الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط: ثلاثة سيناريوهات حتى عام 2050
أبريل 30, 2024ستيفن كيني, بارين كايا أوغلو
ستيفن كيني, بارين كايا أوغلو
فيما تتَّسع رقعة التوتّرات بين الولايات المتحدة والصين خارج آسيا والمحيط الهادئ، من المرجَّح أن تغدو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من الساحات الكثيرة للمواجهة التي قد تصح تسميتها بالحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين. ويمكننا أن نتصوّر كيف أنَّ مساعي واشنطن وبكين وقدرتهما على فرض القوَّة (الناعمة والصلبة) حول العالم ستؤثران في علاقاتهما المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كذلك، فإنّ كيفيّة تعامل دول المنطقة مع بعضها البعض، والدور الذي ستؤدّيه في التحوّلات الناشئة في مجالَيْ الطاقة والاقتصاد العالميَّيْن، يمكن أن يؤثّرا في طريقة انخراط القوّتَيْن العظميَيْن في المنطقة، وهو أمر لا يقلّ أهمية عن التدابير التي تستطيع بكين وواشنطن اتّخاذها مباشرة، وبالتالي هو يستحقّ قدرًا موازيًا من الاهتمام.
ثلاثة عوامل ترسم معالم المستقبل
من ناحية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبرز بُعدان أساسيّان من المرجّح أن يحدّدا دور دول المنطقة في المنافسة الإقليمية بين الولايات المتحدة والصين.
(1) العلاقات السياسية داخل المنطقة: يتعلّق العامل الأول بالتفاعلات بين دول المنطقة: سواء أفضت إلى التكامل الاقتصادي والسياسي الفعّال والعملي، أو إلى إطالة أمد الشلل وانعدام الاستقرار. قبل نشوب الحرب الدائرة حاليًّا في غزة، برز مسار يصبّ في اتّجاه خفض التصعيد وتحقيق الاستقرار والتكامل. في حال استعادة هذا الزخم، أيْ في سيناريو التكامل "الفعّال والعملي"، من المتوقع أن تُعيد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقييم دروس المنظمات الحكومية الدولية الإقليمية بطُرُق جديدة. فيمكن للمنطقة مثلًا أن تنظر في اعتماد سياسات وآليات تحاكي المنافع العمليَّة التي حصدتها الدول الأعضاء في تكتلات إقليمية أخرى، على غرار الاتِّحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان). ومِن شأن هذه الطروحات أن تذلّل الحواجز التي تعترض التجارة أولًا، ومِن ثمَّ أن تعزّز العلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة على امتداد المنطقة.
كذلك، يُمكن أن تؤثِّر الأُسُس التي قامت عليها اتفاقية هلسنكي لعام 1975 ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في نهج حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إزاء حقوق الإنسان لمواطنيها والشؤون الداخلية لبعضها البعض.
بالتالي، في ظلّ سيناريو التكامل "الفعّال والعملي"، تبلوِر المنطقة عمليات تداوليّة وتشاوريّة لصنع القرار، تمكّنها من التصرّف باستقلالية ومن صون مصالحها الخاصة، بدلًا من الرضوخ لإملاءات الولايات المتحدة والصين في إطار المنافسة بينهما.
أمَّا المسار البديل فهو واضح المعالم: بحيث تواصل حكومات المنطقة دعم مختلف الجماعات المسلّحة المنخرطة في حروب بالوكالة، وتتحجّج بهذه الذريعة لتجاهل حقوق الإنسان، ما يمكّن الجهات الفاعلة الخارجية من استغلال هذا الشلل.
(2) ركائز الاقتصاد المستقبلي: مِن المرجَّح أن تبقى موارد الوقود الأحفوري في البحرين وإيران والعراق والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (وربما ستنضمّ مصر وإسرائيل وليبيا إلى نادي الدول الغنيّة بالنفط والغاز قريبًا) عامل القوة الرئيسي لدول المنطقة في علاقتها مع واشنطن وبكين، على الأقلّ في العقدَيْن المقبلَيْن. ونظرًا لرغبة القوّتَيْن العظميَيْن في الاستحواذ على موارد النفط والغاز الوفيرة في المنطقة لنفسيهما ولحلفائهما (أو منع الخصوم من الاستفادة منها)، سوف تبقى الشركات الأمريكية والصينية مراكز قوّة في الأسواق الإقليمية.
إلا أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في موقع يتيح لها التأثير في المشهد العالمي مستقبلًا، واكتساب هامش من الاستقلالية والإرادة الحرَّة في ظلّ المنافسة الأمريكية-الصينية على المنطقة، وذلك من خلال الاستفادة من قوّتها في مجالَيْ الطاقة والمال بطُرُق مختلفة في المرحلة المقبلة. فمع تحوّل العالم نحو الطاقة المتجدّدة، تُضاعِف الدول النفطية في المنطقة جهودها في مجال تنويع الاقتصاد، التي تتركّز بشكل أساسي على قطاعات التكنولوجيا، بالتوازي مع الاستفادة من ثروتها لتمويل مشروعات الطاقة المراعية للمناخ ومبادرات الاقتصاد الأخضر الأخرى في جوارها وحول العالم. وعليه، يتمثّل الطموح الجديد لدول المنطقة الغنيّة بالموارد ورأس المال في تعزيز الابتكار وبناء مراكز العلوم والتكنولوجيا والفكر، تحضيرًا لاقتصاد ما بعد الكربون الذي تعتزم الإنسانية بناءه في القرن الحادي والعشرين.
بالإضافة إلى تراجُع إنتاج الهيدروكربونات وصعود الطاقة الصديقة للبيئة عاجلًا أم آجلًا، انتشرت في المنطقة شبكات للوجستيات والنقل والطاقة، ومن المرجَّح أن يزيد ذلك من أهمّيتها الجيوسياسية والتجارية. فستتربّع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز شبكات التجارة العالمية، سواء بفضل المسارات القديمة، مثل قناة السويس، أو تلك الجديدة والمقترحة، مثل طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وطريق التنمية بين تركيا والعراق والإمارات وقطر. وسيلعب الكثير من موانئ المنطقة ومطاراتها دورًا موسّعًا في الشؤون الدولية أيضًا.
(3) النسر الأمريكي والتنين الصيني يدخلان السوق: من يدخل مقتدرًا ومن يدخل متعثرًا؟ عندما تبوّأ دونالد ترامب سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة في العام 2017، أثار شكوكًا حول التجارة الدولية وما إذا كانت تعود بفائدة صافية، ووضعَ الولايات المتحدة على مسار تصادمي أكثر في مواجهة الصين على الساحة العالمية، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبالطبع، بدأت الصين ترمي بثقلها في المنطقة في أواخر العقد الممتدّ بين سنتَيْ 2010 و2020. وفي حين أنّ وساطة بكين الناجحة بين إيران والسعودية، التي أفضت إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفَيْن في العام 2023، والتي فاجأت الكثيرين، لم تكُن سوى الخطوة الأحدث في سلسلة من المبادرات الصينية في المنطقة.
في الوقت نفسه، برزت مسائل غير متّصلة بذلك، فقد فرضت تعقيدات جديدة بشأن قدرة البلدَيْن على التنافس وفق الشروط التي يفضّلانها. فيعتبر بعض المحلّلين أنّ المآزق الديموغرافية والصعوبات الاقتصادية التي تواجه جمهورية الصين الشعبية ستمنعها من منافسة الولايات المتحدة والغرب حتى قبل نشوب حرب باردة جديدة. أما الولايات المتحدة فتواجه قيودًا تتمثل في مشاكلها الاقتصادية والانقسام المتزايد في سياستها الداخلية وما يحمله من آثار مضاعفة.
للمفارقة، قد تؤدّي الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة والصين إلى تقويض بعضٍ من أبرز العوامل التي ستُسهم ربما في تحديد علاقة كلّ منهما مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بالنسبة للولايات المتحدة، من المرجح أن تستميل عناصرها الثقافية وهامش الحرّية وسيادة القانون فيها شباب المنطقة المتحمّس للتغيير، لكنّ هذه العوامل بدأت تظهر أوجه ضعفها. وبالنسبة للصين، فإنّ تجربتها الناجحة في إحداث تحوّل اجتماعي-اقتصادي سريع على مدى جيلَيْن من دون أيّ تغييرات تُلحَظ في نظامها السياسي قد تجتذب بعض حكومات المنطقة على الأقل، لكنّ هذه التجربة أيضًا بدأت تُظهِر مؤشرات مقلقة لبكين.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى عامل جديد ومهم، وهو مدى تعبير دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن نيّتها شقّ مسار خاص بها، بعيدًا عن الارتهان لأيّ من القوّتَيْن العظميَيْن، في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك جزئيًّا إلى أنّ تلك الدول تلاحظ نقاط الضعف لدى واشنطن وبكين. تكثُر الأمثلة على ذلك، ولعلّ قرار إيران والسعودية، إلى جانب الإمارات ومصر وإثيوبيا، الانضمام إلى مجموعة دول "البريكس" (التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في آب/أغسطس 2023 هو أحدث تلك الأمثلة. وقد تساءل كثيرون ما إذا كانت مجموعة "البريكس" ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طور تشكيل تكتّل مناهض للغرب، بالرغم من نفي أي مساعٍ للتخلّي عن الغرب.
كيف ستبدو المنافسة الأمريكية-الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المستقبل، في حال قرّرت دول المنطقة السير نحو التكامل الفعّال والعملي في علاقاتها وزادت من استثمارها في التحوّل إلى الطاقة والاقتصاد المراعيَيْن للبيئة، بينما تنشغل القوّتان العظميان بتحدّياتهما الداخلية؟
السيناريو الأوّل: الولايات المتحدة القوية، في مقابل الصين الأضعف والأبعد
في ظلّ هذا السيناريو، يعود الاستقرار الداخلي إلى الولايات المتحدة بعد انتخابات العام 2032. وبفضل مزيج من الحمائية الاقتصادية في وجه الخصوم، والانفتاح على التجارة مع الحلفاء، والمكاسب على مستوى حقوق العمَّال ومهاراتهم، وخفض التوترات المجتمعية، تشهد الولايات المتحدة نهضة جديدة شبيهة بحقبة الثمانينيات والتسعينيات في الداخل والخارج.
كذلك، تجد واشنطن طُرُقًا أذكى من "إرسال جنودها إلى الميدان" للانخراط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فتمارس الإدارات الأمريكية المتعاقبة مزيجًا مِن الضغوط وتقديم الحوافز إلى الحلفاء لمساعدتهم على حلّ خلافاتهم المُزمِنة من خلال تدابير ترمي إلى تعزيز الثقة. ومِن خلال هذا النوع مِن المشاركة، يمكن لواشنطن دعم الكيانات التي تشجّع على التعاون الإقليمي. ويحفّز هذا الدعم دولًا عدّة صديقة للولايات المتحدة في المنطقة على التخفيف من حواجز التجارة والتعاون في مشروعات الطاقة التقليدية والمتجدِّدة. ومع مرور الوقت، يصبح هذا الدعم متبادلًا، بحيث تتولى القوى الناشئة في قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توريد حصّة متزايدة من منتجات ومشروعات الاقتصاد الأخضر في أسواق الولايات المتحدة المتنامية.
بطبيعة الحال، لن تقف الصين مكتوفة الأيدي إزاء ذلك، بل ستواصل الاستثمار في إيران وفي دول الخليج العربي لضمان أمن الطاقة الصيني، بالتوازي مع بيع الأسلحة لتلك الدول. إلا أنَّ الصين لن تتمكّن بموجب هذا السيناريو من تحقيق طموحها كما كان متوقعًا في أوائل القرن الحادي والعشرين. فبالرغم من تعزيز نفوذها في إيران (وسوريا والعراق) بوسائل أخرى، ومع أنّ الجمهورية الإسلامية ستصبح قاعدة أمامية رئيسية لجمهورية الصين الشعبية، فإنَّ الأخيرة لن تحصد سوى نتائج محدودة من محاولتها الاستفادة من التوترات الجيوسياسية والفئوية المتبقية في المنطقة على حساب الولايات المتحدة.
تعود هذه المشكلة في جزءٍ منها إلى قدرة بكين المحدودة على الاستجابة لاحتياجات المنطقة. فسوف يتبيَّن أنّ مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" غير مُربِحة أو غير قادرة على معالجة مشاكل البنى التحتية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بالتالي، سيلتفت القادة في عواصم المنطقة إلى الخيارات الأمريكية والأوروبية، وسيستفيدون أيضًا من قدراتهم في مجال التكنولوجيا لبناء مشروعاتهم الخاصَّة. كذلك، سوف تعيق مآزق الصين الديموغرافية والاقتصادية، إلى جانب المشاكل الجيوسياسية على مقربة من أراضيها، مشاركتها الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
السيناريو الثاني: ركود في الولايات المتحدة في مقابل الصين القويّة
بخلاف السيناريو الأول، لا تهدأ الجبهة الداخلية للولايات المتحدة، ما يحدّ مِن قدرتها على فرض قوّتها كما في السابق. كذلك، يتراجَع النفوذ السياسي للولايات المتحدة وتفوّق الدولار الأمريكي نتيجة المِحَن التي تواجهها واشنطن، بما في ذلك السياسات النقدية والمالية على المستوى الفيدرالي (أو غيابها)، وعدم القدرة على استبقاء قواها العاملة، والخلافات السياسية الشديدة حول عدم المساواة في الثروة والدخل والهوية واستراتيجية "أميركا أولًا".
هذا الضعف النسبي للولايات المتحدة، المقرون بعدم الاتّساق في سياسات الإدارات المتعاقبة، سيدفع بدول المنطقة إلى اختيار بكين باعتبارها الشريك التجاري المفضَّل. وفيما يبقى حلفاء الولايات المتحدة، مثل إسرائيل وتركيا ومصر، مرتبطين سياسيًّا واقتصاديًّا بالغرب، يبدؤون هم أيضًا بموازنة علاقاتهم بين الغرب والشرق.
ومع تسارع التبادل التجاري ضمن المنطقة والاستثمار في الطاقة المتجدّدة القابلة للتصدير والقطاعات الخضراء، تجد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تزداد فعالية، أنّ تعاونها مع الصين آخذ في النمو، خصوصًا مع بداية تخضير الاقتصاد الصيني. كذلك يتضاعَف تبادل المنطقة التجاري مع بكين، ومع دول آسيا والمحيط الهادئ عمومًا، بين عامَيْ 2010 و2040، ثمَّ يتضاعف مجدّدًا بحلول أواخر عقد 2040، وتعمَد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى التصويت مع الصين في الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. وتطغى هذه الديناميات الإيجابية على أي هواجس متعلّقة باستمرار التحالف بين الصين وإيران.
فضلًا عن ذلك، تعود الصداقة مع الصين بالمنفعة على النخب السياسية للمنطقة ومواطنيها، لكن بصورة أكثر تساويًا بكثير من العقود السابقة. وتتمثّل إحدى النتائج في تعزيز التجارة ضمن المنطقة وأيضًا مع الصين وبقيّة دول آسيا. وتستفيد بعض الدول من مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" التي ترعاها بكين لتحديث بناها التحتية المادية، بينما تزداد قدرة المراكز الصناعية الإقليمية، مثل تركيا ومصر، وكذلك الاقتصادات "الصناعية الخضراء" الجديدة؛ مثل الأردن وفلسطين والعراق، على إنتاج سلع عالية الجودة تنافس المنتجات الصينية.
السيناريو الثالث: "تنافس على التعاون"
في هذا السيناريو، تستعيد الولايات المتحدة والصين "عناصر قوّتهما المميّزة" بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين. ومِن جهتها، تصبح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجتمعةً بمثابة ندٍّ للقوّتَيْن العظميَيْن تقريبًا، بفضل تحسين مستوى التعليم والتدريب لسكانها، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر، وتأثيرها على مسارات التجارة والنقل واللوجستيات العالمية.
يعود ذلك بشكل أساسي إلى التغيّرات ضمن المنطقة نفسها، فيُسهِم التكامل الفعّال في توفير قيمة اقتصادية وتجارية بعشرات مليارات الدولارات. ومع تخفيض الدول الصناعية اعتمادها على النفط والغاز، تقدِّم الدول الغنية بالهيدروكربونات في المنطقة خيارات شراء واحتفاظ مربحة للدول النامية في آسيا وإفريقيا، وتستخدم العائدات للاستثمار في تقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية العالية الكفاءة، والهيدروجين الأخضر، وشبكات الكهرباء الذَّكية، ومحطات تحلية المياه من الجيل الجديد، ثم تعرضها على الدول الصناعية والنامية بأسعار تنافسيّة.
وفي هذا السيناريو، تستند علاقات المنطقة مع الولايات المتحدة والصين إلى مزيج مُجدٍ من التعاون والتنافس. فمِن خلال الجمع بين موارد الخليج المالية وعمالقة الهندسة من آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا الشمالية، يمكن إنشاء بنى تحتية قادرة على الصمود في الدول المعرَّضة لخطر ارتفاع مستوى البحر والمخاطر الأخرى الناجمة عن تغيُّر المناخ. بالتوازي مع ذلك، تصبح أبوظبي والدوحة ودبي وإسطنبول والرياض وتل أبيب قادرةً على منافسة مراكز المال والتكنولوجيا الصينية والأمريكية في تطوير تقنيات التصدِّي لتغيُّر المناخ. وعليه، تقضي هذه الديناميات عمليًّا على أي مصلحة متبقية لدى الولايات المتحدة أو الصين في خوض حرب باردة ضدّ بعضهما البعض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خاتمة: وجهة نظر جديدة حول الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط
اليوم، في ظلّ تفاقم مشاكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتصدّرها العناوين الرئيسية، تستطيع الولايات المتحدة والصين التنافُس على النفوذ والتأثير على حكومات المنطقة وفق أولويات كلّ منهما. لكنْ، إذا سعينا نحن -والأهم، إذا سعى قادة المنطقة- إلى تصوّر مستقبل تتصرَّف فيه دول المنطقة بجرأة وبأشكال جديدة وفق إرادتها الحرّة لإعادة ضبط الديناميات السياسية الإقليمية، وللاستثمار في التكنولوجيا واقتصادات المستقبل الخضراء، يُمكننا أن نبدأ برؤية خطوات كفيلة ببناء مستقبل كهذا، والحدّ من تنافس واشنطن وبكين في المنطقة.
بارين كايا أوغلو هو عميد الطلاب وأستاذ مشارك يدرّس مادة تاريخ العالم في الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانية، وزميل غير مقيم في مبادرة الاستشراف الاستراتيجي في معهد الشرق الأوسط. كتاباته تعبّر عن آرائه الخاصة ولا تعكس وجهات نظر الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانية، أو معهد الشرق الأوسط.
ستيفن كيني هو مدير مبادرة الاستشراف الاستراتيجي في معهد الشرق الأوسط ومؤسّس ومدير شركة Foresight Vector المحدودة المسؤولية.
معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.