الترقُّب سيّد الموقف فيما تتأرجح المنطقة على شفير الحرب الشاملة
أغسطس 01, 2024تشارلز ليستر
تشارلز ليستر
اهتزّت المنطقة على وقع حادثتَيْن ناريَّتَيْن مع إقدام إسرائيل على اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران. وأحدث هذان الاغتيالان، بفارقٍ زمنيٍّ لم يتجاوز 12 ساعة بينهما، زلزالًا مُدوِّيًا في "محور المقاومة"، لكنَّه من غير المُرجَّح أن يؤدّي إلى خفض وتيرة التصعيد، بل على العكس تمامًا. فقد أعلنَ المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عن نيّة إيران بالانتقام، كما فعلَ قادة حرس الثورة الإسلامية في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن.
بعدما قُتِلَ اثنا عشر طفلًا بصاروخٍ أطلقه "حزب الله" على بلدة مجدل شمس الدرزية العربية في مرتفعات الجولان التي تحتلّها إسرائيل يوم السبت، كانَ الردّ الإسرائيلي القوي حتميًّا. وقد تؤدِّي تصفية قادة أساسيّين، مثل شكر وهنية، إلى لحظة وجيزة من عدم اليقين في صفوف جماعاتهم، كما أنّ هاتَيْن الضربتَيْن تؤكّدان مدى اختراق إسرائيل لمحور المقاومة على أعلى مستوياته. فمقتل هنية في مجمَّعٍ تابعٍ للحرس الثوري الإيراني في طهران، تزامنًا مع زيارة قادة المنطقة لحضور مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان، يُعتبَر بمثابة إهانة بكلِّ ما للكلمة من معنى.
ولكنْ، على الرغم من أنَّ جميع الأطراف تزعم باستمرار أنَّها تُريد تجنُّب الحرب الشاملة، إلّا أنَّ سلسلة الأحداث الأخيرة تزيد من احتمال نشوبها أكثر من أيِّ وقتٍ مضى منذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر. فقد صرَّحَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه اليوم قائلًا: "لم ولن أرضخ للأصوات الداعية إلى وقف الحرب" - وهذا أبعد ما يكون عن الخطاب المُشجِّع في منطقةٍ تقفُ على شفير الهاوية.
الترقُّب الآن هو سيّد الموقف، ريثما يتّضح ردّ "حزب الله" من لبنان وتتجلّى الأبعاد الإقليمية الأوسع نطاقًا التي قد تدخل في الحسبان. لن يحدث أيّ شيء إلى حين انتهاء مَراسم تشييع هنية وشكر في طهران وبيروت والكلمة التي سيُلقيها اليوم أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله من لبنان. ومن المُرجَّح أنَّ إيران تُجري اتّصالاتها مع دول المنطقة بعيدًا عن الأضواء، قبل أن تُقرِّر طبيعة ردّها.
باتَ من شبه المؤكَّد في هذه المرحلة أنَّ الهجمات ضدّ القوّات الأمريكية في العراق وسوريا ستُستأنَف. وقد يتلاشى وَقعُ الهجمات الخمس ضدّ قاعدتَيْ "عين الأسد" و"كونيكو" خلال الأسبوعَيْن الماضيَيْن قريبًا لتطغى عليها أحداثٌ تُشبه ما شهدناه قبل شباط/فبراير، عندما شُنَّ أكثر من 200 هجوم. ومع دخول أمريكا في موسمٍ انتخابيٍّ حاسمٍ، فإنَّ آخر ما يريده الديمقراطيون هو تعرُّض القوّات الأمريكية لهجمات واشتعال الشرق الأوسط. كانت جميع الهجمات التي وقعت بين تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 وشباط/فبراير 2024، والتي تجاوز عددها 200، بدائيةً بطبيعتها، وكانَ الغرض منها بالدرجة الأولى هو تقديم دلالة رمزية على العداء تجاه الولايات المتّحدة وليس جرّها إلى قتالٍ مباشر. غير أنَّ المعادلة قد تتغيّر هذه المرّة.
في الوقت نفسه، يحظى الحوثيون بوضعٍ جيّد لمواصلة نطاق عملياتهم الحالية، بما في ذلك استهداف السفن الدولية وشنّ ضربات بالصواريخ البعيدة المدى والمُسيَّرات على إسرائيل- سواء في إيلات أو تل أبيب. لكنَّ ردّ "حزب الله" هو الذي سيُحدِّد على الأرجح مسار الأمور في الفترة المقبلة.
من المُستبعَد أن نشهد انتقالًا فوريًّا نحو الحرب الشاملة، غير أنَّ أيّ أعمال تصعيد أخرى ستزيد من احتمال حصول هذا السيناريو إلى حدٍّ كبير. فقد تمَّ تجاوز جميع الخطوط الحمراء تقريبًا. وبما أنَّ "حزب الله" وإيران عازمان على ما يبدو على الردِّ، ترتفع مخاطر سوء التقدير أكثر ممّا لو كانت هذه الدينامية قائمة على جبهة واحدة- حتّى لو زعما أنَّهما يُريدان تجنُّب الحرب. لهذا السبب، تبذل الحكومة الأمريكية قصارى جهودها الدبلوماسية على أعلى المستويات في الساعات الأخيرة في محاولةٍ لإقناع الأطراف المعنيّة بضبط النفس والتراجُع عن حافّة الهاوية.
أدّت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في عام 2006 إلى تداعيات مُدمِّرة للمنطقة المجاورة، لكنَّ ما قد يحصل في المستقبل القريب ربّما يكون أسوأ بكثير. أوّلًا، تحوَّلَ "حزب الله" إلى قوّةٍ مختلفة تمامًا في عام 2024 عمّا كانَ عليه قبل نحو عقدَيْن من الزمن. ففي عام 2006، اقتصرت ترسانة الحزب على 15,000 صاروخٍ، ولكنَّه اليوم يمتلك 150,000 صاروخ وقذيفة قادرة على الوصول إلى أيّ هدف، والكثير منها مُزوَّد بتقنية التوجيه الدقيق. وبفضل هذه الترسانة الهائلة، يستطيع "حزب الله" أن يُغرِق بسرعة نظام الدفاع الجوّي الإسرائيلي المتعدّد المستويات والرائد عالميًّا، وأن يستخدم بالتالي القذائف الدقيقة الثقيلة لاستهداف البنى التحتية الإسرائيلية الاستراتيجية، سواء العسكرية منها أو المدنية.
وما يزيد الأمور تعقيدًا هو أنَّ "حزب الله" يمتلك الآن مجموعة هائلة من المُسيَّرات الهجومية الأُحادية الاتّجاه، التي يمكن للكثير منها التحليق على علوٍّ منخفض جدًّا من دون أن تلتقطها أجهزة الرادار، والانقضاض على هدفها بشكل متخفٍّ تقريبًا. فضلًا عن ذلك، في صفوف "حزب الله" أكثر من 25,000 مُقاتِلٍ متفرِّغٍ، وفي رصيد الكثير منهم سنوات من الخبرة القتالية في سوريا، حيث قاتلَ الحزب بالتنسيق الوثيق مع قوّات "السبيتسناز" الروسية النخبوية على الخطوط الأمامية الحرجة. لذا، يُشكِّل "حزب الله" بالإجمال تحدّيًا هائلًا لإسرائيل تبدو "حماس" وكأنَّها مجرّد "لعبة أطفال" بالمقارنة معه. وبصرف النظر عن كلّ التهديد والوعيد، تُدرِك إسرائيل هذه الحقيقة تمامًا.
حتّى الآونة الأخيرة، كانَت المحادثات المستمرّة بشأن وقف إطلاق النار في غزّة الفرصة الأفضل لخفض وتيرة التصعيد في المنطقة. ومن المؤكّد أنَّ محور إيران الإقليمي بأكمله، بدءًا بحركة "حماس" في غزّة و"حزب الله" في لبنان، مرورًا بالميليشيات في سوريا والعراق، وصولًا إلى الحوثيين في اليمن، سيُوقِف هجماته إذا أُقِرّ وقف إطلاق النار الكامل في غزّة. ولكنْ، من الصعب أن نتوقّع ما ستؤول إليه هذه المفاوضات الآن. وفي حين لم يتَّضح فعليًّا مدى استعداد نتنياهو لوقف إطلاق النار، لطالما شكَّل قائد حركة "حماس" في غزّة يحيى السنوار عقبةً أخرى. ومع القضاء على هنية، يبدو عائق السنوار حاليًا وكأنَّه جدارٌ من فولاذ.
بالتالي، ومع تلاشي احتمالات انتهاء المُسبِّب الأساسي للأعمال العدائية في المنطقة (أي النزاع الدائر في غزّة) تقريبًا، لا يسعنا سوى أن نأمل في أن يسود منطق التروّي. من الممكن التعامل مع سلسلة من الردود الانتقامية المحسوبة بعناية، على غرار ما رأيناه في نيسان/أبريل، ما يسمح بالعودة التدريجية إلى الوضع الراهن غير المستقرّ. ولكنْ، في ظلّ هذه التطوُّرات غير المسبوقة، أصبحَ هذا الأمل ضئيلًا جدًّا.
تشارلز ليستر هو زميل أوّل ومدير برنامجَيْ سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف في معهد الشرق الأوسط.
الصورة بعدسة حسين بيريس/صور الشرق الأوسط/وكالة فرانس برس بواسطة صور "غيتي"