MEI

الرد الأمريكي على هجوم "البرج ٢٢" أقل قوة وأكثر انضباطًا

فبراير 09, 2024


مشاركة

محمد حسان

مساء السبت ٣ شباط/ فبراير، قصفت الطائرات الأمريكية أهدافًا للقوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها في كلٍّ من سوريا والعراق، ردًّا على مقتل ثلاثة من جنودها في قاعدة "البرج ٢٢" على الحدود السورية الأردنية، وتَركَّز القصف على مناطق شرق سوريا وغرب العراق.

في الجانب السوري استهدف القصف ٦ مواقع رئيسية، وهي مبنى الهجانة، ومعبر السكة في مدينة البوكمال، ومنطقة سوق الماشية على أطراف مدينة الميادين شرق ديرالزور، ومستودع للذخيرة في شارعي سينما فؤاد وبورسعيد داخل مركز المدينة، أما غرب المدينة فقد استهدف القصفُ مستودعات عياش الاستراتيجية للسلاح، ونقطةً للمليشيات الإيرانية في بادية بلدة التبني.

أما القصف داخل الأراضي العراقية، فقد تركز على محافظة الأنبار، وخاصةً المناطق الحدودية مع سوريا. واستهدفت الغاراتُ مركزًا للحشد الشعبي والمليشيات الموالية لإيران في منطقة القائم ومنطقة عكاشات، حيث مراكز السيطرة والربط بين تلك المليشيات على جانبي الحدود السورية العراقية.

نتج عن الغارات في سوريا، مقتل ٢٩ عنصرًا من المليشيات الإيرانية في حصيلة غير نهائيةٍ، وهم: ٩ من الجنسية السورية، و٦ من الجنسية العراقية، و٦ من حزب الله اللبناني، و٨ مجهولو الهوية يُعتقد أنهم أفغان وإيرانيون، وتوزَّع القتلى كالآتي: ١٩ في مدينة الميادين، ١٠ في مدينة ديرالزور ومستودعات عياش.

في العراق كانت نتائج الغارات ١٦ قتيلًا و٢٤ جريحًا بحسب الحكومة العراقية، التي قالت "إن من بين القتلى مدنيين، سقطوا بالقصف الذي استهدف منطقتي القائم وعكاشات غرب محافظة الأنبار".

بعيدًا عن كون الغارات الأمريكية تأتي في سياق الرد والردع، إلا أنها جاءت مختلفة عن سابقاتها في عدة نقاط على الصعيد العملياتي، وأيضًا التحول في الهدف العام لها.

التحول العمليَّاتي للغارات الأمريكية كان واضحًا من خلال بنك المواقع المُستَهدَفة؛ حيث استهدفت الطائرات الأمريكية لأول مرة أهدافًا عسكريةً تتبع للمليشيات الموالية لإيرانية داخل مركز مدينة ديرالزور، وقصفت مستودعات أسلحة وذخائر بالقرب من مؤسسة العمران في شارع بورسعيد، ومستودع أسلحة بشارع سينما فؤاد، وأيضًا نقطة الجبل المطلة على مدينة ديرالزور والمطار العسكري.

وتُعتبر هذه النقاط أهم النقاط المحمية لتلك المليشيات داخل مركز المدينة ذات الكثافة السكانية، والتي تستخدمها المليشيات الإيرانية كمستودعات أسلحة ومركز لإدارة العمليات ضد القوات الأمريكية المتواجدة في "القرية الخضراء" داخل قاعدة حقل العمر وحقل كونيكو للغاز، أهم القواعد للقوات الأمريكية في محافظة ديرالزور.

الضربات الأمريكية لم تحمل تحولًا على الصعيد العملياتي فقط، بل أيضًا تحولًا في الهدف العام؛ فالضربات الأخيرة لم تكن انتقامية هدفها إيقاع أكبر عدد من القتلى، أو استهداف قادة المليشيات الإيرانية في سوريا والعراق، بل كان الهدف منها ضرب القدرات العسكرية ومواقع السيطرة والتوجيه لتلك المليشيات، على أمل إضعاف قدراتها على شن هجمات مماثلة في المستقبل.

ما يؤكد الرغبة الأمريكية في تدمير القدرات العسكرية للميلشيات هو نوعية الأهداف التي ضربتها الغارات؛ ففي محافظة الأنبار، استهدفت الطائرات مقرات قيادة الحشد الشعبي والمليشيات الإيرانية في القائم وعكاشات بمحافظة الأنبار، وهي المسؤولة عن الربط بين الشق العراقي والسوري بين تلك المليشيات، كما تتولى مهمة نقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين وتُعتبر مركز إدارة الاستخبارات التي تنطلق منها عمليات ضرب القوات الأمريكية، وآخرها ضرب قاعدة البرج ٢٢ وقاعدة حقل العمر.

واستهدف القصف أيضًا معظم مستودعات الأسلحة والذخائر، منها مستودعات الحشد في القائم وعكاشات وأيضًا مستودعات للميلشيات الإيرانية داخل مدينة البوكمال ومركز مدينة ديرالزور ومستودعات عياش، وهذا يُضعف من قدرات تلك المليشيات بشكل كبير، لكنه لا يمنع خطورتها، بسبب قدرتها على تعويض تلك الأسلحة والذخائر عبر نقلها من إيران عبر العراق.

وعلى الرغم من قوة الغارات الأمريكية وتنوع الأهداف التي ضربتها، إلا أن عدة عوامل ساهمت في محدودية أثرها، أول تلك العوامل، انتفاء عنصر المباغتة؛ حيث أعلنت واشنطن عن عزمها توجيه ضربات للأطراف المسؤولة عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين. إلا أن هذا الأمر استغرق نحو أسبوع، حتى نُفِّذت تلك الضربات، ما منح مهلةً لتلك الأطراف لتقوم بإجراءاتها في الاختباء وإخلاء مواقعها، وربما يؤشر ذلك على رغبة أمريكية في ألا تؤدي تلك الضربات إلى تأجيج الصراع في المنطقة، وهذا ما يفسر عدم وجود قادة كبار بين قتلى تلك الغارات.

العامل الثاني، استثناء إيران من الضربات الأمريكية؛ حيث تسعى واشنطن إلى تجنب توسيع نطاق الحرب الحالية، وعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، وعليه، فقد جاءت الضربات في مناطق تسيطر عليها المجموعات الموالية لإيران، على الحدود بين سوريا والعراق، في الميادين ودير الزور والقائم وغيرها، وهي مناطق اعتادت الولايات المتحدة، وإسرائيل في بعض الأحيان، توجيه ضربات فيها، وتحاشي توجيه ضربات لأهداف داخل إيران، أو حتى قادة القوات الإيرانية في العراق وسوريا الموجهين لعمل تلك المليشيات.

بعد الضربات الأمريكية كان السيناريو المُتوقَّع يحمل عدة احتمالات، أولها أن تفضي الهجمات التي نفذتها واشنطن ضد مواقع المليشيات في العراق وسوريا، إلى حالة من التوقف المؤقت للهجمات التي تشنها الأخيرة ضد الأهداف الأمريكية، وذلك في ضوء الرسالة التي سعت الولايات المتحدة إلى إيصالها، بأن مقتل جنودها يمثل خطًّا أحمر لواشنطن، يستلزم الرد عسكريًّا.

الاحتمال الثاني، أنه وبسبب محدوديَّة الضربات الأمريكيَّة التي نُفِّذت ضد مواقع مليشيات مُسلَّحة في سوريا والعراق، فمن المرجح أن تستمر هجمات المجموعات المسلحة ضد الأهداف الأمريكية. وهذا ما حصل؛ إذ تزامن مع الضربات الأمريكية، قصف فصائل ما يسمى "المقاومة الإسلامية"، لقاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، وقاعدة الحرير الجوية في إقليم كردستان العراق، كما استهدف قصف صاروخي القاعدة الأمريكية في حقل العمر شرقي محافظة دير الزور السورية تسبب بمقتل ٧ عناصر من قوات "قسد" أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

يمكن القول إن الرد الأمريكي على الهجوم الذي استهدف قاعدة البرج ٢٢، جاء أقل قوة وأكثر انضباطًا، وهو ما يندرج ضمن معادلة التصعيد المحسوب، التي تضبط الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، بما يضمن عدم انخراطهما في مواجهة مباشرة ليست في صالح أي منهما في هذا التوقيت، من جهة، ومن جهة أخرى ضمان ألا ترتب ردة فعلها القوية ردًّا مقابلًا من جانب المليشيات في سوريا والعراق ضد قواتها ومصالحها في البلدين.

هذا يرجِّح أن تُقدِم إيران، بعد هذا الحادث، على مراجعة استراتيجيتها مع وكلائها في المنطقة، منعًا لانزلاق الأمور إلى مساحات لا ترغبها طهران حاليًا، إذ إنها تؤكد مع كل موقف أنها لن تقدم على الانخراط في مواجهة مباشرة إلا إذا هُوجمت أراضيها هجومًا مُباشرًا.

محمد حسان باحث غير مقيم في برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط وطالب ماجستير في قسم العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس. تركز كتاباته على مناطق شمال وشرق سوريا، وخاصة الجماعات الإسلامية المتطرفة والمجتمعات القبلية.

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك