MEI

إيران تلتزم الصمت في ملفِّ البحرين؟

أبريل 02, 2024

ألكس فاتانكا


مشاركة

في 12 آذار/مارس، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات أربعة أشخاص من البحرين لدعمهم "سرايا الأشتر" المرتبطة بإيران. وفقًا لوزارة الخزانة، يقيم البحرينيُّون الأربعة في إيران ويدعمون مجموعة "سرايا الأشتر" المُسلَّحة من خلال مدِّها بالمساعدات المالية والتقنية وغير ذلك.

نظرًا للتعاون الأمني الوثيق بين واشنطن والمنامة، قد يبدو أنَّ العلاقة الإيرانية – البحرينية على وشك التدهور نتيجة هذا الإعلان الأمريكي. ولكن في الواقع، من غير المُرجَّح أن تتزعزع هذه العلاقة طالما أنَّ الانفراج الإيراني–السعودي مستمرٌّ.

تَعتبِر إيران أنَّ المملكة العربية السعودية تؤثر بشكل كبير في السياسة الخارجية البحرينية، ما يعني أنَّ موقف طهران إزاء البحرين يرتبط، إلى حد بعيد، بمصلحتها الأسمى المتمثلة في تخفيف التوترات مع الرياض. وفي الوقت الحالي، تعلو هذه الاعتبارات على أي مصلحة أخرى لدى طهران في دعم الإسلاميين الشيعة في البحرين، الذين سعوا تاريخيًّا للحصول على رعاية إيران.

ما الدافع وراء ملاحقة "سرايا الأشتر" الآن؟

كانت إدارة ترامب هي أوَّل مَن صنَّف "سرايا الأشتر" كمنظمة إرهابية في العام 2018. لذا، فمن المنطقي التساؤل لماذا تفرض إدارة بايدن الآن هذه العقوبات الجديدة، في حين لم تقدِّم واشنطن أي أدلَّة على أنَّ "سرايا الأشتر" تشكِّل خطرًا محدقًا.

من المُرجَّح أنَّ السبب مرتبط بالتوترات الإقليمية المتصاعدة حاليًا؛ ففي الأشهر الأخيرة، زادت "سرايا الأشتر" وغيرها من الجماعات العربية المدعومة من إيران انتقاداتها العلنية للولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل في الحرب ضد حركة "حماس" في غزة. وعلى وجه الخصوص، أصدرت "سرايا الأشتر" بيان تعزية بعد أن اغتالت الولايات المتحدة في شباط/فبراير قياديًّا في ميليشيا عراقية موالية لإيران متورِّطًا في هجمات شُنَّت ضد القوات الأمريكية.

بعبارة أخرى، قد لا يكون لقرار إدراج الإسلاميّين البحرينيّين الأربعة على قائمة العقوبات أيُّ علاقة بتهديد جديد وخطير تشكِّله المجموعة على الولايات المتحدة أو البحرين. بل إنَّ هذا الإجراء جزء من حملة استباقية من جانب واشنطن لردع إيران والجماعات المُسلَّحة العربيَّة الموالية لها، محذِّرةً إيَّاها من القيام بأي محاولة لتصعيد التوترات في المنطقة أو استهداف إحدى دول الخليج العربي الشريكة للغرب.

من الجدير بالذكر أنَّ البحرين تستضيف قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة – الأسطول الأمريكي الخامس تحديدًا – والمملكة المتحدة. وبالتالي، ليس من قبيل الصدفة أن لندن قد صنَّفت "سرايا الأشتر" كجماعة إرهابية في العام 2017. وجاءت العقوبات في 12 آذار/مارس نتيجة تنسيق بين لندن وواشنطن كذلك.

وبالإضافة إلى استضافة البحرين قوات عسكرية أمريكية وبريطانية، تلتزم المنامة بشكل صريح ومُعلَن بمواجهة الحوثيّين في اليمن. فقد بدأ الخلاف بين البحرين والحوثيين منذ استيلاء هذه الحركة على صنعاء، عاصمة اليمن، في العام 2014. وفي العام التالي، انضمَّت المنامة إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، حتَّى إنَّ الملك حمد بن عيسى آل خليفة تعهَّد آنذاك بإرسال أبنائه للقتال. ومؤخرًا، في أيلول/سبتمبر 2023، قُتل جنديَّان من البحرَين على يد الحوثيين المدعومين من إيران عند الحدود اليمنية-السعودية. وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت البحرين الدولة العربية الوحيدة التي انضمت إلى عملية "حارس الازدهار"، وهي تحالف بقيادة الولايات المتحدة يهدف إلى ردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

تعود العداوة بين الحوثيين وحكَّام البحرين إلى عقدٍ من الزمن على الأقل. وعلى الرغم من عُمْق هذا الخلاف، لا تريد طهران أن تحدِّد تلك الاضطرابات معالم سياستها الرسمية تجاه المنامة، ولا سيما في ضوء مساعيها الجيوسياسية العامة المتمثِّلة في الحد من التوترات مع دول الخليج العربي.

المشهد العام للعلاقات الإيرانية–البحرينية

في الوقت الحالي، لا تزال البحرين الدولة الوحيدة ذات الأغلبية العربية في منطقة الخليج التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران. فقد قطعت المنامة هذه العلاقات في كانون الثاني/يناير 2016، بعد أن أحرقت مجموعة مرتبطة بالنظام الإيراني السفارة السعودية في طهران. وقد أتى هذا الهجوم إثر إعدام السلطات في الرياض معارِضًا سعوديًّا شيعيًّا.

ومع أنَّ الجانبَيْن الإيراني والبحريني عقدا عدَّة اجتماعات رسمية على مرِّ العام الماضي، لم تستأنف المنامة بعد علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، حتى بعد تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران في آذار/مارس 2023. وفي هذا السياق، تبرز حقيقتان أساسيتان.

أوَّلًا، ما من علاقة ودِّية حقيقية بين النظام الإسلامي الشيعي في طهران وأسرة آل خليفة السنية الحاكمة في البحرين، على الرغم من أنَّهما يتبادلان المجاملات الدبلوماسية في مناسبات نادرة. وربما وصلت هذه العلاقة إلى أدنى مستوياتها في العام 2011، عندما اندلعت الاحتجاجات في البحرين وطلب بعض نشطاء المعارضة الشيعة الدعم من المرشد الأوَّل الإيراني آية الله علي خامنئي.

وفي أكثر من مناسبة، شملَ الخامنئي شعب البحرين مع الفلسطينيِّين واليمنيِّين في حديثه عن المسلمين المضطَهَدين الذين يستحقُّون دعم إيران وتدخلها. وقد اعتبرت المنامة هذا الموقف تحديدًا، أي اعتقاد إيران أنَّها مُلزَمة بالتدخُّل في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة، السبب الرئيسي وراء التوترات بين البحرين والنظام الإيراني.

أمّا الحقيقة الثانية، فهي أنَّ طهران تواجه سلسلة من القرارات الصعبة. فمع أنَّها استثمرت، على مرِّ السنين،  في دعم عدَّة جماعات عربية مُسلَّحة ومعارضة، بما فيها الجماعات في البحرين، باتت طهران تركِّز اليوم على تنمية العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والجيوسياسية مع كل الدول العربية الكبرى، بما فيها المملكة السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتَّحدة.

وقد أدركت القيادة في طهران أنَّ الدعم العلني للجماعات العربية المعارِضة يشكِّل عائقًا أمام السلام الحقيقي بين إيران ودول الخليج العربي، كما أنَّها تعلم جيِّدًا أن عدم الاستقرار في البحرين يشكِّل مصدر قلق بالنسبة إلى السعودية. فأيُّ اضطراب في البحرين يمكن أن ينتشر بسرعة إلى المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، حيث تتركَّز الأقلية الشيعية. وعليه، من الواضح أنَّ الصمت الإيراني في ملفّ البحرين يهدف إلى إرضاء السعودية بدلًا من التقرُّب من أسرة آل خليفة في المنامة.

مع ذلك كلِّه، لم تُظهر إيران حتى الآن إرادة جدِّيةً في التخلِّي عن دورها كراعية للجماعات الإسلامية العربية، على الأقل من وجهة نظر معظم الدول العربية الخليجية. ويؤثِّر ذلك سلبًا ليس فقط على العلاقة الإيرانية-البحرينية، بل على العلاقة بين طهران والرياض، حتَّى بعد المصالحة الرسمية بينهما في آذار/مارس 2023.

تَعتَبِر النخبة الحاكمة في البحرين أنَّ قضية إيران حسَّاسة للغاية. فغالبًا ما يعبِّر الإسلاميون البحرينيون الذين يعيشون في إيران عن دعمهم لـ"محور المقاومة"، وهو تحالف غير رسمي تقوده إيران ويهدف إلى تقويض دور الولايات المتَّحدة في الشرق الأوسط وتفكيك النظام السياسي الإقليمي القائم.

والواقع أنَّ أغلبية السكان في البحرين ينتمون إلى الطائفة الشيعية – ولو أنَّ كثيرين منهم يعارضون مفهوم الإسلام السياسي الذي تمارسه طهران، كما أنَّ إيران لم تتخلَّ سوى مؤخرًا، في آذار/مارس 1970، عن مطالبها الإقليمية في جزيرة البحرين. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف البحرين قوات عسكرية أمريكية وبريطانية، وقد وقَّعت على اتِّفاقيات إبراهيم مع إسرائيل في العام 2020. كلّ هذه العوامل تعطي المنامة أسبابًا وجيهة لتخشى عداء النظام الإسلامي في إيران.

إلَّا أنَّ إيران لا تُظهر حاليًا أي نيَّةٍ للتصعيد ضدَّ البحرين. فقد تقبَّلت إيران عمليًّا العلاقات الأمنية الوثيقة التي تربط البحرين بالولايات المتَّحدة والعلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل، ولم تُصدِر أيَّ تصريح بشأن قرار البحرين بالانضمام إلى التحالف البحري بقيادة الولايات المتّحدة لمحاربة الحوثيين. ومن المؤشرات الأخرى في السياق نفسه أنَّ طهران أعلنت في كانون الأول/ديسمبر الماضي أنَّ البحرين ستكون من ضمن 33 دولة لم يعد مواطنوها بحاجة إلى تأشيرة لدخول إيران.

وقد أعلنت الجمهورية الإسلامية أنَّ سياسة الإعفاء من التأشيرات لدول الخليج تأتي في إطار جهودها لتوسيع العلاقات والتعاون، وبخاصة تعزيز العلاقات بين الشعوب. ويبقى التحدِّي الأكبر أمام السلطة البحرينية التعامل مع الانفراج المُحتَمَل مع طهران من دون إفساح المجال للنظام الإيراني للتلاعب بتوازن القوى السياسية الدقيق داخل البحرين أو إثارة مخاوف لدى حلفاء البحرين الاستراتيجيِّين في الغرب.

 

أليكس فاتانكا هو مدير برنامج إيران وزميل أوَّل في برنامج البحر الأسود في معهد الشرق الأوسط.

 

 

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك