احتمالات حرب جديدة بين إسرائيل و"حزب الله" إلى ازدياد
يناير 09, 2024بلال ي. صعب
بلال ي. صعب
إذا كان التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله" سيلحق خسائرَ كبيرةً بالطرفَيْن، فلماذا تبدو الحرب بينهما وشيكة؟
صحيح أنّ النوايا مهمّة... وقد حذّر الطرفان، كلٌّ بدوره، من المخاطر والعواقب المترتبة على العودة الكاملة إلى النزاع المسلَّح. غير أنّ النوايا وحدها لا تكفي في هذه الحالة، كما أنّها لا تزال غير واضحة تمامًا، وبخاصة الإسرائيلية منها.
بُعَيد هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى توجيه ضربة إسرائيلية استباقية ضد "حزب الله". وفيما حذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن ومستشاروه المقرّبون في مجال الأمن القومي، إسرائيلَ من مغبّة الإقدام على خطوة كهذه، يصعب تقدير مدى استعداد الإسرائيليّين لخوض حرب كهذه، قبل التحذيرات الأمريكية وبعدها، وخصوصًا في الأوساط العسكرية. ولا أعتقد أنَّ تلك النزعة الإسرائيلية تبدّدت بالكامل. فيذكّر المسؤولون الإسرائيليون علنًا نظراءهم الأمريكيّين أنّهم سيواصلون اتّخاذ كل الإجراءات لحماية مصالح بلدهم، وأنّ إسرائيل تحافظ على حريّتها في التصرّف. وبطبيعة الحال، تقف الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الولايات المتّحدة عند سقف معيّن، وهذا ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر يمينيةً في تاريخ الدولة، ما يؤثّر على قرارات الحرب والسلام. وللحفاظ على دوره السياسي –حتّى وإن أتى ذلك على حساب المصلحة الوطنية الإسرائيلية– يتعيَّن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يراعي رغبات شريكَيْه في الائتلاف بتسلئيل سموتريش، رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، وإيتمار بن غفير، رئيس حزب "القوة اليهودية". ويمثّل سموتريش وبن غفير الآراء الأكثر تطرفًا في المجتمع الإسرائيلي، ولا يؤمنون بالتسوية أو المفاوضات، بل بالسيادة الإسرائيلية على كامل الأراضي الفلسطينية. ومع أنّ نواياهما إزاء المواجهة مع "حزب الله" غير معروفة حتى الآن، لا يُرجَّح أن تكون مدروسة ولا مطمْئِنة.
يقع على عاتق نتنياهو ليس إدارة هذا الائتلاف المتطرّف فحسب، بل أيضًا معالجة الضغوط السياسية والمالية الناتجة عن إخلاء المنطقة الشمالية والآلاف من سكّانها بسبب القصف المتبادل بين إسرائيل و"حزب الله".
يحتاج نتنياهو والجيش الإسرائيلي إلى تحقيق نصر ملموس ضد الأعداء الخارجيين لتهدئة الإسرائيليّين المستائين والقلقين. وإذا فشِل تنتياهو في تحقيق نصر من هذا النوع ضدَّ "حماس"، قد يحاول خوض مواجهة مع "حزب الله". يبدو هذا المخطّط متهورًا وعديم المنطق، ولا سيما أنّ "حزب الله" أقوى بكثير من "حماس". فيُحتمَل أن تؤدّي حرب جديدة ضدّ "حزب الله" إلى سقوط عدد من الضحايا الإسرائيليّين واللبنانيين يفوق بثلاثة أو أربعة أضعاف أولئك الذين سقطوا في حرب العام 2006، التي تسبّبت بمقتل حوالى 1200 من اللبنانيين و165 من الإسرائيليين. لكنّ حسابات نتنياهو السياسية قد تتجاهل هذا المنطق الاستراتيجي.
تدّعي إسرائيل أنّها انتقلت إلى "المرحة الثالثة" الأقل حدّةً في عملياتها ضد "حماس". إلّا أنّ الهجمات الإسرائيلية الأكثر دقّة ضدّ "حماس" ومؤخرًا ضدّ "حزب الله" لا تُعدّ شكلًا من أشكال خفض التصعيد من قبل الأخيرَيْن، بل على العكس تمامًا. فيعتَبِر كلٌّ من "حماس" و"حزب الله" أنّ حياة قياداتهما ومقاتليهما أكثر قيمةً من حياة الفلسطينيين واللبنانيين العاديين. فهما ينظران إلى اغتيال قيادي عسكري في "حماس" أو "حزب الله"، كما سبق أن فعلت إسرائيل في غزة وبيروت وجنوب لبنان، على أنّه أكثر استفزازًا وخطورةً من ضربة على مرفق عسكري أو هدف مدني مثلًا.
حتى لو لم تكن إسرائيل تريد حربًا جديدة مع "حزب الله"، يبدو واضحًا أنّها لم تمارس ضبط النفس في هجماتها الأخيرة. فتعتبر إسرائيل أنّ استهداف عناصر "حزب الله" مُباح، وقد استهدفت آخر الغارات وسام طويل، الذي قيل إنّه أحد قادة قوّات الرضوان، وهي كتيبة النخبة في الحزب. إلّا أنّه لا يمكن لـ"حزب الله" استيعاب هذه الضربات بدون الردّ عليها. وقد ردّ بالفعل في أكثر من مناسبةٍ، بما في ذلك استهداف منشآت عسكرية إسرائيلية حساسة أظهرت قدرات الحزب على الضرب بدقّة وعن مسافة بعيدة.
أصدر "حزب الله" عدّة تصريحات يوضح فيها أنّه لا يريد حربًا واسعة النطاق مع إسرائيل. ولكن، إذا استمرّت إسرائيل في حملة الاغتيالات، أو إذا كثّفت بشكل كبير قصفها على منشآته العسكرية، فمن المرجّح أن يكون ردُّ الحزب قاسيًا. وستسقط عندها كل الضمانات. بالإضافة إلى ذلك، قد لا ترغب إيران في المخاطرة بـ"حزب الله" في جولة قتال مع إسرائيل، وبخاصة أنّ الحزب يُعَدُّ أحد عناصر الردع الأساسية لديها. ولكن، إذا أصبحت سلامة الحزب وتماسكه وفاعليته موضع شكّ، فلن يعود لإيران أي قوة ردع استراتيجية تعتمد عليها.
على الرغم من أنّ إسرائيل و"حزب الله" لا يريدان التصعيد، فإن هذا لا يضمن استقرار الجبهة، ولا يشكِّل ضمانةً كافيةً لمنع حدوث السيناريو الأسوأ. فالتاريخ مليء بالتجارب المماثلة: في العام 2006، شهدنا 34 يومًا من القتال العنيف والدمار والموت. وقد يتفاقم النزاع الحالي نتيجة أيّ سوء تقدير، نظرًا إلى ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة ككل. وحده وقف إطلاق النار، في غزة وعلى الحدود الإسرائيلية–اللبنانية، يمكن أن يمنع الخصوم من الانجرار إلى حرب شاملة. لذا، يجب أن تُعطي واشنطن الأولوية القصوى لوقف إطلاق النار.
بلال ي. صعب زميل أول ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط.