الحكومة المصرية تسير على طريق اقتصادي محفوف بالمخاطر للوفاء بشروط قرض صندوق النقد
فبراير 09, 2023
في 11 يناير/كانون الثاني، أكد البنك المركزي المصري لصندوق النقد الدولي أنه سيتخذ قرارات جريئة. تحديداً، اتخذ البنك المركزي خطوة جريئة بالتعهد بالحفاظ على "سعر صرف مرن دائم" للعملة المحلية، الجنيه المصري. هذا التعهد يفي بأحد الشروط الرئيسية التي وقعتها القاهرة في أواخر العام الماضي مقابل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرًا. في نفس اليوم الذي أعلن فيه البنك المركزي عن سعر الصرف، انخفض الجنيه إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، وهو 32.5 للدولار الأمريكي، في البنوك المملوكة للدولة، وهو ما يعادل تقريبًا سعره فيما يسمى بـ "السوق السوداء" أو غير القانونية، أو سوق الصرف الموازي غير الرسمي.
التخلي عن جهود دعم الجنيه المصري
على الرغم من انخفاض الجنيه بشكل مُطرد مقابل الدولار منذ مارس/آذار 2022 - انعكاسا للآثار المباشرة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي أدت إلى خروج رأس المال الأجنبي وزيادة حادة في فاتورة الواردات – في يناير/كانون الثاني 2023، تخلت السلطات المصرية عن كل الجهود لمنع سقوط الجنيه المصري. كان رد الفعل الكلاسيكي للحكومة خلال العام الماضي هو السماح بانخفاض تدريجي للجنيه، إلى جانب زيادة أسعار الفائدة، على أمل احتواء التضخم ودفع المستثمرين الأجانب للعودة. ومع ذلك، فإن مصر مُثقلة بالديون، وتعتمد بشكل كبير على الواردات، بما في ذلك السلع الغذائية الأساسية والمنتجات النفطية، ويقال إنها تتأرجح على حافة التخلف عن السداد عندما يتعلق الأمر بالوفاء بديونها الخارجية والفوائد المُستحقة على قروضها. لذلك، في ضوء النقص الحاد في احتياطيات العملات الأجنبية المطلوبة بشدة، لم يكن أمام أولئك الذين يديرون الاقتصاد الهش، الذي تسيطر عليه الدولة، سوى قبول الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي. بحلول نهاية أغسطس/آب 2022، انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى 32.2 مليار دولار، والتي كانت في الغالب مكونة من ودائع دول الخليج التي سارعت لمساعدة حليفها الرئيسي، ولكن بشروط.
إلى جانب الحفاظ على سعر صرف مرن، تعهدت الحكومة المصرية أيضًا بالقيام بعملية بيع تدريجي للأصول الرئيسية غير الاستراتيجية المملوكة للدولة، بما في ذلك الأصول المملوكة للقوات المسلحة، لمستثمرين إقليميين ودوليين من أجل السماح بـ "نمو يقوده القطاع الخاص"، والقبول بمستوى غير مسبوق من إشراف صندوق النقد الدولي على الميزانية الوطنية والشركات المملوكة للدولة والإنفاق الحكومي. في حديثها في منتدى دافوس في يناير/كانون الثاني، قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد إن الحكومة تأمل في بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة تتراوح بين2-2.5 مليار دولار بحلول يونيو/حزيران.
عندما انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل حاد الشهر الماضي، مع وجود شائعات في السوق تشير إلى أنه قد ينخفض إلى 40 جنيهًا مقابل الدولار، أصيب المصريون بالذعر. حظرت الأجهزة الأمنية المصرية الاحتجاجات العامة في السنوات الأخيرة، وأصدرت أحكامًا قاسية بالسجن على كل من يجرؤ على النزول إلى الشوارع؛ لذلك لجأ المصريون بدلاً من ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ونشروا نكاتًا مريرة وانطباعات ساخرة عن مواطنين يزنون عملة الجنيه بالكيلو بدلاً من عدّها لشراء السلع الأساسية. ظهرت تغريدات ومنشورات كثيرة تقارن العملة المصرية بالليرة اللبنانية، والتي أصبحت بلا قيمة.
الخروج من الركود الاقتصادي
كان الوضع الاقتصادي صعبًا خلال العام الماضي، حيث وصل معدل التضخم الرسمي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، بنسبة 21.5٪، فيما تضاعفت أسعار جميع السلع الغذائية تقريبًا. لم يكن فقراء مصر وحدهم الذين اشتكوا من عدم قدرتهم على تغطية نفقاتهم، واضطروا إلى تغيير نظامهم الغذائي للتعامل مع ارتفاع الأسعار – ولكن أيضًا فعل المصريون من الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا نفس الأمر. وفي الوقت نفسه، توقفت الصناعة والأعمال تقريبًا، حيث ظلت الواردات المتراكمة عالقة في الموانئ لأكثر من تسعة أشهر بسبب نقص الدولار الأمريكي. جعلت لوائح البنك المركزي المصري من شبه المستحيل للشركات توفير العملة الصعبة اللازمة لنقل هذه السلع.
بعد موجة مماثلة من خفض قيمة العملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ارتفعت قيمة الدولار إلى 20 جنيهًا مصريًا، قبل أن ينخفض في نهاية الأمر إلى 15.7 جنيهًا، وظل عند هذا المستوى لأكثر من ثلاث سنوات. يتوقع العديد من المحللين تكرار سيناريو عام 2016 بعد اتفاق قرض صندوق النقد الدولي الأخير، على الرغم من وجود فوائد فورية أقل للاقتصاد المصري، الذي هو في أمس الحاجة لتمويل خارجي - يقدر بنحو 19 مليار دولار في عام 2023 و22.5 مليار دولار في عام 2024 وفقًا لوكالة فيتش. اعتبر مديرو البنك المركزي والمسؤولون الحكوميون أن بقاء العملة المصرية عند حوالي 30 جنيها للدولار حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني الجاري يعد إنجازا، حيث كان سعر التداول يتراوح بين 29.6 و29.9 جنيهًا.
مع إصدار البنك المركزي المصري شهادات إيداع مدتها 12 شهرًا، بمعدل فائدة سنوي 25٪، بالإضافة إلى أذون خزانة جديدة، عادت "الأموال الساخنة" من جانب المستثمرين الأجانب إلى السوق المصري، حيث ضخوا ما يقرب من مليار دولار في الاقتصاد المصري في أقل من أسبوع في منتصف يناير/كانون الثاني. بالطبع، تجدر الإشارة بحذر إلى أن خروج "الأموال الساخنة" من مصر عندما أعادت روسيا غزو أوكرانيا قبل عام كان أحد المؤشرات الرئيسية التي كشفت الاختلالات العميقة في الاقتصاد المصري. ومع ذلك، يُخرج البنك المركزي والمسؤولون الحكوميون كل ما في جعبتهم في محاولة لجلب المزيد من العملات الصعبة المطلوبة بشدة.
مشاريع وطنية غير شفافة
بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك بعد 30 عامًا في المنصب، ألقى رئيس الدولة الحالي، عبد الفتاح السيسي، باللوم على "القدر" باعتباره السبب في "الظروف [الاقتصادية] الصعبة للغاية" التي تواجهها مصر في الآونة الأخيرة. مستشهداً بكلًا من جائحة كورونا والحرب الشاملة التي اندلعت منذ قرابة عام بين روسيا وأوكرانيا، كرر السيسي أن الأزمة الاقتصادية كانت "عالمية"، وتؤثر على جميع دول العالم، بما في ذلك الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
في تصريحاته في منتصف شهر يناير/كانون الثاني، دافع السيسي عما يسمى بـ "المشاريع الوطنية" الضخمة التي كانت السمة الأبرز لحكمه، نافياً أنها كانت تهدف إلى "التباهي" أو "التفاخر". وبدلاً من ذلك، أصر على أن تلك المشاريع - التي ركزت بشكل واضح على الاقتصاد المصري وزادت ديونه الخارجية التي تقدر بنحو 156 مليار دولار - كانت ضرورية لإعداد البلاد لجذب الاستثمارات من خلال إعادة بناء بنيتها التحتية المتدهورة.
"هل يمكننا تحقيق التنمية بدون شبكة كهرباء مناسبة؟ بدون طرق وموانئ ومطارات؟" تساءل السيسي بإحباط واضح. منذ توليه منصبه، بدأ الرئيس المصري موجة بناء، حيث قام ببناء مدن وموانئ ومطارات وطرق سريعة وجسور جديدة. كما وقع صفقات ضخمة مع شركة سيمنز الألمانية لتطوير شبكة الكهرباء المصرية، وكذلك بناء شبكة قطارات كهربائية صديقة للبيئة. لإصلاح العلاقات مع روسيا بعد الهجوم الإرهابي الذي أسقط طائرة ركاب روسية في سيناء عام 2015، وقعت القاهرة صفقة مربحة مع موسكو لبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء في الضبعة. كانت هناك أيضًا استثمارات ضخمة في شبه جزيرة سيناء، حيث يحارب الجيش منظمات إرهابية، مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، منذ ما يقرب من عشر سنوات.
ومع ذلك، يشير معظم منتقدي السيسي أيضًا إلى ما يصفونه بالإنفاق والإسراف غير الضروري على مشاريع، مثل العاصمة الإدارية الجديدة في وسط الصحراء على مشارف القاهرة، أو ما يسمى بـ "العاصمة الصيفية" في العلمين في الساحل الشمالي للبلاد من بين أمور أخرى. أكد السيسي مرارًا وتكرارًا بأن بيع الأراضي والممتلكات في تلك المشاريع سيغطي تكلفتها، وذكر أنها لا تشكل أي عبء على ميزانية الدولة.
مع وجود قليل من الشفافية بشأن التكلفة الحقيقية لتلك المشاريع، التي يديرها الجيش، كان من الصعب تقييم مصدر الأموال والمبالغ التي تدفعها الدولة. قال السيسي مؤخرًا إن بناء تلك المدن الجديدة كان ضروريًا لتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، وخلق قيمة للأراضي غير المُستغلة سابقًا في الصحراء. ومع ذلك، يؤكد المنتقدون أن القيام بمشاريع بناء جديدة طموحة، مثل العاصمة الإدارية، ومشاريع مثل أطول ناطحة سحاب في إفريقيا وأكبر مسجد وكنيسة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأعلى سارية علم، مُكلف للغاية، وفي نفس الوقت، يصعب بيعها للمستثمرين أو تصفيتها في أوقات الأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة الحالية.
علاوة على ذلك، يبدو أن الرغبة العارمة في الإنفاق على المشاريع الفاخرة بهدف جذب المستثمرين قد تجاهلت "عدم اليقين وتحدي الرياح المعاكسة" على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، والتي اعترفت بوجودها كلًا من الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي. على مدى العقد الماضي، وحتى قبل ذلك، لم تتصدر منطقة الشرق الأوسط قائمة الوجهات القادرة على جذب استثمارات أجنبية كبيرة. لكن حقيقة أن الاقتصاد المصري كان يعتمد دائمًا على مثل هذه المصادر الخارجية للدخل جعله عرضة بشكل خاص لـ "الصدمات الخارجية". وبالتالي، أشار المنتقدون إلى الحاجة لإصلاحات هيكلية حقيقية من شأنها أن تخلق قاعدة صناعية قادرة على الحفاظ على الاقتصاد على المدى الطويل، بما في ذلك في أوقات الأزمات الخارجية.
بعد وقت قصير من توقيع مصر على اتفاق صندوق النقد الدولي، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الحكومة ستوقف الإنفاق على أي مشاريع وطنية "جديدة"، خاصة إذا كانت تتطلب عملة صعبة، وأكد أن أي استثناءات ستتطلب موافقة مسبقة من قبل رئيس الوزراء. ومع ذلك، فإن خطاب النوايا الذي سلمته الحكومة المصرية إلى صندوق النقد الدولي والمرفق باتفاقية القرض يتعهد، في الواقع، فقط بإبطاء الإنفاق على جميع الاستثمارات العامة، بما في ذلك ما يسمى بالمشاريع القومية. "لدعم أهداف البرنامج"، جاء في الرسالة، التي وقعها محافظ البنك المركزي ووزير المالية، أن "الحكومة المصرية ملتزمة بإدارة تنفيذ مشروعات الاستثمار العام بما يحقق التوافق مع مزيج السياسات الكلية من أجل ضمان الاستدامة الخارجية والاستقرار الاقتصادي. على وجه الخصوص، بالنظر للظروف الخارجية، يمكن إبطاء الإنفاق على المشاريع العامة، بما في ذلك المشاريع الوطنية، وتعديله للحد من الضغوط على سوق الصرف الأجنبي والتضخم".
الخلاصة
أعرب اقتصاديون مستقلون وخبراء في وكالات فيتش وبلومبرج وشركات تحليل أخرى، وكذلك صندوق النقد الدولي نفسه، عن تفاؤل حذر بأن مصر قادرة على تحمل الأزمة الحالية وتسديد قرضها الأخير، مع الاعتراف بأن المخاطر لا تزال قائمة. تأمل الحكومة في أن استثمارات دول الخليج الصديقة الغنية بالنفط، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، مقترنة بعودة "الأموال الساخنة"، وزيادة عائدات السياحة ودخل قناة السويس، ومبيعات النفط والغاز الطبيعي، وتحويلات المصريين المغتربين، ستلبي احتياجات مصر العاجلة في العام المقبل. إلا أن هذا يبدو كالمشي على حبل مشدود. في نهاية المطاف، حتى صندوق النقد الدولي والعديد من المراقبين لا يستبعدون رد الفعل الاجتماعي والسياسي المُحتمل إذا استمرت نفقات المعيشة لغالبية المصريين في الارتفاع.
خالد داود هو نائب رئيس تحرير الأهرام ويكلي والرئيس السابق لحزب الدستور الاجتماعي الليبرالي.
تصوير إسلام صفوت/بلومبرج/جيتي إيماجيز
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.