الحفاظ على أفضل إنجاز حققته الولايات المتحدة في العراق: الدعم المستمر لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي
مارس 03, 2024جوزيف ل. فوتيل
جوزيف ل. فوتيل
جوزيف ل. فوتيل و كريستوفر ب. كوستا
خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية بعيدًا عن الحروب الدائرة في العراق وأفغانستان للتركيز على قضايا الأمن القومي في المحيط الهادئ، والآن في أوروبا. لسوء الحظ، لا يزال الوضع الأمني في الشرق الأوسط، وأحداثٌ مثل الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والهجمات التي شنتها جماعات موالية لإيران على القوات الأمريكية، وهجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر، تجذب انتباه الولايات المتحدة إلى المنطقة.
لقد برز العراق مرة أخرى كساحة معركة محورية في الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط؛ حيث تستهدف جماعات الميليشيا المدعومة من إيران القوات الأمريكية في البلاد ردًّا على الإجراءات التي تتخذها الحكومة الأمريكية، وترد الولايات المتحدة بالمثل. وبينما لا يزال تهديد تنظيم الدولة الإسلامية قائمًا، توسع النفوذ الإيراني في العراق من خلال الميليشيات المدعومة من إيران داخل البلاد. لا تزال أعمال اللجنة العسكرية العليا -وهي عبارة عن حوار مشترك مع الحكومة العراقية لمناقشة مستقبل قوات التحالف التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية- مستمرةً بشكل متقطع وفي الوقت نفسه أيضًا، من المُرجَّح أن تجري مناقشات ثنائية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية.5
من بين المسائل العديدة التي تناولتها هذه المحادثات، يجب عدم إغفال ضرورة ضمان استمرار العلاقة بين قوات العمليات الخاصة الأمريكية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي. جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، هو منظمة أنشأتها الولايات المتحدة وتدعمها، ويرتبط الجهاز بشراكة قوية مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية، وهو شريك استراتيجي مهم ودائم في المنطقة، وهو أيضًا القوة الرئيسية والأكثر قدرة على مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أنه يواجه العديد من التحديات، كما هو مبيَّن في تقرير المفتش العام الرئيسي الأخير حول عملية "العزم الصلب"، بما في ذلك الاعتماد على قوات التحالف في بعض عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وتفاوت مستويات الفاعلية في جميع أنحاء البلاد، إلا أن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي يُعَد عنصرًا أساسيًّا في الاستمرار في الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية ويمكنه أنْ يَحُوْل دون -أو على الأقل يحدُّ من- التشتت الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لطالما كان جهاز مكافحة الإرهاب العراقي شريكًا مهمًّا للولايات المتحدة، وتعزِّز قدراتُ هذه القوة سيادة العراق الذي يواجه التحديات المفروضة من قِبَل الميليشيات التي تنشط خارج سيطرة الحكومة العراقية. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية إيلاء الأولوية لإدامة العلاقة بين قوات العمليات الخاصة الأمريكية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، مع التخطيط بعناية للحفاظ على هذه العلاقة، والتعلم من تجاربنا السابقة لخلق شراكة فعَّالة حقيقية طويلة الأمد لمكافحة الإرهاب.
جهاز مكافحة الإرهاب بمثابة ورقة استراتيجية لمواجهة التنظيمات المتطرفة العنيفة في الشرق الأوسط
إن استمرار الشراكة مع جهاز مكافحة الإرهاب أمر بالغ الأهمية لمواصلة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية. على الرغم من تراجع تنظيم الدولة الإسلامية منذ سقوط خلافته المزعومة على الأرض في عام 2019، إلا أن خطر إعادة تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قائمًا. في يناير من هذا العام، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم وقع في الأراضي الإيرانية، وأسفر عن مقتل ما يقرب من 100 شخص وإصابة أكثر من ضعف هذا العدد، وهو الهجوم الإرهابي الأكثر دمويةً في إيران منذ عقود. واعتُبِر فرع التنظيم الذي يتخذ من أفغانستان مقرًّا له -أي تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، ولاية خراسان- مسؤولًا عن الهجوم، مما يشير إلى أن الجماعات التابعة للتنظيم مازالت تتمتع بالقدرة على تنفيذ أحد أشكال العمليات الخارجية.
كذلك يقدِّر كبار القادة الأمريكيين أن نواة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "ترغب في توجيه ضربات خارج منطقة الشرق الأوسط". ففي أبريل الماضي، تمكن الجيش الأمريكي من القضاء على اثنين من قادة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قيل إن أحدهما كان يخطط لشن هجمات في أوروبا وتركيا، والآخر كان يخطط لاختطاف مسؤولين حكوميين في الخارج بهدف كسب النفوذ. كما أفادت تقارير أن جهاز مكافحة الإرهاب أحبط هجومًا كان مُخطَّطًا له على المملكة المتحدة في الصيف الماضي من خلال شن غارة أسفرت عن مقتل خمسة من كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية، كما اكتُشِفت صلات بين القادة ومواطنين بريطانيين حيث نُقِلت المعلومات إلى وكالات الاستخبارات البريطانية. وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم الذي استهدف كنيسة للروم الكاثوليك في تركيا في نهاية شهر يناير.
داخل الأراضي العراقية والسورية، لا يزال التهديد باحتمال عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية قائمًا. ويعتقد البعض أن التنظيم قد حقق مكاسب على الأرض بالفعل، مستغلًّا وجود الاضطرابات في المنطقة. وأعرب آخرون عن مخاوفهم من تداعيات توقف الضغوط الغربية لمكافحة الإرهاب. كتب تشارلز ليستر، وهو خبير إقليمي في معهد الشرق الأوسط، في مجلة فورين بوليسي الشهر الماضي أن انسحاب الولايات المتحدة "سيؤدي إلى حالة من الفوضى وتصاعد سريع للتهديدات الإرهابية".
عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية من جديد لا يصب في مصلحة أحد؛ فبالنسبة للعراق ودول أخرى في المنطقة، سيضيف ذلك تهديدات إضافية إلى الوضع الأمني المتردِّي أصلًا. ويمكن القول إن السماح لتنظيم الدولة الإسلامية المتجدد باستئناف هجماته الخارجية ضد الغرب سيشكل مُجدَّدًا مصدر إلهاء استراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يحاولون إعادة التوازن للتهديدات الإقليمية في الشرق الأوسط مع التركيز على المصالح الجيوستراتيجية الضرورية الأخرى.
إن جهاز مكافحة الإرهاب هو العامل الأساسي لمواصلة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق؛ فقد كان الجهاز هو القوة الأمنية العراقية الوحيدة التي لم تنهزم في مواجهة صعود تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، وكان له دور حيوي في تحرير مدن عراقية مثل الرمادي والفلوجة والموصل التي كانت تحت سيطرة التنظيم. لكن نجاح هذه الوحدة كان له أثره السلبي؛ فعوضًا عن استخدامها كأداة دقيقة لمكافحة الإرهاب، قاتل جنود جهاز مكافحة الإرهاب الموثوق بهم كقوات صاعقة تابعة لسلاح المشاة الخفيفة في شوارع المدن العراقية التي احتلها تنظيم الدولة الإسلامية مما ترتب عنه خسارة أو إصابة العديد من أفراد جهاز مكافحة الإرهاب في المعارك الوحشية، ولا يزال الجهاز حتى اليوم في طور التعافي. يعمل الجهاز ببطء على تجديد قوته القتالية وتجنيد عناصر جديدة وتعزيز قدراته. إن الحفاظ على علاقة قوات العمليات الخاصة الأمريكية مع التنظيم والجهود الاستشارية والدعم الذي تقدمه الحكومة الأمريكية هو اقتصاد القوة وتكلفة بسيطة مقارنة بالنتائج السلبية التي قد تحدث.
الشراكة القوية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجهاز مكافحة الإرهاب
إن قوات جهاز مكافحة الإرهاب ليست قوةً ضاربةً فحسب، بل تُعتبر أيضًا إحدى أكثر الشراكات الأمريكية أهميةً في المنطقة. فالقوات العراقية التي يتألف منها جهاز مكافحة الإرهاب ترتبط بعلاقة مع الولايات المتحدة تمتد لعشرين عامًا. وعند إنشائها في مايو 2004، تَشكَّلت قوات العمليات الخاصة العراقية من دمج وحدتين متعددتي الأعراق أنشأتهما قوات العمليات الخاصة الأمريكية لتنفيذ العمليات على أساس "غير طائفي وغير مُسيَّس". خلال العمليات القتالية ضد تنظيم القاعدة في العراق، عاش أفراد قوات العمليات الخاصة الأمريكية وقوات العمليات الخاصة العراقية معًا، وتدربوا وقاتلوا معًا أيضًا، مما أدى إلى تكوين روابط قوية في ساحة المعركة، واستخدموا نفس الممارسات خلال العمليات القتالية الرامية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية من العراق. عندما واجهنا تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 بنينا المواجهة العراقية الفعلية حول جهاز مكافحة الإرهاب؛ حيث كان هذا الجهاز هو القوة الأساسية التي حافظت على تماسك الأوضاع لكسب الوقت لإعادة بناء الجيش العراقي. لقد قامت أجيال من قادة جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الأمن العراقية ببناء علاقات شخصية والعمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة خلال هذه الصراعات المختلفة.
تعني هذه العلاقة الوثيقة أن جنود وقادة قوات العمليات الخاصة العراقية قد تلقنوا معايير الاحترافية والكفاءة في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب الدقيقة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية. كما تبنى أفراد جهاز مكافحة الإرهاب مفاهيم مثل تأهيل صغار الضباط وضباط الصف والأفكار الجوهرية التي جعلت من قوات العمليات الخاصة الأمريكية قوة قادرة على القيام بمهامها، وكذلك فكرة وجود قوة غير طائفية تعمل لصالح سيادة العراق.
كما يمكن القول إن جهاز مكافحة الإرهاب هو أحد أنجح جهود الشراكة في مجال مكافحة الإرهاب التي قامت بها الولايات المتحدة. بينما قدَّمت الولايات المتحدة ما يقرب من 800 مليون دولار في شكل معدَّات من خلال برامج مثل صندوق تمويل التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وصندوق قوات الأمن العراقية، على مدى السنوات الـ21 الماضية، فإن ذلك يمثل أقل بقليل من 3% من 28.4 مليار دولار أمريكي طُلبَت أو خُصِّصت من خلال نفس البرامج لتدريب القوات الأمنية في العراق وتجهيزها. إضافةً إلى ذلك، يبلغ إجمالي التمويل الذي قدمته الولايات المتحدة لجهاز مكافحة الإرهاب على مدى 20 عامًا أقل من 2% من إجمالي المساعدات العسكرية المُقدَّمة لأوكرانيا خلال العامين الماضيين والبالغة 44.2 مليار دولار.
بهذا الاستثمار الصغير نسبيًّا، ساعدت الولايات المتحدة في تشكيل أنجع قوة لمكافحة الإرهاب، وأكثر قوة أمنية غير طائفية جديرة بالثقة في العراق. وفي منطقة لم تزل تعاني من الاضطرابات؛ حيث المصالح القومية الأمريكية على المحكّ، سنكون قصيري النظر إذا لم نولِ الأولويَّة لاستمرار دعم هذا الشريك الاستراتيجي المهم والدائم.
جهاز مكافحة الإرهاب القوي يدعم سيادة العراق
عززت الميليشيات المدعومة من إيران داخل قوات الحشد الشعبي العراقية النفوذ الإيراني داخل البلاد، وإلى حدٍّ ما داخل مؤسساتها الأمنية؛ فمنذ أكتوبر 2022، شغل أفراد تابعون للميليشيات المدعومة من إيران مناصب قيادية داخل جهاز المخابرات الوطني العراقي وجهاز الأمن الوطني، بالإضافة إلى هيئات أخرى. لم يكن هذا التوظيف مماثلًا في جهاز مكافحة الإرهاب. فقد صمدت الأخلاقيات المهنية لجهاز مكافحة الإرهاب وطبيعته غير الطائفية، التي تشكلت جنبًا إلى جنب مع نظرائه في القوات الخاصة الأمريكية. علاقة الجهاز الوثيقة وشراكته مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية ونجاحاته في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الجهاز أكسبته هيبةً وساعدت على إبعاده عن هذا التأثير، على الرغم من أنه قد يتعرض لضغوط متزايدة إذا استمرت التوترات مع الولايات المتحدة في التصاعد داخل العراق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعات الميليشيات الخارجة عن القانون في العراق -مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء التابعة لحزب الله- قد أضعفت سيادة العراق من خلال نشاطها خارج سلطة الحكومة العراقية، ومع حثِّ الولايات المتحدة الحكومة العراقية على كبح جماح هذه الجماعات، فإن جهاز مكافحة الإرهاب يمثل القوة الأمنية الوحيدة الناجعة التي ستحاول الحكومة العراقية استخدامها في السيطرة على هذه الميليشيات.
لهذا الوضع خلفية تاريخية؛ ففي عام 2008، عندما كانت الحكومة العراقية تصارع جيش المهدي والمجموعات الخاصة المدعومة من إيران، قامت قوات جهاز مكافحة الإرهاب بالرد ونفذت عمليات في مدينتي الصدر والبصرة، واستهدفت قادة المجموعات الخاصة. في عام 2020، وفي مقدمة لما يحدث اليوم، استهدفت جماعات الميليشيات الخارجة عن القانون في العراق القواعد الأمريكية في البلاد كردِّ فعل على مقتل قائد فيلق القدس آنذاك الجنرال قاسم سليماني في يناير 2020. في مارس 2020، وبعد 22 هجمة غير مسبوقة آنذاك وبعد مقتل جنديين أمريكيين وجندي بريطاني واحد، شنت الولايات المتحدة غارات جوية انتقامية ضد الميليشيات في العراق. في مايو 2020، واجه رئيس الوزراء العراقي المُعيَّن حديثا آنذاك، مصطفى الكاظم، الذي أعرب عن نيته في السيطرة على الجماعات المسلحة، نفس التحديات التي تواجهها الحكومة العراقية الحالية. فبعد سلسلة الهجمات التي وقعت في شهري مايو ويونيو، والتي استهدفت اثنتان منها السفارة الأمريكية، وجَّه رئيس الوزراء الكاظم القوة الوحيدة المتبقية للعمل ضد الجماعات التي تعمل خارج سيطرة الحكومة، وفي 26 يونيو، اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب 14 عنصرًا من كتائب حزب الله كانوا يستعدون لشن هجمات صاروخية ضد السفارة الأمريكية، وهي خطوة اعتبرها البعض خطوة استثنائية بالنظر إلى الحصانة من العقاب التي كانت تتمتع بها كتائب حزب الله.28
في حين أن القوة السياسية لـ"كتائب حزب الله" قد أمَّنت إطلاق سراح عناصرها، إلا أن هذه الحادثة تسلط الضوء على أهمية جهاز مكافحة الإرهاب باعتباره القوة الوحيدة داخل العراق القادرة على دعم الحكومة العراقية في إخضاع مجموعات الميليشيات الخارجة عن القانون لسلطة الحكومة. وإذا ما استجمعت الحكومة العراقية الحالية الإرادة السياسية لكبح جماح هذه المجموعات، فإن جهاز مكافحة الإرهاب سيكون هو ذراع العمل. إن استمرار شراكة الولايات المتحدة مع جهاز مكافحة الإرهاب لا يصب في صالح المصلحة القومية الأمريكية فحسب، بل في مصلحة سيادة العراق أيضًا.
ما الذي يجب علينا فعله إذن لدعم هذا الشريك المهم؟
أولًا، يجب أن يكون الحفاظ على العلاقة بين جهاز مكافحة الإرهاب/ قوات العمليات الخاصة الأمريكية أساسًا للارتباطات الثنائية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية واللجنة العسكرية العليا المشتركة. في حين أن شراكة واحدة هي نقطة تبدو ثانوية في مثل هذه المناقشات الجيوسياسية المهمة، إلا أن الآثار الإستراتيجية المترتبة على تدهور علاقة قوات العمليات الخاصة الأمريكية مع جهاز مكافحة الإرهاب ستكون جسيمة. يجب تقديم الدعم لجهاز مكافحة الإرهاب وتمكينه من شن حملة عملياتية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وببساطة، إذا تراجع ضغط مكافحة الإرهاب المدعوم من الغرب، فإن معاودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية أمر مفروغ منه. كما أن تهميش جهاز مكافحة الإرهاب من قبل الجهات الفاعلة المتحالفة مع إيران سيكون له نفس التأثير الضار. وفي أسوأ الأحوال، فإن جهاز مكافحة الإرهاب المُختَرَق من قِبَل تلك الجهات الفاعلة نفسها سيكون وسيلةً خبيثةً لتدريب الميليشيات التابعة لإيران، وربما تُصدَّر إلى جميع أنحاء المنطقة. من ناحية أخرى، فإن وجود جهاز لمكافحة الإرهاب يعمل بالشراكة مع الولايات المتحدة وبدعم من جهاز مكافحة الإرهاب يحول دون هذه النتائج ويشكل ميزة إستراتيجية في منطقة تعاني من عدم الاستقرار والتوتر.
ثانيًا، يجب على الولايات المتحدة أن تخطط بعناية لوضع آليات متعددة لدعم جهاز مكافحة الإرهاب في المستقبل. فمع عدم وضوح النتائج المستقبلية للمشاركة الثنائية مع العراق واللجنة العسكرية العليا، يجب أن نضع خططًا لدعم قوات العمليات الخاصة الأمريكية في إطار سلطات الفصل العاشر من خلال عملية عسكرية مُحدَّدة، مثل عملية العزم الصلب، أو بموجب سلطات الفصل الثاني والعشرين من خلال بذل الجهود الرامية لمساعدة قوات الأمن مع مكتب التعاون الأمني- العراق. في عام 2011، كان مجتمع قوات العمليات الخاصة الأمريكية يخطط للبقاء في العراق لدعم الشركاء مثل جهاز مكافحة الإرهاب. لكن في حين أن رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي أراد بقاء القوات الأمريكية بصفتها الاستشارية، إلا أن الخلافات السياسية حالت في نهاية المطاف دون التوصل إلى اتفاق، وانسحبت القوات الأمريكية بحلول نهاية عام 2011. لقد فوجئ مخطِّطو قوات العمليات الخاصة الأمريكية الذين اعتقدوا أن الانسحاب الكامل هو "مسار عمل غير مخطط له"، وأدى التحول المتسرع إلى تقديم الدعم التدريبي تحت قيادة مكتب التعاون الأمني في العراق إلى تدهور الشراكة بين الولايات المتحدة وجهاز مكافحة الإرهاب. بينما قد يكون القادة العسكريون الأمريكيون واثقين من قدرة القوات الأمريكية على البقاء في العراق، إلا أن الانسحاب المتسرع غير المُخطَّط له أمر وارد في حال استسلمت الحكومة العراقية للضغوط السياسية الداخلية المتزايدة نتيجة الضربات الانتقامية الأمريكية في العراق.31
ثالثًا، يجب أن تتعلم قوات العمليات الخاصة الأمريكية من أخطاء الماضي. كما ذُكر أعلاه، يجب أن نتعلم الدروس من تجربة قوات العمليات الخاصة الأمريكية عند مغادرتها العراق في عام 2011. وبالعودة إلى الوراء، لا يمكننا تحمل مسؤولية التخلي عن هذا الشريك الاستراتيجي مرة أخرى. كما يجب أن نتعلم من الخبرة الاستشارية لقوات العمليات الخاصة الأمريكية في أفغانستان. لقد أشار تقرير مُفصَّل للمفتش العام الخاص لأفغانستان صدر العام الماضي إلى عدد من الإخفاقات الجوهرية في مهامنا الاستشارية في أفغانستان. فقد أعاقت مسائل مثل إيلاء الأولوية للمساعدة الأمنية قصيرة الأجل بدلًا من التعاون الأمني طويل الأجل وعدم فاعلية التنسيق المدني-العسكري مهمة التنمية في أفغانستان، وكذلك عدم وجود تدريب استشاري مركَّز للمستشارين الوزاريين القادمين. ويشير التقرير إلى أن انعدام الاستمرارية عبر عمليات الانتشار كان "أحد الإخفاقات الكبيرة" في الجهود الاستشارية. لذا يجب على قوات العمليات الخاصة الأمريكية أن تتعلم من هذه الإخفاقات السابقة لتجنب الانتكاسات الاستراتيجية في المستقبل.
في عام 2010، كتب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس في مجلة "فورين أفيرز" أن "الواقع الاستراتيجي يتطلب أن تعمل الولايات المتحدة بشكل أفضل في... بناء قدرات الشركاء". هذه الكلمات لا تزال دقيقةً اليوم بنفس القدر من الدقة التي كانت عليها عند كتابتها. فالواقع الاستراتيجي لا يزال كما هو: تواجه الولايات المتحدة تهديدات عالمية متعددة الأبعاد للنظام السياسي المستقر، وتتنافس العديد من الأولويات على اهتمام صُنَّاع السياسة والقادة العسكريين. وفي ظل هذا الواقع الاستراتيجي، نحن بحاجة إلى شراكات قوية، ويمكن للشراكة القوية والدائمة مع جهاز مكافحة الإرهاب أن تساعد في التخفيف من حدة المخاطر، وأن تكون قوة استقرار لصالح سيادة العراق. إن وجود شراكة دائمة بين قوات العمليات الخاصة الأمريكية وجهاز مكافحة الإرهاب يصب في مصلحة كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، وينبغي أن يكون ضمان ذلك أولوية في المناقشات حول العلاقات المستقبلية؛ إذ يجب على الولايات المتحدة أن تجد سبلًا للتعلم من أخطائها السابقة وإقامة شراكة فعالة طويلة الأمد مع جهاز مكافحة الإرهاب.
الجنرال (المتقاعد) جوزيف فوتيل هو الرئيس الفخري لمركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، وزميل فخري غير مقيم في معهد الشرق الأوسط. وهو ضابط متقاعد في الجيش الأمريكي برتبة أربع نجوم، والقائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، وهو مسؤول عن العمليات العسكرية الأمريكية وعمليات التحالف في الشرق الأوسط والمشرق العربي ووسط وجنوب آسيا. خلال 39 عامًا قضاها في الجيش، تولى قيادة العمليات الخاصة والقوات العسكرية التقليدية على جميع المستويات.
العقيد (المتقاعد) كريستوفر ب. كوستا هو أستاذ مساعد في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون في كلية والش للخدمة الخارجية. وهو عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي، وضابط استخبارات سابق خدم في قوات العمليات الخاصة. شغل منصب مساعد خاص للرئيس ومدير رفيع المستوى لشؤون مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي من 2017 إلى 2018.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.