التحركات الإيرانية ضد قوات التحالف في سوريا: تصعيد يهدد بإشعال الشرق السوري
نوفمبر 14, 2023
سامر الأحمد
شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية تحركًا متصاعدًا ضد قواعد التحالف الدولي في مناطق شمال شرق سوريا، من قِبَل المليشيات المدعومة من إيران في كلٍّ من العراق وسوريا، وسط أنباء عن تشكيل غرف عمليات لتنسيق الضربات ومحاولة الاستفادة من أجواء الغضب الشعبي السائد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لتمديد النفوذ الإيراني وتعزيزه في سوريا، يأتي كلُّ ذلك على خلفية الحرب التي اندلعت في غزة منذ شهر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
سُجِّلت خلال الأسبوعين الماضيين هجماتٍ شبه يوميَّة استهدفت مقرات القوات الأمريكية في الشرق السوري في كلٍّ من قاعدتَي حقل العمر ومعمل كونيكو في ريف دير الزور، وقاعدة خراب الجير وتل بيدر والشدادي في ريف الحسكة، وقاعدة التنف قرب الحدود السورية العراقية الأردنية، وتنوعت الاستهدافات بين طائرات مسيّرة، وصواريخ محلية الصنع وقذائف هاون، بالتزامن مع تحرُّكات مشابهة في العراق، وسط تهديدات بتصعيد أكبر خلال الأيام القادمة، فيما أعلن البنتاغون عن تنفيذ هجمات ضد ميليشيات إيرانية في دير الزور يوم 26 أكتوبر، وهجوم ثانٍ كذلك ضد مواقع للحرس الثوري في دير الزور يوم 9 نوفمبر، مع إقرار البنتاغون في البيان نفسه أنه خلال الفترة من 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى 9 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي، تعرضت القوات الأمريكية وقوات "التحالف الدولي" لهجوم 46 مرة على الأقل، منها 24 في العراق و22 في سوريا. وشملت الهجمات استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ. كما أصيب 56 جنديًّا أمريكيًّا، وتوفي أحد المتعاقدين بأزمة قلبية. مع تأكيد البنتاغون أن واشنطن لا ترغب بتوسيع الصراع وهذه الضربات تأتي للدفاع عن النفس وحماية القوات الأمريكية.
ظهرت خلال الأيام الماضية عدة بيانات تبنَّت الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا، حملت توقيع تشكيل يُسمِّي نفسه "المقاومة الإسلامية في العراق"، يبدو أنه أخذ نفس الاسم لحزب الله اللبناني "المقاومة الإسلاميَّة في لبنان"، وتم اتخاذ الاسم بدلًا من تبنِّي العمليات من الفصائل العراقية أو السورية بهدف عدم إحراج الحكومة العراقية أو نظام بشار الأسد وتحمليها مزيدًا من الضغوط السياسية من الحلفاء الآخرين.
بحسب ما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن اجتماعًا عُقِد في البوكمال الأسبوع الماضي لتنسيق عمل "المقاومة الإسلامية في العراق"، والتي تُعَد بمثابة غرفة عمليات مشتركة تضم ممثلين عن فصائل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق ومليشيات فاطميون زينبيون، وحزب الله اللبناني، والفوج 47، وسرايا الخرساني، وفصائل محلية مثل قوات المهام التابعة لحزب الله وكتيبة هاشميون.
بحسب مصادر خاصة من دير الزور فإن غرفة العمليات مهمتها تنسيق العمل مع قيادات المليشيات في الميدان من خلال ثلاثة محاور: الأول يتضمن الهجمات الصاروخية وبالمُسيَّرات التي تستهدف قواعد التحالف على الضفة الشرقية من نهر الفرات، وتنطلق من ريف البوكمال والعشارة، ومن أحياء مدينة الميادين وقرب مدينة دير الزور، المحور الثاني يتضمن تنسيق هجمات بالمسيرات والصواريخ باتجاه قاعدة التنف وذلك عبر عمل مشترك بين مجموعات في البادية السورية وفي بادية العراق على جانبي الحدود، أما المحور الثالث يتضمن تنسيق عمل المجموعات الأمنية السرية العاملة في أرياف الحسكة والمكلفة بمراقبة قواعد التحالف هناك، حيث تتبع تلك المجموعات لمليشيات سرايا الخرساني في مدينة الحسكة وقوات المهام التي يديرها القيادي في حزب الله الحاج مهدي في القامشلي.
يتم الاعتماد في هذه العمليات على قوات النخبة التي تم تدريبها على شكل مجموعات خلال العام الماضي في معسكر الديماس قرب دمشق ومعسكرات تدريب قرب الميادين، حيث جرى تدريب مجموعات على الطائرات المسيرة والقذائف الصاروخية، فيما تم تدريب مجموعات أخرى على العمليات الأمنية وجمع المعلومات بإشراف قيادات من حزب الله في ريف دمشق ومراكز الحزب في لبنان.
تشير المعلومات التي حصلنا عليها من مصدر من داخل مقر المهام في ريف القامشلي إلى أن اجتماعات مكثفة أجراها الحاج مهدي وقيادات إيرانية أخرى في ريف القامشلي ومدينة الحسكة وأرياف دير الزور تهدف إلى تجهيز المليشيات الإيرانية لتصعيد منضبط ضد القواعد الأمريكية، بحيث تكون الهجمات متناسقة وذات فاعلية متصاعدة؛ بحيث لا تؤدي إلى عملية انتقام أمريكية واسعة، ضمن نفس الاستراتيجية التي ينتهجها حزب الله في الجنوب اللبناني مع إسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي، بحسب تصريح مقرَّبين من الحاج مهدي قبل أيام، مع تهديد بتصعيد قريب بعد قياس رد فعل قوات التحالف الدولي تجاه الهجمات الحالية، مستغلين عدم الرغبة الأمريكية بتوسيع الحرب وفتح جبهات جديدة.
وكانت الأشهر الماضية شهدت جلب كميَّات كبيرة من الأسلحة إلى ريف القامشلي ومدينة الحسكة، تأتي إلى مطار القامشلي أسبوعيًّا عبر طائرة يوشن ضمن التعزيزات العسكرية الاعتيادية لقوات النظام في القامشلي وريفها، وتضمنت بشكل أساسي أسلحة قناصة، ومناظير ليلية، وطائرات درون صغيرة، وعبوات ناسفة، ورشاشات متوسطة، ومدافع هاون، إضافة إلى تكثيف عمليات التدريب لمجموعات محليَّة وإرسالها إلى دمشق ودير الزور بشكل دوري، فيما جرت عمليات نقل واسعة لعناصر سرايا الخرساني إلى ريف دير الزور خلال الأسابيع الماضية، وكذلك تم نشر مجموعات أمنية قرب الشدادي وتل حميس في ريف المحافظة مهمتها مراقبة تحركات التحالف، في قاعدتي الشدادي وخراب الجير بريف الحسكة.
التصعيد الإيراني الحالي لم يكن مفاجئا؛ حيث كشف معهد الشرق الأوسط في تقارير سابقة العام الماضي الجهود الإيرانية لتعزيز نفوذها في مناطق الشرق السوري ضمن استراتيجية حياكة السجاد، والتحضير لاستهداف قواعد التحالف الدولي من خلال إطلاق مقاومة شعبية إضافة إلى عمليات أمنية تستهدف القوات الأمريكية لدفعها للانسحاب من المنطقة ما يفسح المجال أمام تعزيز النفوذ الإيراني، وكانت ركيزة هذه الجهود من خلال عمل فصيل سرايا الخرساني في مدينة الحسكة التابع للحرس الثوري الإيراني، وقوات المهام التابعة لحزب الله في ريف القامشلي الجنوبي، إضافة لمحاولة كسب الحاضنة الشعبية من خلال دعم وجهاء عشائر عربية مستغلين رفض العشائر لسياسات قسد التميزية ضد أبناء المنطقة، وصمت التحالف عن هذه السياسيات.
ما حصل خلال الأيام الماضية يشير إلى أن إيران عبر أذرعها في الشرق السوري، ستعمل على مواصلة الهجمات ضد قواعد التحالف، مع اختيار لحظةٍ مناسبةٍ للقيام بهجمات أكثر فاعلية تتسبب بخسائر أكبر، مستغلة عدة عوامل أهمها رد التحالف غير الحاسم على هذه الهجمات، وبحسب تقديرات مصادر خاصة فإن هذه المليشيات بدأت التجهيز لتنطلق هجماتها بشكل أوسع من داخل مناطق قسد قرب القواعد الأمريكية في تصعيد خطير يهدد أمن قوات التحالف وأمن السكان المحليين في تلك المنطقة.
مع استمرار هذه المليشيات بتعبئة السكان المحليين ضد القوات الأمريكية وربطها بالهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، بحيث تولد حالة مقاومة شعبية واسعة تدفع التحالف للتفكير بشكل جدي بالانسحاب من المنطقة أو الانكفاء داخل قواعده، ما يفسح المجال أمام المليشيات الإيرانية لتعزيز حالة الفوضى الأمنية وتعزيز نفوذها في المنطقة على حساب قسد.
يبدو أن صمت التحالف غير المبرر خلال الأشهر الماضية عن التعزيزات الإيرانية، وإهمال واشنطن العمل الفاعل لإيران لتمديد نفوذها في منطقة شرق الفرات حتى داخل مناطق سيطرة حليفتها قسد، قد أوصلانا إلى هذه النقطة، وربما فات الأوان لوضع حد لها، ما يهدد بإدخال المنطقة في بؤرة صراع دولي جديد يكون وقوده أبناء المنطقة؛ حيث تحاول إيران -من خلال التصعيد الأخير- إيصال رسالة عن مدى نفوذها وقيادتها المشتركة والموحدة للعمليات في سياق مشترك من جنوب لبنان إلى الشرق السوري إلى العراق وصولًا إلى الحوثيين في اليمن، ما يُكسِبُها نقاطًا جديدةً في أي عمليَّة مساومة سياسيَّة مستقبلًا لتكون الرابح الوحيد مما يجري في المنطقة، على حساب السكان المحليين في كل تلك المناطق.
سامر الأحمد صحفي وباحث سوري، يركز على التطورات في شمال شرق سوريا. وهو طالب ماجستير في العلاقات الدولية، وله العديد من التقارير والأبحاث لمراكز عربية ودولية. يمكنكم متابعته على تويتر @sameralahmadnq.
صورة للجيش الأمريكي بواسطة الرقيب. خوليو هيرناندي
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.