الحضور البحري المتزايد للصين في موانئ مصر وقناة السويس
نوفمبر 03, 2023عمرو صلاح محمد
عمرو صلاح محمد
تنامى حضور الصين في موانئ مصر الاستراتيجية بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الأخيرة. ويتجلّى ذلك من خلال الاستحواذ الجزئي للشركات الصينية الخاصة والمملوكة للدولة على الموانئ والمحطات البحرية المصرية وتطويرها وتشغيلها، وحصولها على امتيازات تصل مدّتها إلى 38 عامًا. وبالإضافة إلى امتلاك شركة صينية مملوكة للدولة حصصًا في اثنَيْن من الموانئ عند المدخلَيْن الشمالي والجنوبي لقناة السويس، تُدير شركة صينية خاصة أيضًا ميناءَيْن استراتيجيَّيْن على الساحل المتوسّطي لمصر، وتقوم حاليًا بتطوير ميناءٍ ثالث في قاعدة أبو قير البحرية وستتولّى تشغيله في المستقبل. كذلك، لدى الصين استثمارات ضخمة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهي منطقة اقتصادية خاصة تبلغ مساحتها 455 كيلومترًا مربعًا وتقع بمحاذاة ممرٍّ بحريٍّ حيويٍّ للتجارة العالميَّة. وفي حين يعكس دورُ الصين في الموانئ المصرية الطموحاتِ المتزايدةَ لبكين في المنطقة، إلا أن الغموض الذي يحيط بالاتفاقيات الصينية-المصرية، والتداخل بين المصالح التجارية للصين وأهدافها العسكرية، يُثيران تساؤلاتٍ حول التداعيات المُحتَمَلة لهذه الأنشطة.
خطة مصر لتصبح مركزًا للنقل البحري
أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي ترتيب العلاقات الدوليَّة لمصر منذ تولّيه السُّلطة في عام 2014. وقد بادرت مصر، التي حافظت على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة منذ السبعينيات، إلى التقرُّب بحذرٍ من خصوم الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين. وتجلّى عمق العلاقات المصرية-الصينية المتنامية في زيارات الرئيس السيسي المتعدّدة إلى الصين، وتوقيع عددٍ من الاتفاقيات الثنائية، والزيادة الملحوظة بنسبة 317٪ في الاستثمارات الصينية في مصر بين عامَيْ 2017 و2022، وارتفاع قيمة القروض، التي بلغت 8 مليارات دولار، لتصبح الصين رابع أكبر دائن عالمي لمصر. وفي الشهر الماضي، وقَّعت مصر والصين مذكرة تفاهم لمبادلة الديون من أجل تنفيذ مشاريع تنمويَّة. لا ترى مصرُ في علاقتها مع الصين مجرَّد وسيلةٍ لتنويع شراكاتها العالمية وتعزيز قدرتها على المساومة مع الولايات المتحدة، بل تعكس هذه العلاقةُ أيضًا حاجةَ مصر الماسّة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة بغنى عن الشروط الليبرالية التي تفرضُها عادةً قروض صندوق النقد الدولي واتفاقيات التمويل الغربي.
أعطى الرئيس السيسي الأولويَّةَ للمشاريع الضخمة على مدى السنوات التسع الماضية، مستوحيًا من نهج التنمية من أعلى إلى أسفل. ويشمل ذلك خطةً لتحديث موانئ مصر، التي تمرُّ عبرها نسبة 90٪ من حركة التجارة الخارجيَّة، بهدف تحويل البلاد إلى مركز لوجِسْتيٍّ إقليميٍّ. ومن المقرَّر أن تنتهي عمليَّةُ تطوير البنية التحتيَّة البحريَّة بحلول عام 2024، وهي تتضمَّن 80 مشروعًا بتكلفة إجمالية مقدَّرة بنحو 4 مليارات دولار. ونتيجةً لعجزها عن جذب تمويل خاصٍّ كافٍ، قرّرت الحكومةُ المصريَّةُ تنفيذ أعمال البناء بنفسها، مع تكليف مستثمرين دوليّين بتشغيل تلك الموانئ لاحقًا. وفي خضم الأزمة المالية الداخلية المتفاقمة، تمكَّنت القاهرة من منح امتيازات لشركات واتّحادات رائدة من دول مختلفة تطمح في أن تصبح قوة بحريَّة عالميَّة، بما فيها الصين.
حضور الصين في الموانئ المصرية وقناة السويس
يمتدّ حضور الصين في عدّة مجالات في قطاع النقل البحري في مصر، ويشمل الشركات الخاصة وتلك المملوكة للدولة التي تسعى إلى الحصول على امتيازات تشغيليَّة وشراء حصص في الموانئ. في ما يتعلق بالجانب التشغيلي، استثمرت شركة "موانئ هاتشيسون" الصينية الكبرى أكثر من 1.5 مليار دولار في مصر، وأقامت تعاونًا طويل الأمد مع القوات البحريَّة المصريَّة لبناء محطة حاويات جديدة وإدارتها داخل قاعدة أبو قير البحرية على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. وتشمل هذه الشراكة امتيازًا يمتد لمدة 38 عامًا. لكنّ نفوذ شركة "موانئ هاتشيسون" لا يقتصر على ذلك، إذ يشمل تشغيل ميناءَيْن حيويَّيْن آخرَيْن، هما ميناء الإسكندرية وميناء الدخيلة، اللذين يُعدّان من بين المراكز الأساسيّة للنشاط التجاري في مصر، حيث تمرّ نسبة 60٪ تقريبًا من التجارة الخارجية للبلاد عبر ميناء الإسكندرية وحده. وفي شهر آذار/مارس 2023، أعلنت شركة "موانئ هاتشيسون" عن خطة لإنشاء محطة حديثة داخل ميناء العين السخنة تتّسع لـ1.7 مليون حاوية مكافئة لعشرين قدمًا.
لكنّ "موانئ هاتشيسون" ليست سوى شركة واحدة من بين مجموعة من الجهات الصينية الفاعلة في قطاع الموانئ في مصر. فقبل ثماني سنوات، أعلنت هيئة ميناء دمياط أن شركة الصين لهندسة الموانئ تخطِّط لبناء محطة حاويات في ميناء دمياط على ساحل البحر المتوسط. وكان من المُفتَرَض أن يوفِّر بنك التنمية الصيني خمسة وثمانين في المئة من التمويل اللازم. وبالرغم من عدم توفُّر دليل يؤكد أنَّ الخطة قد دخلت حيِّزَ التنفيذ، استحوذت شركة صينية أخرى مملوكة للدولة، وهي "كوسكو الملاحية للموانئ"، على حصص في اثنَيْن من موانئ مصر الاستراتيجيَّة، وهما ميناء شرق بورسعيد، أكبر ميناء لخدمة التجارة العالمية وتجارة الترانزيت التي تعبر قناة السویس، حيث احتل المركز العاشر لمؤشر أداء الموانئ في مجال الحاويات لعام 2022 وفقًا للتقرير الصادر مؤخرًا عن البنك الدولي، وميناء العين السخنة، وهو بوابةٌ محوريَّةٌ على البحر الأحمر تربط مصرَ بالخليج العربيِّ وآسيا. تمتلك شركة "كوسكو" حصةً تبلغ 20٪ في محطة حاويات قناة السويس في ميناء شرق بورسعيد (المدخل الشمالي لقناة السويس)، كما انضمَّت إلى مشروعٍ مُشتَرَك لإنشاء محطة جديدة في ميناء العين السخنة (المدخل الجنوبي لقناة السويس) وإدارتها وحصلت على امتياز لمدة 30 عامًا وحصة بنسبة 25٪. وتقع بالقرب من تلك المحطة المنطقة الاقتصاديَّة لقناة السويس، التي تم توسيعها في عام 2016 باستثمارات صينية كبيرة. كذلك، أنشأت منطقةُ تيانجين للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية (تيدا)، وهي مؤسسةٌ صينيةٌ أخرى مملوكةٌ للدولة، مُجمَّعًا صناعيًّا داخل المنطقة يتَّسِع لأكثر من 140 شركةً. وفي الأشهر الأخيرة، أبرمت مصرُ صفقاتٍ استثماريةً مع شركات صينية تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ما مصلحة الصين في هذه الاستثمارات؟
يبلغ عدد سكان مصر أكثر من 105 ملايين نسمة، وقُدِّرت وارداتُها من الصين بحوالي 13.2 مليار دولار في عام 2022، ما يجعلها سوقًا مهمةً للغاية بالنسبة للشركات الصينية، فضلًا عن أنّ الموانئ المصريّة ذات قيمة استراتيجيَّة كبيرة. فتقع مصر عند التقاطع بين إفريقيا وأوروبا وآسيا، وهي تربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وتتضاعف الأهمِّيَّة الاستراتيجيَّة لمصر كونها مسؤولةً عن إدارة قناة السويس، وهي ممرٌّ بحريٌّ حيويٌّ تعبر من خلاله 12٪ من التجارة العالميَّة. تعمل القناة كممر رئيسي لشحنات البضائع الصينية باتجاه الغرب، بما في ذلك حوالي 60٪ من صادرات الصين إلى أوروبا. وتمثّل السفن الصينية 10٪ من إجمالي حركة المرور عبر القناة، مما يجعل مصر جزءًا لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق الصينية. في عام 2013، طرحَ الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق باعتبارها استراتيجيةً دوليةً شاملةً لتطوير البنية التحتيَّة، تشمل الجوانب الدبلوماسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة. وتنصُّ الاستراتيجيَّةُ أيضًا على مشاركة الشركات الصينيَّة في مشاريع البنية التحتيَّة (تصدير الخدمات) والاستثمارات الخارجية المباشرة من الصين، مع التركيز بشكلٍ أساسيٍّ على أوراسيا وشرق إفريقيا. وتشمل المبادرة ممرًّا بحريًّا يربط بين عددٍ من الموانئ الصينية، ما يسهِّل حركة الملاحة بين الصين وأوروبا.
فضلًا عن ذلك كلّه، تمتدُّ أهمية الموانئ المصريّة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط أيضًا؛ فقد ازدادت أهمِّيَّة هذه المنطقة بالنسبة للصين بفعل تطوُّرَيْن حَدَثَا في الآونة الأخيرة، هما الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وتكثيف جهود التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة. فالحرب في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضها الغرب، وإغلاق ميناء أوديسا، شكّلت كلها تحدِّياتٍ لسلاسل التوريد البريَّة والبحريَّة للصين. ونتيجةً لذلك، اضطُرَّت الصين للجوء إلى ممرَّات نقل بديلة تشمل دول شرق البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وتركيا وإسرائيل ومصر، في محاولة لتوفير خيارات نقل أكثر مرونة. ونظرًا إلى أنّ الصين تُعدّ أكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم، يزداد اهتمامها بشرق البحر الأبيض المتوسط لتلبية احتياجاتها من الطاقة، فيظلُّ تكثيف عمليَّات التنقيب عن مصادر الطاقة وإنتاجها في المنطقة، ناهيك عن محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر. وقد اجتذبت هذه المزايا جهات فاعلة عالميَّة من الاتحاد الأوروبي، ووُقِّعت اتفاقية مع مصر وإسرائيل لزيادة صادرات الغاز الطبيعي لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي. كذلك، تجلَّى اهتمام الصين بالبحر الأبيض المتوسط خلال العقد الماضي من خلال المناورات البحرية المشتركة التي أجرتها القوات البحرية الروسية والصينية في عامَيْ 2015 و2017. ويؤكد تنظيم هذه المناورات على الديناميّات المتطورة في العلاقة بين الصين ودول شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مصر، نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية.
التعامل مع المخاوف والاتفاقيات الغامضة
لا شك في أنَّ السماح للمستثمرين من القطاع الخاص بالمشاركة في تشغيل البنية التحتية البحرية وتحديثها في مصر يمكن أن يحقق فوائد اقتصاديَّة للبلاد، شرط اتّخاذ التدابير اللازمة لتجنّب الاحتكارات. في هذا الإطار، فإنَّ التجارب الصينيَّة الأخرى في إدارة الموانئ في منطقة البحر الأبيض المتوسط تدعو للتفاؤل؛ فقد شهد ميناء بيرايوس في اليونان، الذي تديره شركة "كوسكو"، نموًّا في أرباحه من 42.33 مليون يورو في عام 2018 إلى 74.67 مليون يورو في عام 2022. ومن خلال السماح للصين بتشغيل بعض الموانئ المصرية إلى جانب الجهات المشغِّلة العالميَّة الأخرى، يمكن للقاهرة تعزيز قدرات موانئها، مستفيدةً من موقعها الاستراتيجي لتعزيز الإيرادات وزيادة فرص العمل. لكنَّ غياب الرقابة العامة في مصر وغموض الاتفاقيات مع المشغلين والمساهمين الصينيّين يُثيران بعض المخاوف. فهناك عدّة جوانب تفتقر إلى الشفافية، بما في ذلك تكاليف الحصول على الامتيازات وما إذا كانت مُنصِفةً أم لا، نظرًا لموقف مصر الضعيف في التفاوض مع الصين بسبب حاجة القاهرة الملحَّة إلى الأموال الأجنبية.
كذلك، تثير شروطُ الاتفاقيات غير المُعلَنة تساؤلاتٍ حول حقوق المشغِّلين والمساهمين الصينيّين في الموانئ المصرية وسلطتهم. ولا تزال أسئلة أخرى بحاجة إلى إجابات، بما في ذلك ما إذا كانت العقود تتضمَّن تدابير لمنع المشغِّلين الصينيّين من إعطاء الأفضليّة لعملاء مُحدَّدين أو ما إذا كانت هناك ضمانات ضد الممارسات التي قد تفيد موانئ البحر الأبيض المتوسط الأخرى التي تسيطر عليها الصين على حساب الموانئ المصرية. علاوةً على ذلك، هل يُحتَمَل أن تهيمن الصين على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس؟ ما هو احتمال أن تصبح مصر معتمدةً اعتمادًا مفرطًا على التكنولوجيا والخبرة البحرية الصينية في العقود المقبلة؟ وأخيرًا، نتيجة عدم الفصل بوضوح بين الجوانب المدنيَّة والعسكريَّة في الموانئ التجاريَّة العالميَّة للصين، يخشى البعض من احتمال استخدام هذه الموانئ التجارية لأغراض مزدوجة.
التداخل بين الأنشطة المدنيَّة والعسكريَّة
في 16 أغسطس 2019، برز تطوُّرٌ مهمٌّ في أداء بحريَّة جيش التحرير الشعبي الصيني (بحرية جيش التحرير الشعبي)، عندما رست مدمِّرة الصواريخ الموجَّهة الصينية "شيان" في ميناء الإسكندرية الأساسي في مصر لـ"أسبابٍ تقنية" لمدة أربعة أيام. وقد رست هذه السفينة الحربية الصينية في محطة تشغِّلها جهات صينية، وتمتلك الحصّة الأكبر فيها (أكثر من 80٪) شركتان صينيَّتان، هما "موانئ هاتشيسون" و"مجموعة شنجن ينتاي للموانئ" المملوكة للدولة. وينبغي النظر إلى هذه الحادثة ضمن إطارها الأعمّ، حيث استخدمت السفن الحربية التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي على مر السنين موانئ متعددة في الخارج تديرها شركات صينية للإصلاحات والصيانة تحت ستار التوقف لأسبابٍ تقنية، وذلك في دول مثل سريلانكا وتنزانيا وجيبوتي واليونان وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وإسبانيا. في الواقع، أُجريت مناورة عسكرية مصرية-صينية مُشتَرَكة بعد خمسة أيام من توقّف السفينة الحربية التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني. وشاركت وحداتٌ بحريَّةٌ مختلفةٌ من كلا البلدين، بما فيها المدمّرة الصينية "شيان"، في تدريبات لتعزيز "الأمن البحري" وتأمين "خطوط النقل البحري" العالمية. ويثير هذان الحدثان المهمّان تساؤلات حول التداخل بين أنشطة الصين في الموانئ التجارية وطموحات بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في شرق البحر الأبيض المتوسط.
على عكس الولايات المتحدة، التي لديها قواعد بحرية عدّة في الخارج، تمتلك الصين قاعدةً عسكريَّةً واحدة فقط في جيبوتي. ومع غير أنّ تحليلاتٍ متعدِّدة تؤكّد أهمية الموانئ التجارية في الخارج في تأمين الممرات البحرية، ما يعكس التقاطُع بين نمو الموانئ التجارية الصينية في الخارج، وتحديث بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، وطموحاتها في ما تسمّيه بـ"البحار البعيدة". وكشفت الاستراتيجية البحرية الصينية، التي أُعلن عنها في عام 2015 تحت عنوان "الدفاع عن البحار القريبة وحماية البحار البعيدة"، عن أهداف بحرية جيش التحرير الشعبي لتوسيع نطاق تأثيرها. وبينما تشير "البحار القريبة" إلى المياه المجاورة لحدود الصين، تشمل "البحار البعيدة" جميع الممرات البحرية حول العالم، ما يدلُّ على نيَّة بكين في بسط نفوذها العالمي من دون تصنيف منشآتها الخارجية علنًا كقواعد عسكرية.
يمكن للموانئ التجارية التي تتولّى الشركات الصينية تطويرها في جميع أنحاء العالم، والمُصمَّمة لاستقبال سُفُن الحاويات الكبيرة، أن تؤدّي وظيفة مزدوجة. ويشمل ذلك الأغراض العسكرية المُحتَمَلة، ما قد يمنح الصين شبكةً لوجستيَّةً أوسع وأكثر موثوقيَّةً ويضمن صيانة سفن بحرية جيش التحرير الشعبي وتوفير الدعم لأطقمها لتبقى على أتمّ الجاهزية للقتال. ويتماشى ذلك مع قانون النقل الوطني الصيني للأغراض الدفاعية لعام 2017، الذي يوفّر الإطار اللازم لتسخير موارد النقل المدنية لدعم المهام العسكرية. تتطلب عمليّات الحشد من هذا النوع هيكليّة واضحة وتنسيقًا بين الجيش، والحكومة المدنيَّة، والمؤسّسات المدنية المتمركِزة في أي مكان حول العالم عند الحاجة. وقد أثار هذا التداخلُ بين الأنشطة المدنيَّة والعسكريَّة في الموانئ التجارية الصينية قلق الولايات المتحدة، التي عبَّرت عن مخاوفها لدول حليفة تُدير الصين بعض موانئها، مثل إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وتكمن الخشية الأساسية في أن تؤدّي هذه المنشآت دورًا مزدوجًا، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخباراتية والاستخدامات العسكرية المُحتَمَلة التي يمكن أن تقوِّض المصالح الأميركية في المنطقة.
الشفافية والحاجة إلى التوازن
إن الحضور الصيني المتنامي في موانئ مصر الاستراتيجية وقناة السويس يحمل معه مجموعةً من الفرص والتحدّيات. ففي حين تعِدُ بكين بتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين شبكة المواصلات والحركة التجارية، يجب على مصر أيضًا أن تأخذ في حسبانها الجوانب السلبية المُحتَمَلة لهذه المشاريع. فلا بدّ من مراعاة مسائل مثل هشاشة الاقتصاد المصري، وموقف مصر التفاوضيِّ الضعيف نسبيًّا مع الصين، وخطر الهيمنة الصينيّة. كذلك، ينبغي ضمان الشفافية والرقابة العامة، علمًا أنّ القرار الأنسَب سيتطلّب نقاشات محلّية متأنية ومعمّقة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاعتماد على التكنولوجيا الصينية والتداخل بين الأنشطة التجارية والعسكرية يزيدان الأمور تعقيدًا. لذا، ينبغي على مصر أن تحقِّق توازنًا بين المكاسب والمخاطر من خلال إبرام اتفاقياتٍ شفافة، وعقد شراكاتٍ متنوعة، وخوض مفاوضاتٍ استراتيجية. بعبارة أخرى، عليها تبنِّي نهجٍ يضمن الفوائد الاقتصادية ويحمي السيادة في الوقت نفسه. ويُعتبر السعي لتحقيق هذا التوازن عاملًا محوريًّا لتتمكّن مصر من أن تصبح مركزًا للتجارة البحرية، خصوصًا في ظلّ الديناميات العالمية المتغيّرة.
عمرو صلاح محمد باحث غير مقيم في برنامج مصر والقرن الإفريقي في معهد الشرق الأوسط، ومُحاضِر وطالب دكتوراه في كلية كارتر للسلام وحل النزاعات في جامعة جورج ماسون.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.