40٪. ويأتي هذا التراجع الوشيك والكارثي في المساعدات في وقت تبلغ فيه الاحتياجات الإنسانية في البلد مستويات غير مسبوقة، إذ يعيش 90٪ من السوريّين تحت خطّ الفقر، ويعاني 65٪ منهم من انعدام الأمن الغذائي. ونظرًا إلى سوء الأوضاع الإنسانية حاليًا، يصعب على المرء تصوُّر أنها آيلة للتفاقم بعد. لكنّ تلك الأوضاع ستزداد سوءًا بالفعل، ما سيدفع بمزيد من السوريّين إلى مغادرة بلدهم، وباللاجئين السوريّين إلى البحث عن مستقبل أفضل في أماكن بعيدة، وخصوصًا في أوروبا.
يبلغ سعر صرف العملة الوطنية السورية 14,000 ليرة للدولار الواحد، بعد أن تراجع سعرها من 6,500 ليرة في كانون الثاني/يناير 2023، وبالتالي يعجز النظام السوري عن مساعدة شعبه حتى إن أراد. بدلًا من ذلك، ينشغل نظام بشار الأسد في إثراء نفسه من خلال إنتاج المخدّرات على نطاق واسع، ويبدو أنه مصمّم على القيام بكلّ ما في وسعه لثني اللاجئين عن التفكير في العودة إلى سوريا. وبعد أن أدّت المبادرة الإقليمية لإعادة التواصل وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد إلى مفاقمة الأزمة السورية من كافة الجوانب في منتصف العام 2023، من المستَبعَد أن نشهد المزيد من مبادرات التطبيع في العام 2024.
ومع أنّ تلك الجهود الإقليمية التي باءت بالفشل أعادت تنشيط المحادثات المتعدّدة الأطراف خلف الأبواب المغلقة في أواخر العام 2023 –خصوصًا بين الدول الإقليمية والأوروبية– حول آفاق المسار الدبلوماسي المتعلق بسوريا، لم تُفضِ إلى أيّ أفكار جديدة، بل ازدادت الخلافات حدّة. ونظرًا إلى انشغال روسيا بحربها المُستمرّة في أوكرانيا، من غير المرجّح أن تبادر موسكو إلى إطلاق أيّ حراك دبلوماسي في العام 2024. وعليه، ستبقى العملية السياسية في سوريا مُجمّدة، وكذلك خطوط النزاع، التي لن تتغيّر عمّا كانت عليه في أوائل العام 2020. وسيؤدي ذلك إلى اتّساع الفجوة السياسية بين المناطق السورية المُتنازعة في الشمال الشرقي، والشمال الغربي، والمراكز الحضرية التي يسيطر عليها النظام في الغرب، والجنوب.
وعلى افتراض أنّ الحرب الإسرائيلية في غزّة ستمتدّ لفترة معيّنة في العام 2024، ستبقى سوريا جبهة ثانوية للمواجهات الجيوسياسية، بالتوازي مع سعي الوكلاء الذين تديرهم إيران إلى طرد القوات الأمريكية بواسطة الهجمات التي ينفّذونها بالمسيّرات والصواريخ. وفي حال استمرّت تلك الهجمات أو ازدادت حدّة، ستُطرَح علامات استفهام حول استمرارية الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا، خصوصًا قُبيل موسم الانتخابات الأمريكية. ويُشار في هذا السياق إلى أنّ شريك الولايات المتّحدة، أي قوات سوريا الديمقراطية، بدأت في أواخر العام 2023 بالتعبير عن خشيتها من الضعف الأمريكي المفترض في وجه الهجمات غير المسبوقة التي يشنّها وكلاء إيران.
تابعوا حساب شارلز ليستر على منصّة "X": @Charles_Lister
آفاق السلام تضيق في اليمن مع تكثيف الحوثيّين هجماتهم الصاروخية والبحريّة وأنشطة التجنيد
ندوى الدوسري/ باحثة غير مقيمة
أثارت الهجمات الأخيرة التي شنّها الحوثيون المدعومون من إيران ضدّ السفن في البحر الأحمر مخاوف تتعلّق بحرية الملاحة وبالأمن البحري العالمي. فعلى مدى الشهرَيْن الماضيَيْن، سيطرت الجماعة المتمرّدة على سفينة شحن وألحقت أضرارًا بأربع سفن تجارية أخرى. كذلك، اعترضت البحريّة الأمريكية ستّة صواريخ على الأقل أطلقها الحوثيون.
قوّضت هجمات الحوثيّين مستوى الثقة المتدني أساسًا بجهود الولايات المتّحدة والأمم المتّحدة والمجتمع الدولي الرامية إلى التوصّل إلى حلّ سلمي للنزاع في اليمن، الذي تدور فيه حربٌ منذ أن سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014. وقد تدخّل تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية عسكريًّا في النزاع في آذار/مارس 2015، لكنّه فشل في إنهاء انقلاب الحوثيين.
في الآونة الأخيرة، تحاول الرياض النأي بنفسها عن النزاع اليمني. فقد توافقت على هدنة مع الحوثيين في نيسان/أبريل 2022، وكثّفت مساعيها الدبلوماسية مع المتمرّدين للتوصّل إلى اتفاق. كذلك، شكّل التحالف بقيادة السعودية مجلس القيادة الرئاسي لتوحيد القوى المعارِضة للحوثيين. إلا أنّ التوتّرات بين السعوديّين والإماراتيّين تسبّبت بانقسامات ضمن مجلس القيادة الرئاسي وأضعفت موقفه في مواجهة الحوثيين. كذلك، لم يتمّ إطلاع المجلس على تفاصيل المفاوضات بين السعودية والحوثيين، ودُعي للاجتماع في الرياض الشهر الماضي للإعلان عن تأييده للاتفاق المحتمل.
بالرغم من هذه التنازلات، ما زال الحوثيون يرفضون أيّ تسوية، ويطالبون بالانسحاب غير المشروط للتحالف الذي تقوده السعودية، وبالاعتراف بهم على أنهم السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن، وبتقديم تعويضات كبيرة وبإعادة الإعمار. كذلك، كثّفوا أنشطة التجنيد، وتمكّنوا من جمع حوالي 50,000 جندي خارج مدينة مأرب وحدها. وتزداد الجماعة جرأة بفضل تعاظُم قدراتها الصاروخية والموقف الضعيف لخصومها.
يكشف التكثيف الأخير لهجمات الحوثيين حقيقة قاسية حاول البعض التقليل من شأنها في الفترة الماضية. فكونهم يشكّلون جزءًا من "محور المقاومة" بقيادة إيران، يلتزم الحوثيون ببرنامج عمل عابر للحدود يهدف إلى تحرير مكّة والقدس. وقد منحت الحرب بين إسرائيل و"حماس" فرصة جديدة للحوثيين لتحقيق ما يعتبرونه "وعدًا إلهيًّا". كذلك، فإنّ قدرتهم على تعطيل مسارات الشحن الدولية تزيد من قناعتهم بأنّهم يمضون على الطريق الصحيح. ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تمكّن الحوثيون من تجنيد 25,000 مقاتل جديد على الأقل في صفوف قوّات "طوفان الأقصى".
يبدو أنّ النزاع اليمني آيل للتدهور في العام 2024. فحتى إذا تمّ التوصّل إلى اتفاق، تشير التطوّرات الأخيرة إلى أنّ الحوثيّين سيصعّدون عملياتهم العسكرية في اليمن. وقد تستتبع هجماتهم المتهوّرة في البحر الأحمر وضدّ إسرائيل عقوبات وتدخّلًا عسكريًّا دوليًّا، ما سيزيد من معاناة اليمنيّين. وعليه، يبدو أنّ أمام اليمن طريقًا طويلًا ومليئًا بالمصاعب قبل تحقيق السلام.
تابعوا حساب ندوى الدوسري على منصّة "X": @ndawsari
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.