المساعدات والاستثمارات الجديدة من الاتّحاد الأوروبي في مصر مرتبطة بجهود ضبط الهجرة
يوليو 03, 2024ميريت ف. مبروك
ميريت ف. مبروك
في 29 حزيران/يونيو، وصلَ إلى القاهرة أكثر من 1,000 مُشارِك ومُشارِكة، بينهم وفد رفيع المستوى من الاتّحاد الأوروبي بقيادة رئيسة المفوّضية أورسولا فون دير لاين، وذلك لحضور مؤتمر استثماري امتدَّ على يومَيْن بين الاتّحاد الأوروبي ومصر. ويبدو أنَّ المؤتمر تكلَّلَ بالنجاح بكلّ المقاييس. فلقد أبرمَ الطرفان، أي مصر والاتّحاد الأوروبي، اتّفاقًا استثماريًّا بقيمة مليار يورو، إلى جانب التوقيع على أكثر من 20 مذكّرة تفاهم تَصِل قيمتُها الإجمالية إلى حوالي 40 مليار يورو من الاستثمارات الخاصّة.
يُعزى الزخم الذي اكتسبه هذا المؤتمر إلى اتّفاقٍ سابقٍ بالغ الأهمية تمَّ التوقيع عليه في آذار/مارس، وهو "الإعلان المُشتَرَك بشأن الشراكة الاستراتيجية والشاملة"، حيث تعهَّدَ الاتّحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات واستثمارات إلى مصر بقيمة 7.4 مليارات يورو. وقد رحَّبت الدولة المصرية بهذه الحزمة، واعتبرت أنّها ستساعدها في الخروج من أعمق مأزق اقتصادي شهدته منذ عقود. ولكنَّ الدعم الجيوسياسي الذي حصلت عليه القاهرة من خلال صفقة آذار/مارس كانَ بالقدر نفسه من الفائدة، لا بل حملَ أهميةً أكبر من الناحية السياسية. فاشتملَت الصفقة الاستراتيجية على اتّفاق مساعداتٍ ماليةٍ كلّيةٍ غطّى أكثر من ثُلثَيْ المبلغ المُقرَّر. تُوقَّع اتّفاقات المساعدات المالية الكلّية عادةً مع الدول المرتبطة بالاتّحاد الأوروبي إمّا اقتصاديًّا أو جغرافيًّا، بما فيها تلك التي تنطبق عليها سياسة الجوار الأوروبية. وبالإجمال، تُخصَّص حُزَم المساعدات المالية الكلّية، التي تكون في معظم الأحيان عبارة عن قروض أو مِنَح على المدى المتوسّط أو البعيد، للبلدان التي تمرّ بمشكلات متعلّقة بميزان المدفوعات والمُدرَجة في أحد برامج الدعم التابعة لصندوق النقد الدولي. لم تكن المساعدات المالية الكلّية مطروحةً في الأساس للقاهرة؛ بل أرادَ الاتّحاد الأوروبي تقديم مساعدة برنامجية على ما يبدو، إلَّا أنَّ مصر رفضت ذلك؛ إذ كانت تتطلّع إلى صفقةٍ من شأنها أن تمنحها سيطرة مالية وسياسية على مجالات الإنفاق، وهي مسألةٌ لم يبدُ الاتّحاد الأوروبي مستعدًّا للموافقة عليها.
ويُعَدّ حصول مصر في النهاية على هذه المساعدات المالية مؤشّرًا دامغًا على مدى ارتباط الثروات الجيوسياسية والتحالفات السياسية.
كانت أحزاب اليمين المتطرّف تُعتبَر في السابق ملاذًا للمتطرّفين الساخطين، غير أنَّها باتت تُحقِّق انتصاراتٍ انتخابيةً مُدوّيةً ومتتاليةً في الآونة الأخيرة في مختلف أنحاء القارّة العجوز، الأمر الذي يُثير قلقًا بالغًا في صفوف الأحزاب اليسارية والوسطية التي كانت راضية عن نفسها سابقًا في أوروبا وغير مُدرِكة للمخاطر المحدقة بها. تشكّل الهجرة غير النظامية من دول الجنوب العالمي إلى أوروبا عن طريق البحر أحد المواضيع التي غالبًا ما تتناولها أحزاب اليمين المتطرّف الشعبوية. يُشار في هذا السياق إلى أنّ المذكّرة التي وقّعها الاتّحاد الأوروبي مع تونس في تمّوز/يوليو 2023، وعلى الرغم من أنَّها تتطرّق ظاهريًّا إلى الاقتصاد والإصلاحات التجارية، أثبتت فعّاليتها الكبيرة في الحدّ من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا من خلال إسناد مسؤولية التنفيذ إلى السلطات التونسية. وفي حين لم تُذكَر قضية الهجرة بشكلٍ موسّعٍ في الاتّفاق الأوروبي الجديد مع مصر، غير أنَّها تُمثِّل عاملًا محوريًّا فيه دون شكّ.
ليسَت الهجرة ظاهرةً جديدةً بالنسبة إلى مصر، ولكنْ في ظلّ وجود ما لا يقلّ عن ثلاثة نزاعات حاليًا على حدودها، وفي غياب أيّ مخيّمات للّاجئين على أراضيها، تزدادُ أعداد المهاجرين بشكلٍ يصعب التعامل معه في بلدٍ يُعاني أساسًا من اقتصادٍ مُنهَك. في الأسابيع الأخيرة، أدلى الرئيس عبد الفتّاح السيسي بتعليقات عدّة حول "الضيوف" في مصر، حيث لا توجَد مخيّمات للّاجئين. وبحسب تقديرات المنظّمة الدولية للهجرة، يعيش في مصر ما يزيد قليلًا عن 9 ملايين مهاجر (ويشمل هذا العدد الأجانب الذين يعملون أو يدرسون بصورة قانونية في مصر، إضافةً إلى اللاجئين). وقد ازدادت الأرقام منذ اندلاع النزاع في السودان: وفقًا للمكتب المصري المحلّي لمفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، ارتفعت أعداد الأفراد الحاملين صفة لاجئ والمقيمين في مصر منذ بدء الحرب في السودان من نحو 290,000 إلى 657,000 شخص من 62 جنسية، أغلبهم من السودانيّين.
ونظرًا لتزايُد أعداد المهاجرين، يبدو أنَّ الاتّفاق الجديد المُبرَم مع الاتّحاد الأوروبي شكَّلَ حافزًا دفعَ سلطات الهجرة في مصر إلى عكس مسار سياستها على نحو مفاجئ. حتّى هذه اللحظة، لا تُفرَض أيّ قيود خاصّة على المهاجرين في مصر، ولكنَّ المرسوم الحكومي الجديد –رقم 3326/2023– ربّما سيُغيِّر الوضع. ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، طُلِبَ من جميع المهاجرين الذين لا يحملون أوراقًا ثبوتيةً صالحةً أو الذين انتهت مدّة إقاماتهم أن يُقدِّموا طلبًا لـ"تشريع وضعهم" ضمن مهلةٍ أقصاها 30 حزيران/يونيو. ومن الآن فصاعدًا، باتوا مُلزَمين بإيجاد "مُضيف" أو كفيل مصري. ويبقى أن نرى مدى تشابه هذه الإجراءات مع نظام الكفالة، الذي برهنَ أنَّه يفتحُ المجال لارتكاب انتهاكاتٍ خطيرةٍ في الخليج. في حالة مصر، تقتضي المستندات الجديدة رسومًا لا تقلّ عن 1,000 دولار (أكثر من 900 يورو).
حتى تاريخه، جرى تمديد المهلة النهائية أربع مرّات. وبحسب موقع "مدى مصر" الإخباري، "في خضمّ أنباء عن حملات اعتقال وترحيل مستمرّة، يشعر المهاجرون غير الموثَّقين بقلق متزايد بشأن قدرتهم على العيش أو التنقّل بحرّيةٍ في مصر".
لا ينطبق المرسوم رقم 3326/2023 على اللاجئين، الذين يستطيعون التقدُّم بطلب مباشرةً إلى مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين للحصول على بطاقات تعريفية ومساعدات. ولكنَّ الإجراءات تستغرق وقتًا طويلًا، ونادرًا ما يحظى الأشخاص الفارّون من مناطق النزاع برفاهية الوقت لجمع كافّة المستندات الشخصية المطلوبة.
من شأن سياسة الهجرة الجديدة أن تُساعِد في جمع بيانات محدّدة لم تُبدِ مصر جدّيةً حيالها في السابق. ومع ذلك، يُشير تقرير مدى مصر إلى أنَّ الاتّفاق الأوسع بين بروكسل والقاهرة سيُوفِّر إطارًا يتيح للاتّحاد الأوروبي ممارسة ضغوط على مصر لناحية كيفية تجميع هذه البيانات حول طالبي اللجوء، وماهية الخدمات التي تقدّمها لهم. أمام القاهرة أيضًا بعض الاعتبارات الداخلية: فالقواعد الجديدة أتت على خلفية تزايُد القلق داخل مصر إزاء اللاجئين، في ضوء الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة التي يشهدها المواطنون. بالتالي، تمثُل الحكومة أمام تحدّياتٍ هائلة، ومن المُرجَّح أن يحدث تشابُك خطير بين النزاعات على حدودها وأوضاعها الداخلية غير المستقرّة. ومع ذلك، فإنَّ علاقة مصر الإيجابية حاليًا مع الحلفاء الدوليّين تعتمد على قدرتها على الحفاظ على استقرارها الداخلي. ويتطلّب هذا الوضع معالجةً متأنّيةً ودقيقةً، وهي سمات لم تتّصف بها الحكومات المصرية المتعاقبة غالبًا. إلّا أنَّ هذه الحكومات نفسها قد برهنت في أحيان كثيرة عن عزمها الثابت على الصمود.
ميريت ف. مبروك زميلة أولى ومديرة برنامج مصر والقرن الإفريقي في معهد الشرق الأوسط.