السكان المحليون في محافظة درعا السورية يخوضون حربهم الخاصة على المخدرات
يناير 09, 2024
حايد حايد
في 23 كانون الأول/ديسمبر، اغتيل رجلٌ يبلغ 53 عامًا من العمر، معروفٌ بارتباطه الوثيق بشعبة المخابرات العسكرية في محافظة درعا في جنوب غرب سوريا. وتختلف هذه الحادثة عن الهجمات الأخرى الأكثر شيوعًا والتي تُنفَّذ لدوافع سياسية في المنطقة، كون الشخصية المُستهدَفة تعمل في تهريب المخدّرات والإتجار بها.
لا يمكن اعتبار هذا الهجوم حادثة عرضية؛ لأنّ عمليات الاغتيال المرتبطة بالمخدّرات تزداد بشكل ملحوظ منذ بداية السنة الماضية، ما يزيد من أشكال العنف المستمرة في المحافظة. ولا يزال المسؤولون عن هذه الهجمات مجهولي الهويّة حتى تاريخه.
في إطار عمل استشاري نُفِّذ بين آب/أغسطس 2022 وتشرين الأول/نوفمبر 2023، كشفت محادثات أُجرِيَت مع مصادر محلية عن تصميم المجتمع المحلّي بشكل متزايد على مكافحة تجارة المخدرات. فنظرًا إلى أنّ النظام متواطئ مع شبكات ترويج المخدرات لأسباب مالية وسياسية، ما يتيح لها الإفلات من العقاب، قرّر السكان المحليّون أخذ هذه المسؤولية على عاتقهم للحدّ من الأثر السلبي لهذه الآفة على مجتمعاتهم. ولكنْ، من غير المرجَّح أن تؤدّي عمليات الاستهداف هذه إلى القضاء بالكامل على ظاهرة الإتجار بالمخدرات المتفشية على نطاق واسع في جنوب سوريا.
لغز الوفيات المرتبطة بتجارة المخدرات
تناولت تقارير سابقة، مثل المقالة التي نشرتُها في آب/أغسطس 2023 في صحيفة "المجلّة" والتحقيق الذي أجرته Syria in Transition في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ظاهرة الاغتيالات التي تستهدف تجّار المخدرات في درعا، ولكنّ العدد الإجمالي للمقتولين يبقى غير واضح. فنظرًا إلى وتيرة عمليات الاغتيال اليومية تقريبًا في المحافظة وعدم اليقين المحيط بدوافع هذه العمليات، لا يتوفّر الكثير من التفاصيل والمعلومات المفتوحة المصدر.
مع ذلك، تشير المحادثات التي أُجريَت مع مصادر محلية مطّلعة إلى اغتيال ما بين 70 و150 شخصًا خلال العام الماضي بسبب تورّطهم في أنشطة متعلقة بالمخدرات. وتعود أوّل حادثة ذكرتها إحدى الشخصيات المرموقة في المجتمع المحلّي إلى كانون الثاني/يناير 2023. وفيما تتفاوت الأعداد المبلَّغ عنها للاغتيالات منذ ذلك الحين، أشار أحد المصدر إلى ارتفاع كبير في عدد الاغتيالات في شهرَيْ نيسان/أبريل وآب/أغسطس.
تتنوّع أساليب تنفيذ الهجمات، وتشمل استهداف تجّار المخدرات على الطرقات أو اقتحام منازلهم بالقوة وإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة. وقد استهدفت بعض عمليات الاغتيال مدنيّين ومقاتلين سابقين في صفوف المعارَضة متورّطين في تجارة المخدّرات، إلّا أنّ غالبية المُستهدفين تربطهم علاقة بالنظام السوري. ووفقًا لمقاتل سابق في المعارَضة، شمل الأشخاص المستهدَفون عناصر منتمين إلى أجهزة مخابرات ووحدات عسكرية تابعة للنظام، مثل الفرقة المدرّعة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد.
بشكلٍ عام، تبيَّن أنّ غالبية المستهدَفين في عمليات الاغتيال كانوا مرتبطين بشعبة المخابرات العسكرية في سوريا. ويُعزى ذلك إلى تحكّم هذه الشعبة بشبكات المخدرات في غرب سوريا. فوفق بحثٍ أجرته المنظمة السورية "إيتانا" بشأن سلاسل توريد المخدرات في جنوب سوريا، يرتبط حوالى 79٪ من شبكة المخدرات في محافظة السويداء بشعبة المخابرات العسكرية، مقارنةً بـ63٪ في درعا.
من أبرز الشخصيات التي اغتيلت العام الماضي مصطفى المسالمة، وهو قائد ميليشيا مرتبط بالمخابرات العسكرية وينشط في تجارة المخدرات. والجدير بالذكر أنّ مصطفى، المعروف أيضًا باسم القاسم، كان واحدًا من 11 شخصًا فَرَضت عليهم المملكة المتحدة والولايات المتحدة عقوبات في آذار/مارس 2023 بسبب دورهم الأساسي في تجارة المخدرات غير المشروعة من سوريا وإليها.
ويبدو أيضًا أنّ عمليات مكافحة المخدرات في درعا تتجاوز مجرّد استهداف الأشخاص. ففي حادثة واحدة على الأقل، شُنَّت ضربة على منشأة مرتبطة بالمخدرات تابعة لميليشيات مدعومة من إيران. ووفقًا للتقارير، كانت المنشأة الواقعة قرب قرية زيزون تُستخدَم لتصنيع المخدرات وتنسيق تهريبها إلى الأردن ودول الخليج، وضُربت بثلاث قذائف صاروخية في وقت سابق من هذا العام.
تنامي الاستياء الشعبي
مع أنّ جوانب عدّة من هذه الاغتيالات لا تزال غامضة، تبدو أسبابها واضحة. فتعتبر المصادر المحلية أنّ الدافع الأهمّ هو تنامي الاستياء الشعبي من تجارة المخدرات. وأشار زعيمان مجتمعيّان إلى ازدياد قلق السكان المحليّين بشأن سلامة عائلاتهم في ظل ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات وتوفّرها في الأسواق المحلية. وتزامن ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات والإدمان مع الارتفاع في الجرائم ذات الصلة، مثل السرقة والخطف والعنف الأسري.
تشمل أنواع المخدّرات غير المشروعة الأكثر شيوعًا حشيشة الكيف والكبتاغون والميثامفيتامين (كريستال ميث)، ويتوفّر بعضها بأسعار زهيدة يمكن مقارنتها بأسعار الوجبات الخفيفة. وشدّد أحد المعلّمين في المنطقة على أنّ المخدرات متاحة على نطاق واسع، ليس فقط في الشوارع بل في المدارس أيضًا. ويدلّ ذلك على أنشطة ترويج مكثّفة تستهدف المراهقين المُستضعفين، بهدف تعزيز التعاطي الواسع للمخدرات وإغراء المستهلكين ببيع المخدرات أو تهريبها.
ويزداد الغضب الشعبي نتيجة غياب الجهود الرسمية لوقف هذه الأنشطة غير المشروعة. فعلى الرغم من الوعود المتكرّرة، لم يتّخذ النظام أي خطوات ملموسة للحدّ من تفشّي المخدرات، خصوصًا أنّ بعضًا من أبرز شبكات الإتجار بالمخدرات تحظى بالحماية من أجهزة أمنية وعسكرية تابعة للنظام. ويستمرّ هذا التعاون القائم على دوافع مالية وسياسية، على الرغم من أنّ الدول العربية المجاورة اشترطت على نظام بشار الأسد اتّخاذ إجراءات صارمة لمكافحة تجارة المخدرات في محادثاتها الأخيرة لاستعادة العلاقات معه.
طوال فترة الحرب السورية، صدرت تقارير عدّة تسلّط الضوء على إنتاج المخدرات وتوزيعها. ولكن، بعد أن استعاد بشار الأسد السيطرة على معظم المناطق السورية، برزت سوريا كأكبر مُنتج في العالم للكبتاغون المُصنَّع من الأمفيتامين. واستفاد النظام من سيطرته على المناطق الحدودية مع لبنان والأردن والعراق لتحويل أنشطة تصنيع المخدّرات المتواضعة نسبيًّا في سوريا إلى قطاع دولي يدرّ مليارات الدولارات سنويًّا.
في حين أنّ حبوب الكبتاغون وغيرها من المخدرات تُصدَّر إلى بلدان عدّة، يبقى السوق الأساسي لها الخليج العربي، وبخاصة المملكة العربية السعودية. فيبدو أنّ معظم عمليات التهريب إلى الخليج تحدث عبر محافظة درعا الحدودية مع الأردن، ما يجعل المنطقة مركزًا لإنتاج الكبتاغون وتهريب المخدرات.
لا شكّ في أنّ الرئيس الأسد يتحمّل القسط الأكبر من المسؤولية عن نشوء قطاع المخدرات الذي لم يعُد سرّيًّا في البلاد، لكنّ السكان المحليّين يشجبون أيضًا تقاعس فصائل المعارضة السابقة التي تُواصل عملها بعد المصالحة مع النظام. ويبدو أنّ الضغوط المحلّية أجبرت اللواء الثامن، الذي يتألف بشكل عام من مقاتلي المعارضة السابقين الذين يعملون حاليًا تحت مظلة النظام، على اتخاذ إجراءات للتعامل مع هذه الظاهرة الربيع الماضي.
وفقًا لمقاتلين سابقين في المعارضة، شنَّ اللواءُ الثامنُ حملةَ مكافحةِ مخدّرات في المنطقة الشرقية في محافظة درعا في آذار/مارس 2023، غير أنّ الحملة سرعان ما فقدت زخمها. واعتبر اثنان من مقاتلي المعارضة السابقين أنّ الضغوط التي مارسها النظام أجبرت اللواء الثامن على وقف المبادرة. في المقابل، اعتبر باحثان محليّان أنّ عدم استهداف تجّار مخدرات بارزين، مثل عماد زريق، قائد ميليشيا مرتبط بالمخابرات العسكرية، يدلّ على أنّ هذه الحملة مجرّد ذريعة لتصفية الحسابات مع مجموعات مسلّحة أخرى.
نشوء مجموعات مكافحة المخدرات
مهما كانت الدوافع، يبدو أنّ الحصانة شبه الكاملة الممنوحة لتجّار المخدّرات حفّزت السكان المحليّين على تولّي زمام المبادرة. فيملك عدد كبير من سكان درعا الأسلحة، ويعرفون كيف يستخدمونها، ولا سيّما أولئك الذين شاركوا سابقًا في الأنشطة العسكرية.
كذلك، يشارك في عمليات الاغتيال المتعلقة بالمخدرات بعضُ مقاتلي المعارضة السابقين الذين يعتبرون أنفسهم حُماةً للمجتمع، حتّى أولئك الذين يعملون حاليًا تحت مظلّة النظام. ويعتمد هؤلاء المقاتلون نهج الكر والفر بدلًا من المواجهة المباشرة، ما يتيح لهم الاستجابة للمخاوف المحلية بدون استعداء النظام.
من الناحية العملياتية، أشار اثنان من مقاتلي المعارضة السابقين إلى أنّ مُكافِحي المخدرات يعملون عادةً ضمن مجموعات منظَّمة، ما يعزِّز قدرتهم على جمع المعلومات بشكل فعَّال وتنفيذ عمليات استهداف دقيقة مع تقليل المخاطر المترتّبة عليهم. ويبدو أيضًا أنّ هذه المجموعات منظَّمة جغرافيًّا، وتعمل ضمن مناطقها المحدَّدة للحفاظ على تفوّقها الاستراتيجي.
مع ذلك، من غير المرجَّح أن تكون هذه المجموعات مسؤولةً وحدَها عن كل عمليات القتل المتعلقة بالمخدرات. فيشير باحثان محليان إلى احتمال أن يكون تجّار المخدرات المتنافسون مسؤولين عن بعض عمليات الاغتيال، سعيًا إلى توسيع نفوذهم أو مناطق نشاطهم. وفي حين أنّ بعض الحوادث سببها خصومات شخصية، يعود البعض الآخر إلى المنافسة بين شبكات المخدرات المرتبطة بأجهزة المخابرات المختلفة أو حتى بين مجموعات مرتبطة بالجهاز الأمني نفسه.
على نحو مشابه، يبدو أنّ الجماعات التابعة لتنظيمَيِ "الدولة الإسلامية" و"هيئة تحرير الشام"، اللذين يحافظان على وجود سري في درعا، تشارك أيضًا في عمليات استهداف تجّار المخدرات. على سبيل المثال، أشار زعيم مجتمعي إلى أنّ تاجر المخدّرات فايز الراضي اغتيل في آذار/مارس 2023 على يد عناصر مرتبطة بـ"هيئة تحرير الشام". وفيما يبدو أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" يستهدف فقط الأشخاص الذين لا يدفعون مبالغ مالية له مقابل الحماية، تستفيد "هيئة تحرير الشام" من هذه الهجمات لحشد الدعم المجتمعي.
على الرغم من ازدياد عمليات الاغتيال، من غير المرجَّح أن تقضي هذه الظاهرة على الأنشطة المرتبطة بالمخدرات المتفشية في جنوب سوريا. فنظرًا إلى النفوذ والمال الذي تدرّه عليهم تجارة المخدرات في درعا، أصبح تجّار المخدّرات غير مبالين بالتهديدات، وبخاصة تلك الصادرة عن المجتمع المحلي. فهُم مسلّحون وواثقون من أنفسهم، ويواصلون تجارتهم غير الشرعية غير آبهين بالمخاطر. من هذا المنطلق، قد تزيد عمليات الاغتيال من تعقيد المشهد، ما سيفاقم العنف المستمر في هذه المنطقة الهشة وغير المستقرة أساسًا.
د. حايد حايد هو كاتب صحافي سوري وزميل استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسّسة "تشاتام هاوس".