معضلة الخيارات الصعبة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: ثلاثية القوة والمساعدات والسلام
فبراير 03, 2023كارول دانييل كاسباري
كارول دانييل كاسباري
د. كارول دانيال-كسبري
أقرّ الكونغرس الأمريكي، في الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2020، قانون "نيتا لوي" للشراكة من أجل السلام في الشرق الأوسط، the Nita M. Lowey MiddleEast Partnership for Peace Act، مع تمويل يصل إلى 250 مليون دولار على مدى خمس سنوات، لتوسيع برامج السلام والمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ودعم المشاريع التي تعزز الاقتصاد الفلسطيني. وجاء إقرار هذا التشريع ليتوج جهد نحو عشر سنوات من دعوة "التحالف من أجل السلام في الشرق الأوسط" (ALLMEP) لإنشاء صندوق دولي للسلام الإسرائيلي الفلسطينيInternational Fund for Israeli-Palestinian Peace.. ومن الجدير ذكره، أن قانون "نيتا لوي"، الذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كانت قد تقدمت به النائبة الديمقراطية، عن ولاية نيويورك، "نيتا لوي" بالتشارك مع النائب الجمهوري، عن ولاية نبراسكا، "جيف فورتنبيري"، والسيناتور الديمقراطي "كريس كونز، من ولاية كونيتيكت، والجمهوري "ليندسي غراهام" عن ولاية ساوث كارولينا.
ومن المتوقع أن يعمل القانون على "الحد من الاستقطاب والتعامل اللاإنساني المتزايد في المنطقة، كما سوف يساعد في إرساء قواعد سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين" ويتطلب هذا من "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"(USAID)، "إنشاء صندوق الشراكة من أجل السلام بهدف المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتعزيز التنمية الاقتصادية في فلسطين". كما يوجّه مشروع القانون، على وجه الخصوص، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمساعدة في تمويل: (1) الشركات الفلسطينية صغيرة الحجم والمتوسطة ورجال الأعمال، من أجل تعزيز القطاع الخاص وخلق فرص العمل في الأراضي الفلسطينية، وتمويل (2) برامج بناء السلام بين الأفراد (P2P) التي تدعم المصالحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وينبغي لبرامج الشراكة بين الأفراد التي ترغب في الحصول على تمويل أن تتضمن، وفقًا لمشروع القانون، منظمة غير ربحية تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين معًا بهدف تعزيز المصالحة.
حظي قانون "نيتا لوي" -كما بات يُعرف- بالإشادة من قبل طيف واسع من المنظمات الأمريكية، بما فيها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية- أيباك AIPAC,، واللجنة اليهودية الأمريكية American Jewish Committee، ورابطة مكافحة التشهير Anti-Defamation League، ومنتدى السياسة الإسرائيلية Israel Policy Forum، ومنظمة جي ستريت J Street, ، والأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل، وكانت العديد من هذه المنظمات قد مارست ضغوطًا من أجل إقرار القانون. في حين التزمت أطراف أخرى الصمت بشأنه، إلى حد كبير، من بينهم مسؤولين فلسطينيين وقادة المجتمع المدني، إلى جانب المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في الولايات المتحدة.
لماذا؟
ليس لأنهم لا يدعمون السلام والمصالحة أو التنمية الاقتصادية الحقيقية، بل، يكمن الجواب، بالأحرى، في صيغة سؤال أكثر عمقًا: هل المصالحة ممكنة في ظل الاحتلال العسكري، وفي ظل انسداد أفق الوصول إلى حلول للأسباب الكامنة وراء النزاع؟
ولابد، للإجابة على هذا السؤال متعدد الأبعاد، من التطرق إلى المستويين الجزئي والكلّي للنزاع، مبتدئين من السياق التاريخي لاتفاقات أوسلو، مع الأخذ بعين الاعتبار، عدم إغفال مسألة ما إذا كان بناء السلام، الذي يحدده فقط أصحاب القوة، يحمل طابع الاستدامة في هذا السياق. ويعتمد التحليل التالي على خلفيتي الأكاديمية في تحليل وحلّ النزاعات، وخبرتي المهنية في تقديم المشورة والإشراف على برامج بناء السلام على مدار عقدين من الزمن، بما في ذلك عملي كمنفّذة برامج ومديرة لمنحتين اثنتين في إطار برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها (CMM) التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وكذلك تجربتي الشخصية التي عشتها، بآن معًا، كفلسطينية وأمريكية، وكذلك بصفتي من سكان المناطق المحتلة في العام 1948 وأحمل، بطبيعة الحال، الجنسية الإسرائيلية. من غير المرجح أن تكون هذه البرامج فعّالة، استنادًا إلى أدبيات تحليل النزاعات وحلّها وإلى تجاربي الخاصة في مجال بناء السلام، فمن الناحية البنيوية، تبدو المقاربة التي تستند إليها هذه البرامج، بمجملها، خاطئة وغير دقيقة من ناحيتين هامتين: فأولًا تظهر هذه المقاربة كأنها منقطعة عن العمليات والتوقعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المحلية؛ وتميل، من جهة ثانية، نحو تعزيز حالة عدم المساواة التي تعمل على استدامة النزاع بين الجانبين، في الوقت ذاته الذي تقوض الأهداف المعلنة لهذا التدخل. ويتضح هذا الرأي، على نحو خاص، في ضوء التطورات الأخيرة في إسرائيل وفلسطين: حيث عمليات الطرد في حي الشيخ جراح، وأعمال الشغب في القدس، وفي المدن داخل وخارج الخط الأخضر. وفشلت، حتى الآن، هذه المبادرات في معالجة أي من الأسباب الأساسية للنزاع، بما في ذلك عدم التوصل إلى حل مشكلة اللاجئين إلى القدس وبناء المستوطنات والحواجز العسكرية والعنف البنيوي وعدم المساواة في إسرائيل. ويبدو أن جميع هذه العوائق انفجرت في وجوهنا واحدًا تلو الآخر. لكن هذا لا يمنع أننا أمام فرصة تسمح لنا بإعادة النظر في المقاربة الكاملة لبرامج بناء السلام في هذا السياق الصعب.
المقاربة الأمريكية لبناء السلام
يجدر بنا، قبل معالجة هذه التساؤلات، مراجعة الأنواع المختلفة لعمليات بناء السلام، وبعض التعريفات والمبادئ الأساسية لحل النزاعات، وفقًا للأدبيات المتاحة بين أيدينا. يشمل بناء السلام، كمفهوم، عمليات مختلفة مصممة للتخفيف، إلى حد ما، من معاناة البشر في حالات ومواقع النزاع، وخلق وضع أفضل في عموم الأحوال. ورغم الإجماع القليل على تعيين تعاريف دقيقة لعمليات بناء السلام، إلا أن الأدبيات الأكاديمية تغص بأنواع عديدة منها، ومن عمليات المصالحة. وتميل أدبيات بناء السلام وحل النزاعات إلى التركيز، بصورة عامة، على النزاعات المتماثلة دون التعامل مع الأسباب الكامنة وراءها، لا سيما في البيئات التي تعاني من عدم التكافئ الشديد، كما هو الحال في إسرائيل / فلسطين. ولايزال مثل هذا التركيز محلّ نقاش متواصل بين الباحثين، وهو جدال لا تقع هذه الدراسة في نطاقه. ولذلك، سوف أركز هنا، على أربعة أنواع من عمليات بناء السلام، بدءً من الأقل شدّة إلى أكثرها، كما يلي: إدارة النزاع، وتسوية النزاعات، وحل النزاعات، والمصالحة. وعليه، يكون الهدف في عملية إدارة النزاع، الاحتواء المؤقت لحالة الصراع العنيف من أجل خلق بيئة إيجابية عبر التفاعلات المحدودة والمشاريع والمبادرات المستهدفة، مثلًا، من خلال خلق حوار وأنشطة أخرى، تشمل أعدادًا صغيرة من الأشخاص يمثّلون الأطراف المتنازعة، ريثما يتم التوصل إلى بيئة مواتية أكثر لصنع السلام. فمثلا، نجحت إدارة الصراع، في قبرص، في منع اندلاع أعمال عنف جديدة بين القبارصة اليونانيين والأتراك وداعميهم، أي، اليونان وتركيا، منذ العام 1974. أما تسوية النزاعات فتهدف إلى المنع أو الحد من نشوب نزاع مسلح من خلال اتفاق بين القادة السياسيين الذين يمثلون أطراف النزاع، دون أن يعني هذا، بالضرورة، معالجة الأسباب الجذرية أو ديناميكيات القوة الكامنة. ولايتم التعامل، في مثل هذه الحالات، مع مواقف النزاع والقضايا البنيوية، وبالتالي تميل الاتفاقات التي يتم التوصل إليها إلى إعادة فتحها. ولعل أقرب مثال لهذا النوع، هو الاتفاقية الإيرانية العراقية Iran-Iraq agreement of 1975، التي تعهد فيها قادة الأطراف المتخاصمة على تسوية لحل نزاعهم الحدودي وإنهاء عمليات التسلل التخريبية من الجانبين. بينما، في المقابل، تسعى أطراف النزاع في النوع الثالث من عمليات بناء السلام، أي حل النزاعات، للوصول إلى سلام مستدام، لنزاع عميق الجذور، يعالج الاحتياجات الإنسانية الأساسية لكلا الجانبين (Burton, 1987)، مثل الهوية والأمن والقبول والاعتراف، بغض النظر عن ديناميات القوة. وعادة ما يكون الحرمان من هذه الاحتياجات الأساسية هو المصدر الأساسي للصراع عميق الجذور والمظالم الذي يغذيها. ويكون الهدف، في مثل هذه الحالات، تحقيق علاقات سلمية تقوم على القبول المتبادل والمعاملة بالمثل، كما هو الحال في معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة بينهما في العام 1994. أما في النوع الرابع من عمليات بناء السلام، تكون عملية المصالحة هي المآل النهائي لحل النزاع، وهي عملية تحويلية تركّز فيها العلاقة بين الجانبين على عاملي الشرعية والاعتراف المتبادلين، اللذان يقومان عادة في بيئة ما بعد النزاع. إن المكون الرئيسي للمصالحة حسب الأدبيات هو الوصول إلى العدالة (Rouhana, 2004)، وليس مجرد الحاجات الإنسانية الأساسية. ويتم الاعتراف، في هذه العملية، بالأسباب الجذرية للنزاع، مثل الاستعمار والعنف الجماعي والاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان وقمع الدولة بطريقة ما. وعادة ما تتضمن عملية المصالحة هذه تغييرات سياسية وبنيوية في الديناميات بين الأطراف، ويمكن أن تؤدي إلى إنهاء النزاع عندما يتم التعامل مع قضايا العدالة والحقيقة والشرعية والأمن للجميع ولم تعد مثيرة للجدل، كما في حالة جنوب أفريقيا. فالمصالحة في جنوب أفريقيا باتت ممكنة، بشكل رئيسي، بسبب انهيار نظام الفصل العنصري "الأبارتيد" في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى ظهور مجتمع ديمقراطي جديد وتحول في ديناميكيات السلطة بين الأغلبية السوداء المحرومة، والأقلية البيضاء ذات الامتيازات.
إذن، أين تقع مقاربة الولايات المتحدة لبناء السلام الإسرائيلي الفلسطيني في هذه السلسلة؟
إن المصالحة، هي الهدف المعلن لبرامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها(CMM)، بما في ذلك صندوق "نيتا لوي" الذي تم تمريره حديثًا وذلك وفقًا للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وتعمل برامج المصالحة على أساس نظرية التغيير، استنادًا إلى برامج بناء السلام بين الأفراد (P2P) الخاصة بإدارة النزاعات والتخفيف من حدّتها، حيث "تعمل العلاقات الإيجابية على التخفيف من حدة قوى التوحش واللاإنسانية والتنميط واستسهال العنف التي تتسبب فيها النخب أو القوى المجتمعية الأخرى في انهيار أو إتلاف أو قطع العلاقات التي تربط الأفراد والمجموعات من مختلف الهويات الإثنية أو السياسية أو الدينية أو الهويات الأخرى.." وأن مثل هذه "المشاريع تجمع، عمومًا، أفرادًا من مناطق النزاع ينتمون إلى جماعات إثنية أو دينية أو سياسية مختلفة، كما توفر فرصًا للأطراف المتخاصمة لمعالجة القضايا، وتسوية الاختلافات، وتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة، والعمل على تحقيق أهداف مشتركة متعلقة بالنزاع، سواء كان نزاعًا محتملًا أم مستمرًا أم انتهى مؤخرًا".
ومع ذلك، سوف يكون الافتراض الأساسي لهذه النظرية على درجة عالية من الإشكالية، بمعنى القول إن مجرد الجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مكان واحد، والعمل، ربما، على مسائل ذات اهتمام مشترك، سوف يغير، أو يقلل، إلى حد كبير، التصورات المتحيزة التي تتبناها إحدى المجموعات تجاه الأخرى، بغض النظر عن ظروفهم وظروفهم المعيشية. وتسعى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، على وجه التحديد، إلى تحقيق أعلى مستوى من بناء السلام في بيئة بعيدة كل البعد عن مرحلة ما بعد الصراع، والتي لم يتم فيها معالجة أي من المصادر الأساسية للنزاع، ناهيك عن حلها. ويمكن النظر، في أفضل الأحوال، إلى جهود برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في سياق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أنها محاولة لإدارة النزاع بهدف السيطرة على الضرر من خلال جهود محلية مؤقتة لعدد محدود من الأشخاص من الأطراف المتنازعة. لكن، لا يمكن النظر إلى هذه الجهود باعتبارها محاولات موثوقة للمصالحة، دون محاولة معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، أو تحدي عدم تناسق القوة بين الأطراف، أو العمل بطريقة أخرى على تهيئة الظروف لحل النزاع بشكل مستدام. علاوة على ذلك، قد ينظر المعنيون بشؤون حل النزاع إلى هذه المقاربة باعتبارها شكل من أشكال بناء السلام المصطنع المنفصل عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي المحلي، ولا سيما بالنسبة للفلسطينيين.
ويجب، من أجل متابعة المصالحة، أن تكون هناك بعض الشروط الأساسية في حدودها الدنيا، فأولًا وقبل كل شيء، ينبغي الاعتراف بالتفاوتات الصارخة في القوة بين الجانبين وبذل مزيد من الجهد لتغييرها، كما في حالة جنوب إفريقيا، حيث ظهر السود والبيض، بعد تفكيك نظام الفصل العنصري، متساوين، إلى حد ما، في الوصول إلى السلطة السياسية والأرض والموارد الأخرى والتنقل وما إلى ذلك. بيد أنه لا يزال طرفا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يعيشان في واقع من عدم التكافئ الشديد، فمازال الفلسطينيون يعيشون تحت نير نظام استعماري يعتمدون فيه على الإسرائيليين وليس لديهم سيطرة واسعة، بالأحرى يفتقدون بشدة إلى التحكم في الجوانب الأساسية لحياتهم اليومية، مثل الموارد الطبيعية والحدود والحركة الداخلية والوصول، وغيرها. ويمكن، على سبيل المثال، رؤية هذا التفاوت بوضوح، اليوم، في إجراءات حصولهم على لقاحات فيروس كورونا " كوفيد 19"؛ ففي الوقت الذي تمكنت فيه إسرائيل من تلقيح غالبية مواطنيها، لم يتلقح سوى جزء ضئيل من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. ومن هنا، يمكن الحديث عن اختلاف الاحتياجات الأساسية للأمن والهوية والاعتراف بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب نتيجة عدم تناسق القوة هذا. فضلًا عن أن مصطلحات مثل الأمن والهوية والاعتراف، لا تعني الشيء ذاته لكلا الطرفين، نظرًا لأنهما يعيشان واقعين مختلفين، فالاعتراف والأمن بالنسبة للفلسطينيين، يعنيان تفكيك الاحتلال العسكري وإزالة المستوطنات وضمان حرية الحركة. أما بالنسبة للإسرائيليين، الذين يمتلكون فعلًا القدرة على الحركة والتنقل بحرية، فقد نالوا هويتهم وجرى الاعتراف الفعلي بها من خلال إقامة الدولة التي يسيطرون فيها على جميع أراضيها. علاوة على ذلك، تملك إسرائيل العديد من الحوافز التي تدفعها للحفاظ على الوضع الراهن المربح لها للغاية وقليل التكلفة جدًا على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، أو غير ذلك. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى المستويات العالية من المساعدات الأمريكية، ويدخل في هذا السياق مبلغ 3.8 مليار دولار على هيئة مساعدات عسكرية سنوية، وإجمالي مساعدات بلغ حوالي 146 مليار دولار منذ العام 1948 - وهو مبلغ يفوق ما قدمته أي دولة أخرى. وتظهر التجربة أن الحفاظ على الوضع الراهن في الحالات غير المتكافئة بشدة يميل إلى تعميق الصراع، خاصة وأن أصحاب السلطة لديهم القليل من الحوافز للاعتراف بالظلم أو قبول مبدأ المساءلة أو حتى الاعتراف بعدم التناسق (Gallo & Marzano, 2009). باختصار، لماذا تهتم إسرائيل بتفكيك الاحتلال العسكري القائم المدعوم جزئيًا، على الأقل، من قبل دافعي الضرائب الأمريكيين، أو الانخراط في عملية تخضع فيها للمساءلة عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان ومسؤوليتها التاريخية والاعتراف المتبادل؟
قد يجادل مؤيدو صندوق " لوي" والمبادرات المماثلة بأنه على الرغم من التعرف على بعض العيوب التي تعتري برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها CMM والسلام بين الأفراد P2P أو تبدو هذه البرامج غير مقنعة بما فيه الكفاية في بعض جوانبها، إلا أن وجودها مازال يبدو أفضل من عدمه. غير أنها، في واقع الحال، قد تكون ضارة أكثر منها نافعة لأنها تعمل على الحفاظ على عدم المساواة بين الجانبين وبالتالي الحفاظ على حالة النزاع.
ما مدى فعالية صندوق "لوي"؟
لا يمكن فصل برامج بناء السلام هذه عن السياق السياسي، أي عملية أوسلو التي بدأت في العام 1993. كان الافتراض أن عملية أوسلو ستؤدي إلى هدفين: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين. ويبدو اليوم أن كلا الهدفين بعيدا المنال، كما كان عليه الحال قبل ربع قرن. وبرغم أن عملية أوسلو غيّرت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية جذريًا، وحتى أنها غيّرت السياسة الفلسطينية الداخلية، إلا أنها لم تغيّر (أو تسعى إلى) حل عدم تناسق القوة الأساسي بين الجانبين. استند إطار أوسلو على ركيزتين: تقديم العون للفلسطينيين، وتعزيز الأمن للإسرائيليين. وكانت الافتراضات الموجهة، بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، هي: 1) تحسين أمن الإسرائيليين سوف يجعل إسرائيل أكثر مرونة لتقديم تنازلات سياسية وتبني "مخاطر السلام"، و2) تحسين نوعية الحياة للفلسطينيين سيجعلهم يشعرون بمزيد من الاستثمار في عملية السلام وعزل المتطرفين وغيرهم ممن أرادوا تعطيلها من خلال العنف (Elgindy, 2019). وبناءً على ذلك، ترافقت اتفاقيات أوسلو مع حزمة مساعدات ضخمة للفلسطينيين، خصص جزء كبير منها للقضايا الأمنية. لكن، كما بات واضحًا الآن، فشلت التوقعات بتحقيق السلام عبر المساعدات. ورغم هذا مازال صانعوا السياسة في واشنطن يتبنون المقاربة تجاه الفلسطينيين والصراع حتى يومنا هذا، مما يدل على مدى انفصال نظام المساعدة في فلسطين عن الحقائق على الأرض، سواء من حيث القضايا الجوهرية لهذا الصراع أو من حيث الاحتياجات الفعلية أو التطلعات الفلسطينية، وعليه فمقاربة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ما انفكت عالقة، مثلها مثل عملية أوسلو نفسها، في نوع من الاستعصاء الزمني منذ العام 1994.
استندت اتفاقيات أوسلو إلى فكرة التعاون بين الجانبين، وهو ما ينعكس أيضًا في برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية CMM programs، غير أن مثل هذا التعاون، كمفهوم، لم يعد له قيمة تذكر اليوم، في سياق نزاع زادت فيه الهيمنة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين وأرضهم ومواردهم، فضلًا عن عمليات التهجير والسلب التي تمارس بحقهم بطرق أكبر مما كان عليه الحال وقت توقيع اتفاقية أوسلو. ومع ذلك، لا تزال المبادرات الجديدة مثل صندوق "لوي" تتمحور حول "التعاون"، ولايزال قائمًا الافتراض القائل بأن مجرد جمع الفلسطينيين والإسرائيليين معًا للعمل على أرضية المصالح المشتركة سوف يغير المفاهيم أو يقلل من الأحكام المسبقة. غير أن تغيرات مادية وسياسية واقتصادية وديموغرافية هائلة قد حصلت، منذ تسعينيات القرن الماضي، أدت إلى تفتيت كامل للحياة والأراضي الفلسطينية وترسيخ وتأبيد الاحتلال، الأمر الذي جعل الفلسطينيين أكثر ضعفًا من ذي قبل بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من كل هذه التغييرات، لم تتطور أو تتكيف، بأي شكل من الأشكال، الافتراضات الأساسية لبرامج بناء السلام الأمريكية، بما في ذلك خطاب السلام والتعايش. ومن الواضح أن التوقعات بأن يلعب الفلسطينيون العاديون دور السلام مع جيرانهم القمعيين هو أمر غير واقعي على وجه الخصوص، ويسلط، الضوء على المزيد من المشكلات الأساسية على المستوى المفاهيمي لبرامج بناء السلام الأمريكية في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، التي تم تصميمها لتعزيز "حل النزاع من خلال جمع الجماعات المشاركة معًا لحل القضايا ذات الاهتمام المشترك". هذه الصيغة، التي تتخلل جميع جوانب برنامج programing إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها، تقوم على افتراض تكافؤ، غير موجود على أرض الواقع، بين جانبي الصراع. فلا يحتاج الإسرائيلي، مثلًا، إلى تصريح للذهاب إلى القدس بينما يحتاج الفلسطيني الذي يحمل بطاقة هوية الضفة الغربية أو غزة إلى مثل هذا التصريح، على افتراض أن يُسمح له بالمغادرة أصلًا. يتم تشجيع الفلسطينيين على بناء علاقات وروابط مع الإسرائيليين عبر حدود العام 1967 (بافتراض أنهم يستطيعون بالفعل الحصول على تصريح من الجيش الإسرائيلي للقيام بذلك)، في حين يُحظر على المواطنين الإسرائيليين زيارة المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث قد يكونوا شهود عيان، بطريقة أو بأخرى، على الحياة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال.
قد تكون هذه الفرضية قابلة للتطبيق في نزاعات أخرى، مثل إيرلندا الشمالية، حيث يعيش الناس من كلا الجانبين في ظل ظروف بنيوية مماثلة ولديهم، تقريبًا نفس القدرة على التأثير على واقعهم، وهو ما لا ينطبق على النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث يكون أحد الطرفين هو المحتل والآخر محتلًا. بعبارة أخرى، لا يمكن بناء جسر مستوي بين أعمدة ذات ارتفاعات متفاوتة بشكل كبير وغير متساوية.
تعد برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها إشكالية أيضًا، من حيث طبيعة الأنشطة المشتركة أو التعاونية التي تشجعها، والتي عادة ما تكون لها أهداف مشتركة أو متشاركة. ويذكر بيان البرنامج السنوي لهذا العام 2021 (Annual Program Statement (APS أنشطة مثل "مشاركة الملعب والمعسكرات وبيع المنتجات مثل زيت الزيتون والترويج للحلول التقنية وتكنولوجيا المعلومات، من بين أشياء أخرى يمكن للأفراد والمجموعات الصغيرة التعاون فيما بينها والحصول على بعض الأرضية المشتركة بناءً على المصالح والدوافع الشخصية". وعلى الرغم مما قد تبدو عليه هذه المساعي جديرة بالاهتمام، إلا أنها لا تعتبر عملية مصالحة لعدم حصول أي تغيير على المستوى الكلي. وفي حين يمكن لمبلغ عشرة ملايين دولار، المخصص لبرامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها CMM كل عام، أن يخدم حفنة من المنظمات والأفراد، إلا أنهم لا يستهدفون الأسباب الجذرية للنزاع، وبالتالي لا يمكنهم بناء سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وخير دليل على ذلك هو أنه بعد أكثر من ربع قرن من العمل مع كلا الجانبين، لم يكن لهذه الأنواع من برامج بناء السلام أي تأثير ملحوظ على العملية السياسية المضطربة، وتم تجاهل هذه البرامج، فعليًا، من قبل صانعي السياسات المحليين والدوليين، وفشلت في حشد وتعبئة شرائح كبيرة من السكان من الجانبين. بل يتعدى الأمر ذلك، فقد أظهر الواقع انفصال الطرفين عن بعضهما البعض، في أوقات الأزمات، وعودتهم إلى أماكنهم ومجتمعاتهم الآمنة، بمن فيهم أولئك الذين شاركوا في مثل هذه البرامج لسنوات عدة. إن قرار ترامب بقطع جميع المساعدات عن الفلسطينيين، بما في ذلك مساعدات برامج بناء السلام، سلّط الضوء فقط على التأثير الضئيل الذي تركوه على حياة الناس، وخاصة أولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال. في الواقع، استمر البرنامج في العمل داخليًا في إسرائيل، حتى بعد قطع المساعدات، مما يدل على مدى تهميش الفلسطينيين حتى في عملية بناء السلام.
ينعكس هذا التباين أيضًا في العدد المنخفض نسبيًا لأعداد الإسرائيليين المسجلين في هذه البرامج. ووفقًا لآخر تقويم للاحتياجات من قبل منظمة غير حكومية إسرائيلية هي أمل-تكفا* (2020) Amal Tikva ، وتقويمين آخرين أجراهما متعاقدان خارجيان هما نوتردام (Notre Dame (2019 وسوشيال إمباكت (Social Impact (2012 , كانت النتيجة أن الإسرائيليين، حسب تقويم أمل-تكفا: "يشعرون بتأثر أقل بالنزاع، كما أنهم أقل ميلًا إلى خيار الانخراط، نظرًا لأن جودة الحياة في المجتمع الإسرائيلي أعلى [مما عليه في المجتمع الفلسطيني] وتوفر المزيد من فرص المشاركة بأنشطة إضافية". وعلاوة على ذلك، ثمة مجال إشكالي آخر أدى إلى تعميق عدم المساواة على الأرض يتمثل في عملية الفحص والتدقيق التي تستخدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تنطبق على جميع متلقي المساعدات، بمن فيهم أولئك المشاركين في بناء السلام، فأولًا: عملية الفحص هذه غير شفافة بحد ذاتها، ولا تزال المعايير المستخدمة فيها لتحديد الأهلية غير واضحة. بينما نعلم أن صفة عدم الأهلية سوف تلتصق بأي شخص ينتمي إلى منظمة تم تصنيفها، تحديدًا من قبل وزارة الخارجية، كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، مثل حماس، غير أننا لا نعلم إلى أي مدى يتم تطبيق هذا الأمر، أو كيف يتم اتخاذ مثل هذه التحديدات، فهل يقتصر الأمر، على سبيل المثال، على شخص ذو منصب رسمي في الجماعة؟ أم أنه يشمل أيضًا شخصًا صوَّت لصالح الجماعة أو يدعمها علنًا ولكنه لم يكن عضوًا فيها قط، ولم يشغل أي دور أو منصب رسمي؟
يتسع مجال ضعف الشفافية ليشمل أشخاصًا لا ينتمون لمنظمة إرهابية أجنبية، كما يتم استبعاد أعداد كبيرة منهم دون سبب واضح.
وثانيًا: استنادًا إلى محادثاتي الخاصة مع المشاركين المحتملين، أثّر نظام الفحص أيضًا، بطريقة سلبية، على التفاعلات بين الفلسطينيين أنفسهم، حيث تم تصنيف أولئك الذين تم فحصهم بنجاح في كثير من الأحيان على أنهم "متعاونون" و "مطبّعون" بينما اعتبر المستبعدون "محرضين" أو " متطرفين ". علاوة على أن برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية شجعت عن غير قصد معارضة هذه الفئات من خلال عدم قدرتها على العمل مع جميع شرائح المجتمع الفلسطيني.
يقال من العبث أن تعظ مؤمنًا، وهذه مشكلة أخرى سوف يعاني منها من ينظر إلى المنظمات المعنية، من كلا الجانبين، والتي تتلقى أموال برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتهاCMM، حيث نلاحظ الأسماء ذاتها تتكرر في كل عام. فعلى سبيل المثال، قابلت شخصيًا، أثناء تواجدي في الميدان من 1994-2014 نفس "المستفيدين"، مرارًا وتكرارًا، في إطار برامج مختلفة وفي منظمات مختلفة. ومثل هذا الأمر سوف يؤدي تأثير ضئيل جدًا للبرامج، على الأشخاص الأكثر انخراطًا في الصراع، في صياغة الحياة اليومية. وهناك جانب إشكالي آخر في هذه البرامج، يضاف إلى الجوانب الإشكالية التي ذكرناها، يتمثل في التصور الذي يرى أن الفلسطينيين يتلقون معاملة مختلفة عن تلك التي ينالها الإسرائيليون، مما يقوّض مصداقية هذه البرامج ويساعد على تعميق عدم تناسق القوة. ويتجلى ذلك بشكل أكبر في شهادة مكافحة الإرهاب (ATC) الصادرة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تتطلب من متلقي التمويل الأمريكي التوقيع على أنهم لا يدعمون الإرهاب، ويطلب هذا الأمر من الفلسطينيين وليس من الإسرائيليين. وجد تقييم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للعام 2014، الذي أجراه متعاقد خارجي، أن سياسات الوكالة كانت "إشكالية للغاية في السياق المحلي" بسبب النظرة إلى شهادات مكافحة الإرهاب ATC باعتبارها " تنتقي الفلسطينيين وتعزلهم من جرّاء ذلك". على الرغم من أن تدابير الالتزام بعدم تقديم الدعم المادي للإرهابيين مطلب حكومي أمريكي مستمد من أمر تنفيذي، إلا أن ثمة اعتقادًا يرى باستهداف الفلسطينيين، على وجه التحديد، من خلال مطالبتهم التوقيع على اتفاقية مكافحة الإرهاب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أوجه القصور هذه ليست حالة فريدة لمنح وهبات برنامج بناء السلام في إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها CMM، وهي تعكس القيود البنيوية التي تنبع من المقاربة العامة لبرامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كافة، الموجهة للفلسطينيين.
وتعزز برامج إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها CMM هذه التفاوتات بطرق أخرى أيضًا. فقد وجد التقويم ذاته للعام 2014، المذكور أعلاه، أن "بنية علاقات المنح الأساسية / الفرعية توصف بأنها تعزز عدم تناسق القوة الحالي لأن المنظمات الإسرائيلية، غالبًا، ما تعمل كمنظمات ممنوحة رئيسية، في حين تكون المنظمات الفلسطينية فرعية". وبالفعل، نرى أن غالبية المنظمات التي تتلقى هذه المنح، التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، هي منظمات إسرائيلية، وأصبحت من أهم المستفيدين من المنح، في حين أن نظراءهم الفلسطينيين، هم، في العادة، متعهدون فرعيون يعملون تحت إشراف المنظمات الإسرائيلية التي تدفع لهم. ويرجع ذلك إلى متطلبات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تُظهر القدرة المؤسسية والمالية للحاصلين على المنح الرئيسية لتقديم منح كبيرة تصل إلى 1.5 مليون دولار، بينما المنظمات الفلسطينية المتعاقدة الفرعية الأصغر تكون ذات قدرة تنظيمية أقل بكثير. ونتيجة لذلك، يُسمح للمقاول / المستفيد الإسرائيلي بتعزيز قدراته التنظيمية بينما يظل شريكه الفلسطيني أو المقاول من الباطن متخلفًا ويعيش تحت رحمته، والذي يجب على المنظمة الفلسطينية تقديم تقارير إليه بدلًا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقد أدت بنية السلطة الإشكالية هذه إلى ظهور توترات كبيرة أيضًا. فوفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن أمل- تكفا Amal Tikva, يشير إلى الأغلبية اليهودية الإسرائيلية الساحقة (عدديًا يصلون إلى 20) لقيادة "منظمات بناء السلام اليوم، وأن 82٪ من المنظمات التي تقود هذه البرامج مديرها إسرائيلي، مقابل 18٪ للفلسطينيين".
يكون، في أي صراع غير متكافئ، لدى كل من الجماعة المهيمنة والجماعة المهمشة فهمان مختلفان لما يعنيه بناء السلام، وهو أمر شاهدته مباشرة في المئات من ورش العمل والمناقشات التي قمت بتسهيلها بين الإسرائيليين والفلسطينيين على مر السنين. وفي حين ينظر الفلسطيني إلى حشد دعم إسرائيلي لتغيير الوضع الراهن أو الحقائق على الأرض على أنه شكل من أشكال بناء الجسور، فالأمر، بالنسبة للإسرائيلي، يتعلق أساسًا بالجلوس معًا وفهم بعضنا البعض. وفقًا لما يقوله غالتونغ Galtung (1969)، المؤسس الرئيسي للدراسات الحديثة للسلام والصراع، هناك نوعان من السلام: السلام السلبي، الذي يشير بشكل أساسي إلى وقف العنف، والسلام الإيجابي، والذي يتعلق بالجهود الاستباقية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. يركز الإسرائيليون والفلسطينيون، باعتبارهم يختبرون الصراع بشكل مختلف، على جوانب مختلفة من السلام. فينصب تركيز الإسرائيلي على السلام السلبي، أي وقف العنف والإرهاب، بينما يستلزم السلام بالنسبة للفلسطينيين تغييرًا بنيويًا يوفر لهم الحقوق الأساسية والعدالة (Biton and Solomon, 2006). تعمل إدارة النزاعات والتخفيف من حدتها من زاوية نظرية التغيير هذه، ومن خلال إطار العمل الذي يمكن للتفاعل بين الجماعات المتعارضة أن يعزز فهمًا أفضل لبعضهما البعض، وبالتالي، تعزيز العلاقات المحسنة التي يمكن أن تقلل من احتمالية العنف (Lazarus et al, 2014). ينصب التركيز على الحد من احتمالية العنف، بدلًا من العمل على التغييرات البنيوية التي تنتج ظروف العنف. أعني بالتغيير البنيوي، العنف البنيوي، الهياكل التي تمكن من تفوق جماعة على جماعة أخرى وتسمح بالتمييز الذي يغذي النزاع. ومع كل هذا، ثمة إمكانية لجسر هذه الهوّة ومواءمة ما يتوقعه الإسرائيليون والفلسطينيون، وربما الوصول إل نتيجة مثمرة ومربحة لكلا الطرفين.
التوصيات
استنادًا إلى ملاحظاتي الميدانية، هناك مناهج أكثر نجاحًا لإنجاز بناء السلام، مثل إيجاد المجالات التي يكون فيها للطرفين مصلحة مشتركة في تغيير الوضع الراهن أو تقوية الجماعة الأضعف / المسيطرة.
1. على المستوى المفاهيمي، يمكن لحكومة الولايات المتحدة إعادة تقويم نهجها الخاص بمساعدة الفلسطينيين من خلال مراجعة بعض القوانين وإزالة بعض القيود، بما في ذلك القواعد والأنظمة المذكورة أعلاه، التي تزيد من ضعف الفلسطينيين وتعوق المعاملة العادلة للإسرائيليين والفلسطينيين. وينبغي للإجابات أن تكون جوهرية، نظرًا لأن القضايا في هذا النزاع معقدة للغاية.
تشمل التوصيات المحددة ما يلي:
2. دعم المبادرات التي تحاول خلخلة الوضع الراهن. إن نوع الجهود التي يجب تشجيعها يشمل الجهود الإسرائيلية الفلسطينية التعاونية التي تتحدى الوضع الراهن، أي الاحتلال والمستوطنات: ويمكن لهذه الجهود أن تبدأ بحملات مناهضة للاستيطان وصولًا إلى إعادة فتح مؤسسات القدس، وإلى وقف هدم المنازل وطرد السكان، وإعادة فتح المحال التجارية في حي H2** (الخاضع للسيطرة الإسرائيلية) في الخليل، بما في ذلك الحد من عنف الغوغاء داخل إسرائيل والاعتقالات الجماعية للمدنيين الفلسطينيين. مثل هذه الإجراءات تعتبر ضرورية أكثر من أي وقت مضى في ظل الأزمات الحالية.
يوجد حاليًا العديد من المبادرات / البرامج التي تعمل على أرض الواقع والتي تعزز بناء السلام الحقيقي من خلال معالجة تفاوت القوة بين الطرفين بدلًا من تجاهلها، وبالتالي زيادة احتمالية المصالحة في المستقبل. وينبغي، لكي يكون عمل صندوق "لوي" ناجحًا، أن يقوم يدمج بعض الأنواع من الأنشطة التي
هناك بالفعل العديد من المنظمات التي تعمل على هذا المنوال لتعزيز المصالحة الحقيقية، مثل زخروت Zochrot أو كسر حاجز الصمت Breaking the Silence, ، أو تلك التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال، مثل شباب ضد الاستيطان Youth Against Settlement أو عير عميم Ir Amim, ، أو المنظمات التي تسجل التقارير الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان مثل بتسيلم B’Tselem والحقAl Haq. . وفي حين لا تُمنع، صراحةً، مثل هذه المنظمات والمبادرات من المشاركة في برامج بناء السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، نظرًا للواقع السياسي في إسرائيل، فإنه يتم استبعادها.
إذا تم السعي لتحقيق السلام وحل النزاع فقط بموجب شروط مقبولة من قبل القوة المهيمنة، والتي تتجنب بطبيعة الحال أي نوع من المساءلة بحقها أو تحقيق العدالة للآخرين، فسوف يكون هذا المسعى فاشلًا بلا شك، وسوف يعمل، في نهاية المطاف، على الحفاظ على الوضع الراهن. ومع ذلك، لا يمكن أن تحدث المصالحة الحقيقية إلا عندما يكون هناك حوافز لإجراء تغييرات بنيوية، وتحوّل في عدم تناسق القوة بين الجانبين. لا يوجد حاليًا لدى الحكومة الإسرائيلية ولا للجمهور الإسرائيلي عمومًا أي نوع من هذه الحوافز، لاسيما في غياب أي ضغط دولي مؤثر وفعال لتغيير الوضع الراهن، وهو وضع مربح للغاية، ويعد بالفائدة على الحكومة الإسرائيلية، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.
وهذا ما لا ينبغي له أن يستمر إذا رغبنا في بناء سلام حقيقي.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.