الحرب الروسية-الأوكرانية تُجبِر مصر على الالتفات نحو الأمن الغذائي: البنى التحتية والشراكات الدولية والتكنولوجيا الزراعية قد توفّر حلولًا للأزمة
يوليو 25, 2023
مايكل تانشوم
دخل الاقتصاد المصري طورَ التعثّر بعد 500 يوم من محاولة التكيُّف مع الأثر الاقتصادي الشديد الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022. ففي شهر حزيران/يونيو 2023، وصل معدّل التضخّم السنوي في مصر إلى مستوى غير مسبوق ومثير للقلق بلغ 36.8٪، أي أكثر من ضعف معدّل العام السابق البالغ 13.6٪. وفي حال استمرّ معدّل التضخُّم في الارتفاع بالوتيرة نفسها، سوف تدخُل مصر، الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط، مرحلة التضخُّم المفرط. يشكّل الأمن الغذائي الهشّ في مصر أحد الأسباب الجوهريّة للأزمة. فالعامل الأساسي الذي يدفع معدّل التضخُّم العام صعودًا هو التضخُّم المتسارع في أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت بنسبة 64.9٪ في حزيران/يونيو.
سبق أن حذّرت دراسة صادرة عن معهد الشرق الأوسط إبّان الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا من أنّ "الحرب الروسية-الأوكرانية حوّلت الأزمة الغذائية في مصر إلى تهديد وجودي لاقتصاد البلد". وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، اضطرّت القاهرة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لتفادي كارثة مالية ناجمة عن سلسلة من المشاكل المزمنة، التي تفاقمت بسبب فقدان أوكرانيا كمورِّد أساسي للحبوب والبذور الزيتية الميسورة التكلفة. يواجه الاقتصاد المصري الآن منعطفًا أساسيًّا، كما أنّ قرار روسيا في 17 تموز/يوليو بوقف العمل باتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود –وهو قرار انتقدته القاهرة، التي تعهّدت بمواصلة استيراد القمح الأوكراني عبر أوروبا– سيزيد من الضغوط على الحكومة المصرية المُثقَلة أساسًا بالأعباء نتيجة سعيها إلى تأمين الواردات الغذائية لمواطنيها البالغ عددهم 105 ملايين نسمة.
بالكاد يلبّي الإنتاج الزراعي والغذائي المصري نصف الطلب المحلّي على المنتجات الأساسية، وخصوصًا القمح والذرة. والخيار الوحيد المُتاح لمصر هو أن تزيد إنتاجها الزراعي والغذائي، حتى مع ازدياد شحّ المياه الشديد أساسًا في البلد بفعل تغيُّر المناخ. وإذ أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي أن اعتماد مصر المفرط على التجارة الدولية لتوفير الغذاء لمواطنيها لم يعُد خيارًا ممكنًا، شرع في إنشاء سلسلة من مشاريع البنية التحتية الضخمة والطموحة لزيادة إمدادات المياه المُتاحة للريِّ. ومع أنّ إنشاء بنى تحتية من هذا النوع ضروري، إلا أنه لا يكفي بمفرده. فينبغي على مصر في الوقت نفسه اعتماد حلولٍ متقدّمة في مجال التكنولوجيا الزراعية لتعزيز كفاءة استخدام المياه على مستوى المحاصيل نفسها. ولتحقيق ذلك، يتعيَّن على القاهرة إعطاء الأولوية للتكنولوجيا الزراعية باعتبارها مجالَ تعاون استراتيجي مع الولايات المتّحدة وأوروبا وغيرهما من الشركاء الدوليّين.
الرابط بين المياه والغذاء
تعتمد جهود القاهرة الرامية إلى زيادة الإنتاج الزراعي والغذائي المحلّي على تعزيز إنتاج الحبوب، التي شهدت ارتفاعًا في سعرها بنسبة 58.9٪ في مصر في شهر حزيران/يونيو. وأدّى ارتفاع أسعار القمح والذرة بدوره إلى ارتفاع كلفة المواد الأساسيّة مثل الخبز وزيت الطهي إلى مستويات يعجز المواطنون عن تحمّلها. وبالإضافة إلى استخدامها كمادة مُثبِّتة في صناعة الخبز، تشكّل الذرة العنصر الأساسي في علف المواشي والدواجن والأسماك. لذا، تسبّب ارتفاع أسعار الحبوب في ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 92.1٪ في حزيران/يونيو 2023. كذلك، أدّى ارتفاع الأسعار إلى تراجع منسوب البروتين المتوفّر في مصر بنسبة 200٪ على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، إذ انخفض من 95.3 غرامًا للفرد في اليوم إلى مجرّد 30.5 غرامًا.
إنّ العقبة الأساسية التي تحول دون زيادة إنتاج الحبوب لتخفيف الأزمة الغذائية في مصر تتمثّل في مستوى كفاءة استخدام المياه، خصوصًا في ظلّ الشحّ المتزايد للمياه. ففي حين أنّ إنتاج كيلوغرام واحد من البطاطس يتطلّب 287 ليترًا من المياه وكيلوغرام واحد من الطماطم 214 ليترًا، يستهلك إنتاج الحبوب خمسة أضعاف هذه الكمّية من المياه على الأقل، بحيث يتطلّب إنتاج كيلوغرام واحد من القمح 1,827 لترًا من المياه وكيلوغرام واحد من الذرة 1,222 لترًا. ونظرًا إلى أنّ معدّل المتساقطات السنوي في مصر ضئيل، إذ لا يتجاوز 33.3 ملم، يعتمد البلد على النيل لتلبية قرابة 90٪ من استهلاك المياه العذبة، الذي يبلغ 65 مليار متر مكعّب تقريبًا، علمًا أنّ 80٪ من هذه الكمّية تُستخدَم للريّ.
ومع ازدياد الإجهاد الحراري وشحّ المياه نتيجة التغيُّر المناخي، تواجه القاهرة منذ الآن تحدّيات لمجرّد الحفاظ على مستويات الإنتاج الزراعي والغذائي الحالية. كذلك، يُفاقِم معدّل التبخُّر المرتفع في مصر الصعوبات التي يواجهها القطاع الزراعي، الذي يعتمد على الريّ بنسبة 99٪. وحتى من دون إجهاد حراري، لا يصل سوى 50٪ من المياه المُستخدَمة في تقنية الريّ بالغمر التقليدية إلى جذور النبات. وفي ظروف الإجهاد الحراري، تعتمد المحاصيل على النتح التبخُّري كوسيلة للتبريد للحفاظ على درجة حرارة مناسبة. وتستشرف نماذج التغيُّرات المناخية المتوقّعة أنّ الارتفاع المُحتمَل في النتح التبخُّري سيزيد من كمّية مياه الريّ اللازمة بأكثر من 13٪. وفي حال عدم اتّخاذ تدابير استباقيّة، يتوقّع البنك الدولي أنّ شحّ المياه والإجهاد الحراري الناجمَيْن عن التغيُّر المناخي سيخفّضان إنتاج القمح والذرة في مصر بنسبة تتراوح بين 10٪ و20٪.
وسيترافق الانخفاض في إنتاج الحبوب نتيجة الإجهاد الحراري وشحّ المياه مع أثر موازٍ على قطاع تربية المواشي في مصر، الذي يشكّل ربع الناتج المحلّي الإجمالي الزراعي للبلد تقريبًا. فيشكّل لحم الدجاج المُنتَج الزراعي الأعلى قيمة في مصر، علمًا أنّ علف الدجاج مكوّن بنسبة 70٪ من الذرة. ومع أنّ هذا المُنتَج معروف لكونه بديلًا أدنى كلفة عن اللحوم الحمراء ذات الأسعار المرتفعة، يتطلّب إنتاج لحم الدجاج 4,325 لترًا من المياه لكلّ كيلوغرام واحد. وتشكّل الأسماك، التي تتمّ تربية قسم كبير منها في مزارع وتتغذى من علف مكوّن من الذرة أيضًا، 25.3٪ من استهلاك الأُسر المصريّة للبروتين.
عمّال يفرغون القمح بعد حصاده في درّاسة في مزرعة في عزبة ماكينة، مصر، يوم الخميس 27 نيسان/أبريل 2023. تأثّرت مصر بشدّة بارتفاع أسعار القمح في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما دفعها إلى البحث عن مصادر جديدة. المصوِّر: إسلام صفوت/بلومبرغ بواسطة صور "غيتي"
عمّال يفرغون القمح في درّاسة في مزرعة خلال موسم الحصاد في عزبة ماكينة، مصر، في 27 نيسان/أبريل 2023. تصوير إسلام صفوت/بلومبرغ بواسطة صور "غيتي"
مقاربات كبرى لمشاكل كبرى
تواجه مصر عجزًا مائيًا بمقدار 30 إلى 35 مليار متر مكعّب، وفقًا لوزير الموارد المائية والريّ هاني سويلم. وفي كلمة أمام مجلس النواب، اعتبر سويلم أنّ العجز المائي يجري تعويضه بالتوسع في استيراد الأغذية من الخارج. يطرح هذا العجز مشكلة هائلة، كونه يوازي حوالي 60٪ من المياه التي تحصل عليها مصر من نهر النيل. ولمعالجة هذه المشكلة، أقرّت مصر الخطة القومية للموارد المائية (2017-2037)، هي عبارة عن برنامج بنى تحتية واسع النطاق يمتدّ على مدى 20 سنة، تبلغ كلفته 50 مليار دولار ويشمل بناء عدد من محطّات تحلية المياه وبناء وتحديث نظام الريّ الزراعي الضخم على مستوى البلد بأكمله.
لا مفرّ لمصر من تأمين مصدر إضافي للمياه من خلال التحلية. وعلى المستوى الجيوسياسي، يساهم ذلك أيضًا في الحدّ من تأثُّر مصر بتراجع كمّية المياه المُتاحة لها في حال بات سد النهضة الإثيوبي العظيم في أعلى مجرى النيل يعمل بكامل طاقته. غير أنّ تحلية مياه البحر عملية شديدة الاستهلاك للطاقة، إذ إنّ التناضح العكسي لمياه البحر يتطلّب 10 أضعاف الطاقة اللازمة لإنتاج الكمّية نفسها من المياه مقارنة بمعالجة المياه السطحية بالطُّرُق التقليديّة. صحيح أنّ الطاقة الواجب توليدها لتشغيل محطّات التحلية قد تُثني الكثير من البلدان عن اعتماد هذه التقنية، إلا أنّ مصر قادرة على اجتياز هذه العقبة بفضل تصميم الرئيس السيسي على زيادة قدرة البلد على إنتاج الطاقة الكهربائية. فبين عامَيْ 2016 و2022، انتقلت مصر من عجز في الطاقة بمقدار 6 جيغاوات إلى فائض بمقدار 15 جيغاوات، يتمّ إنتاج أكثر من 16٪ منها من مصادر متجدّدة. تعتزم القاهرة بناء 21 محطّة تحلية، وهي تسعى إلى جذب استثمارات أجنبية لتغطية كلفة تطوير المرحلة الأولى البالغة 3 مليارات دولار. وعند إنجاز هذا المشروع البالغة كلفته 8 مليارات دولار، سيساهم في تأمين 3.21 مليارات متر مكعّب إضافية من المياه، أي ما يوازي 10٪ تقريبًا من العجز الحالي.
تتمثّل المقاربة الثانية على مستوى البنى التحتية في تحسين أنظمة توزيع المياه والريّ في مصر. وقد أعلنت الحكومة المصريّة عن برنامج بكلفة 2.6 مليار دولار لإعادة تأهيل 20,000 كلم (12,427 ميلًا) من نظام القنوات في البلد لهذه الغاية. وسيتحقّق الوفر الفعلي في استهلاك المياه عبر استبدال تقنية الريّ بالغمر التقليدية بالتقطير وغيره من تقنيّات الريّ الحديثة. فمن خلال اعتماد الريّ بالتقطير، يمكن الحدّ من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 60٪ وزيادة غلّة المحاصيل من 30٪ إلى 90٪. إلا أنّ صغار المزارعين غير قادرين على تحمّل كلفة أنظمة الريّ بالتقطير، حتى البسيطة منها، إذ إنها تتراوح بين 1,200 دولار و3,000 دولار للهكتار الواحد. لذا، في محاولة لنشر تقنيات الريّ الذكيّة في نصف الأراضي الزراعية المرويّة في مصر، باستخدام التقطير وكذلك الريّ بالفوّارات والرشّ والرذاذ، أطلقت القاهرة مبادرة بقيمة 3 مليارات دولار للسماح للمزارعين بتحديث أنظمة الريّ لديهم من خلال دفعات بدون فائدة على مدى 10 سنوات. ويمكن لمشاريع التحلية والريّ، التي تبلغ كلفتها التراكميّة 14.4 مليار دولار، أن تحدّ من العجز المائي الحالي في مصر بنسبة 20٪ إلى 70٪، لكنّ إنجازها قد يستغرق حتى نهاية هذا العقد.
حلول التكنولوجيا الزراعية "الصغيرة" قد تحقّق آثارًا كبيرة وسريعة
يمكن تحقيق فوائد كثيرة عبر تحسين جودة البذور لتعزيز قدرة المحاصيل على تحمُّل الجفاف وزيادة كفاءة استخدام المياه، غير أنّ الطريق لا يزال طويلًا أمام تحقيق الإمكانات الكاملة لهذه المقاربة، بالرغم من التقدُّم البسيط الذي أُحرِز خلال العقد الأخير. فلا يزال المزارعون المصريّون غير قادرين على تأمين كمّيات كافية من البذور الجيّدة عندما يحتاجون إليها. يُشار إلى أنّ مركز البحوث الزراعية ومعهد بحوث الهندسة الوراثية الزراعية في مصر يتعاونان مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) لتحسين أنواع القمح وتوفير البذور للمزارعين، ولكن ينبغي بذل المزيد من الجهود في هذا الإطار. فقد وزّع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، الذي يتّخذ من بيروت مقرًّا له، بالتعاون مع شركائه في مصر حوالى 20,000 طنّ من البذور المقاوِمة لمرض الصدأ والعالية الغلّة. ومع أنّ هذه البذور تُنتِج غلّة أعلى بنسبة 21٪ إلى 25٪ من الأنواع التجارية الشائعة، لا تكفي الكمّية الموزَّعة سوى لتغطية 11٪ من مساحة زراعة القمح في مصر. كذلك، طوّر المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، بالتعاون الوثيق مع الصندوق الإسئتماني العالمي لتنوع المحاصيل (Crop Trust) وبتمويل من النرويج، نوعًا جديدًا من القمح الصلب المُقاوِم للجفاف باسم "جبل"، جرى توزيعه على مزارعين في المغرب في كانون الأول/ديسمبر 2022 لبدء التجارب.
وفي حين أنّ المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة والصندوق الاستئماني العالمي لتنوع المحاصيل طوّرا قمح "جبل" عن طريق التهجين، أثبتت تقنيات الهندسة الوراثية نجاحها أيضًا ووجدت طريقها إلى الاستعمالات التجارية. ففي إطار مبادرة أميركية-إسرائيلية-صينيّة في جامعة كاليفورنيا (دافيس)، استخدم الباحثون تقنيّة التحرير الجيني لتطوير نبات قمح يمتلك العدد المناسب من نسخ مجموعة الجينات OPRIII لتحفيز نمو جذور أطول وقادرة على امتصاص الماء من مستويات أعمق في التربة. وأشار الفريق البحثي في مقالة نُشِرَت في شباط/فبراير 2023 في المجلّة العلمية "Nature" إلى أنّ نبات القمح الذي نجح في تطويره مقاوِم للجفاف ويُنتِج غلّة أكبر من الحبوب.
إلى جانب تقنيات تطوير البذور، تُحقِّق المحفّزات الحيويّة (biostimulants) نتائج مشابهة مع المنتجات التجارية المُتاحة حاليًا في الأسواق. والمحفّزات الحيويّة هي عبارة عن أغذية علاجيّة (nutraceuticals) تحفّز العمليّات الطبيعية للنبات لتعزيز امتصاصه للمغذّيات أو قدرته على تحمّل الإجهاد الناجم عن الحرّ أو الجفاف، من دون اللجوء إلى أيّ تعديلات جينيّة. وقد بيّنت دراسة شاملة نُشرت عام 2022 حول فعالية المحفّزات الحيويّة أنّ الأخيرة تحقّق زيادة في غلّة المحاصيل تتراوح بشكل عام بين 8.5٪ و30.8٪. ويتوقّع المجلس الأوروبي لقطاع المحفّزات الحيويّة أن يبلغ معدّل النموّ السنوي المركّب في سوق المحفّزات الحيويّة الأوروبي 10٪ إلى 12٪ بعد أن أثبتت هذه التقنية فعاليتها. وقد تشكّل المحفّزات الحيويّة أحد الحلول الأساسيّة التي يمكن اعتمادها في مصر في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيًّا، كونها أثبتت قدرتها على المساعدة في تحسين مقاومة المحاصيل للإجهاد الحراري والجفاف.
يفقد نبات القمح ما يصل إلى 50٪ من جذوره في الظروف الجافة، ما يحدّ من قدرته على امتصاص الماء وعلى التعافي عند انتهاء موجة الجفاف. ولكنْ، يمكن للمحفّزات الحيوية أن تجعل المحاصيل مُقاوِمة للجفاف عبر تجنّب فقدان الجذور بشكل عام. تزعم عدّة شركات في هذا القطاع أنّ منتجات المحفّزات الحيوية قادرة على زيادة جذور المحاصيل السليمة بنسبة 30٪ على الأقلّ، ما يزيد من كفاءة استخدام المياه ويحدّ من الهدر الكبير للمياه بسبب تقنية الريّ بالغمر التقليدية المُتّبعة حاليًا. ونظرًا إلى أنّ كلفة تركيب نظام ريّ بالتقطير تبلغ خمسة أضعاف كلفة استخدام المحفّزات الحيويّة لعقدٍ كاملٍ من الزمن، يمكن استخدام المحفّزات الحيويّة الصديقة للبيئة بالتوازي مع تنفيذ مصر برنامج نشر أنظمة الريّ بالتقطير في الأراضي الزراعية. في الواقع، تشكّل المحفّزات الحيويّة ووسائل الريّ الحديثة تقنيّتَيْن متكاملتَيْن، ويمكن تطبيقهما معًا في إطار عمليّة تُسمّى "التسميد بالحقن" لتحقيق أثر مُضاعَف.
خاتمة
يشكّل الأمن الغذائي الهشّ خطرًا وجوديًّا يهدّد قدرة الاقتصاد المصري وحكومة السيسي على الصمود. قد تساهم المساعدات الطارئة واستيراد الحبوب من مورّدين آخرين في إبعاد شبح التضخُّم المفرط عن الاقتصاد المصري، إلا أنّهما لا يكفيان لعكس المسار الحالي. لا يمكن لمصر الخروج من معضلتها الاقتصادية التاريخية إلا عبر الحدّ من وارداتها الغذائية وزيادة إنتاجها الغذائي الخاص. ومع أنّ مشاريع البنى التحتية الطموحة لتوفير إمدادات إضافية من المياه سعيًا إلى تعزيز الزراعة المحلّية كفيلة بإحداث تحوّلات كبرى، فهي ستستغرق سنوات طويلة في حين أنّ الوقت يداهم مصر. فيجب على القاهرة سداد أو إعادة تمويل ديون بقيمة 20 مليار دولار على مدى الأشهر الـ12 المقبلة، ناهيك عن اضطرارها إلى استخدام احتياطي العملات الأجنبية المتناقص لديها لاستيراد المواد الغذائية وإنفاق 4.14 مليارات دولار لدعم أسعار تلك المواد لتُصبِح في متناول مواطنيها.
وكما تبيّن بعد وقف العمل باتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، من المرجّح أن تترافق الأيام الـ500 المقبلة من النزاع بين روسيا وأوكرانيا مع تفاقم كبير في أزمة الغذاء العالمية. ينبغي على القاهرة اعتماد حلول التكنولوجيا الزراعية في أسرع وقتٍ ممكن لكي تتفادى تراجعًا فوريًّا وكارثيًّا في أمنها الغذائي. ولتلبية احتياجات مواطنيها الغذائية، يتعيّن على مصر أيضًا استباق الآثار الناجمة عن شحّ المياه المتسارِع بسبب تغيُّر المناخ. في هذا الإطار، تُعدّ كفاءة استخدام المياه، التي يمكن تحقيقها عبر التكنولوجيا الزراعية، عاملًا أساسيًّا لضمان قدرة مصر على زيادة إنتاجها الزراعي والغذائي على المدى القريب. وعليه، تشكّل دبلوماسية التكنولوجيا الزراعية فرصة فريدة للولايات المتّحدة لبناء شراكة استراتيجية مع القاهرة تُفضي إلى نتائج بالغة الأهمّية.
البروفيسور مايكل تانشوم هو زميل غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة التابع لمعهد الشرق الأوسط. كذلك، يحاضِر مايكل في جامعة نبرة وهو زميل أوّل في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية (AIES). يمكنكم متابعته عبر حسابه على تويتر @michaeltanchum. يودّ الكاتب توجيه الشكر إلى فيكي أندارسيا وجوزوي بورغوس غارسيا لمساعدتهما القيّمة في إجراء الأبحاث اللازمة لإعداد هذه المقالة.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.