الحكومة التركية تعطي الأولوية للسياسي على حساب السياسة في مواجهة للزلزال
فبراير 13, 2023هاورد أيسنستات
هاورد أيسنستات
في عام 1999، ضرب زلزال هائل مقاطعة كوجالي بالقرب من اسطنبول. أساءت الحكومة التركية إدارة الاستجابة للأزمة. في البداية، رفض وزير الصحة آنذاك، عثمان دورموش (Osman Durmuş)، المنتمي لحزب العمل القومي، العديد من عروض المساعدات الخارجية، قائلاً: "لن أعطيهم حتى مصابًا واحدًا [لرعايته]، لن آخذ دمائهم [تبرعاتهم]". وتم احتجاز سفينة إسرائيلية تحمل مساعدات، هم في أمس الحاجة إليها، في الجمارك، لمدة ثلاثة أيام قبل الإفراج عنها. رسميًا، قُتل أكثر من 17000 شخص في الزلزال، لكن العدد الفعلي كان على الأرجح أكبر بكثير. كان رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول آنذاك، من بين أعلى الأصوات في محاسبة المسؤولين. كانت الاستجابة الفاشلة لزلزال 1999 أحد العوامل التي ساعدت في وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة. وعد الحزب بفعل ما هو أفضل، ولكنه لم يفعل. إذا تركنا جانباً للحظة سجل البناء غير المستقر والفشل في التفتيش على المباني، فإن استجابة حزب العدالة التنمية منذ وقوع الزلزال، الذي ضرب يوم السادس من فبراير/شباط كانت متداعية، أعاقها عدم الكفاءة، ولكن أيضًا تركيز قيادة الحزب على السياسات الحزبية في لحظة مأساة وأزمة وطنية.
يقول الباحث ديليك تركوزو (Dilek Türközü)، "الجغرافيا قدر، لكن الإهمال اختيار". لم يكن هناك استراتيجية لتفادي المأساة. الزلازل شائعة الحدوث في تركيا، واحتمالية حدوث زلزال "كبير" في مكان ما موجودة، حتى يقع الزلزال بالفعل. الزلزال الذي هز تركيا وسوريا الأسبوع الماضي كان صادمًا في حجمه. لكنه كان خطرًا يعرف الجميع أنه قادم. كان يجب أن تكون الحكومة جاهزة هذه المرة.
في الساعات والأيام الحرجة الأولى بعد زلزال يوم الاثنين الماضي، كانت حكومة أردوغان بطيئة في تحركاتها. على وجه الخصوص، لم تقم باستدعاء الجيش على الفور، ليس فقط للمساعدة في عمليات الإنقاذ المباشرة، ولكن ربما الأهم من ذلك، لبناء أو إصلاح البنية التحتية الحيوية اللازمة لجهود الإنقاذ، مثل إنشاء المستشفيات الميدانية وإصلاح الممرات الجوية المتضررة، وهي المهام التي يمكن للجيش فقط القيام بها في ساعات وليس أيام. السلطة المدنية المسؤولة عن الإغاثة في حالات الطوارئ، هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، تعاني من سوء الإدارة ونقص التمويل وعدم القدرة على التنسيق. تبين أن أحد المسؤولين في إدارة الكوارث والطوارئ، والذي كان منوط به قيادة جهود الإنقاذ، حاصل على درجة الدكتوراه وخبرة مهنية واسعة في اللاهوت. لقد أدركت أنقرة الآن حجم المأساة. ولكن المؤسف، أن استجابتها مازالت تتعرض للتقويض بسبب تركيزها على الولاء السياسي وافتقارها للتسامح مع النقد.
في خطاب مُتلفز للأمة، أعلن أردوغان حالة الطوارئ وأسبوع حداد وطني، لكنه كرّس وقتًا في الخطاب أيضًا للشكوى من الأخبار النقدية - التي وصفها بأنها "معلومات مُضللة" - وأوضح أنه يعتزم محاسبة هذه الأصوات الناقدة. في الساعات التي أعقبت الخطاب، بدأ المدعون العموميون فتح تحقيقات، وتم اعتقال العديد من هذه الأصوات، واستمرت الحكومة التركية في عادة استهداف الصحفيين بسبب تغطية الأخبار. تم اعتقال الصحفي الفرنسي، ذو الخبرة الطويلة في الشئون التركية، جيلوم بيرييه (Guillaume Perrier)، تم اعتقاله في مطار إسطنبول، وتم ترحيله إلى فرنسا، مع حظر لمدة خمس سنوات على عودته إلى البلاد.
والأسوأ من ذلك، حجبت تركيا موقع تويتر بينما كانت عمليات الإنقاذ لا تزال جارية. ظاهريًا، فعلت ذلك لمنع "التضليل"، والذي يعني واقعيًا الصور والقصص التي تصور الحكومة بصورة غير جيدة. نظرًا لاعتماد مجموعات المجتمع المدني والناجين بشكل كبير على تويتر لتنسيق جهود الإنقاذ والإغاثة، فإن قرار التقييد أعطى الأولوية حرفيًا لمخاوف الحكومة بشأن الرسائل العامة على حساب حياة مواطنيها. تم في النهاية رفع التقييد بعد مفاوضات مع توتير، والذي وعد بالمساعدة في الحد من "المعلومات المضللة". ما يعنيه هذا من الناحية العملية غير واضح، ويستحق الاهتمام من جانب المعنيين بتطور علاقة تويتر مع الأنظمة الاستبدادية. ما يعنيه ذلك بالنسبة للمواطنين الأتراك في منطقة الزلزال هو حاجز تعسفي آخر يجب التغلب عليه وهم يكافحون لإنقاذ أحبائهم.
أخيرًا، من الواضح أن بعض حلفاء الحكومة - وربما المسؤولين الحكوميين أيضًا - قلقون من حجم توجيه الدعم العام وجمع الأموال إلى المنظمات المدنية مثل أحباب، بدلاً من هيئة الإغاثة الحكومية. هذا على الرغم من حقيقة أن قيادة المنظمة، بشكل عام، تمكنت بعناية من الحفاظ على علاقات جيدة مع الحزب الحاكم. في التاسع من فبراير/شباط، في خضم جهود الإنقاذ، تعرض موقع المنظمة لهجوم إلكتروني متواصل.
إن مشاهدة وسائل الإعلام التركية الصديقة للحكومة يعني الدخول في عالم بديل. في كثير من الأحيان، مستشهدة بعلماء دوليين بارزين، حاولت وسائل الإعلام أن تظهر – عن طريق استخدام عبارة "كارثة القرن" - أن حجم الزلزال كان كبيرًا لدرجة لم يكن من الممكن اتخاذ أي خطوات لمنع الدمار الشامل. ومنذ ذلك الحين اشتكى العديد من الخبراء أنه تم نقل حديثهم بشكل خاطئ. على سبيل المثال، استخدمت عالمة الزلازل جوديث هوبارد (Judith Hubbard) تويتر لتقول، "إن قيام [الحكومة] بإساءة استخدام كلماتي لخلق سردية مضللة هي فكرة جديدة [و] محبطة. كان الزلزال لا مفر منه، حجم الكارثة لم يكن كذلك". وسائل الإعلام الحكومية ووسائل الإعلام الموالية للحكومة (أي ما يقارب 90٪ من وسائل الإعلام) لديها سردية واضحة: الدمار كان قدرًا من الله، وليس نتيجة لسوء الإدارة، والدولة تفعل كل ما يمكن القيام به، وأي شخص يقول خلاف ذلك، هو كاذب أو خائن. في ديار بكر، أطلق ضحايا الزلزال صيحات استهجان ضد وزير العدل بكير بوزداج (Bekir Bozdağ)، الذي كان يزور المنطقة. تم اعتقال عدد من هؤلاء بموجب المادة 216 التي تجرم الخطاب الهادف إلى "تحريض الناس على الكراهية".
في حين تقترب مرحلة عمليات الإنقاذ من الانتهاء، أصبحت إمكانية بقاء المزيد من الناجين قاتمة بشكل كبير. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه الحكومة التركية وشعبها لا تزال هائلة، حيث يوجد مئات الآلاف من المشردين والجائعين الذين يعيشون في البرد، وربما أيضا عشرات الآلاف من المصابين الذين يحتاجون للعلاج أو للجثث التي تنتظر الانتشال والدفن. في الأسبوع الأول بعد وقوع الزلزال، أعطت الحكومة التركية الأولوية للعلاقات العامة، حتى ولو على حساب حياة مواطنيها. لقد أعطت الأولوية لـ "السردية" على حساب السياسة الفعالة، وركزت على تضييق الخناق على المعارضة. كان هذا هو نمطها بعد احتجاجات جيزي في عام 2013 ومحاولة الانقلاب في عام 2016. لكن تلك كانت أزمات سياسية بحتة. لمعالجة الأزمة الحالية بشكل فعال، سيتعين على الحكومة التركية أن تضع السياسة فوق السياسي – وإن كان سجلها في القيام بذلك، حتى الآن، ضعيفًا للغاية بالفعل.
هوارد آيسنستات هو باحث غير مقيم في برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط وأستاذ مساعد في التاريخ في جامعة سانت لورانس، حيث يدرّس تاريخ وسياسة الشرق الأوسط.
تصوير مراد ساكا/جيتي إيماجيز