MEI

إسرائيل بحاجة إلى هدف نهائي لهجومها البري على غزة

أكتوبر 18, 2023

بول شام


مشاركة

شبَّه كثيرون هجوم حركة "حماس" العنيف المُباغِت على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر بهجمات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتّحدة الأمريكية. كذلك، فإنّ انفجار المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/أكتوبر، الذي أودى بحياة المئات من سكّان غزّة، يذكِّرنا بحادثة تاريخية شبيهة ذات تبعاتٍ كبرى، ألا وهي ردّ إسرائيل على نيران "حزب الله" وقصفها لمجمَّعٍ يقع تحت حماية قوّات الأمم المتّحدة بقذيفة هاون طائشة خلال عمليّتها البرّية في لبنان في العام 1996، ما تسبّب بمقتل ما يزيد عن 90 امرأة وطفلًا. أوقفَ ذلك الانفجار العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان، التي ساهم فشلها بفوز بنيامين نتنياهو على رئيس الوزراء في ذلك الوقت شمعون بيريز خلال انتخابات أيّار/مايو 1996.

لم يشكّك أحدٌ آنذاك بأنّ قذيفة الهاون كانت إسرائيلية المصدر، ولكنّ الرأي العام العربي وفي الكثير من دول العالم كان متيقّنًا من أنّ إسرائيل تعمّدت قصف المجمَّع. بالنسبة إليَّ، كشخص ليس خبيرًا في الصواريخ ويقيم في بلد يبعدُ حوالي 10 آلاف كيلومترٍ عن غزّة، تبدو لي الرواية الإسرائيلية القائلة إنَّ الانفجار ناجمٌ عن فشل صاروخ أطلقته حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" أصاب المستشفى في 17 تشرين الأول/أكتوبر، رواية منطقية. ولكنْ، بغضّ النظر عن أيّ دليلٍ جنائي قد يقدّمه الجيش الإسرائيلي، من غير المُرجَّح أن يخفّف ذلك من الغضب الشديد والمتنامي في العالم العربي إزاء القصف الإسرائيلي لغزّة. ومن غير المرجّح أن يكون لهذا الغضب أي أثرٍ يُذكر على حملة إسرائيل، التي تستمدّ زخمها من غضبٍ مشابه في إسرائيل حيال اعتداء "حماس" واحتجازها للرهائن في غزّة حتى الآن، علمًا أنّ عددهم بات يُقدَّر بـ 199 شخصًا على الأقلّ.

مهمّة خطيرة

حشدت إسرائيل 360,000 جندي احتياط، في أضخم عملية تعبئة للجنود منذ اجتياح لبنان في العام 1982، تحضيرًا للغزو البرّي الواسع لقطاع لغزّة. لكنّ إسرائيل تجازف بإلحاق خسائر غير مسبوقة في صفوفها وبإثارة إداناتٍ صارخة من العالم العربي ومن الغرب في حال استمرَّ سقوط الضحايا الفلسطينيّين، الذين تخطّى عددهم الثلاثة آلاف بحسب التقارير. كذلك، فإنّ الأثر على الدول العربية وعلى الخيارات التي قد يتّخذها كلٌّ من إيران و"حزب الله" لناحية فتح جبهة ثانية عند حدود إسرائيل الشمالية قد يتوقّف على إقدام إسرائيل على شنّ حملة برّية. ويعكس قرار إدارة بايدن إرسال حاملتَيْ طائرات مع مجموعتيهما القتاليّتَيْن إلى شرق البحر المتوسط بوضوح مخاوف الولايات المتحدة وإمكانية تدخُّلها العسكري. وفيما أعلنت الولايات المتّحدة أنّها أرسلت حاملتَي الطائرات لردع "حزب الله" وإيران عن التدخُّل في النزاع، يبقى احتمال فشل هذا الرادع وارِدًا، ويمكن عندها الافتراض أنّ هذه القوّات الأمريكية ستدعم إسرائيل على اعتراض الصواريخ والقذائف الموجَّهة البالغ عددها 150 ألفًا التي يوجّهها "حزب الله" نحو إسرائيل من جنوب لبنان بحسب التقارير.

إنّ المزاعم التي غالبًا ما تكرّرها إسرائيل بأنّها مضطرّة للقضاء على قدرات "حماس" القتاليّة لحماية نفسها، غيرُ مقنعةٍ. فكان يجدر بنُظُم الإنذار الفعّالة مع اعتمادٍ أقلّ على أجهزة الاستشعار المتطوّرة أن تمنع هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر؛ في حين، لا يمكن لثعلبٍ أن يغادر غزّة من دون أن تتعقبّه إسرائيل. لكنّ هاجس إسرائيل الرئيسي هو فقدان أقوى سلاحٍ في ترسانتها، أي قدرتها على الردع، وذلك لا يقلّ أهمية عن هدفها المُعلَن، وحتى ولو انطوى بالأحرى على جوانب معنويّة. فأعداء إسرائيل، كما أصدقاؤها الجدُد في العالم العربي، قد بنوا تحالفاتهم، أقلّه جزئيًّا، بناءً على تصوّرهم أنّ إسرائيل قوّة عسكرية فتّاكة يمكن الاعتماد على قدراتها المبتكرة وقسوتها وعزيمتها، إلى جانب كفاءتها بالطبع. وبالتالي، فإنّ إسرائيل اليوم مضطرّة إلى الشروع في مهمّة خطيرة لكي تُثبِت قدرتها على تدمير قدرات "حماس" الهجومية على الأقل بشكل مُقنِع، وأن تُظهِر في الوقت نفسه أنّها تراعي قوانين الحرب للعالم العربي، الذي لا يثق بها على الإطلاق، وللغرب الأكثر تعاطفًا معها إلى حدٍّ ما، في الوقت الراهن على الأقلّ. وستتطلّب إدارة الحرب الإعلامية المستوى نفسه من المهارات كما إدارة العمليات القتاليّة ميدانيًّا.

"نُحارِب الآن، ونحقِّق لاحقًا"

وبالإضافة إلى الغرب والدول المجاوِرة لإسرائيل في المنطقة، يتعيّن على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يأخذ في الاعتبار عاملاً آخرَ يُحتمل أن يزيد من النقمة عليه، وهو الرأي العام الإسرائيلي. فتشهد إسرائيل منذ تسعة أشهر تظاهراتٍ أسبوعيةً حاشدةً يؤكّد فيها المحتجّون أنّ مشروع الحكومة للإصلاح القضائي يشكّل انقلابًا على الديمقراطية، وبالتالي تلقَّت شعبيّة نتنياهو ضربة قاسية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر بوقتٍ طويل. لكنّ ذلك كلّه لا يساوي قطرة في بحر السخط الإسرائيلي الحالي، كون الكثير من الأشخاص فقدوا أقرباء أو أصدقاء في ذلك اليوم، ناهيك عن كلِّ الذين يعرفون أشخاصًا فقدوا أحبّاءهم.

يحمِّل الكثيرُ من الإسرائيليّين العاديّين الحكومة مسؤولية الفشل الاستخباراتي الفادِح، والفشل العملياتي الذي لا يقلّ خطورة، معتبرين أنّ الحكومة لم تسعَ سوى لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة، ورفضت مرارًا وتكرارًا الاستماع إلى المسؤولين الأمنيّين الذين اعتبرتهم مُعارضين لخطّها السياسي، وركّزت بشكل مُفرط على الوضع المضطرِب في الضفّة الغربية بدلاً من غزّة. ولا يخفى على أحد أنّ أهم وزيرَيْن في الحكومة، وهما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش (وهو أيضًا وزير إضافي في وزارة الدفاع مسؤول عن الضفّة الغربية)، يبذلان أقصى جهودهما لزيادة عدد المستوطنين وتوفير الحماية لهم. ولهذه الغاية، نُقلت ثلاث كتائب من الجيش الإسرائيلي المتمركزة على حدود غزّة عادةً إلى الضفّة الغربية قُبيل هجوم "حماس".

في أعقاب كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر، هناك إجماع على شعار "نُحارِب الآن، ونحقِّق لاحقًا". حتّى إنّ نتنياهو، وبالرغم من تكبّره واعتداده المفرط بنفسه، يُدرك أنّ مسيرته السياسية ستنتهي على الأرجح في مرحلةٍ ما بعد الحرب، وستتلطّخ معها سُمعته التي سعى جاهِدًا إلى بنائها كحامي أمن إسرائيل، والتي أرادَ أن تشكّل الركيزة الأساسية لإرثه السياسي على المدى البعيد، إلى جانب التطبيع المأمول مع السعودية. أمّا الآن، وبعدما بات الكثيرون يلومونه لعدم تأهُّب إسرائيل، فأقصى ما يمكن أن يطمح إليه هو أن تأتي كُتُب التاريخ على ذكره في حاشية ختامية لكونه أدار هذه الحرب بجدارة على الأقلّ. وفي حال نجح في تحقيق ذلك، سيتوجّب عليه أن يتشارك أي مديح قد يحصل عليه مع غريمه المكروه، الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، الذي يعمل معه حاليًا ضمن حكومة الحرب المصغَّرة التي شُكِّلت حديثًا، مُتجاوِزًا عمليًّا شركاءه في الائتلاف اليميني المتطرِّف الذين فقدوا مصداقيتهم. فضلًا عن ذلك، تُبيّن كارثة المستشفى الأهلي في غزّة، حتّى ولو لم تكن إسرائيل مسؤولة عنها، استحالة التنبّؤ في مسار الحروب العنيفة من هذا النوع، وأنّ الولايات المتّحدة، وبالرغم من دعمها الكامل لإسرائيل على ما يبدو، قد تسحب البساط من تحت إسرائيل قبل أن تشعر الأخيرة بأنّها قد أنجزت مهمّتها بالكامل.

خطر التصعيد والأهداف المتغيّرة

يتمثّل الخطر الأعظم الذي قد يترتّب عن هذه العملية، إلى جانب تفاقم الكارثة الإنسانية، في احتمال اندلاع حرب إقليمية متعدّدة الجبهات. تشهد الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تبادلًا لإطلاق النار والصواريخ من كلا الجانبَيْن، تزايدت وتيرته في الأيام الأخيرة. وقد أشار مراسل صحيفة "هآرتس" العسكري عموس هاريل إلى أنّ "إسرائيل كانت لتشنّ حملة عسكرية شاملة ردًّا على هجمات حزب الله تلك لو أنّ الظروف عادية". وأضاف هاريل أنّ "حزب الله" يحاول ردع إسرائيل عن مهاجمة غزّة، في حين تصبّ إسرائيل كامل تركيزها على القطاع.

تراوحت أهداف إسرائيل المُعلَنة من حملتها العسكرية في غزّة بين "تدمير" حركة "حماس" أو "قطع رأسها"، أو ببساطة القضاء على التهديد الذي تشكّله. تتّسم كافّة هذه التصريحات بالغموض، ويبقى قرار إعلان النصر في يد إسرائيل وقتما تريد، إلا في حال إغفالها منصّة صواريخ تبدأ بإطلاق الرشقات نحوها فجأة. وإذا افترضنا أنّه يمكن تصوير الخسائر التي تتكبّدها إسرائيل وأعداد الضحايا من المدنيين الغزاويين بأنها "غير مفرطة" –وهو مصطلح حمّال أوجه بالطبع– تبقى إسرائيل ممسكة بزمام المبادرة على هذا الصعيد إلى حدٍّ بعيد.

في المرحلة المُقبِلة، ستتمثَّل المهمَّة الأصعب بالنسبة لإسرائيل أنْ تقرِّر كيفيَّة إدارة غزّة ما إن ترى أنّها قد أتمّت مهمتها. يمكن الافتراض أنّه لا يمكن بقاء السلطة في يد أي جهة مرتبطة بحكومة "حماس". ولكن، بعد 16 عامًا على تسلُّم "حماس" مقاليد السلطة، من الصعب إيجاد جهة أخرى تملك الخبرة أو المصداقية اللازمتَيْن، إن لم نقُل الموثوقية السياسية من وجهة نظر إسرائيل، لقيادة حكومة فعّالة، مهما كان شكلها. قد تبدو السلطة الفلسطينية الخيار البديهي، ولكنّها اليوم في أسوأ حالاتها منذ ثلاثة عقود، علمًا أنها تأسّست في الأصل كهيئة "مؤقتة". لا بل إنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 87 عامًا، بات في سنته الثامنة عشرة من ولاية يُفترَض أن تكون مدّتها أربع سنوات، وهناك إجماع على أنّ قيادته غير فعّالة وبالكاد تحظى بأيّ شعبيّة. ومن المُستبعَد جدًّا أن تقبل مصر أو أي دولة عربية أخرى أو حتّى الأمم المتحدة بممارسة وصاية من أيّ نوع كان على قطاع غزّة بعد انتهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية. وآخر ما تريده إسرائيل هو تولّي إدارة غزّة بنفسها، إذ سيعيدها ذلك إلى وضع العام 2005، عندما سحبَ رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون الجيش الإسرائيلي و8,000 مستوطن من القطاع.

الخيار الأفضل، ولكنْ الأقل ترجيحًا، هو أن تستغلَّ إسرائيل هذه الفرصة التي وُلِدَت من رحم الكارثة الحالية، لتتخلّص من الأعباء المتبقية من حقبة حرب الأيام الستّة في العام 1967 وتُزيل وصمة الاحتلال عن نفسها نهائيًّا. ولكن، مع أنّ حكومة اليمين المتطرِّف فقدت مصداقيتها، من الصعب جدًّا أن تتّبع إسرائيل نهجًا مُعاكِسًا تمامًا وتحقّق ما عجز عنه اليسار الإسرائيلي (المترهّل اليوم) طول عقود. المسار طويل والقرارات كثيرة حتى نبلغ تلك الفرضيّات، ولا يمكن التخمين كيف ستنتشل إسرائيل نفسها من الحرب الدائرة في غزّة وتستحصِل على ضمانات كافية بأنّ "حماس" لن تشكّل خطرًا على إسرائيل مجددًا. ومن المرجَّح أن يكون الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن قد أوضحا لنظرائهما الإسرائيليّين خلال محادثاتهما التحدّيات التي تقِف عثرة أمام إحداث تغيير سياسي.

بول شام أستاذ محاضر في قسم الدراسات الإسرائيلية والمدير السابق لمعهد غيلدنهورن للدراسات الإسرائيلية في جامعة ماريلاند وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط.

الصورة: غيل كوهين ماغن / وكالة فرانس برس بواسطة صور "غيتي"

Read in English

معهد الشرق الأوسط مؤسّسة مستقلّة وحياديّة وتعليمية لا تبغي الربح. لا يشارك المعهد في أنشطة المناصرة، وآراء الباحثين لا تعبّر عن آراء المعهد. يرحّب معهد الشرق الأوسط بالتبرّعات المالية، لكنّه يحتفظ بالحقوق التحريرية الحصرية في أعماله، كما أنّ المنشورات الصادرة عنه لا تعبّر سوى عن آراء كتّابها. يرجى زيارة هذا الرابط للاطّلاع على لائحة بالجهات المانحة لمعهد الشرق الأوسط.

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك