MEI

إعادة تقييم للسياسة الأميركية حيال حركة طالبان في أفغانستان الموجز السياساتي رقم 1

أبريل 26, 2023

مارفن ج. واينبوم


مشاركة

النقاط الأساسية

بعد مرور أكثر من عام ونصف على استيلاء نظام طالبان على السلطة، باتَ واضحًا أنَّه يرفض فكرة النظام السياسي التعدُّدي، ويبدو عازمًا على فرض السياسات الاجتماعية التقييدية نفسها التي طُبِّقَت بين عامَيْ 1996 و2001.

لا شكَّ في أنَّ العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي بهدف عزل حركة طالبان ومعاقبتها قد فشلت، لا بل أتت بنتائج عكسية في بعض الأحيان.

إنَّ استعصاء التعامل مع حركة طالبان ليس مسألةً ظرفية، بل يعود إلى أسباب إيديولوجية تُعيق المساعي الدبلوماسية.

تتّجه أنظار الولايات المتّحدة إلى خمسة مجالات سياساتية رئيسية في أفغانستان: 1) استكمال عملية إجلاء الأفراد المُعرَّضين للخطر ممّن كانوا يعملون سابقًا لصالح الولايات المتّحدة وعائلاتهم؛ 2) المساهمة في إنعاش الاقتصاد واستقراره؛ 3) دعم برامج المساعدة الإنسانية الضرورية لإنقاذ أكثر من نصف سكّان أفغانستان؛ 4) الردّ على انتهاكات حقوق الإنسان المُبلَّغ عنها والتي ترتكبها طالبان؛ 5) تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب لمنع الهجمات المستقبلية ضدّ الأراضي الأميركية.

في كلّ هذه المجالات السياساتية، يبقى نجاح الولايات المتّحدة محدودًا في تحقيق أهدافها، ما يُشير إلى ضرورة إعادة تقييم نهجها الحالي إزاء نظام طالبان.

على الرغم من نفوذ واشنطن المحدود، فإنَّ السبيل الأفضل لخدمة المصالح الأميركية يكمُن في القدرة على إجراء حوار منتظم مع مسؤولي حركة طالبان داخل أفغانستان.

مقدمة

استولَت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان في آب/أغسطس 2021، وفي ضوء المجريات التي شهدناها منذ ذلك الحين، يمكننا استخلاص بعض الاستنتاجات حول النهج الذي يعتزم هذا النظام اتّباعه في الحكم، والخيارات السياساتية المترتّبة على ذلك. من الواضح أنَّ السلطة في كابول ترفض فكرة النظام السياسي التعدُّدي الذي يهدف إلى تمثيل شريحة واسعة من المصالح السياسية الأفغانية. ويبدو أنَّ الإمارة الإسلامية تنوي أن تفرض أيضًا السياسات الاجتماعية التقييدية نفسها التي سبق أن نُفِّذَت خلال فترة حُكم طالبان بين عامَيْ 1996 و2001. ويتّخذ النظام موقفًا ثابتًا لناحية استعداده لاستضافة منظّمات إرهابية تهدف إلى نشر التمرُّد في دول المنطقة وتطمح إلى شنّ هجمات حول العالم. وعلى الرغم من الحظر الرسمي، من المتوقّع أن تُواصل الحكومة الحالية سياسة التساهُل حيال إنتاج معظم الإمدادات العالمية من الهيروين وتهريبها.

تُشكِّل هذه السياسات السبب الأساسي للانتقادات الموجّهة من جانب الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي لنظام طالبان. وفي سبيل التأثير على سلوك هذه الحركة، فرضت عدّة دول عقوبات ومحظورات مختلفة، أبرزها الامتناع عن الاعتراف السياسي بالنظام. وارتكزَ نجاح هذه الإجراءات على افتراضٍ مفادُه أنَّ حكومة طالبان يمكن أن ترضخ بفعل المزيج المناسب من التهديدات والدوافع. ولكنَّ العقوبات قد فشلت فشلاً ذريعًا في عزل حركة طالبان ومعاقبتها، حتّى إنَّها أدّت إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان. فقد نُفِّذَت هذه الإجراءات بشكل غير متّسق، أو تمّ تجاوزها أو تجاهلها. ومع ذلك، بالنظر إلى حرص طالبان على الاعتراف الدولي ورغبتها في الحصول على المساعدات المالية والتنموية والإنسانية، كانَ من المعتقد أنَّ النظام سيُعيد النظر في سياساته على الأرجح. ومع انتقال زعماء طالبان من النظر إلى أنفسهم باعتبارهم قادة لحركة متمرّدة إلى قبول المسؤوليات التي ينطوي عليها حُكم بلد فقير مثل أفغانستان، توقّع الكثيرون أن يذعنوا للضغوط الدولية.

قد تَثبت ربّما صحّةُ هذا الاعتقاد مع مرور الوقت. ولكنَّ استعصاء التعامل مع حركة طالبان ليس مسألةً ظرفية، بل يعود إلى أسباب إيديولوجية تُعيق المساعي الدبلوماسية. لطالما استهانت الولايات المتّحدة وبلدان أخرى بدور الفكر الثيوقراطي في ترسيخ سياسات طالبان الداخلية وتحديد مَعالِم نهجها الدولي. فقادة طالبان مُقيَّدون بدرجة كبيرة بتفسيرهم الخاصّ للعقيدة الإسلامية، وبالتالي هُم لا يتنازلون عن القضايا التي يعتقدون أنَّها تنطوي على مبادئ عقائدية. وعلى الرغم من أنَّ الكثير من قادة طالبان تعرّضوا للتأثيرات الخارجية وطوّروا كيفيّة التعبير عن رسائلهم السياساتية، لا تزال نواة الحركة محدودةَ الفِكر ومتشدّدة في عدائيّتها حيال المنطق الغربي. ويتجلّى تطرُّفها بصورة خاصّة في مواقفها من حقوق المرأة، والممارسات القضائية، والحرّيات الإعلامية، والشمول السياسي.

من المفترض ألّا تكترث واشنطن لهذا الأمر كثيرًا. فقد قرّرت إدارتان أميركيتان أنَّه مع انسحاب القوّات العسكرية الأميركية، باتَ بإمكان الأفغان معالجة خلافاتهم بأنفسهم والتعاون مع الدول الإقليمية لتأمين بلادهم سياسيًا واقتصاديًا. ومن خلال الانكفاء عن القضية الأفغانية، ستتفرّغ الولايات المتّحدة بعد عقدَيْن من الزمن للاهتمام بالمصالح الجيوستراتيجية العالمية التي توليها أهمّية أكبر، فضلاً عن تلبية رغبات الرأي العام الأميركي الذي سَئِمَ من الملفّ الأفغاني. ولكن، على الرغم من أنَّ البلد لا يحظى الآن إلّا بهامش محدود من الأولوية التي كانَ يتمتّع بها سابقًا بالنسبة إلى صانعي السياسات الأميركييّن، من الصعب أن تتغاضى الولايات المتّحدة بسهولة عن المساحة الاستراتيجية التي تحتلّها أفغانستان، كونها تقع بين الهند وإيران والصين بالإضافة إلى ثلاث دول أخرى في آسيا الوسطى، وسط جوارٍ يضمّ روسيا وتركيا وعددًا من الدول العربية على نطاقٍ أوسع.

ثمّة فرضيات ملموسة أخرى تُساعِد في تفسير السبب الذي يمنع صانعي القرار السياسي الأميركي من سحب يدهم نهائيًا من الملفّ الأفغاني، وهو أمر اعتبره كثيرون مُمكنًا، لا بل مُستحسنًا. فيصعب على الولايات المتّحدة أن تتجاهل مجتمعًا بذلت الكثير من الجهود للتأثير على تطلُّعاته أو أن تتغاضى عن مصيرِ اقتصادٍ استثمرت فيه الكثير. وبفضل وسائل الإعلام الأميركية وأعضاءالكونغرس، يُسلَّط الضوء على ظروف الشعب الأفغاني الذي تُرِك وحيدًا ليعيش في ظلّ نظامٍ يزدادُ قمعًا من الناحيتَيْن الاجتماعية والسياسية. وليس من السهل أن نغضّ الطرف عن أفغانستان في حين نَعْلَم أنَّ المنظّمات الإرهابية العالمية قد تجد فيها مجدّدًا – كما حدث في التسعينيات - تربةً خصبة للنمو ولشنّ الهجمات المستقبلية. لهذه الأسباب، تجدُ الولايات المتّحدة نفسها مضطرّة للانخراط في عددٍ من المجالات السياساتية في أفغانستان ولتحديد مدى استعدادها للتفاعل مع حكومة طالبان والصيغة التي من شأنها أن تدفع بالمصالح الأميركية إلى الأمام على أفضل نحو.

المجالات السياساتية الرئيسية

يتمثّل أوّل هذه المجالات السياساتية في استكمال عملية إجلاء الأفراد المُعرَّضين للخطر ممّن كانوا يعملون سابقًا لصالح الولايات المتّحدة وعائلاتهم. فبعد الانهيار السريع وغير المتوقّع لقوّات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية، ومعها الحكومة المدنية، تركت خلفها عشرات الآلاف من الأفغان المؤهّلين لإعادة التوطين في الولايات المتّحدة. وبالرغم من إخراج 120 ألفًا في الأيّام الأخيرة للجمهورية الإسلامية، بقي 124 ألف شخص مؤهّلين ممّن لم يستطيعوا المغادرة. وتعرَّضَ عددٌ من هؤلاء الأفراد، الذين كانوا ينتمون إلى القوّات الأمنية التابعة للجمهورية الإسلامية، للسجن أو الإعدام، فيما البعض الآخر مُختبئون. وأُقيلَ آلاف الموظّفين الحكوميين السابقين وغيرهم من الموظّفين لدى المنظّمات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، واصلَنظام طالبان السماح بالمغادرة الدورية للرحلات الجوّية المُستأجرة الأميركية المتوجّهة إلى بلدان ثالثة لنقل الأفغان المؤهّلين لإعادة التوطين في الولايات المتّحدة بموجب برنامج "تأشيرة الهجرة الخاصّة". فمن خلال السماح بمغادرة هؤلاء، تُفرِغ طالبان البلد بهدوء من المتمرّدين المُحتمَلين. ولو كانَ للولايات المتّحدة مكتب قنصلي في كابول، لتمكّنت من البتّ بمعاملات الأفراد المؤّهلين بمزيدٍ من الدقّة والسرعة.

بالانتقال إلى المجال السياساتي الثاني، ترغب الولايات المتّحدة في المساهمة في إنعاش الاقتصاد الأفغاني ودعم استقراره. مع سحب تمويل الولايات المتّحدة وغيرها من الجهات المانحة الدولية، الذي كانَ يغطّي سابقًا ثلاثة أرباع ميزانية الجمهورية الأفغانية، أصبحَ اقتصادُ نظام طالبان مُعرَّضًا لخطر الانهيار وغير قادرٍ على تأمين المستلزمات الأساسية من غذاء وخدمات صحّية لملايين الأفغان. بالتالي، باتَ من الضروري إعادة تفعيل النظام المصرفي الأفغاني لزيادة السيولة وضمان استقرار العملة، وذلك من أجل دعم الميزان التجاري في البلد وتوفير المزيد من فُرَص العمل. واعتقادًا منها بأنَّه يمكن منع حكومة طالبان من الانتفاع المباشر من أيّ استثمارات سخية، أظهرت الولايات المتّحدة استعدادها لضخّ 3.5 مليارات دولار في النظام المالي من خلال أصول أفغانية مُجمَّدة أودعتها حكومة كابول السابقة في المصارف الأميركية. وتحقيقًا لهذه الغاية، أنشأت الولايات المتّحدة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي صندوقًاائتمانيًا أفغانيًا مركزه في سويسرا مع تفويض أمنائه بتوزيع الأرباح، التي من المُفترَض أن تُعزِّز احتياطي المصرف المركزي الأفغاني، لصالح الشعب الأفغاني. ونظرًا إلى استبعادها من هذه العملية، استنكرَت حكومة طالبان إنشاء هذا الصندوق، وقد تبرز الحاجة إلى مفاوضات موسّعة لمنع النظام من عرقلة برامج الصندوق.

أمّا المجال الثالث والأكثر تأثيرًا لتدخّل الولايات المتّحدة فيكمُن في مساهمتها الحالية في برامج المساعدات الإنسانية الحيوية لإنقاذأكثر من نصف سكّان أفغانستان. فقد شهدَت احتياجات أفغانستان الغذائية والطبّية الأساسية، التي اعتمدَت لفترة طويلة على المساعدات الخارجية، ارتفاعًا كبيرًا بعد استيلاء طالبان على السلطة. وأدّت سنوات النزاع والنزوح، المقرونة بموجة الجفاف الأخيرة، وفصول الشتاء القاسية، والانكماش الاقتصادي، إلى احتمال حدوث مجاعة جَمَاعية وبروز موجة جديدة من اللاجئين. وما سمحَ بتجنُّب هذا السيناريو حتّى الآن هو التدخُّل في الوقت المناسب من جانب وكالات الإغاثة الدولية والمنظّمات غير الحكومية الأجنبية. وقد ضخّت الولايات المتّحدة ما يُناهِز 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لدعم هذه الجهود – مُتخطّيةًبذلك أيّ بلد مانح آخر. وفي حين أنَّ الموظّفين الأميركيين لا يشاركون مباشرةً في عمليات الإغاثة، يمكن للحضور الرسمي في البلد أن يُحسِّن القدرة على مراقبة عمليات تسليم المساعدات وقياس مدى فعّاليتها. ومن الممكن أن يُساعِد ذلك أيضًا في تنسيق الأنشطة بين مجموعات الإغاثة ومع السلطات الأفغانية.

ويأتي المجال السياساتي الرابع الذي يشدّ انتباه الولايات المتّحدة نحو أفغانستان كردّ فعل على انتهاكات حقوق الإنسان الواضحة والموثّقة على نطاقٍ واسع التي ترتكبها طالبان. فعلى الرغم من تصوير حقوق الإنسان على أنَّها تلعب دورًا مركزيًا في السياسة الخارجية الأميركية، من الجدير بالذكر أَّن اتّفاقية الدوحة التي أُبرِمت في شباط/فبراير 2020، والتي تمّ التفاوض عليها مع طالبان بشأن انسحاب الولايات المتّحدة، لم تتطرّق إلى مسألة حقوق الإنسان. لكنَّ الحكومة الأميركية وشريحة واسعة من المجتمع المدني أصبحوا الآن من أبرز الأصوات الناقِدة لسياسات طالبان التي تفرض قيودًا على تعليم المرأة، وتوظيفها، وسفرها، ولباسها. وغالبًا ما تلقى النداءات الدولية الواسعة التي تدعو نظام كابول إلى احترام حقوق المرأة وحقوق الأقلّيات السياسية والإثنية والدينية الأفغانية، رفضًا قاطعًا من زعماء طالبان الذين يعتبرونها تدخُّلاً في الشؤون الداخلية لبلدهم وتعدّيًا على معتقداتهم الإسلامية. وفي حين أنَّ الحضور الرسمي الأميركي في كابول لدعم الاعتدال الاجتماعي والسياسي قد لا يُغيِّر الكثير من المواقف، إلّا أنَّه يستطيع المساهمة في قياس مدى تقبُّل الرأي العام لهذه السياسات. وفي ضوء ما يُزعَم حول الاختلاففي الرأي داخل القيادة العليا لطالبان بشأن قضايا معيّنة مثل تعليم المرأة، قد تبرز فرصة لترجيح أصوات أولئك الذين يطالبون بسياسات حكومية أكثر انفتاحًا.

السبب الخامس لاستمرار اهتمام الولايات المتّحدة بأفغانستان، والذي يسهل للكثير من الأميركيين فهمه وتقبّله، هو القيام بعمليات مكافحة الإرهاب لمنع وقوع هجمات مستقبلية ضدّ الأراضي الأميركية. فالقلق يتزايد حيال تعاظُم قوّة بعض الجماعات الإرهابية العالمية، مثل تنظيم القاعدة، وبشكل خاصّ تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان. وبينما كانت هذه الجماعات في السابق أهدافًا رئيسية لأنشطة مكافحة الإرهاب الأميركية، أصبحت الإجراءات الأميركية الآن مُقيَّدة بدرجة كبيرة وباتت تقتصر في المقام الأوّل على عمليات عرضية "من الخارج". أثناء التفاوض بشأن اتّفاقية الدوحة، أصرّت طالبان على رفض أيّ وجود أميركي في البلد، بالرغم ممّا أبدته من رغبة هي الأخرى في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان. ومن خلال تواجد مسؤولين أميركيين على الأرض، قد تزيد فُرَص بناء الثقة اللازمة لتبادُل المعلومات الاستخبارية وحتّى تنسيق العمليات.

واشنطن بحاجة إلى نهج جديد

في كلّ هذه المجالات السياساتية، ونظرًا إلى محدودية نجاح الولايات المتّحدة في تحقيق أهدافها، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم نهجها الحالي في التعامل مع نظام طالبان. عمومًا، تحتاج الولايات المتّحدة إلى سياسةٍ أكثر واقعيةً ومرونةً حيال أفغانستان. وعلى الرغم من وجود اختلافات مستعصية في كلّ المجالات السياساتية المذكورة، إنّما هناك أيضًا مصالح متداخلة ومتوازية قد تؤدّي، في حال تعزيز فُرَص الحوار، إلى توافقات محدودة على الأقلّ. ولقد كانَ حجب الاعتراف السياسي بمثابة ممارسة مُتعالِية حالَت دون إجراء محادثات مباشرة وصريحة مع قادة طالبان. وفي حين أنشأت معظم الدول الإقليمية وغيرها، بما في ذلك المجتمع الأوروبي، بعثات تمثيليّة لها في البلد، لم تطأ قدم أيّ دبلوماسي أميركي الأراضي الأفغانية منذ منتصف شهر آب/أغسطس 2021. وقد ثبُتَ أنّ الاجتماعات الخاصّة التي عقدتها الولايات المتّحدة مع ممثّلي حركة طالبان في الدوحة وأماكن أخرى ليست بديلًا فعّالًا لفُرَص التعاون الدبلوماسي النظامية. وحتّى مع التسليم بأنَّ إمكانية التأثير على مواقف النظام في الكثير من القضايا الرئيسية المُتنازَع عليها ليست واعدة في ظلّ عدم توافر وسائل ضغط فعّالة، يمكن حماية المصالح الأميركية على نحو أفضل من خلال إجراء حوار منتظم مع مسؤولي طالبان داخل أفغانستان.

يمكننا فهم نظام طالبان بصورة أفضل من خلال إعادة تأسيس الحضور الدبلوماسي، أو حتّى إنشاء سفارة كاملة في كابول. وكما جاءَ في تقريرٍ نشرته مؤسّسة "راند"، يمكن للولايات المتّحدة، من خلال الاتّصالات النظامية، أن "تُعبِّر بوضوح عن توقّعاتها وأن تقيس مدى تقبُّل طالبان للمصالح الأميركية وأيّ تغيّرات تطرأ على هذا المستوى". بالتأكيد، لكي تتمكَّن الولايات المتّحدة من توفير حضور فعلي لها في كابول، سوف تحتاج إلى التنازل عن بعض المعايير الأمنية التي تعتمدها عادةً في بعثاتها إلى الخارج. وسيتعيّن على الدبلوماسيين الأميركيين في كابول التغلُّب على نوع آخر من الصعوبات. فكما هو حال مبعوثي البلدان الأخرى، سيتعاملون بالدرجة الأولى مع السلطات في كابول، مع العلم أنَّ مقرّ السلطة الحقيقي من نواحٍ عدّة يكمُن في قندهار، حيث ترفض قيادة طالبان العليا التواصل مع الأجانب.

لا مفرّ من اتّباع الدبلوماسية الحذرة والمدروسة والمُتأنّية في أيِّ تعاملٍ موسّع ومُعمّق مع طالبان. فمن المهم أن تفرض الولايات المتّحدة شروطًا في أيّ تفاهمات تعقدها مع طالبان، ويجب ألّا تُحجِم عن اتّخاذ إجراءات أحادية في حال وجود مبرّرات تستدعي ذلك. قد يزعم كثيرون أنَّ تخفيف العقوبات أو رفعها سيُكافِئ نظام طالبان ويُساهِم في ترسيخه. ولكنْ، بقدر ما نرغب في رؤية نظام مختلف في أفغانستان، لا بديل في المستقبل المنظور عن حكومة طالبان، التي ينبغي أن تتمتّع بالاستقرار والقدرة الكافيَيْن للمساعدة في تسهيل البرامج الإنسانية، والقضاء على خطر تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، وتجنُّب انهيار الدولة والحرب الأهلية. فتصحيح المسار وفتح آفاق جديدة في العلاقات الأميركية-الأفغانية من خلال التخلُّص من معظم الأفكار الراسخة حول التعامُل مع طالبان هو السبيل الأفضل لتعزيز أمن الولايات المتّحدة وحماية مصالحها الاستراتيجية وتحسين رفاه الشعب الأفغاني.

مارفن واينبوم هو مدير برنامج الدراسات الأفغانية والباكستانية في معهد الشرق الأوسط.

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك