MEI

إحاطة خاصّة: التداعيات الإقليمية لاغتيال إسماعيل هنية

يوليو 31, 2024

بول سالم, خالد الجندي, جيرالد م. فايرستاين, نمرود غورين, ألكس فاتانكا


مشاركة

نتنياهو يحرّك الميدان: نحو السلام أو نحو تصعيدٍ واسع النطاق؟

بول سالم

·      قد يكون اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران وقائدٍ رفيع المستوى في "حزب الله" في بيروت وسيلةً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعلان بعض الانتصارات والاتجاه نحو إنهاء الحرب في غزّة تدريجيًّا، أو دليلًا على نيّته تصعيد النزاع وربما جرِّ الولايات المتّحدة إلى مواجهة إقليمية أوسع نطاقًا ضدّ إيران و"حزب الله".

·      يواجه كلٌّ من إيران و"حزب الله" حاليًا ضغوطًا هائلة لتنفيذ ردٍّ متكافئ، ما قد يؤدّي إلى دوّامةٍ من التصعيد الشديد؛ ولتفادي هذا الخطر، يجب على الدبلوماسيّين بذل جهود فوريّة لإدارة الأزمة، تليها مساعٍ جدّيةٌ للتهدئة.

بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز/يوليو والقيادي في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت قبل يوم واحد، في 30 تموز يوليو، تكثُر التكهُّنات حول استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنَّها تلتقي حول تفسيرَيْن مُحتملَيْن لإقدامه على تلك الخطوة:

1. اغتيال قادة في "حماس" و"حزب الله" (مع احتمال تنفيذ بعض العمليات الإضافية)، وضرب كلٍّ من طهران وبيروت، لإظهار القوّة أمام الرأي العام الإسرائيلي وتمهيد الطريق نحو إعلان النصر وإنهاء الحرب في غزّة من موقع متفوِّق؛ أو

2.  تصعيد المواجهة بشكل كبير ضدّ "حزب الله" وإيران لإشعال فتيل حرب أوسع وإتاحة الفرصة أمام إسرائيل لشنّ هجمات أشدّ ضدّ "حزب الله" في لبنان، مع احتمال تنفيذ غزو برّي محدود؛ ودفع إيران إلى شنّ هجمة انتقامية كفيلة بتصعيد النزاع، ما قد يُجبِر الولايات المتّحدة على المشاركة في الجهود العسكرية ضدّ إيران إلى جانب إسرائيل – كما حدث في شهر نيسان/أبريل الماضي.

ليس من الواضح ما إذا كان نتنياهو قد ناقش أيًّا من هذه الهجمات أو نسَّقها مع واشنطن خلال زيارته الأسبوع الماضي. ولكنْ، بصرف النظر عن نوايا نتنياهو وعلم واشنطن المُسبَق، من المرجّح أن تكون ديناميّات السياسة الداخلية الأمريكية هي التي شجّعت إسرائيل على ضرب بيروت وطهران.

فقد قوبل نتنياهو بترحابَ الأبطال في الكونغرس، وهو يرى في الرئيس جو بايدن حليفًا بات في السنة الأخيرة من عهده ويمكن ليُّ ذراعه. يُشار في هذا السياق إلى أنّ نائبة الرئيس كامالا هاريس لن تكون حليفة كبرى في حال وصلت إلى سدّة الرئاسة، نظرًا إلى الموقف الذي عبّرت عنه إزاء النزاع في غزّة. بدوره، حثّ الرئيس السابق دونالد ترامب في الأشهر الماضية نتنياهو على إنهاء الحرب بسرعة، ومن المرجَّح أنّه أبلغ نتنياهو خلال اجتماعهما الأخير بأنه لا يريد للحرب أن تمتدّ في حال انتخابه رئيسًا مرّة جديدة في كانون الثاني/يناير 2025. لذا، يُحتمَل أنّ نتنياهو بات مدركًا أنّ لديه بعض الأشهر المتبقية إذا أراد تصفية حساباته مع "حماس" و"حزب الله" وإيران، ويُرجَّح أنّه يشعر بأنّ الخيار الوحيد للولايات المتّحدة هو الوقوف إلى جانبه ما إن يُطلَق الصاروخ الأوّل.

سيضطرّ كلٌّ من إيران و"حزب الله" للردّ على هذه الهجمات الأخيرة، ومن المرجَّح أن يسعيا إلى ضرب هدف عالي القيمة في تل أبيب لاستعادة معادلة التناسُب بعد الهجومَيْن في طهران وبيروت، غير أنّ ذلك سيؤدي إلى تصعيد كبير وتلقائي.

لذا، يجب على الدبلوماسيّين بذل جهود فوريّة وفعّالة لإدارة الأزمة، تليها مساعٍ جدّية للتهدئة. فقد يتفاقم هذا النزاع وقد تتّسع رقعته بسرعة كبيرة، ما سيحمل تداعياتٍ على المزيد من دول المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي.


 

الإسرائيليون أمام تطوُّر مفاجئ تليه فترة ترقُّب حذر وفرصة لإعادة تقييم الاستراتيجية المتّبعة

نمرود غورين

·      في حين أنّ الهجوم المُنفَّذ ضدّ أحد قياديّي "حزب الله" في بيروت كان ضمن حدود التوقعات المعقولة لدى الرأي العام بعد استهداف مجدل شمس، لم يتوقّع أحد أن يلي ذلك هجومٌ كبير آخر ضدّ قائد في "حماس" في طهران.

·      في حين يطمح الكثير من الإسرائيليّين إلى تدابير حازمة تسمح للنازحين بالعودة إلى منازلهم في الشمال، يسود قلق واسع النطاق بشأن احتمال اندلاع حرب مفتوحة مع "حزب الله" قد تؤدّي إلى عواقب وخيمة.

تفاجأ الإسرائيليون بخبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية صباح الحادي والثلاثين من تموز/يوليو. فمنذ الهجوم المُميت على مجدل شمس في 27 تموز/يوليو وإسرائيل تبحث في كيفيّة الردّ على "حزب الله"، فيما كان الرأي العام يترقّب التطوّرات على الحدود الشمالية.

ليست هذه المرّة الأولى خلال أشهر الحرب الطويلة التي يسود فيها ترقُّب حذر بين هجوم ما والضربة الانتقاميّة التي تليه. فهذا بالتحديد ما شهدناه في الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران في نيسان/أبريل 2024.

وفي حين أنّ الهجوم المُنفَّذ ضدّ القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت –الذي سارعت إسرائيل إلى إعلان مسؤوليتها عنه– كان ضمن حدود التوقعات المعقولة لدى الرأي العام، لم يتوقّع أحدٌ أن يلي ذلك هجومٌ كبير آخر ضدّ قائد في "حماس" في طهران.

وقد تمثّلت المفاجأة بشكلٍ أساسيٍّ في توقيت اغتيال هنيّة، لا في نيّة إسرائيل في استهدافه، ومن المرجَّح أنّ هذا التوقيت كان مرتبطًا بتواجده خارج قطر وتركيا، إذ لم تُرِد إسرائيل شنّ هجوم من هذا النوع في أيّ من البلدَيْن.

سبق أن تعهّدت إسرائيل علنًا باستهداف كلِّ عناصر وقياديّي "حماس" الذين شاركوا في هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بمن فيهم هنيّة، مهما طال الزمن. وقد ردّت إسرائيل بالشكل نفسه على المجزرة التي ارتكبتها منظمة أيلول الأسود الفلسطينية الإرهابية بحقّ رياضيّيها خلال الألعاب الأولمبية عام 1972، وعلى مُجرمي الحرب النازيّين في السنوات الأولى من تأسيسها كدولة. لذا، فإنّ هذا النوع من الهجمات مألوف في الذهنية الإسرائيلية.

بعد ورود الأخبار من بيروت وطهران، ساد شعور بالإنجاز والرضا في إسرائيل. فقد ذكَّر هذان الهجومان الإسرائيليّين بإنجازات بلدهم العسكرية السابقة، التي تميّزت بالهجمات الدقيقة والمفاجئة والبعيدة المدى والجريئة والناجحة – أي عكس الإخفاقات التي حدثت في 7 تشرين الأول/أكتوبر والواقع السياسي الداخلي الحالي في ضوء تنامي اليمين المتطرّف.

لكنّ الآية قد انقلبت. فالإسرائيليون الآن أمام فترة ترقُّب جديدة لردّ "حزب الله" –وربما جهات فاعلة أخرى في "محور المقاومة"– ولما ستحمله الأيام المقبلة. وفي حين يطمح كثيرٌ من الإسرائيليّين إلى تدابير حازمة تُعيد الهدوء وتسمح للنازحين بالعودة إلى منازلهم في الشمال، يسود قلقٌ واسعُ النطاق بشأن احتمال اندلاع حرب مفتوحة مع "حزب الله" قد تؤدّي إلى عواقب وخيمة.

لا تغيّر الاغتيالات الدقيقة المسار الاستراتيجي للأمور بالضرورة، على الرغم من أنّ الاغتيالَيْن الأخيرَيْن سيحملان على الأرجح أثرًا بعيدَ المدى. وللاستفادة من الإنجازات العسكرية الأخيرة على المستوى الاستراتيجي، ينبغي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن تعديل مساره –من موقع القوّة– وإبرام اتفاق يضمن الإفراج عن الرهائن والتوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما تريده غالبية الإسرائيليّين.

ولكنْ، نظرًا إلى سلوك نتنياهو ورسائله خلال الأشهر الأخيرة، من المُستبعَد أن يكون إبرام اتفاق من هذا النوع ضمن أولويّاته القصوى. وعلى أيّ حال، من المرجّح أنّ اغتيال هنية سيعرقل المفاوضات أكثر، إلى حين انتهاء جولة التصعيد المتوقّعة. وسيمنح ذلك المجتمع الدولي بعض الوقت للتفكير في سبب عدم التوصّل إلى اتفاق حتى الآن وفي الجوانب التي يمكن تغييرها وتحسينها في المرحلة المقبلة.

بالإضافة إلى الدعم الذي سيقدّمه حلفاء إسرائيل لها لصدِّ أيِّ هجوم مقبل من جانب محور المقاومة بقيادة إيران، ينبغي عليهم أيضًا شقُّ مسارات دبلوماسية جديدة لإنهاء الحرب في غزّة وخفض مستوى التوتّر بين إسرائيل و"حزب الله". وقد التزم الرئيس جو بايدن بالقيام بذلك في الأشهر المتبقية من ولايته، وهو هدف يزداد أهمّيةً يومًا بعد يومٍ.


 

إسرائيل تدفع نحو التصعيد الشامل باغتيال هنية

خالد الجندي

·      إنَّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة الإيرانية، بعد ساعاتٍ قليلةٍ من القضاء على القائد الثاني في "حزب الله" في بيروت، يبدو قرارًا مدروسًا للتصعيد على الجبهات الثلاث في آنٍ واحد: "حماس"، و"حزب الله"، وإيران.

·      يُشكِّل اغتيال إسماعيل هنية ضربةً قوية لـ"حماس" -لكنَّها على الأرجح ليست ضربةً قاضيةً- غير أنَّه باتَ من الصعب أن نرى كيف يمكن استعادة مسار المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن بعد هذا التطوُّر.

إلى جانب التجويع المتعمَّد، والقتل الجَمَاعي، والتدمير شبه الكامل الذي تتعرّض له غزّة، قد يكون اغتيال إسماعيل هنية التطوُّر الأكبر في الحرب حتّى الآن، إذ قد تترتّب عليه عواقب بعيدة المدى على غزّة والمنطقة. فاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة الإيرانية، بعد ساعات قليلة من القضاء على القائد الثاني في "حزب الله" في بيروت، يبدو قرارًا مدروسًا للتصعيد على الجبهات الثلاث في آنٍ واحد: "حماس"، و"حزب الله"، وإيران. وعلى أقلّ تقدير، تأتي هذه التطوُّرات لتنسف الافتراض القائل إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهتمٌّ بالتوصُّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن أو إنَّه يسعى إلى تجنُّب اندلاع حرب إقليمية شاملة. من وجهة نظر "حماس"، يُشكِّل اغتيال هنية ضربةً قويةً، لكنَّها ليست على الأرجح ضربةً قاضيةً. فسبقَ أن صمدت "حماس" بعد عدّة اغتيالات اقترفتها إسرائيل، ومن شبه المؤكّد أنَّها سوف تصمد أيضًا بعد هذا الاغتيال. من ناحية أخرى، باتَ من الصعب أن نرى كيف يمكن استعادة مسار المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار التي يرعاها كلٌّ من الولايات المتّحدة ومصر وقطر. وكما أشارَ رئيس الوزراء القَطَري الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني مؤخّرًا: "كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل مَنْ يُفاوِضه في الوقت ذاته؟"

السؤال المطروح اليوم هو التالي: كيف ستستجيب الولايات المتّحدة لهذه الأزمة الأخيرة؟ وفقًا لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، لم تكن الولايات المتّحدة على عِلم بالعملية مسبقًا، وهو ما يُشكِّل إحراجًا كبيرًا للإدارة الأمريكية وقد يزيد من توتُّر العلاقة بين نتنياهو وإدارة الرئيس بايدن. فامتناع الإسرائيليّين عن إبلاغ واشنطن بشأن عمليةٍ كبرى قد تترتّب عليه عواقب بعيدة المدى على المنطقة برمّتها، على الرغم من المليارات التي قدّمتها الولايات المتّحدة على شكل مساعدات عسكرية والدعم غير المشروط تقريبًا الذي تمنحه لإسرائيل منذ بدء الحرب، يُثير تساؤلات جدّية حول طبيعة هذه العلاقة الخاصّة، وكذلك ما إذا كانَ نتنياهو يحاول ربّما أن يلوي ذراع الرئيس الأمريكي الذي أصبحَ موقفه ضعيفًا على مشارف انتهاء عهده. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ ما يحدث يُلقي المزيد من الشكوك حول مدى فعّالية نهج "الدعم السخيّ" الذي يعتمده الرئيس بايدن حيال إسرائيل، والذي فشل في احتواء الحرب أو منع التصعيد، لا بل قد يجرّ الولايات المتّحدة في نهاية المطاف نحو نزاعٍ أوسع في المنطقة، وتحديدًا مع إيران.

 

بالنسبة إلى طهران، اغتيال هنية يُثير تساؤلات جدّية حول الاختراق الإسرائيلي

ألكس فاتانكا

·      قبل أن تردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنية، عليها أوّلًا أن تُجيب على سؤالٍ في غاية الأهمية: إلى أيّ مدى استطاعت إسرائيل أن تخترق الأجهزة الاستخبارية والأمنية الإيرانية؟

·      يُشير اغتيال هنية إلى قدرةٍ عملانية تتمتّع بها إسرائيل وتؤكِّد أنَّه لا يوجد أيّ هدف يتعذّر على الموساد النيل منه– حتّى كبار الشخصيات في النظام الإيراني.

قبل أيّام قليلة من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في 31 تمّوز/يوليو، سُئل وزير الاستخبارات الإيراني المنتهية ولايته إسماعيل الخطيب في مقابلة تلفزيونية عن أعظم إنجازاته. ولا بدَّ من أنَّه نادم الآن على إجابته. فقد زعمَ بفخر أنَّ "تفكيك شبكة الموساد في إيران" هو إنجازه الأكبر. لكنَّ ذلك لم يحصل كما اتّضح الآن. فصحيحٌ أنَّ جهاز الاستخبارات الإسرائيلية لم يُعلِن مسؤوليته عن الهجوم الذي أودى بحياة هنية، لكنَّ ذلك يشكّل ممارسة إسرائيلية معتادة في العمليات المنفّذة في إيران.

في المرحلة المقبلة، ستكثر التكهُّنات حول مُلابسات هذا الاغتيال. فهل أتت اللحظة التي ستُطلِق فيها إيران أخيرًا العنان لشبكة وكلائها من الجماعات المسلّحة في المنطقة، بدءًا بـ"حزب الله" وصولًا إلى الحوثيين مرورًا بالجماعات المسلّحة العربية الأخرى، لمهاجمة إسرائيل بكلّ ما أوتيت من قوّة؟ وهل هذه هي بدايةُ حربٍ إقليمية تجرّ الأمريكيين وغيرهم نحو نزاعٍ أوسع قد يكون أكثر تدميرًا من كلّ الحروب التي شهدها الشرق الأوسط في السابق؟

الزمن وحده كفيلٌ بأن يكشف لنا ما ستؤول إليه الأمور. ولكنْ، قبل أن تقوم إيران بأيِّ ردٍّ انتقاميٍّ، عليها أوّلًا أن تُجيب على سؤالٍ في غاية الأهمية: إلى أيّ مدى استطاعت إسرائيل أن تخترق الأجهزة الاستخبارية والأمنية الإيرانية؟ وفي ظلّ هذا المستوى من عدم اليقين حول مدى اختراق الموساد للنظام، ينبغي على المسؤولين في طهران ترتيب بيتهم الداخلي أوّلًا قبل اتّخاذ أيّ إجراء كبير ضدّ إسرائيل.

لا شكَّ في أنَّ أحد أهداف الموساد من تنفيذ هذه الضربة هو محاولة تغيير بعض المواقف في طهران. فلدى الجهاز سجلٌّ طويلٌ في اغتيال أعداء إسرائيل، وكانَ هنية بالتأكيد ضمن لائحة المُستهدَفين. ولكنَّ اغتياله في طهران، وتحديدًا في مجمّع ٍخاضعٍ لسيطرة الحرس الثوري، وبعد يومٍ واحدٍ من تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، أي عندما كانت طهران في حالة من التأهّب الأمني العالي، كلّ ذلك يدلّ على عمق نفوذ الموساد. وهذا ليسَ جديدًا على الإيرانيين. فقد عبَّرَ وزير استخبارات إيراني آخر، وهو علي يونسي، عن هذا الأمر في عام 2021 في سياق حديثه عن اختراق الموساد: "يجب أن يقلق المسؤولون في إيران على حياتهم". فالاستخبارات والقدرات اللازمة لاغتيال هنية تُشير إلى إمكاناتٍ عملانيَّةٍ تؤكِّد أنَّه لا يوجد أيّ هدف يتعذّر على الموساد النيل منه– حتّى كبار الشخصيات في النظام الإيراني.

هل سيُغيِّر كبار قادة النظام في طهران مسارهم تجاه إسرائيل، أقلّه من أجل حماية أنفسهم؟ من المُستبعَد أن يحصل ذلك، على الأقلّ من حيث السياسة الرسمية. فالعداء حيال إسرائيل هو الركيزة الأكثر قُدسيةً للجمهورية الإسلامية. وفي حين أنَّ تعهُّد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالانتقام يؤكّد أنَّه سيكون هناك نوعٌ من الردّ من طهران ووكلائها، إلّا أنَّ النظام يجب أن يتوقّف أوّلًا ليُعيد تقييم الأمور قبل تقديم أيّ التزامات جديدة وجدّية في سياق المعركة ضدّ إسرائيل.

 

مع اغتيال هنية.. نتنياهو يُحقِّق آماله ويُخيِّب آمال بايدن

جيرالد م. فايرستاين

·      أدّى اغتيال إسماعيل هنية إلى إحباط احتمالات التوصُّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار في غزّة وإطلاق سراح الرهائن في المستقبل المنظور.

·      العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية يُعزِّز موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وله تداعيات كبيرة على كلٍّ من الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس.

لا شكَّ في أنَّ الضربة الإسرائيلية الجريئة التي أودت بحياة إسماعيل هنية في 31 تمّوز/يوليو أثناء زيارته إلى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد أحبطت كلّ الآمال في نجاح المحادثات الجارية من أجل وقف إطلاق النار في غزّة والإفراج عن الرهائن في المستقبل المنظور. فمن خلال الإقدام على هذه الخطوة، عزَّزَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشروعه الرئيسي المتمثّل في حماية مستقبله السياسي. وعلى وجه الخصوص، فإنَّ هذا الاغتيال:

•    يُقوّي الجناح العسكري لحركة "حماس" على حساب قيادتها السياسية ويضمن استمرار النزاع في غزّة؛

•    يُشكِّل إهانة لإيران ويزيد من احتمال قيام إيران ووكلائها بتكثيف هجماتهم ضدّ إسرائيل؛

•    يزيد من الضغوط على الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله للردّ بشكل أقوى على العمليات الإسرائيلية، ما يرفع احتمالات نشوب مواجهة أكثر عنفًا على الحدود الشمالية لإسرائيل، خصوصًا إثر الهجوم على الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 تمّوز/يوليو الذي استهدفَ فؤاد شكر، أحد أبرز القادة في "حزب الله".

وكون اغتيال هنية أتى بعد أيّام من زيارة نتنياهو إلى واشنطن، فهو يسبِّب إحراجًا أيضًا للرئيس جو بايدن الذي أعلنَ أنَّ إنهاء النزاع في غزّة هو أحد أولوياته، إن لم نقل أولويّته القصوى، خلال الفترة المتبقية من ولايته. لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تُدين الهجوم. فقد كانَ هنية، منذ عام 2018، على قائمة الإرهابيّين العالميّين المُصنَّفين بشكل خاصّ، حيث ذكرت وزارة الخارجية أنَّه "مؤيِّد للصراع المسلّح، بما في ذلك ضدّ المدنيين". ولكنْ، نظرًا إلى الأسباب المذكورة أعلاه، تُبدي الإدارة الأمريكية قلقها من ارتفاع مخاطر نشوب نزاع إقليمي شامل بشكل كبير، واحتمال جرّ الولايات المتّحدة إلى الانخراط في النزاع عسكريًّا.

كذلك، يفرض الهجوم معضلةً أمام نائبة الرئيس كامالا هاريس في سعيها إلى بناء تحالف ناجح لحملتها الرئاسية. فعلى غرار الرئيس الحالي، سوف ترى بالتأكيد حاجة إلى تأكيد دعم الولايات المتّحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ولكنْ، كما فعلت في اجتماعها مع نتنياهو، سيتعيّن عليها أيضًا أن تُعبِّر عن قلقها إزاء التداعيات على الفلسطينيّين، بما في ذلك احتمال تفاقُم الموت والدمار في غزّة نتيجةً للهجوم. والطريقة التي ستُوازِن بها بين هذين المَطلبَيْن المتناقضَيْن ستؤثّر على حظوظها الانتخابية في المرحلة المقبلة، إلى جانب كيفيّة تعاملها مع السياسات الخارجية والدفاعية الأمريكية في الشرق الأوسط في حال انتخابها.

 

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.
البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك