اللاجئون الأفغان ضحايا المصالح الأمنيَّة المتضاربة بين باكستان وأفغانستان
نوفمبر 07, 2023مارفن ج. واينبوم
مارفن ج. واينبوم
منذ عقود وباكستان تهدِّد بترحيل اللّاجئين الأفغان غير المسجَّلين، الذين استقرَّ كثيرون منهم في باكستان منذ فترة طويلة تصل إلى 40 عامًا، لا بل بعضهم وُلِد وعاش فيها طوال حياته. وفي حين وافق بعضُ الأفغان في السابق على العودة إلى وطنهم بعد أن عُرضت عليهم حوافز ماليَّةٌ قدّمتها منظَّمات الإغاثة الدوليّة، لم يسبق لإسلام آباد أن شنّت حملة بهذا الحجم لترحيل الأفغان من أراضيها. فيبدو أنّ الحكومة الباكستانيّة المؤقّتة، وبدعمٍ من القيادة العسكريّة العليا، عازمة على تنفيذ مخطّطها الذي يقضي بالترحيل القسري أو الطوعي لـ1.7 مليون من أصل 3.5 ملايين أفغاني يُعتقَد أنّهم يقيمون على أراضيها، وذلك على وجه السرعة. ويقطنُ معظم هؤلاء في مقاطعة خيبر بختونخوا شمال غرب البلاد، وفي كراتشي، أكبر مُدُن باكستان. ويأتي قرار الحكومة الباكستانيّة في وقتٍ حرجٍ، نظرًا إلى الظروف التي تمرُّ بها أفغانستان والتخوُّف من الأَثَرِ الإنسانيِّ لهذه الخطوة. وتُعزى سياسة الترحيل إلى حدٍّ كبير إلى الخلاف الأمني القائم مع نظام حركة "طالبان"، والذي وَقَع اللاجئون الأفغان ضحيَّتَه.
أمهلت الحكومةُ الباكستانيةُ المؤقّتةُ اللّاجئين الأفغان حتّى مطلع تشرين الثاني/نوفمبر لمغادرة البلاد أو مواجهة خطر الاعتقال والترحيل. وأُفيد بأنّ أكثر من 170,000 شخص غادروا طوعًا قبل ذلك التاريخ. ومع انقضاء المهلة المحدّدة، شنّت الشرطة الباكستانيّة وغيرها من السلطات حملةً واسعةً على مستوى البلاد لاعتقال آلاف المهاجرين الأفغان غير النظاميّين ومصادرة ممتلكاتهم ومؤسّساتهم. ولا يُسمح للأُسر العائدة إلى أفغانستان سوى بأخذ مبلغ قدره 50 ألف روبية كحدٍّ أقصى، أي ما يعادل 176 دولارًا أميركيًّا تقريبًا. وتضمُّ مجموعةُ الأشخاص المقرَّر ترحيلُهم نحو 600 ألف شخص لجأوا إلى باكستان في أعقاب سيطرة "طالبان" على السلطة في آب/أغسطس 2021. ويخشى هؤلاء الأفراد أن يتعرّضوا للاضطهاد من الدولة أو أن يواجهوا مشاكل أخرى بسبب علاقاتهم السابقة مع الحكومة الأفغانيَّة المخلوعة، ولا سيّما أولئك الذين خدموا في القوّات الأمنيّة التابعة لجمهورية أفغانستان الإسلامية التي أسقطتها "طالبان". كذلك، قد يتعرّض أولئك الذين عملوا سابقًا لصالح القوّات الأميركيّة وقوّات أخرى في حلف شمال الأطلسي لخطر الاضطهاد على يد حركة "طالبان" أو يواجهون أشكالًا أخرى مختلفة من التمييز.
تجري عمليّات الترحيل هذه في ظلّ أزمة إنسانيّة عميقة تواجهها أفغانستان؛ حيث يعاني نحو 17 مليون شخص في البلد من انعدام الأمن الغذائي الحادّ، ويعيش أكثر من 90٪ من السكّان تحت خطّ الفقر. ويُنقَل معظم المرحَّلين الوافدين إلى مخيّمات مؤقّتة، فيما وعدت الحكومة في كابول بتوفير الأموال اللّازمة لتأمين الأغذية والرعاية الصحيّة والخدمات الأخرى. ولكنْ، يُرجَّح أن هذه المساعدة لن تكفي بتاتًا لتلبية الاحتياجات من دون مساعدةٍ من منظَّمات الإغاثة الدوليّة والجمعيّات غير الحكوميّة التي تعاني أساسًا من نقصٍ في التمويل. فالكثير من النازحين الذين غادروا أفغانستان لسنواتٍ طويلةٍ فقدوا معظم روابطهم في البلاد، وهُم يفتقرون لأماكن يمكنهم الاستقرار فيها. كذلك، فإنّ فُرَص العمل محدودةٌ نتيجةَ اقتصاد البلاد المتعثِّر بعد سنواتٍ من الحرب وبسبب سياسات "طالبان" الاجتماعيّة، حيث إنّ ثلثَيِ السكّان بحاجةٍ ماسّة إلى مساعدات ماديّة. ومع اقتراب فصل الشتاء القاسي في أفغانستان، من المرجَّح أن يقاسي الكثير من العائدين، وخاصّةً النساء والأطفال، مصاعبَ عدَّةً لمجرَّدِ البقاء على قيد الحياة.
تزعم باكستان أنَّ قرارها بشأن عمليات الترحيل، الذي توصَّلت إليه خلال اجتماع رفيع المستوى عُقدَ في 3 تشرين الأول/أكتوبر برئاسة رئيس الوزراء المؤقت أنوار الحق كاكر بحضور رئيس أركان الجيش الفريق عاصم منير، قد اتُّخذ لأسبابٍ متعلِّقة حصرًا بالأمن القومي. ويدَّعي مسؤولون أنّ بعض المهاجرين الأفغان غير النظاميّين شاركوا في الأعمال الإرهابية الأخيرة التي شهدتها باكستان، مشيرين إلى أنَّ بعضَ الأفغان المقيمين شاركوا في 14 تفجيرًا انتحاريًّا من أصل 24 وقعت هذا العام في البلاد إضافةً إلى أعمال عنف أخرى. ويُتَّهَم هؤلاء الأفغان أيضًا بالتورّط في أنشطة غير مشروعة، مثل التهريب والإتجار بالمخدرات. كذلك، يُعتبر الأفغان المقيمون في باكستان مسؤولين عن المساهمة في تعميم ثقافة حمل السلاح وما تستتبعه من عنف. وعلى الرغم من أنّ باكستان احتضنت اللّاجئين الأفغان على مرّ السنين بالرغم من التكاليف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الكبيرة المترتّبة على المجتمع الباكستاني، ازداد الاستياء من الأفغان الذين حقَّقوا نجاحًا في سوق العمل، وخصوصًا بسبب استئثارهم ببعض الأنشطة في قطاعات مُربحة مثل المواصلات العامة والنقل بالشاحنات.
بالتوازي مع ذلك، أدانت جهاتٌ عدّة في باكستان الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة بحقّ اللاجئين؛ فقد تسبّبت عمليات الترحيل ببروز تحديات قانونية وسياسية في الداخل والخارج للحكومة الباكستانية. يَعتَبِرُ منتقِدو سياسة الحكومة أنّ الأخيرة تفتقر إلى الأدوات والمعلومات التي تمكِّنها من التمييز الدقيق بين اللاجئين، وطالبي اللجوء، ومن يتمتّعون بحقّ المواطنة بالولادة. وقد دعا الكثير من منظّمات حقوق الإنسان والقوى السياسية، ومنها حزب "بشتونخوا ملي عوامي" وحركة "بشتون تحفظ"، إلى إضرابات احتجاجًا على الترحيل القسري للأفغان. وقدّمت شخصياتٌ سياسيةٌ بارزة في باكستان التماسًا إلى المحكمة العليا طالبةً منها وضع حدٍّ لسياسات الحكومة، وطارحةً علامات استفهام حول شرعية ودستورية عمليات الترحيل الجماعي القسري. فضلًا عن ذلك، أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، ومنظّمات حقوق إنسان دولية، وعدّة سفارات غربية عن تحفّظاتها بشأن سياسة الترحيل الباكستانية. ولحثّ باكستان على احترام الحقوق والمبادئ الخاصة باللاجئين، طلبت الولايات المتحدة الأميركية تأمين الحماية لما لا يقلّ عن 25 ألف مواطن أفغاني مؤهّلين للانتقال إلى الولايات المتحدة بموجب تأشيرات الهجرة الخاصة. وبعد أن رفضت باكستان في البداية قائمة بأسماء الأفغان المؤهّلين وعائلاتهم، عادت ووافقت على استثنائهم من عمليات الترحيل. ولكن في الإجمال، من المُستبعَد أن تنجح الضغوط المحلّية أو الخارجية في ردع الحكومة الباكستانية عن المضي قدمًا في سياستها المتعلّقة باللّاجئين.
وردًّا على معاملة باكستان للّاجئين الأفغان، حذّرت حكومة كابول من عواقب وخيمة ما لم تُعِد إسلام آباد النظر في قرارها وتتوقّف عن مضايقة المواطنين الأفغان. واتّهم زعيمان من حركة "طالبان"، هما رئيس الوزراء الملا محمد حسن أخوند ووزير الدفاع محمد يعقوب مجاهد، في تصريحَيْن منفصلَيْن، القيادة المدنية والعسكرية الباكستانية بعدم احترام اللاجئين ومضايقتهم، وانتقدا مصادرة باكستان لممتلكاتهم وأصولهم. غير أنّ الخيارات المُتاحة لحكومة "طالبان" الأفغانية محدودة للتعامل مع باكستان. أحد التطوّرات المحتملة وذات الدلالات الكُبرى التي يُحتمَل أن تلجأ إليها حكومة كابول هو السماح لحركة "طالبان باكستان" برفع وتيرة عمليّاتها الإرهابية عبر الحدود. لكنّ النظام الأفغاني يعتمد اعتمادًا كبيرًا على بقاء الحدود مفتوحة للنقل التجاري لأسباب اقتصادية، ومن المرجّح أن يعمَد إلى استفزاز الجيش الباكستاني ويدفعه إلى اتّخاذ خطوات إضافية لسحق حركة "طالبان باكستان"، مثل شنّ هجمات مضادّة منتظمة وواسعة النطاق داخل أفغانستان.
لعلّ أفضل تفسير لتوقيت الحملة التي أطلقتها إسلام آباد لترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أفغانستان يكمُن في الاستياء المتزايد في الأوساط السياسية والعسكرية الباكستانية إزاء عزوف نظام "طالبان" عن لَجْمِ حركة "طالبان باكستان". ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الضغوط كافيةً لإقناع قيادة كابول بأنّ تكلفة إيواء حركة "طالبان باكستان" باهظة للغاية. الأمر الوحيد المؤكّد هو المعاناة التي ستلحق بأعدادٍ كبيرة من الأفغان العُزَّل.
مارفن ج. واينبوم هو مدير برنامج الدراسات الأفغانية والباكستانية في معهد الشرق الأوسط. وساهم الباحث المساعد نادعلی سلهريا في صياغة هذه المقالة.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.