MEI

التداعيات الجيوسياسية لهجمات الحوثيين والردّ الإسرائيلي

يوليو 23, 2024

جيرالد م. فايرستاين, فاطمة أبو الأسرار


مشاركة

المقالة التالية هي جزءٌ من سلسلٍة خاصّة لمعهد الشرق الأوسط بعنوان "الحوثيون: الحليف الأبعد لإيران"، تُحلِّل ديناميّات العلاقة الإيرانية-الحوثية، وتُحدِّد المصالح والتحدّيات التي يواجهها الجانبان في الحفاظ على تعاونهما، وتُفصِّل تأثيرها على أمن المنطقة، وتُقدِّم توصياتٍ سياساتيةً حول كيفية استجابة الولايات المتّحدة والحكومات الأخرى.

في 19 تمّوز/يوليو، شنّت ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، والتي تفرض سيطرتها على شمال البلد بحُكم الأمر الواقع، هجومًا قاتلًا بواسطة طائرة بدون طيّار على تل أبيب. وعلى الرغم من أنَّ السلطات الإسرائيلية زعمت وقوع "مئات" الهجمات الحوثية على إسرائيل سابقًا، إلَّا أنَّ هذا الحدث غير المسبوق، الذي أسفرَ عن مقتل مدنيٍّ إسرائيليٍّ وإصابة آخرين، أظهرَ ارتقاءً ملحوظًا في القدرات الهجومية للحوثيين منذ 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، كما أثبتَ عزمهم على مواجهة إسرائيل مباشرةً.

من جهتها، قرّرت إسرائيل أن تردّ سريعًا، فشنّت غاراتٍ جوّيةً على الحديدة، وهي المعقل الاستراتيجي للحوثيين، وإحدى المُدُن الساحلية الحيوية. استهدفت هذه الغارات الجوّية مستودعاتٍ للوقود ومحطاتٍ لتوليد الطاقة ومرافق أخرى في الميناء، وأدّت إلى اندلاع حريق كبير حول خزّانات الوقود وتفاقُم النزاع.

من شِبه المؤكّد أنَّ الهجوم الحوثي على تل أبيب اعتمدَ على الدعم التقني والاستراتيجي من إيران، وربّما يُشير إلى تحوُّلٍ ملحوظٍ في الاستراتيجية العملانيّة التي تنتهجها طهران، وربّما ينطوي ذلك على جذب المزيد من الجهات الإقليمية وتوسيع رقعة النزاع. ولقد أظهرت إسرائيل، العازمة على الدفاع عن أراضيها، أنَّها مستعدَّةٌ للردِّ بقوّةٍ متزايدة لردع التهديدات المستقبلية.

وما يزيد الأمور تعقيدًا هو أنَّ الاستخبارات الأمريكية ذكرت احتمال تزويد روسيا الحوثيين بصواريخ متطوّرة مضادة للسفن. من شأن هذه الخطوة أن تؤدّي إلى تأجيج النزاع بالوكالة بين القوى الكبرى، لا بل قد تُضاعِف التهديد البحري الذي يُشكِّله الحوثيون في البحر الأحمر، ويشمل ذلك تهديد الأصول البحرية التابعة للولايات المتّحدة وقوّات التحالف. بالتالي، قد يصبح اليمن ساحةَ معركةٍ لصراعاتٍ جيوسياسيةٍ أوسع، مع عواقب وخيمة على المدنيّين.

من وجهة نظرٍ استراتيجيةٍ، ليست أعمال الحوثيين مجرّد مُجازَفات متهوّرة، بل تهدف إلى تحريض إسرائيل على الردّ بقوّة، وبالتالي تدويل النزاع. فما زال الحوثيّون يرون أنَّ عملياتهم العسكرية تحظى بدعم السكّان المؤيدين للفلسطينيين في اليمن، وتكسب أيضًا التعاطف والدعم من جهات إقليمية أخرى وقوى عالمية غير راضية عن سياسات إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يُشير تدخُّل إيران والمساعدة العسكرية الروسية المُحتمَلة إلى هدف جيوسياسي أوسع، وهو الاستفادة من الحوثيين كوسيلةٍ لتحدّي النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

قدرات الحوثيين وتداعياتها في سياق النزاع الإقليمي

منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نفَّذَ الحوثيون المدعومون من إيران الكثير من الهجمات بالمُسيَّرات والصواريخ ضدّ السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، بحجّة التضامن مع الفلسطينيين في غزّة في ظلّ الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس". وباتَ من المؤكّد أنَّ الحوثيين حسَّنوا قدراتهم، بدليل تطوير الطائرات المُسيَّرة مثل "صماد-3" و"يافا"، بدعمٍ إيرانيٍّ كبير. وتُشير المُسيَّرة "يافا" تحديدًا، التي تجاوزت أنظمة الكشف بالرادار الإسرائيلية، إلى قفزة نوعية في نطاق عملياتهم ودرجة تقدُّمها.

إنَّ نزعة الحوثيين إلى التصرُّف بلا ضوابط وبعدوانيةٍ من دون مراعاة العواقب تُبرهِن عن التحدّيات الكامنة في التعامل مع الجهات غير الحكومية التي تعمل بعقلية اللعبة الصفرية، ويبدو ظاهريًّا أنَّ هدفهم النهائي هو السيطرة الكاملة على اليمن أو الدمار الشامل. ولن تُفلح الهجمات الإسرائيلية وحدها على الأرجح في ردع الحوثيين، إذ تُشير قدراتهم المتزايدة إلى صمودهم وتكيُّفهم مع الضغوط العسكرية. فالحوثيون يتعمّدون تصعيد النزاع، ظنًّا منهم بأنَّه ليس لديهم ما يخسرونه: فإذا هاجمتهم إسرائيل، ينالون الشهادة؛ وإذا نجوا، يكسبون صورة القوّة التي لا تُقهَر. وتعكس هذه المُجازفة المحسوبة فهمهم للمشهد الجيوسياسي وديناميات التدخّل الدولي.

قد يتجاوز الردّ الإسرائيلي على اليمن استهداف المواقع التابعة للحوثيين ليشمل ربّما توجيه ضربات ضدّ الأصول الإيرانية. ونظرًا للعلاقات الوثيقة بين الحوثيين وإيران، قد تؤدّي هذه الأعمال إلى تصعيد وتيرة النزاع، وجذب قوى إقليمية إضافية، وقد يُفضي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

قدرات الحوثيين في مضمار اعتراض السُّفُن

أعلنَ زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي مؤخّرًا عن إدخال "سلاح الغوّاصات" إلى ترسانة الجماعة، الأمر الذي يُشكِّل تقدُّمًا مُحتمَلًا في مجال القدرات البحرية أيضًا. وفيما لم تُكشَف تفاصيل إضافيّة، يدلّ تصريح عبد الملك على تحوُّلٍ استراتيجيٍّ يهدف إلى تعزيز قدرة الحوثيين على تعطيل الطرق البحرية الحيوية في البحر الأحمر وفي أماكن أبعد، ويؤكِّد التطوُّر العسكري لهذه الجماعة. ومن خلال الاستفادة من التقنيات المتطوّرة التي يُزعَم أنّ إيران تزوِّدهم بها، يرسّخ الحوثيين وجودهم الإقليمي كما يضعون العقبات أمام الجهود التي تبذلها الولايات المتّحدة وحلفاؤها لضمان الأمن البحري.

إنَّ احتمال تسليح روسيا للحوثيين بصواريخ متطوّرة مضادة للسفن يُضيف مستوى آخر من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي، ما يزيد من خطر اندلاع نزاع أوسع ويُعرِّض التجارة الدولية للخطر، بل والأصول البحرية التابعة للولايات المتّحدة والتحالف في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

هجمات الحوثيين: معضلة للولايات المتّحدة وشركائها في الخليج وإسرائيل

يعتمد الحوثيون على صعوبة ردع عملياتهم أو هزيمتها، سواء ضدّ الأهداف البحرية أو تلك التي تستهدف إسرائيل. ويُبرِمون التحالفات مع جهاتٍ تُشاطِرهم نهجًا فكريًّا مماثلًا، مثل إيران وروسيا، وبالتالي يكتسبون الاعتراف والنفوذ اللذين يطمحون إليهما، اعتقادًا منهم بأنَّ ذلك سيُترجَم إلى انتصارٍ في الساحة المحلّية.

بالنسبة إلى الولايات المتّحدة وحلفائها، تُشكِّل استراتيجية الحوثيين معضلةً؛ فمنذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، حاولت إدارة الرئيس بايدن تحقيق توازنٍ بين مصالح متنافِسة، وهي: ضمان العبور الآمن للسُّفُن، ومنع توسُّع رقعة النزاع في غزّة، والحفاظ على الخيارات الدبلوماسية لوضع حدٍّ للحرب الأهلية في اليمن. وقد أعطى السعوديون وحلفاؤهم في الخليج الأولويةَ للحلّ التفاوضي للنزاع في اليمن، والحفاظ على وقف إطلاق النار الذي أُقِرَّ منذ نيسان/أبريل 2022 وتجنُّب الدخول في جولة جديدة من النزاع قد تجرّهم مجدّدًا إلى المستنقع اليَمَني. إضافةً إلى ذلك، سعت الولايات المتّحدة إلى حصر ردِّها على اعتداء الحوثيين للحدِّ من الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين اليمنيين الأبرياء.

وللحفاظ على سياستها القائمة على تلك الركائز الثلاث، تُنفِّذ الولايات المتّحدة وحلفاؤها عملياتٍ لضمان أمن الممرّات المائية الحيوية قبالة ساحل اليمن، غير أنَّها تجنّبت اتّخاذ خطوات تحدّ من إمكانية التفاوض مع الحوثيين لإنهاء النزاع الأهلي. ولكنَّ فعّالية هذه الجهود تبقى محدودةً بسبب هجمات الحوثيين المستمرّة. كذلك، فإنَّ تكتيكاتهم المتطوّرة، والمرحلة الجديدة الأكثر خطورة للتحرّكات العدائية الحوثية، تُهدِّد بالإطاحة بالاستراتيجية الأمريكية بالكامل. استجابةً لهذه المعطيات، دعت "القيادة المركزية الأمريكية" إلى اتّباع نهج أكثر شمولًا -بما في ذلك اتخاذ تدابير اقتصادية ودبلوماسية إلى جانب الإجراءات العسكرية- ما يُسلِّط الضوء على صعوبة ضمان الأمن البحري في هذه المنطقة المضطربة.

وبالمِثل، يبقى السؤال الأساسي بالنسبة إلى إسرائيل هو إما توسيع المواجهة مع إيران، التي تُقدِّم التمويل لوكلاء متعدّدين بهدف زعزعة استقرار المنطقة، أو الاستمرار في الوضع الراهن، ما يؤدّي إلى استنزاف الموارد ويلحق الضرر بسمعتها كقوّةٍ لا يُستهان بها بينما تخوض غمار نزاع دولي محفوف بالمخاطر مع جهة غير حكومية.

إيران والخطوط الحمراء الإسرائيلية غير المعروفة

منذ تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، مكّنت إيران وكلاءها، ولا سيّما "حزب الله" والحوثيين، من تنفيذ عمليات عسكرية عند الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان وفي البحر الأحمر والمياه المجاورة، تزامنًا مع إصرارها على أنَّها لا تسعى إلى توسيع النزاع في غزّة. ولكنَّ طهران غير متأكّدة على الأرجح من الخطوط الحمراء الإسرائيلية؛ أي متى تُقرِّر إسرائيل أنَّ أعمالها الرادعة يجب أن تتجاوز ضرب أهداف "حزب الله" أو الحوثيين وأنَّ الوقت قد حان لشنّ هجوم ضدّ مصدر هذه الاعتداءات في إيران نفسها. تسعى إدارة الرئيس "بايدن" جاهدةً لمنع توسيع النزاع في غزّة، بما في ذلك توجيه الرسائل العامّة والخاصّة إلى إسرائيل وإيران، إلّا أنَّ الولايات المتّحدة ستتوقّف ربّما عن دعوة إسرائيل إلى ضبط النفس في حال تفاقمت التهديدات للأمن الإسرائيلي وبلغت مستوى غير مقبول. عندئذٍ، سيتّخذ الإسرائيليون على الأرجح القرار المصيري بضرب أهداف في إيران نفسها مرّةً أخرى، بقسوةٍ تتجاوز ضربات نيسان/أبريل وبعواقب يتعذّر التنبّؤ بها.

الردود العسكرية الاستراتيجية والسيناريوهات المستقبلية

في ضوء التهديد المتزايد الناجم عن الحوثيين، قد يلجأ كلٌّ من إسرائيل والولايات المتّحدة وحلفاؤهما إلى عدّة استراتيجيات عسكرية مُحتمَلة. وإذا قامت روسيا بتزويد الحوثيين بصواريخ متطوّرة، قد يُشكِّل ذلك دافعًا لإعادة النظر في الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية، وقد تُشَنُّ ضرباتٌ استباقيةٌ أو قد تُتَّخَذ مواقف أكثر عدوانيةً لردع المزيد من التصعيد. وقد ينطوي هذا النهج على زيادة العمليات الهجومية التي تستهدف قدرات الحوثيين من حيث الصواريخ والمُسيَّرات، ومراكز القيادة، وخطوط الإمداد لتقليص قدرة الحوثيين على شنِّ الهجمات وتعطيل فعّاليتهم الميدانية.

وقد تُعتمَد استراتيجيةٌ أخرى تقوم على تعزيز التدابير الدفاعية، مثل نشر أصول بحرية أكثر تطوُّرًا وأنظمة دفاعية ضدّ الصواريخ لحماية مسارات الشحن التجاري. إضافةً إلى ذلك، يمكن زيادة تبادل المعلومات الاستخباريّة والتنسيق بين الحلفاء الإقليميين لتحسين رصد هجمات الحوثيين واعتراضها قبل أن تبلغ أهدافها.

أمّا الاحتمال الثالث، فيكمُن في الاستجابة لدعوات الحكومة اليمنية المُعترَف بها دوليًّا في عدن للمساعدة في تحسين قدراتها العسكرية وتمكينها من مواجهة الحوثيين في الميدان. وقد طلبت الحكومة اليمنية تحديدًا من المجتمع الدولي تزويدها بالوسائل اللازمة لإنهاء سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة، وهي كانت مستعدّة للإقدام على هذه الخطوة قبل اتّفاق ستوكهولم عام 2019. وعلى الرغم من أنَّ هذه الاستراتيجية منطقيةٌ، غير أنَّها مُستَبعَدةٌ، وذلك لأنَّ بناء القدرات العسكرية اليمنية يحتاج إلى فترة زمنية طويلة ويتطلّب سنواتٍ عدّة قبل أن يؤتي ثماره، وقد يؤدّي أيضًا إلى إعادة إشعال فتيل الحرب الأهلية، مع ما تحمله من عواقب وخيمةٍ على السكّان المدنيين الذين طالت معاناتهم في اليمن 

الجهود الدبلوماسية الدولية ومبادرات السلام

بعيدًا عن الخيارات العسكرية، تقتضي معالجة النزاع المتصاعد وتداعياته جهدًا دبلوماسيًّا دوليًّا فعَّالًا ومتعدّد الأوجه. ومن الضروري التعاون مع الجهات المؤيِّدة للنهج الديمقراطي في اليمن. فيجب أن تُضاعِف الولايات المتّحدة جهودها لثني روسيا عن إمداد الحوثيين بالسلاح، مع إشراك بلدان أخرى لتلعب دور الوسيط وتُمارِس الضغوط الدبلوماسية على موسكو. فهذه السُّبُل الدبلوماسية بالغة الأهمية لمنع المزيد من التصعيد وتعزيز المناخ الملائم للمفاوضات المُجدِية.

بالإضافة إلى ما سبق، يمكن الاستفادة من المنظّمات الدولية مثل الأمم المتّحدة لتنفيذ قراراتٍ حاسمةٍ وفرض عقوبات على الحوثيين والجهات التي تدعمهم، ومن شأن ذلك أن يُساعِد في وقف تدفّق الأسلحة المتطوّرة إليهم والحدّ من أعمالهم العدائية. ويُعَدّ النهج الشامل "على مستوى الحكومة بأكملها"، كما تدعو "القيادة المركزية الأمريكية"، والذي يجمع بين التدابير العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، ضروريًّا لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع وضمان استقرار المنطقة على المدى البعيد.

الخيارات الاستراتيجية لليمن

باتَ من المؤكَّد أنَّ مواجهة الحوثيين، حتّى ولو كانت مُبرَّرةً، هي مسألةٌ معقَّدةٌ ومحفوفةٌ بالتحدّيات. ولكنَّ ذلك لا يستدعي بالضرورة الامتناع عن اتّخاذ أيّ إجراء. فالعمل الاستراتيجي السريع ضروريٌّ لمعالجة الأزمة ببراعة، لأنَّ المواجهة الإقليمية المطوّلة لا تؤدّي سوى إلى زيادة التكاليف والمعاناة وتتطلّب تنازلاتٍ غير مقبولةٍ. اقترحَ بعض الناشطين اليمنيين استهداف كبار المسؤولين الحوثيين عسكريًّا، ما قد يُجبِر الحوثيين على إعادة النظر في أفعالهم. وهناك سابقة في حادثة اغتيال الرئيس الحوثي بحكم الأمر الواقع صالح الصماد في عام 2018، التي أدّت إلى مشاركة الحوثيين في محادثات السلام في ستوكهولم (حتّى لو ثبتَ أنَّهم يتصرّفون بسوء نيّة)، ما يُشير إلى أنَّ الحوثيين قد يستجيبون للتهديدات المباشرة ضدّ قيادتهم.

كذلك، فإنَّ التطوُّرات الأخيرة، وخصوصًا تعاظُم نفوذ روسيا واهتمامها بتسليح وكلاء إيران، تتطلّب عملية إعادة تقييم استراتيجية من جانب الولايات المتّحدة وحلفائها. وسيقتضي ذلك على الأرجح زيادة الوجود العسكري في المنطقة. قد يصبح اليمن بيدقًا مأساويًّا في هذه المواجهة الجيوسياسية الواسعة، وقد تترتّب عواقبُ وخيمةٌ على سكَّانه المدنيين. في الوقت الحالي، تفتقر الولايات المتّحدة وحلفاؤها وإسرائيل إلى استراتيجيةٍ متماسكةٍ للتصدِّي للتهديد الحوثي بطريقةٍ فعّالة. ولا بدَّ لهذه الدول أن تُسارِع إلى وضع نهجٍ واضحٍ وموحَّدٍ لضمان استجابةٍ دقيقةٍ ومُنسَّقة.

في هذا المشهد الحافل بالتغيُّرات المتلاحقة، يجب أن نفهم أنَّ تداعيات هذه الإجراءات سوف تمتدُّ إلى ما هو أبعد من النزاع الفوري، ما يُشكِّل تحدِّيًا أمام المجتمع الدولي لإيجاد مسار نحو الاستقرار في منطقةٍ تزدادُ فيها التقلّبات على نحو مطّرد. فاستراتيجية التصعيد التي يُمارِسها الحوثيون قادرةٌ على زعزعة ميزان القوى الهشّ في الشرق الأوسط، كما أنَّها دليل على قدرة الجهات الصغرى على التأثير في النتائج الجيوسياسية الأكبر من خلال المجازفات والتحالفات المدروسة.

وفي ضوء ما ستُسفِر عنه الأوضاع، يتعيّن على صانعي السياسات أن يُدرِكوا طابع هذا النزاع المتعدّد الأوجه. فتكشف مناورات الحوثيين عن فهمٍ ثاقبٍ للديناميات الإقليمية واستغلال الثغرات في نهج المجتمع الدولي حيال الاستقرار في الشرق الأوسط. ولم تَعُد الحسابات الاستراتيجية تنطوي على الاستجابات العسكرية فحسب، بل تشمل أيضًا الجهود الدبلوماسية الشاملة للحدّ من التداعيات الأوسع لهذا التصعيد. ومن المهمّ ألّا تطغى مساعي تحقيق الأمن في المدى المنظور على جهود تحقيق السلام والاستقرار الإقليميَّيْن على المدى البعيد.

 

السفير (المتقاعد) جيرالد فايرستاين هو زميل أوّل متميّز في قضايا الدبلوماسية الأمريكية في معهد الشرق الأوسط، ومدير برنامج قضايا شبه الجزيرة العربية.

فاطمة أبو الأسرار باحثة غير مُقيمة في معهد الشرق الأوسط ومُحلِّلة سياسية أولى في مركز واشنطن للدراسات اليَمَنية.

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك