MEI

حان وقت إعادة مقاتلي "داعش" الأجانب إلى بلدانهم

يوليو 26, 2023


مشاركة

عُروة عجوب

مع اقتراب موعد إعادة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الأجانب من سوريا إلى بلدانهم، زادت التطوّرات الأخيرة من إلحاح هذه المسألة. ففي 11 حزيران/يونيو، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع في شمال شرق سوريا، عن نيّتها محاكمة حوالى 2,000 مقاتل أجنبي منتمين إلى تنظيم "داعش" – أي من غير السوريّين أو العراقيّين – في محاولة لتحقيق العدالة لضحايا التنظيم الإرهابي. لكنّ عدم اعتراف المجتمع الدولي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومحاكِمها يجعل هذه المحاكمات غير شرعية، ما يزيد من تعقيد الجهود القانونية الدولية المستقبلية لمحاكمة هؤلاء المقاتلين.

يفتقر النظام القانوني للإدارة الذاتية إلى الاستقلالية والخبرة والنزاهة اللازمة لمعالجة مسألة معقّدة من هذا النوع، ما يطرح تحدّيات جسيمة تقوّض الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة لضحايا التنظيم ومحاكمة مقاتليه. كذلك، فإنّ الاعتراف بأحكام هذه السلطة القضائية قد يضرّ بسمعة المجتمع الدولي، كما يمكن أن يسبّب تهديدًا أمنيًا محتملاً يتمثّل في عودة التنظيم على المدى البعيد.

منذ الهزيمة الميدانيّة التي مُنيَ بها التنظيم الإرهابي في آذار/مارس 2019، يحتجز الجناح العسكري للإدارة الذاتية، أي "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أكثر من 10 آلاف مقاتل من "داعش" في سجون مؤقّتة في مناطق مختلفة من شمال شرق سوريا. كذلك، يقبع حوالى 50 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال الذين يُشتبه بارتباطهم بـ"داعش"، في مخيّمَيْ الروج والهول، علمًا بأنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف مخيّم الهول مؤخرًا بأنه "أسوأ مخيّم في العالم اليوم".

تدعو الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باستمرار المجتمع الدولي إلى إعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم. وقد أعادت دول عدّة مواطناتها وأطفالهنّ إلى وطنهم، بما في ذلك السويد وهولندا وروسيا وطاجيكستان وكندا وفرنسا وألمانيا. ومع ذلك، لم يبذل سوى عدد قليل من الدول جهودًا مماثلة لإعادة مواطنيها الذكور، منها الولايات المتحدة وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وروسيا. في الواقع، لم يُعاد سوى من المقاتلين الذكور إلى بلدانهم منذ العام 2019، وهي نسبة متدنّية للغاية.

هذا وسبق أن اقترحت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إنشاء محكمة دولية للنظر في هذه القضية في آذار/مارس 2019، ثم جدّدت هذه الدعوة في شباط/فبراير 2020. وعلى الرغم من دعم بعض الدول الأوروبية لهذه المبادرة في البداية، وخصوصًا السويد وهولندا، إلا أنّ عدم قدرة هذه الدول على إقناع نظرائها حول العالم والمخاوف بشأن ردود الفعل المحلية المحتملة أدّت على الأرجح إلى تجاهل الاقتراح. وفي غياب محكمة دولية لديها الولاية القضائية للنظر في جرائم التنظيم، وكونَ المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتّع بالاختصاص الإقليمي للنظر في الجرائم المُرتكَبة في سوريا والعراق، يبدو التدخل القضائي الدولي غير مرجّح. هذه العوامل مجتمعةً دفعت بالإدارة الذاتية إلى ممارسة الضغوط الأخيرة عبر إجراء المحاكمات بنفسها.

 تحدّي الشرعية

منذ تأسيس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في العام 2013، سعت جاهدةً للحصول على اعتراف دولي من أيّ نوع كان. ومع أنّ "قوات سوريا الديمقراطية" تُعتبَر "الشريك الرئيسي" في سوريا للتحالف العسكري الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش"، امتنعَ المجتمع الدولي عمومًا عن إضفاء الشرعية على جهاز الحكم المرتبط بها. صحيح أنّ بعض الحكومات، ولا سيما في أوروبا، سمحت للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بفتح مكاتب تمثيلية، ولكنْ من غير المرجّح أن تنال المزيد من الاعتراف في الوقت الحاضر.

بالنسبة لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد يؤدّي تأييد الإدارة الذاتية بهذا الشكل إلى مفاقمة التوترات مع تركيا، الحليف المهم للناتو. فتعتبر أنقرة "وحدات حماية الشعب"، التي تهيمن على صفوف "قوات سوريا الديمقراطية"، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم مُصنَّف دوليًا على أنه إرهابي ويشنّ تمرّدًا طويل الأمد ضد الدولة التركية. كذلك، فإن دعوات الإدارة الذاتية المستمرة لإقامة نظام فيدرالي يمنحها درجة من الاستقلال عن دمشق تبدو أيضًا هدفًا بعيد المنال، حيث يتطلّب إنشاء هذا النظام موافقة النظام السوري. ويرفض النظام وحلفاؤه (روسيا وإيران والصين) رفضًا قاطعًا هذه المقترحات التي تتعارض بشكل مباشر مع هدفهم المتمثّل في إعادة سيطرة بشار الأسد على كامل الأراضي السورية.

تنبثق شرعية المحاكِم عمومًا عن الحكومة المُعترَف بها دوليًا التي تنشئها. وبالتالي، قد يعتبر المجتمع الدولي أيّ أحكام تصدرها محكمة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا غير شرعية، ما يحمل انعكاسات كبيرة على الإجراءات القانونية المستقبلية. في مقابلة مع كاتب هذه المقالة، اعتبر الخبير في القانون الدولي في جامعة ستوكهولم البروفيسور مارك كلامبرغ أنه "من المحتمل أن يشيد السياسيون في بلدان أخرى بهذه الأحكام، ومن ضمنهم مسؤولون حكوميون حاليون. لكنني لا أتوقع أن تعتبر المحاكم المحلية والهيئات الرسمية في أيّ من البلدان تلك الأحكام مُلزِمة قانونًا وواجبة الإنفاذ في ولاياتها القضائية، نظرًا إلى أنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا غير مُعترَف بها رسميًا كدولة".

يعني ذلك أنّ أيّ مقاتل أجنبي من تنظيم "داعش" يخضع للمحاكمة والإدانة ويصدر حكمٌ في حقّه ضمن نطاق اختصاص الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد يواجه تُهمًا قانونية في بلده أيضًا، على افتراض توفّر أدلة كافية ضده. حتى إنّ نقل هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأم لقضاء فترة محكوميّتهم بموجب الأحكام الصادرة عن الإدارة الذاتية قد يطرح الكثير من الإشكاليات. فبحسب البروفيسور كلامبرغ: "أعتقد أنّ بعض الدول، مثل السويد، ستضطر إلى إجراء محاكمات جديدة أمام محكمة وطنيّة قبل احتجاز أي شخص في سجن على أراضيها". وقد ينطبق ذلك على غالبية أعضاء المجتمع الدولي.

في المقابل، أثار قرار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بالمضي قدمًا في هذه المحاكمات شكوكَ عددٍ من الجهات، التي اعتبرته شكلًا من أشكال الضغط. فقد اعتبر مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر في تغريدة على "تويتر" في 16 حزيران/يونيو أنّ "[هذا القرار] مجرّد محاولة جديدة لإجبار أعضاء المجتمع الدولي على إعادة مواطنيهم". ويكتسب هذا الرأي أهمية خاصة نظرًا إلى توقيت إعلان الإدارة الذاتية عن قرارها، الذي صدرَ بعد يومَيْن فقط من اجتماع عقده وزراء خارجية التحالف الدولي ضد "داعش" في المملكة العربية السعودية. وتعهّد التحالف خلال الاجتماع بتقديم 600 مليون دولار لدعم جهود تحقيق الاستقرار في المناطق المحرّرة من سيطرة "داعش" في العراق وسوريا. وفيما ركّز التحالف على "ضمان إيواء إرهابيي تنظيم داعش المحتجزين في سوريا بشكل آمن وإنساني"، لم يلتزم بدعم أي جهود قانونية دولية لمحاكمة مقاتلي "داعش" الأجانب. ولعلّ غياب هذا الالتزام فاقمَ مشاعر الخيبة في صفوف الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية نتيجة ما تعتبرانه تقاعسًا من جانب المجتمع الدولي، ما دفعهما إلى اتخاذ قرار بالسعي لتحقيق العدالة بطريقتهما الخاصة.

محاكمات عادلة؟

يشكّل النظام القضائي للإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا إحدى المسائل الأخرى المثيرة للقلق بعد إعلان نيّتها محاكمة مقاتلي "داعش" الأجانب، حيث يفتقر هذا النظام إلى النزاهة والاستقلالية والخبرة اللازمة لإجراء محاكمات عادلة. يخضع النظام القانوني للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لمجلس العدالة الاجتماعية، وهو أعلى سلطة قضائية تُشرِف على "محاكم حماية الشعب" أو "محاكم الإرهاب" التي تنظر في القضايا المتعلقة بتنظيم "داعش". وفي حين لا يتوفّر تقييم شامل للعمليات القضائية التي تتّبعها هذه المحاكم، تشير بعض التقارير إلى أنها تخضع لسيطرة كوادر حزب العمال الكردستاني الذين يتمتّعون بصلاحية تعديل القرارات القضائية أو إبطالها أو منع صدورها أساسًا. كذلك، يفتقر الكثير من موظفي تلك المحاكم إلى تعليم قانوني رسمي، وبعضهم لا يحمل حتى شهادة ثانوية عامة.

يُشار إلى أنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قدّمت ضمانات بأنّ مقاتلي "داعش" الأجانب سيخضعون لـ"محاكمات علنية وعادِلة وشفافة وفقًا لقوانين الإرهاب الدولية والمحلية، بما يضمن صون حقوق الضحايا". لكنّ الأدلة المستقاة من الملاحقات القضائية السابقة للمقاتلين المحليّين تتعارض مع تلك الضمانات. فيشير تقرير صادر عن معهد "تشاتام هاوس" في العام 2020 إلى أنّ "محاكم الإرهاب" لم تسمح لعناصر "داعش" بتوكيل محامي دفاع ولم تمنحهم حقّ الطعن في الأحكام الصادرة بحقّهم. كذلك، منعت المحاكم الضحايا من تقديم شكاوى إلى السلطات أو إيداع أدلة ضدّ عناصر "داعش". وحتى عندما مثُل الجناة أمام المحاكم، لم يتم إطلاع الضحايا على الإدانات والتهم الموجّهة إليهم.

ينتقد التقرير أيضًا النظام القضائي الخاص بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مشيرًا إلى وجود "أوجه قصور عدّة" في "نهجه المجزّأ". ويعود ذلك إلى تركيز النظام بشكل أساسي على القضايا المتعلقة بتنظيم "داعش"، وإهمال جرائم أخرى مثل الاغتصاب والسرقة والتعذيب. فضلًا عن ذلك، تعجز الآليات الحالية عن إسناد المسؤولية الفردية بشكل مناسب عن جرائم محدّدة، أو تحديد تورّط الأفراد في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها التنظيم. ويُدرِك المدافعون عن العدالة أنّ هذا النظام، الذي يعاني من أوجه قصور عدّة، يعجز عن النظر في الجرائم المزعومة بشكل مُنصِف أو عن التوصّل إلى حلّ نهائي يُرضي جميع الأطراف.

الحلول الممكنة

يجد المجتمع الدولي نفسه الآن في موقف شديد الصعوبة، وبخاصة الدول الغربية. فتجاهُل الشكوك المحيطة بشرعية محاكم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ونزاهتها قد يضرّ بسمعة هذه الدول ويؤدي إلى اتهامها بالاستعانة بكيان خارجي غير مُعترف به لتحقيق العدالة. في الوقت نفسه، فإنّ الدعم العلني لهذه المحاكم يطرح بدوره مشاكل أخرى. بحسب البروفيسور كلامبرغ، "في حال قدّمت الدول الغربية المساعدة أو المال أو التدريب أو غيرها من الموارد لهذه المحاكم، قد تتعرّض للمساءلة القانونية أمام محاكمها المحلية، في ظلّ أوجه القصور الملحوظة في نظام العدالة الذي تعتمده الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".

يزداد هذا الوضع تعقيدًا بفعل عاملَيْن أساسيَّيْن، أولهما الظروف اللاإنسانية وغياب برامج إعادة التأهيل في السجون المؤقتة التي يقبع فيها مقاتلو "داعش"، ما قد يزيد من التطرّف، وثانيهما هو ضعف التدابير الأمنية في هذه السجون، ما يزيد من خطر هروب السجناء. فبالرغم من أنّ قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أحبطا مخططًا مُشتبهًا به لتنظيم "داعش" للهجوم على سجن "الصناعة" في الحسكة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، نفّذ التنظيم هجومًا ناجحًا على السجن نفسه بعد شهرَيْن، وتشير التقارير إلى أنّه تمكن من تحرير المئات من مقاتليه وتعزيز موارده البشرية المُستنزَفة. وبالنظر إلى الوضع الأمني الهشّ في شمال شرق سوريا، من غير المُستبعَد حدوث سيناريوهات مماثلة في المستقبل القريب.

يبدو أنّ الحلّ العملي الأنسَب على المديَيْن القريب والبعيد هو إعادة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية وضمان محاكمتهم فيها. وعلى الرغم من أنّ هذا الحلّ يطرح الكثير من التحديات بسبب صعوبة إثبات تورّط هؤلاء الأفراد في نشاط إرهابي، يمكن تسهيل هذه العملية من خلال التعاون بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والأنظمة القضائية الوطنية، ما يتيح إجراء محاكمات عادِلة ويحدّ من الآثار القانونية المستقبلية المترتّبة على المعتقلين.

 

عُروة عجوب محلّل أوّل في مركز التحليلات والبحوث التشغيلية (COAR Global) يركّز على سوريا والتنظيمات الجهادية. عمِل سابقًا كباحث مُنتسِب في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند، حيث ركّز في عمله على الجانب الأيديولوجي للتنظيمات الجهادية السلفية والديناميّات الداخلية للتنظيمات الجهادية في سوريا.

 


Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك