الرئيس الإيراني الجديد يشكِّل حكومة أزمة
أغسطس 13, 2024
جايسون م. برودسكي
اعتلى مسعود بزشكيان منصبه رئيسًا لإيران في خضمِّ أزمةٍ تواجه البلد؛ ففي مساء اليوم التالي لتنصيبه، قتلت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، الذي دعمَ مذبحة السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر في إسرائيل، في أحد بيوت الضيافة في طهران. وفي حين رحّبت بعض وسائل الإعلام الغربية بوصول بزشكيان إلى سدّة الرئاسة ووصفته بـ"المتحرّر" الذي تُحاوِل جهات أجنبية تقويض إدارته، تكشف الشخصيات التي اختارها لتولّي المناصب الوزارية والتنفيذية صلاحيات الرئيس المحدودة.
في خلفيّة التعيينات الوزاريّة
ينتمي معظم الأفراد الذين عيّنهم بزشكيان إلى النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية وسبق أن تولّوا مناصب عامة. وتشمل اختياراته عددًا أقلّ من الأفراد الخاضعين للعقوبات الدولية مقارنةً بوزراء حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، ربَّما لأن الإدارات الرئاسية الأكثر براغماتيةً تسمِّي عادةً مرشّحين يخفون انتهاكات النظام بشكل أفضل من الإدارات المُحافِظة. سبقَ أن عملَ كثيرٌ من المسؤولين الوزاريين المُحتمَلين نوّابًا للوزراء والوزارات والكيانات الحكومية الخاضعة للعقوبات الأمريكيّة والأوروبية. ويمكن ملاحظة ذلك خصوصًا في حالة المرشّحين لوزارات الثقافة والإرشاد الإسلامي، والدفاع، وتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، والنفط. وبعض المرشّحين خاضعون للعقوبات شخصيًّا، مثل وزير الصناعة المُعيَّن محمّد أتابك الذي صنَّفه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية لكونه عضوًا في مجلس إدارة شركة تطوير الصناعات التعدينية "کاوه پارس"، وهي شركة قابضة لمؤسّسة "المستضعفين" التي ساهمت في إثراء المُقرَّبين من النظام.
بالإضافة إلى ذلك، لن تحظى حكومة بزشكيان بالعدد نفسه من خرّيجي جامعة الإمام الصادق، وهي مؤسّسة تدريبية أيديولوجية متشدّدة تابعة للنظام، كما إدارة رئيسي، التي كانت فعليًّا بمثابة نادٍ لخرّيجي الجامعة، حتّى إنَّ بعض نوّاب بزشكيان تلقّوا تعليمًا غربيًّا. ومع ذلك، فإنَّ عدد المسؤولين الذين قرَّرَ بزشكيان الاحتفاظ بهم من إدارة رئيسي، إلى جانب انتهاك معايير الاختيار التي حدّدها بزشكيان، يُسبِّبان حالةً من القلق بين مؤيّديه.
صحيحٌ أنَّ هذه الأصوات الحكومية الجديدة ليست من صُنّاع القرار مثل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، غير أنَّها تُشارِك في صياغة القرارات، ولا سيّما أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي. وفي ما يلي نبذة عن المرشّحين للمناصب الرئيسية.
وزير الخارجية
قرَّرَ بزشكيان تسمية عبّاس عراقجي وزيرًا للخارجية. وُلِدَ عراقجي في عام 1962، وهو يُجيد الإنجليزية بطلاقة كما أنَّه حائز على درجة الدكتوراه من جامعة "كنت"، وقد شغلَ الكثير من المناصب في وزارة الخارجية، وانضمَّ إلى السلك الدبلوماسي في عام 1989. في إحدى المرّات، زعمَ القائد السابق للحرس الثوري جواد منصوري أنَّ عراقجي كانَ عضوًا في فيلق القدس. وعلى الرغم من أنَّ وزارة الخارجية الإيرانية نفت هذا الادّعاء، تحدَّثَ عراقجي باعتزازٍ عن خدمته في الحرس الثوري، إذ قالَ في عام 2013: "قلبي ما زالَ معهم، وما زلتُ أحتفظُ بالزيّ المقدّس من تلك الأيّام".
بدأ عراقجي مسيرته المهنية كخبير في إدارة شؤون الأمم المتّحدة بوزارة الخارجية الإيرانية. ثمّ عملَ لفترة كرئيس لبعثة الجمهورية الإسلامية لدى منظّمة التعاون الإسلامي في المملكة العربية السعودية وكمدير عام للمركز الأبحاث الداخلي في وزارة الخارجية، أي معهد الدراسات السياسية والدولية. وشغلَ لاحقًا منصب سفير إيران في فنلندا، وعميد كلية العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية، كما عملَ نائبًا لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، وسفيرًا في اليابان، ونائبًا لوزير الخارجية لشؤون آسيا والمحيط الهادئ ودول الكومنولث، وناطقًا رسميًّا باسم وزارة الخارجية، والأهمّ من ذلك أنَّه عملَ نائبًا لوزير الخارجية للشؤون السياسية.
يتمتّع عراقجي بخبرة واسعة في مختلف مجالات عمل وزارة الخارجية الإيرانية مقارنةً بالكثير من أسلافه. ويتميّز بقدرته على الاستمرار والتقدُّم في الوزارة في ظلّ مختلف الإدارات الرئاسية بأيديولوجياتها المختلفة -التي تراوحت بين الإصلاحية والمُحافِظة- باستثناء رئاسة إبراهيم رئيسي، التي تراجعَت مكانته فيها إلى منصب أمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية.
سوف يشعر بعض الدبلوماسيين الغربيين بالارتياح لعودة عراقجي إلى الساحة الدبلوماسية، نظرًا لمعرفتهم به كعضوٍ قديمٍ ثمّ كرئيس للفريق الإيراني خلال المفاوضات حول البرنامج النووي، إذ تمكّنوا من التوصُّل معه إلى نتائج مقبولة. وثمّة علاقات طويلة الأمد بين عراقجي وبعض العواصم الأوروبية الهامّة، وكذلك بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين.
سوف يختلف عراقجي عن القائم بأعمال وزير الخارجية الحالي علي باقري كني من حيث الأسلوب والتكتيكات والنبرة والعلاقات. فبخلاف باقري كني، الذي شغلَ منصب نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، يُتقِن عراقجي اللغة الإنجليزية جيدًا. ولم يكُن أمير عبد اللهيان، ذو اللغة الإنجليزية الركيكة، لاعبًا محوريًّا في المفاوضات النووية مقارنةً بسَلَفه محمّد جواد ظريف. كذلك، فإنَّ عراقجي، الذي ترأّسَ معهد الدراساتالسياسية والدولية وعملَ عن كثب مع ظريف، أكثر خبرةً وتمرُّسًا من فريق السياسة الخارجية في عهد رئيسي لناحية تعزيز العلاقات مع الأفراد ووسائل الإعلام في العواصم الغربية للترويج لخطاب الجمهورية الإسلامية من خلال الحملات الإعلامية.
من المُرجَّح أيضًا أنَّ بزشكيان وعراقجي يُفضِّلان إعادة التوازن إلى علاقات إيران الخارجية، خلافًا لتركيز رئيسي على "الاستدارة نحو الشرق" – من خلال الالتزام بشعار مؤسِّس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني: "لا شرقيّة ولا غربيّة". من هذا المُنطلق، قد يُحاوِل عراقجي بناء المزيد من الجسور مع أوروبا لفصلها عن الولايات المتّحدة، خصوصًا إذا فازَ دونالد ترامب بالرئاسة وسعى إلى عزل طهران. أمّا إذا أصبحت كامالا هاريس رئيسةً للولايات المتّحدة، فسوف يُعوِّل عراقجي على خبرته في التعامل مع مسؤولي السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي لتخفيف العقوبات. لكنَّه سيكون حارِسًا مخلصًا لمصالح الحرس الثوري، إذ قالَ في مقابلةٍ أُجريت معه في عام 2023 إنَّ "ما أبقى الولايات المتّحدة والدول الأوروبية الثلاث وكذلك روسيا والصين على طاولة المفاوضات لم يكن ببساطة قوّتنا الدبلوماسية، بل صواريخنا التي لم تسمح لأحد بمهاجمة منشآتنا النووية". وبعد أن أعلنَ بزشكيان عن ترشيحه، بدأ عراقجي يسعى إلى إبعاد نفسه عن رئيسه السابق جواد ظريف، قائلاً للمُشرِّعين إنَّه لم يكن جزءًا من "عصابة نيويورك"، في إشارةٍ إلى ظريف ونوّابه الذين شاركوا في البعثة الإيرانية لدى الأمم المتّحدة في مانهاتن.
ولكنْ، في نهاية المطاف، يبقى عراقجي مبعوثًا مُكلَّفًا بتنفيذ القرارات، لا بصناعتها. فكما اشتكى ظريف في تسجيلٍ صوتيٍّ مُسرَّب من عام 2021، لم يكن لديه كوزير للخارجية "أيّ" تأثير على عملية صنع القرارات المتعلّقة بالسياسة الخارجية. وأوضحَ المرشد الأعلى في وقتٍ لاحققائلًا: "لا تُحدِّد وزارة الخارجية السياسة الخارجية في أيِّ مكانٍ في العالم. ثمّة مسؤولون أعلى مستوًى، وهم يصنعون القرارات والسياسات. وبالطبع، تشارك وزارة الخارجية أيضًا في هذه العملية". وعلى الرغم من أنَّ وزير الخارجية هو فعليًّا عضو في المجلس الأعلى للأمن القومي، من المُرجَّح أن يواجه عراقجي قيودًا مماثلة. على سبيل المثال، مع أنّه كاد ينجح في إعادة تفعيل خطّة العمل الشاملة المشتركة في عام 2021 عندما كانَ كبير المفاوضين النوويّين، إلّا أنَّ المسؤولين الكبار في طهران لم يسمحوا له بإبرام الصفقة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران. ومع ذلك، تغيّرت الظروف الآن، وبات عراقجي من المسؤولين الإيرانيّين الذين يهدّدون بتغيير العقيدة النووية في ظلّ الهجمات الإسرائيلية.
وزير الاستخبارات
قرَّرَ بزشكيان الإبقاء على إسماعيل الخطيب كوزيرٍ للاستخبارات. عملَ الخطيب، الذي رشَّحَه رئيسي في الأصل لهذا المنصب وكانَ له مسار مهنيمماثل، كمدير لمركز حماية المعلومات في السلطة القضائية لفترة وجيزة، بينما قضى رئيسي معظم حياته المهنية وهو يترقى في درجات القضاء. وتولّى الخطيب أيضًا منصب رئيس الأمن في المؤسّسة الدينية الثريّة "آستان قدس رضوي"، التي قادها رئيسي في مرحلة معيّنة، وفي رصيده خبرة واسعة في وحدة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري وفي وزارة الاستخبارات، مثلًا كمدير للمكتب في قُم.
لن يكون لدى الخطيب قواسم مشتركة كثيرة مع بزشكيان مقارنةً برئيسي، إذ قضى بزشكيان معظم مسيرته المهنية في القطاع الطبّي ووزارة الصحّة والبرلمان. وهذا يُشير إلى أنَّ المرشد الأعلى ربّما أصرَّ على بقاء الخطيب في منصب وزير الاستخبارات، الأمر الذي ينسجم مع أدائه السابق. ففي عام 2011، منعَ خامنئي الرئيس محمود أحمدي نجاد من إقالة حيدر مصلحي من منصب وزير الاستخبارات. ويحظى الخطيب بثقة خاصّة من خامنئي لأنَّه كانَ يرأس مكتب فيلق حماية المرشد الأعلى. ومن المرجَّح أنَّ افتقار بزشكيان إلى الخبرة في الأجهزة الأمنية ونهجه البراغماتيّ في الحوكمة قد عزّز رغبة خامنئي في الاحتفاظ بشخص جدير بالثقة مثل الخطيب. ومن الجدير بالذكر أنَّها المرّة الأولى التي يحتفظ فيها الرئيس الجديد بوزيرٍ سابق في منصبه منذ تأسيس وزارة الاستخبارات.
وزير الدفاع
بالنسبة إلى منصب وزير الدفاع، اختارَ بزشكيان عزيز ناصر زاده، نائب رئيس أركان القوّات المسلّحة الإيرانية. شغلَ ناصر زاده سابقًا منصب قائد القوّات الجوّية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي الفرع الجوّي للجيش الإيراني. وقضى معظم مسيرته المهنية وهو يتقدّم في صفوف القوّات الجوّية، حيث باشرَ خدمته كملحق عسكري للجمهورية الإسلامية في إيطاليا وعملَ نائبًا لقائد الاستخبارات في القوّات الجوّية فضلًا عن تولّيه مناصب أخرى.
ينسجم وصول ناصر زاده إلى منصب وزير الدفاع مع آلية وصول سَلَفه محمّد رضا آشتياني، الذي اعتلى المنصب أيضًا بعد أن عمِل كنائب لرئيس أركان القوّات المسلّحة الإيرانية. وينطبق الأمر نفسه على أمير حاتمي الذي كانَ نائبًا في هيئة الأركان العامّة للقوّات المسلّحة. ويأتي ترشيح ناصر زاده، بعد حاتمي وآشتياني، ليؤكّد استمرار تولّي ضبّاط من الجيش، وليس قادة الحرس الثوري، قيادة وزارة الدفاع منذ عام 2017.
ولكنَّ الأمر المختلف في حالة ناصر زاده هو أنَّه سيكون، إذا تأكَّدَ تعيينه، أوّل ضابط في القوّات الجوّية يصبح وزيرًا للدفاع منذ جواد فكوري في عام 1980. في السابق، كان أعضاء الجيش النظامي، وليسَ الحرس الثوري، الذين شغلوا منصب وزير الدفاع ضبّاطًا إمّا في القوّات البرّية أو في القوّات البحرية. بالتالي، قد يُشير وصول ناصر زاده إلى هذا المنصب إلى قرار الإدارة الإيرانية بإعطاء الأولوية لتعزيز القوّات الجوّية، ولا سيّما بالتزامن مع محاولة طهران تأمين مُقاتِلات "سوخوي سو-35" وغيرها من العتاد من روسيا. علاوةً على ذلك، فرضَ كلٌّ من الاتّحاد الأوروبي والمملكة المتّحدة عقوباتٍ على خَلَف ناصر زاده في قيادة القوّات الجوّية، حميد وحيدي، بسبب تزويده روسيا بمُسيَّرات لاستخدامها ضدّ أوكرانيا. وأشارَ الاتّحاد الأوروبي إلى مشاركته في "صنع القرار بشأن برنامج الطائرات بدون طيّار الإيرانية، وتصدير المُسيَّرات، والتعاون الدفاعي مع روسيا في هذا المجال". لذلك، قد يوفّر ناصر زاده المزيد من الخبرة ويدعم الجهود في هذا الإطار، خصوصًا وأنَّ طهران تُحاوِل تسويق مُسيَّراتها لتصديرها حول العالم بعد رفع الحظر على الأسلحة الذي نصَّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 2231.
وزير الداخلية
اختارَ بزشكيان إسكندر مؤمني وزيرًا للداخلية. مؤمني ضابطٌ في الحرس الثوري وقضى معظم مسيرته المهنية في الشرطة الإيرانية النظامية، أي قيادة إنفاذ القانون، وشغلَ مناصب كثيرة، منها نائب القائد. وفي حين تَصِف بعض التقارير الإعلامية مؤمني بـ"المعتدل"، كان نائبًا لقادة عسكريّين إيرانيّين فُرِضَت عليهم عقوبات بسبب انتهاكات ارتكبوها، مثل حسين آشتري الذي صنَّفته الولايات المتّحدة بسبب "حالات عنف متعدّدة" ارتُكِبَت خلال ولايته من 2015 إلى 2023. وشغلَ مؤمني أيضًا منصب رئيس شرطة المرور الإيرانية، وقادَ عمليات الشرطة لفترة معيّنة. يعتبره البعض حليفًا لرئيس البرلمان محمّد باقر قاليباف. وقد فرضت الحكومة الأمريكية عقوباتٍ على الشرطة الإيرانية كمؤسّسة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 2011، تزامنًا مع تولّي مؤمني عدّة مناصب فيها.
وعلى النقيض من أسلافه في منصب وزير الداخلية، الذين فُرِضَت عقوبات على كُثُر منهم في وقتٍ لاحق، سيكون مؤمني أوّل وزير داخلية في الجمهورية الإسلامية يقضي جزءًا كبيرًا من مسيرته المهنية كضابط في الشرطة. على سبيل المثال، كانَ سلفه أحمد وحيدي وزيرًا للدفاع في السابق وقائدًا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري. وكان عبد الرضا رحماني فضلي، الذي عُيِّنَ وزيرًا للداخلية في عهد الرئيس حسن روحاني، عضوًا في البرلمان، وشغلَ مناصب عدّة في المجلس الأعلى للأمن القومي، وترأّسَ محكمة التدقيق العليا.
ولكنْ، في حين سوف يتولّى مؤمني أيضًا دور نائب أو بديل قائد الشرطة نظريًّا عند تأكيد تعيينه وزيرًا للداخلية، فإنَّ قائد الشرطة الوطنية أحمد رضا رادان، الذي يتّسم بسمعة مروّعة كواحد من أكثر الوجوه القمعيّة في إيران، قد أتى بتعيينٍ من المرشد الأعلى. في الواقع، يُقال إنَّ مؤمني لم يكن الخيار الأوّل لبزشكيان كوزيرٍ للداخلية، بل فُرِض هذا الترشيح عليه. وكما أشارَ موقع "إيران واير"، تذكّرنا هذه الحالة بترشيح روحاني لرحماني فضلي كوزيرٍ للداخلية في عام 2013 لأنَّه كانَ مُقرَّبًا من رئيس البرلمان آنذاك علي لاريجاني، تمامًا كما أنَّ مؤمني مُقرَّب من قاليباف. ويُعَدّ ذلك مهمًّا بشكل خاصٍّ لأنَّ بزشكيان انتقدَ في بعض الأحيان أساليب النظام في فرض الحجاب. بالتالي، فإنَّ سلطة بزشكيان ومؤمني، كما هي الحال مع جميع الرؤساء ووزراء الداخلية، ستكون محدودة في هذا الصدد.
منظّمة الطاقة الذرية
من بين المناصب الرئيسية الأخرى منصب نائب الرئيس والرئيس في منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية. هنا، سمحَ بزشكيان لمحمّد إسلامي بالبقاء في منصبه. اكتسبَ إسلامي دعمًا واسعًا من مختلف الجهات بصفته وزيرًا للنقل في عهد روحاني، وبصفته أحد المُعيَّنين من جانب رئيسي على رأس منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية. في المقابل، فرضت عليه الأمم المتّحدة عقوباتٍ في عام 2008 بتهمة نشر أسلحة الدمار الشامل. وثمّة أدلّةتُؤكِّد أنَّ إسلامي كانَ على تواصلٍ أيضًا مع العالِم الباكستاني عبد القدير خان في بناء برنامج للأسلحة النووية في إيران في ثمانينات القرن الماضي.
خلال ولاية إسلامي تحت إدارة رئيسي، واجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعوبات متزايدة في علاقتها مع منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية التي سحبت تعيينات عدّة مفتّشين ذوي خبرة، وعرقلت تحقيقات اتّفاق الضمانات، ووسّعت البرنامج النووي الإيراني بشكل غير مسبوق، بما في ذلك التخصيب لدرجة نقاء قدرها 60 في المئة. وقد تؤدّي إعادة تعيين إسلامي إلى مشكلاتٍ بالنسبة إلى الدبلوماسيين الغربيين الذين كانوا يتطلّعون إلى إحراز تقدُّم مع طهران مع وصول بزشكيان إلى الرئاسة بعد إطلاقه وعودًا في حملته الانتخابية بتخفيف العقوبات. في السنوات الأخيرة، استطاعَ الرؤساء الجدد اختيار قيادات جديدة لمنظّمة الطاقة الذرية الإيرانية، باستثناء رضا أمر اللهي، الذي تولّى منصبه من عام 1981 إلى عام 1997، وغلام رضا آغا زاده، الذي تولّى منصبه خلال عهدَيْ محمّد خاتمي وأحمدي نجاد. ولكنَّ ذلك يُظهِر مجدّدًا القيود المفروضة على بزشكيان في إجراء التعيينات في المناصب الحسّاسة، مثل رئاسة وزارة الاستخبارات ومنظّمة الطاقة الذرية الإيرانية.
أمين المجلس الأعلى للأمن القومي
اعتادَ الرؤساء الإيرانيون تعيين أمناء للمجلس الأعلى للأمن القومي ممّن يعملون أيضًا كممثّلين شخصيين للمرشد الأعلى في المجلس. وما زالَ هذا المنصب مؤثِّرًا. ولكنْ، في التاريخ الحديث للجمهورية الإسلامية، ورثَ بعض الرؤساء أمناء عُيِّنوا خلال عهد أسلافهم. على سبيل المثال، أُرغِمَ رئيسي على إبقاء علي شمخاني في منصب أمين المجلس، بعد أن تولّى منصبه في عهد روحاني، على الرغم من المحاولات المتكرّرة لإقالته. وقد تصدّى المرشد الأعلى لهذه المساعي، فيما كانت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني جارية.
أخيرًا، في أيّار/مايو 2023، استطاعَ رئيسي تعيين علي أكبر أحمديان أمينًا للمجلس بعد رضوخ خامنئي. كانَ أحمديان نائبًا لقائد القوّات البحرية في الحرس الثوري في فترة ولاية شمخاني قبل أن يصبح قائدًا للقوّات. وعُرِفَ بأنَّه مهندس عقيدة الدفاع غير المتكافئة للجمهورية الإسلامية. وأصبحَ لاحقًا رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري ورئيسًا للمركز الاستراتيجي.
حتّى تاريخ كتابة هذا المقال، لم يتّضح ما إذا كانَ سيُطلَب من بزشكيان إبقاء أحمديان في منصبه. فلم يمضِ على تولّيه منصبه سوى عام واحد ونيّف. إذا أصرَّ المرشد الأعلى على بقاء أحمديان في منصبه، فسوف يصطدم مع فريق بزشكيان الجديد. وكانَ أحمديان قد وصفَ المفاوضات مع الولايات المتّحدة في إحدى المرّات بأنَّها "إغراء من الشيطان"، وقالَ في عام 2007: "عندما نكشف تهديدًا معيّنًا، علينا مواجهته بواسطة بروتوكول العدوان، وليس بروتوكول الحوار". وقد يؤدّي ذلك إلى حدوث توتُّرات نظرًا لتعهّدات بزشكيان في حملته بالسعي إلى تخفيف العقوبات.
مع ورود أنباء عن استقالة محمد جواد ظريف من منصبه كنائب للرئيس للشؤون الاستراتيجية بعد أيّام من تعيينه من قِبَل بزشكيان، تُواجِه الحكومة الجديدة أزمةً لا تقتصر على العلاقات الخارجية، بل تطال أيضًا الصفوف الداخلية. فقد أشارَ ظريف إلى فرض قيودٍ على عملية إجراء التعيينات، وذكرت وسائل إعلام إيرانية أنَّه لم يستطع الحصول على التصاريح الأمنية اللازمة. وعبَّرَ بعض مؤيِّدي بزشكيان عن خيبتهم في فريقه. في النهاية، ستواجه الإدارة الجديدة قيودًا شديدة.
جايسون م. برودسكي مدير السياسات في منظّمة "متّحدون ضدّ إيران النووية" (UANI) وباحث غير مُقيم في برنامج إيران لدى معهد الشرق الأوسط. حسابه على منصّة "X" ("تويتر" سابقًا): JasonMBrodsky@.